الدرس الثامن: النبوة الخاصة

مقدمة:

لقد بعث آلاف الأنبياء عليهم السلام في مراحل تاريخية مختلفة وأماكن مختلفة من العالم وقاموا بمهامهم خير قيام في هداية البشرية وتربيتهم وتقوية معتقداتهم وقيمهم، ودعوا إلى التوحيد والعدل، وتميَّز من بينهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام بأن أنزل اللَّه عليهم كتباً سماويَّة مشتملة على الأحكام والقوانين الفردية والاجتماعية والتعاليم والوظائف الأخلاقية والقانونية الملائمة لظروفها الزمانية. ولكن هذه الكتب تعرّضت للتحريف ومنها ما اختفى وعاش الناس في ضلال لأنهم باتوا يأخذون دينهم من رهبانهم وأحبارهم وكتبهم مع ما فيها من تحريف، وأساطير، وتشويه صورة الأنبياء، والنيل من مقام الربوبية، وتحريم ما أحل اللَّه، وتجويز ما حرَّم، فلم يعد أي دور يذكر لهداية البشر حيث غاص العالم كله في القرن السادس الميلادي في الظلام والجهل والظلم وخمدت مشاعل الهداية الإلهية وفي ذلك الوقت بعث اللَّه سبحانه وتعالى خاتم الأنبياء وأفضلهم في أكثر المناطق تخلُّفاً وانحطاطاً وظلماً وجهالةً أرسله إلى البشر كافة ليحمل لهم الكتاب الإلهي الخالد ليهديهم إلى سبيل الرشاد ويعلمهم المعارف الحقيقية ويقود البشر إلى السعادة الدنيوية والأخروية.

يقول تعالى: ﴿لَقَدْ مَنّ‏َ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾(1).

ويقول تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾(2).

الدليل على نبوة نبي الإسلام (ص):

إثبات نبوة أي نبي يتم من خلال ثلاث طرق:

الأول: التعرف على سيرتهم وسلوكهم.

الثاني: إخبار الأنبياء السابقين.

الثالث: المعجزة.

وهذه الطرق الثلاث قد توفرَّت في نبوة نبي الإسلام محمد بن عبد اللَّه (ص).

أما الأول: فإن أهل مكة قد عاشروا الرسول (ص) أربعين عاماً ولم يجدوا خلالها عثرة من العثرات وأي ضعف في حياته، بل كانت حياته مضيئة بالنور والعطاء وكان يُشار إليه بالبنان، وبالتواضع والزهد والصدق والأمانة حيث لقَّبوه بالصادق الأمين، وكان مثال مكارم الأخلاق حتى نعته اللَّه تعالى بقوله: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾(3).

وأما الثاني: فقد أخبر وبشَّر الأنبياء السابقون بنبوته وبعثته (ص) وقد كان ينتظر ظهوره جماعة من أهل الكتاب وكانوا يعرفون بعض العلامات الواضحة والبيّنة عليه، وكانوا يقولون للمشركين من العرب بأنه سيبعث بالرسالة أحد أبناء إسماعيل (ع) يصدّق بالأنبياء السابقين وقد امن به بعض علماء اليهود والنصارى اعتماداً على تلك البشائر.

يقول تعالى في كتابه الكريم على لسان عيسى (ع): ﴿وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيّ‏َ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ ﴾(4).

ويقول سبحانه: ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيّ‏َ الأُمِّيّ‏َ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ...﴾(5).

ويقول تعالى على لسان إبراهيم (ع): ﴿رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِم﴾(6).

إن معرفة علماء بني إسرائيل بنبي الإسلام (ص) استناداً إلى بشارات الأنبياء السابقين تُعدُّ دليلاً واضحاً على صحة نبوته (ص) وحجة مقنعة لأهل الكتاب ولغيرهم لمشاهدتهم صدق وحصول هذه البشارات.

أما الطريق الثالث: المعجزة

إن الناس كانوا يطلبون المعجزة من الأنبياء عند إدعائهم النبوة كما حدثنا القرآن الكريم عن قوم نبي اللَّه صالح (ع): ﴿مَا أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾(7) وقد يخبر النبي عن تسلُّحه بالمعجزة ابتداءً كما حصل مع نبي اللَّه موسى (ع) مخاطباً فرعون: ﴿حَقِيقٌ عَلَى أَن لاَّ أَقُولَ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقّ‏َ قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُم﴾(8).

وكذلك حدث مع النبي عيسى (ع) كما في قوله تعالى: ﴿وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِايَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾(9).

معجزات نبي الإسلام (ص):

إن معجزات رسول اللَّه (ص) أكثر من أن تحصى بل إن جميع أقواله وأفعاله وأحواله وأخلاقه وأوصافه هي معجزات باهرات وآيات ظاهرات. ومن المعجزات المذكورة في القرآن الكريم:

1- شقّ له القمر بمكة عندما طلبت قريش منه آية كما أخبر القرآن الكريم ﴿اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقّ‏َ الْقَمَرُ وَإِن يَرَوْا ايَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِر﴾(10).

2- رمى الجيش بقبضة من تراب فعميت عيونهم ونزل في ذلك قوله تعالى: ﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ‏َ اللّهَ رَمَى﴾(11).

