الدرس السادس: فلسفة الشرور والآفات

مقدمة:

من المسائل المتعلقة بمبحث العدل مسألة (الشرور والآفات) والتي كانت محل تساؤل منذ القدم وهي أنه تعالى إذا كان عادلاً لا يظلم مثقال ذرة، فلماذا وجدت البلاءات والمصائب والآفات التي ظاهرها الشَّر في العالم؟ لماذا الاختلاف في الخلق، شخص جميل وآخر قبيح أو طويل وقصير والبعض فقراء والبعض أغنياء وغير ذلك مما يتراءى لنا أنه نقص وعيب وشرٌّ وما إلى ذلك؟

ونجيب على هذه المسائل بذكر الآيات التي تبيّن فلسفة الشرور والآفات:

1-توهم الشر والخير:

إن الإنسان باعتبار ضعفه وجهله قد يتوهم ما غايته خير شراً وما نهايته شر خيراً، فينظر إلى ظواهر الأمور وبداياتها ولا ينظر إلى عمقها ونهاياتها وهذا ما يشير إليه قوله تعالى: ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون﴾(1).

فما يراه الإنسان أو ما يشعر به ليس هو دائماً المعيار الحقيقي لفهم المصلحة الحقيقية للفرد والمجتمع، فرب شي‏ء نحبه وفيه شر كثير على صعيد الفرد أو المجتمع أو الأمة، وكذلك رب شي‏ء نكرهه وفيه المصلحة الكبرى للفرد أو الأمة واللَّه تعالى هو المحيط بخفايا الأمور ولا يستطيع البشر مهما بلغ وعيهم وفطنتهم إلا أن يفهموا جانباً من تلك الخفايا والمصالح البعيدة في الأحكام، فعلى المؤمن أن يعتقد أن كل الأحكام الصادرة من اللَّه تعالى هي لصالحه، تشريعية كانت كالصلاة والصوم والجهاد والزكاة، أم تكوينية كالموت والبلاءات والاختلاف في الخلقة والألوان، ويجب أن يصل إلى مرحلة التسليم للَّه تعالى حيث يقول: ﴿ثُمّ‏َ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا﴾(2) لأن ما توصل إليه الإنسان من العلوم والاكتشافات لأسرار هذا الكون إنما هو النزر اليسير يقول تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾(3).

ويؤكد القرآن الكريم هذه المسألة في قوله تعالى: ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾(4).

فإن الكثير من الآلام هي في واقعها خير والإنسان أخطأ عندما اعتبرها شراً، فملاك وحقيقة الخيرية وعدمها ليس بموافقتها للرغبات.

وذكر القرآن الكريم صورة أخرى معاكسة وهي أن الشيء قد يكون بالنظر السطحي خيراً ولكنه في الواقع شر وبلاء وفتنة وسبب لسوء العاقبة، يقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنّ‏َ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُم﴾(5).

ويقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنّ‏َ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾(6).

2-المصائب والابتلاءات:

أساس المصائب:

إنّ‏َ المصائب الفردية والاجتماعية التي تصيب البشر هي وليدة سوء الاستفادة من الحرية والاختيار، يقول تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾(7).

ويقول تعالى: ﴿مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِك﴾(8).

ولو اتبع أهل الدنيا القوانين الإلهية لاختزلوا في حياتهم كثيراً من الآلام والبلاءات لذلك يقول تعالى: ﴿وَلَوْ أَنّ‏َ أَهْلَ الْقُرَى امَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾(9).

فاستفادة الإنسان من حريته بشكل سيِّئ نتيجتها الحتمية ستكون سيئة بالنسبة له أيضاً.

يقول تعالى: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾(10).

مصائب الكافرين:

هذا النوع من المصائب يعتبر في نظر القرآن الكريم عقاباً على كفرهم وفسادهم وانحرافهم كالطوفان الذي أخذ قوم نوح‏، والتيه الذي وقع فيه بنو إسرائيل عندما اتخذوا العجل إلهاً، أو العذاب الذي أصاب قوم إبراهيم ولوط؛، وكذلك عذاب عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان وغيرهم.

يقول تعالى: ﴿فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾(11).

وجزاء اللَّه سبحانه وتعالى وعقابه قد يكون عاجلاً وقد يكون أجلاً، وجعل لكل أمة موعداً يقول تعالى: ﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا﴾(12) واللَّه تعالى يستدرجهم ويمهلهم ليزدادوا إثماً حيث يقول تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنّ‏َ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْمًا وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾(13). ولكن فرحهم لن يدوم طويلاً وسيأتيهم العذاب بغتة لتبقى الحسرة في قلوبهم ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَة﴾(14).

