للمطالعة (فلسفة الشرور والآفات)

البلاء للأولياء:

إن اللَّه إذا خصّ عبداً من عباده بلطف منه فهو يجعله عُرضة للشدائد. والجملة المشهورة "البلاء للولاء" تبيّن هذا الموضوع.

وقد جاء في حديث عن الإمام الباقر (ع): "إن اللَّه عزَّ وجلّ‏َ ليتعاهد المؤمن بالبلاء كما يتعاهد الرجل أهله بالهدية من الغيبة"(1).

وجاء في حديث آخر عن الإمام الصادق (ع): "إن اللَّه إذا أحب عبداً غتّه بالبلاء غتّاً"(2).

فكما أن مربي السباحة حين يأتيه من يحب تعلمها فهو يحمله على المحاولة وبذل الجهد ليصبح مروّضاً ومتعلماً للسباحة، فاللَّه سبحانه حين يحب عبداً ويريد أن يوصله إلى كماله فإنه يغرقه في البلاء. ولو قرأ الإنسان كتاباً عن السباحة دون نزوله إلى الماء لا يمسي سباحاً، ولكنه يتعلم السباحة عندما يجد طريقه إلى الماء ويجرّب الصراع ضد الغرق وأحياناً يواجه خطر الغرق عندما يتحرك بعيداً عن الشاطئ.

فلا بد أن يرى الإنسان في دنياه الشدائد حتى يتعلم طريق التخلص منها، ولا بد أن يواجه الصعوبات حتى ينضج ويتكامل.

وكتب بعضهم عن لون من الطيور أنه عندما يبزغ الريش على جناح طفله الوليد ولكي يعلمه الطيران فهو يخرجه من الوكر إلى الفضاء الطلق ويخلي سبيله هناك، فيضطر الحيوان الصغير لحركات غير منظمة ويضرب بجناحه حتى يصاب بالتعب ويوشك على السقوط وعندئذ تقترب الأم الحنون منه وتمسك به وتحمله على ظهرها لترفع عنه النصب، وعندما ترى الراحة قد عادت إليه تطلقه في الفضاء وتجبره على المحاولة حتى يصاب بالتعب مرة أخرى فتمسكه وتكرر هذا العمل مرات ومرات حتى يخرج الطفل وقد تعلم الطيران.


1- بحار الأنوار، الجزء 15، القسم الأول، ص‏56، منقول عن الكافي، الطبعة الحجرية.

2- بحار الأنوار، الجزء 15، القسم الأول، ص‏55، منقول عن الكافي، الطبعة الحجرية.