الدرس العاشر: الموت وحقيقته

الموت حقيقة لا مفرَّ منها:

إن الموت هو حقيقة لا مفرَّ منها ولا مهرب وكل إنسان يُذعن بأن مصيره إلى التراب في اخر المطاف ولكن كثيراً من الناس يتعاملون مع الموت معاملة الشك مع أنهم لا يرتابون فيه، يقول الإمام الصادق (ع): "ما خلق اللَّه عزَّ وجلّ‏َ يقيناً لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"(1) وتضافرت الآيات الكريمة التي تتحدث عن حتمية الموت وأن اللَّه تعالى هو الواحد الباقي يقول تعالى: ﴿كُلّ‏ُ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت﴾(2).

﴿كُلّ‏ُ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ءوَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾(3).

﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُون﴾(4).

لا ملجأ من أمر اللَّه:

لكل أمة ونفس جعل اللَّه سبحانه وتعالى أجلاً وإذا جاء الأجل لا يمكن الهروب منه يقول تعالى: ﴿وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقّ‏ِ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيد﴾(5).

ويقول تعالى: ﴿وَلِكُلّ‏ِ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُون﴾(6).

ويحدثنا القرآن الكريم عن أولئك الذين يفرُّون من الموت ماذا أصابهم يقول تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ﴾(7).

ويقول تعالى: ﴿أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَة﴾(8).

ويقول تعالى في سورة الجمعة: ﴿قُلْ إِنّ‏َ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ﴾(9).

حقيقة الموت:

الموت ليس زوالاً وانعداماً للإنسان بل هو الحياة الحقيقية لأن الإنسان خلق في هذه الدنيا ليبقى ويتكامل لا لينعدم ويزول يقول النبي (ص): "ما خلقتم للفناء بل خلقتم للبقاء وإنما تنقلون من دار إلى دار"(10).

إنما هي الأرواح باقية حية في عالم آخر وفي دار غير هذه الدار وإن كل ما حصل بالموت هو أن الأرواح فارقت الأبدان، يقول تعالى: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنّ‏َ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون﴾(11).

وقد سُئل الإمام الحسن (ع) ما الموت الذي جهلوه؟ فقال (ع): "أعظم سرور على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد"(12).

ويقول النبي (ص): "الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر والموت جسر هؤلاء إلى جنانهم وجسر هؤلاء إلى جحيمهم"(13).

من يقبض الأرواح:

إن الآيات الواردة في هذا المجال على ثلاثة أقسام:

الأول: أن اللَّه تعالى هو الذي يقبض الأرواح، يقول تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا﴾(14).

الثاني: أن الذي يتولى ذلك الملائكة لقوله تعالى: ﴿حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾(15) ويقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِين﴾(16).

الثالث: أن الذي يتولى ذلك ملك الموت: ﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ﴾(17).

ويشرح الإمام الصادق (ع) هذه الآيات المباركة، عندما سُئِل عنها قال (ع): "إن اللَّه تبارك وتعالى جعل لملك الموت أعواناً من الملائكة يقبضون الأرواح، بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الأنس يبعثهم في حوائجه، فتتوفاهم الملائكة ويتوفاهم ملك الموت منهم مع ما يقبض هو ويتوفاها اللَّه عزَّ وجلّ‏َ من ملك الموت"(18).

لماذا الخوف من الموت:

إن للموت صورة مريعة عند عامة الناس، وإن لهذا الخوف منشأ ولم يأتِ من فراغ وبلا سبب. ويمكن تلخيص أسباب الخوف بالأمور التالية:

1-الجهل بحقيقة الموت وما ينتظر الإنسان بعد الموت، فلو عرف الإنسان حقيقة الموت وأنه ليس انعداماً وإنما هو قنطرة تعبر بنا من عالم إلى عالم وأن الحياة الحقيقية هي في الآخرة، لو علم الإنسان ذلك وكان من المؤمنين المطيعين فبالطبع سيزول عنده الخوف من الموت، لأن الموت هو مخلوق من قبل اللَّه تعالى كما أن الحياة مخلوقة كما عبّر اللَّه تعالى عنه وهذا التعبير يعني الإيجاد وليس الانعدام يقول تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾(19).

2-ارتكاب الذنوب في عالم الدنيا: فإن الإنسان إذا قصَّر في واجباته وارتكب الذنوب والآثام ولم يطهِّر نفسه فإنه حتماً سيكره الموت ويخاف منه لأنه يخاف أن ينتقل من نعيم إلى جحيم يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنّ‏َ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(20).

أما عن حال المؤمنين يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون﴾(21).