ابتلاء المؤمنين:

البلاء هو امتحان واختبار:

الدنيا هي دار ممر وامتحان وبلاء واللَّه تعالى يختبر فيها الناس بالخير وبالشر ليجزي الصابرين والعاملين، يقول تعالى: ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَة﴾(15) ويقول تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا امَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ءوَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنّ‏َ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنّ‏َ الْكَاذِبِينَ﴾(16).

وفي حديث أن أمير المؤمنين (ع) مرض، فعاده قوم فقالوا: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟

قال (ع): أصبحت بشرّ.

قالوا: سبحان اللَّه هذا كلام مثلك؟!

فقال (ع): يقول تعالى ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون﴾(17) فالخير الصحة والغنى، والشر المرض والفقر ابتلاءاً واختباراً(18).

الابتلاء تأديب للمؤمن:

قد يكون ابتلاء المؤمن للتأديب والتذكر دائماً، لما في البلاءات من العبر والمواعظ، يقول الإمام الصادق (ع): "ما من مؤمن إلا وهو يذكَّر في كل أربعين يوماً ببلاء، إما في ماله أو في ولده أو في نفسه فيؤجر عليه، أو همّ‏ٌ لا يدري من أين هو"(19).

الابتلاء تطهير لذنوب المؤمن:

وقد يكون بلاء المؤمن تطهيراً لذنوبه، يقول الإمام الكاظم (ع): "للَّه في السراء نعمة التفضّل وفي الضراء نعمة التطهّر"(20) وعن رسول اللَّه (ص): "السُّقم يمحو الذنوب"(21).

ويقول أيضاً (ص): "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا أذى ولا هم حتى الهم يهمّه إلا كفّر اللَّه به خطاياه"(22).

الابتلاء رفع للدرجات:

عن الإمام الصادق (ع): "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، الأمثل فالأمثل". هناك نوع من البلاء يكون لرفع درجة الإنسان المؤمن في الآخرة، كالذي يتعرض له الأنبياء والأولياء، فهذا البلاء في الحقيقة هو رحمة سيجد المؤمن نتيجتها في الآخرة.

خلاصة الدرس

مسألة الشرور والآفات، لماذا وجدت، وهل هي موافقة لعدالة اللَّه تعالى، مسألة قد طرحت منذ القدم.

الإنسان لضعفه وجهله قد يتوهم ما غايته خير شراً وما نهايته شر خيراً، فينظر إلى ظواهر الأمور.

ما يراه الإنسان أو ما يشعر به ليس هو دائماً المعيار الحقيقي لفهم المصلحة الحقيقية.

إن المصائب الفردية والاجتماعية التي تصيب البشر هي وليدة سوء الاستفادة من الحرية والاختيار.

جزاء اللَّه تعالى وعقابه قد يكون عاجلاً وقد يكون أجلاً وجعل لكل أمة موعداً.

اللَّه تعالى يبتلي المؤمنين ليختبرهم بالخير والشر وليجزي الصالحين والصابرين.

للحفظ

في حديث أن أمير المؤمنين (ع): مرض فعاده قوم فقالوا: كيف أصبحت يا أمير المؤمنين؟

قال (ع): أصبحت بشرّ.

قالوا: سبحان اللَّه هذا كلام مثلك؟!

قال (ع): يقول تعالى ﴿وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُون﴾ فالخير الصحة والغنى، والشر المرض والفقر ابتلاءاً واختباراً.

أسئلة حول الدرس

1- لماذا يتوهم الإنسان الخير والشر؟

2- ما هو المعيار الحقيقي للخير والشر؟

3- من أين تأتي أكثر المصائب الفردية والاجتماعية؟

4- لماذا يصاب الكافرون بالمصائب؟

5- لماذا يصاب المؤمنون بالمصائب والبلاءات؟


1- البقرة: 216.

2- النساء: 65.

3- الإسراء: 85.

4- آل عمران: 157.

5- آل عمران: 180.

6- آل عمران: 178.

7- الشورى: 30.

8- النساء: 79.

9- الأعراف: 96.

10- الشورى: 30.

11- العنكبوت: 40.

12- الكهف: 59.

13- آل عمران: 178.

14- الأنعام: 44.

15- الأنبياء: 35.

16- العنكبوت: 2 - 3.

17- الأنبياء: 35.

18- الدعوات للراوندي، ص‏168.

19- بحار الأنوار، ج‏67، ص‏237.

20- نفس المصدر السابق، ج‏78، ص‏165.

21- نفس المصدر، ج‏67، ص‏244.

22- نفس المصدر، ج‏81، ص‏188.