القرآن المعجزة الخالدة:

القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي أعلن أنه لا يمكن لأحدٍ الإتيان بمثله حتى لو اجتمعت الإنس والجن، أو حتى بعشر سورٍ أو سورة واحدة يقول تعالى: ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنّ‏ُ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا القرآن لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا﴾(12) ويقول تعالى: ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾(13) ويقول تعالى: ﴿فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِين﴾(14).

ثم إن عدم الاستجابة لهذا التحدي لهو دليل على إعجازه وتصديق لنبوة صاحبه (ص).

وجوه إعجازه: يوجد وجوه عديدة لإعجاز هذا الكتاب العظيم منها:

1- أنه مع كونه مؤلفاً من هذه الحروف الهجائية المحدودة عجز البشر عن الإتيان بمثله.

2- فرادة الأسلوب وأعجوبة النظم وليس له شبيه في كتب الشعراء والبلغاء والفصحاء.

3- عدم الاختلاف والتناقض فيه ولو كان من عند غير اللَّه لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً.

يقول تعالى: ﴿أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القرآن وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا﴾(15).

4- اشتماله على الآداب الكريمة والشرائع القويمة ونظام العباد والبلاد والمعاد.

5- اشتماله على ما كان مخفياً من الأخبار الماضية والأزمنة الغابرة كقصص (أصحاب الكهف وسبأ وذي القرنين والخضر).

6- اشتماله على الأمور المستقبلية: "كغلبة الروم" في قوله تعالى: ﴿غُلِبَتِ الرُّومُ ءفِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾(16).

7- أنه مع كل وجوه إعجازه صدر من إنسان أمي لم يكن قارئاً ولا كاتباً.

النبوة الخاتمة:

إن الدين الإسلامي هو الدين الخالد، ودعوته شاملة وعامة غير محددة بمنطقة وغير مختصة بقوم، ويؤيد ذلك الرسائل التي كان يبعثها الرسول (ص) للرؤساء والملوك والحكام أمثال قيصر الروم وكسرى الفرس وحكام مصر والشام والحبشة ورؤساء القبائل المختلفة، حيث دعاهم جميعاً لاعتناق الإسلام، ويدل على ذلك أيضاً أن خطابات الآيات القرآنية متوجهة للناس جميعاً في الغالب مثل: "يا أيها الناس" "يا بني ادم" "يا أهل الكتاب" "رحمة للعالمين" "وما أرسلناك إلا كافة للناس"(17)، ﴿لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه﴾(18).

وهذه الرسالة هي خاتمة الرسالات السماوية يقول تعالى في كتابه الكريم: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّين﴾(19).

الآية المباركة تدل على أن النبي الأكرم هو خاتم الأنبياء أي أن سلسلة النبوة تنتهي بنبوته (ص) هذا بالإضافة إلى كثير من الروايات الدالة على ذلك، كقوله (ص): "أيها الناس إنه لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم"(20).

وقوله (ص) لعلي (ع): "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه ليس بعدي نبي"(21).

خلاصة الدرس

تميّز من بين الأنبياء نوح وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام بما أنزل اللَّه عليهم من الكتب السماوية المشتملة على الأحكام والقوانين ولكن هذه الكتب تعرضت للتحريف ومنها اختفى تماماً وغاص العالم كله في الظلام والجهل حينها بعث اللَّه خاتم الأنبياء (ص) في أكثر المناطق تخلّفاً وانحطاطاً وظلماً، للناس كافة ورحمة للعالمين.

الدليل على نبوة النبي محمد (ص) هو سيرته وسلوكه، إخبار الأنبياء السابقين عنه والمعجزة الخالدة.

معجزاته (ص) أكثر من أن تحصى.

القرآن الكريم هو الكتاب السماوي الوحيد الذي أعلن أنه لا يمكن لأحد الإتيان بمثله أو بجزء منه.

للحفظ

يقول تعالى: ﴿لَقَدْ مَنّ‏َ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾.

أسئلة حول الدرس

1-في أي بيئة وجو بعث النبي محمد (ص)؟

2-ما هو الدليل على نبوة نبي الإسلام (ص)؟

3-كيف كان سلوكه (ص) مع أهل مكة؟

4-ما هي معجزة النبي محمد (ص) وما هو وجه الإعجاز فيها؟

5-ما هو الدليل على أن الإسلام خاتم الديانات وأن النبي محمد (ص) هو خاتم الأنبياء عليهم السلام؟


1- آل عمران: 164.

2- الجمعة: 2.

3- القلم: 4.

4- الصف: 60.

5- الأعراف: 157.

6- البقرة: 129.

7- الشعراء: 154.

8- الأعراف: 105 - 106.

9- آل عمران: 49.

10- القمر: 1-2.

11- الأنفال: 17.

12- الإسراء: 88.

13- هود: 13.

14- يونس: 38.

15- النساء: 82.

16- الروم: 2- 3.

17- سبأ: 28.

18- التوبة: 33 - الفتح: 28 - الصف: 9.

19- الأحزاب: 40.

20- وسائل الشيعة، ج‏1، ص‏15.

21- المصدر السابق نفسه.