3-عمران الدنيا ونسيان الآخرة والتكاثر والتفاخر بالمال والبنين، يقول تعالى:

﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنّ‏َ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾(22) ويقول تعالى: ﴿ألهكم التكاثر حتى زرتم المقابر﴾(23).

وروي أن رجلاً جاء إلى رسول اللَّه (ص) فقال يا رسول اللَّه ما لي لا أحب الموت، فقال: ألك مال قال: نعم، قال (ص): قد قدَّمته، قال: لا، قال‏ا: فمن ثم لا تحب الموت(24).

وقيل لأبي ذر رضوان الله تعالى عليه: ما بالنا نكره الموت، فقال: لأنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة فتكرهون أن تنتقلوا عن عمران إلى خراب(25).

حال المؤمنين والظالمين عند سكرات الموت:

إن حال المؤمنين لا يشبه حال الظالمين عند حلول الموت وسكراته لأن نتائج أعمالهم واعتقاداتهم سوف تظهر تدريجياً في هذه اللحظة وتبدأ الحسرة والندامة أو الفرح والسرور.

حال الظالمين:

يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ بَلَى إِنّ‏َ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين﴾(26).

توضح هذه الآية المباركة حال الظالمين كيف أنهم حتى عند الموت لم يكونوا خاضعين للَّه تعالى وكذبوا ونفوا أنهم كانوا يعملون السوء لذا أتى في ذيل الآية الكريمة ﴿بَلَى إِنّ‏َ اللّهَ عَلِيم﴾ ثم أمر بهم إلى النار.

ويقول تعالى: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُم﴾(27).

فالآية تبيِّن حالهم عند الموت بأن الملائكة تستقبلهم بالضرب على وجوههم وأدبارهم.

حال المؤمنين:

في قبال حال الظالمين يأتي المشهد الآخر وهو حال المؤمنين الذين يستقبلون الموت بكل اطمئنان يقول تعالى: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾(28) وعندئذٍ ينادي منادٍ من قبل رب العزة من بطنان العرش يقول: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * إرْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ءفَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾(29).

خلاصة الدرس

الموت حقيقة لا مفرَّ منها ولا مهرب وكل إنسان يذعن أن مسيره إلى التراب ولكن كثيراً من الناس يتعاملون معه معاملة الريب والشك.

الموت ليس زوالاً وانعداماً للإنسان بل هو الحياة الحقيقية لأن الإنسان خلق في هذه الدنيا ليبقى ويتكامل لا لينعدم ويزول.

الآيات الواردة حول من يقبض الأرواح على ثلاثة أقسام:

1-إن اللَّه تعالى هو الذي يقبض الأرواح.

2-الذي يتولى ذلك الملائكة.

3-إن الذي يتولى ذلك ملك الموت.

إن للموت صورة مريعة عند عامة الناس وإن لذلك أسبابه ومناشئه.

للحفظ

سُئل الإمام الحسن (ع): "ما الموت الذي جهلوه؟ فقال (ع): أعظم سرور على المؤمنين إذا نقلوا عن دار النكد إلى نعيم الأبد، وأعظم ثبور يرد على الكافرين إذا نُقلوا عن جنتهم إلى نار لا تبيد ولا تنفد".

أسئلة حول الدرس

1-ما هي حقيقة الموت؟

2-لماذا يخاف الناس من الموت؟

3-من يتكفل بقبض الأرواح؟

4-كيف يكون حال الظالمين عند الموت؟

5-كيف يكون حال المؤمنين عند الموت؟


1- من لا يحضره الفقيه، ج‏1، ص‏195.

2- العنكبوت: 97-57.

3- الرحمن: 26.

4- الزمر: 30.

5- ق: 19.

6- الأعراف: 34.

7- البقرة: 243.

8- النساء: 78.

9- الجمعة: 8.

10- شرح أصول الكافي، ج‏6، ص‏70.

11- آل عمران: 169.

12- حق اليقين، ج‏2، ص‏89.

13- نفس المصدر السابق.

14- الزمر: 42.

15- الأنعام: 61.

16- النحل: 32.

17- السجدة: 11.

18- الذكرى (الشهيد الأول)، ص‏37.

19- الملك: 2.

20- النحل: 28.

21- النحل: 32.

22- الأنفال: 28.

23- التكاثر: 1 2.

24- حق اليقين، ج‏2، ص‏89.

25- نفس المصدر السابق.

26- النحل: 28 29.

27- محمد: 27.

28- النحل: 32.

29- حق اليقين، ج‏2، ص‏95 - الفجر: 29-30.