الدرس الثالث: صفات الله تعالى

إن صفات اللَّه سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: الصفات الثبوتية والصفات السلبية.

الصفات الثبوتية: وهي كل صفة مثبتة لجمال وكمال في الموصوف فهي صفة ثبوتية أو صفة جمال وكمال وهي كثيرة لا تنحصر لأنه تعالى ثابت له كل كمال والخلو من الكمال نقص وكل نقص منفي عنه تعالى.

الصفات السلبية: وهي كل صفة تنفي عنه تعالى كل نقص لأن إثبات الكمال لا يكون إلا بنفي النقص، كما لا يتم إثبات الحق إلا بنفي الباطل، وتسمى هذه الصفات بصفات الجلال أيضاً.

والصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: الصفات الذاتية والصفات الفعلية.

أما الصفات الذاتية: فهي كل صفة منتزعة من نفس الذات كالعلم والحياة والقدرة.

والصفات الفعلية: هي كل صفة منتزعة من نوع علاقة اللَّه وارتباطه بالمخلوقات كالخالقية، والربوبية.

ونقصر الكلام هنا حول الصفات الثبوتية والسلبية حيث نذكر بعضاً من هذه الصفات وبعض الآيات الدالة عليها.

الصفات الثبوتية:

وهي عديدة منها:

1-العلم: إن اللَّه تعالى عليم حكيم لأنه خالق كل شي‏ء وخلقه على وجه الحكمة والإتقان ولا يمكن أن يصدر هذا الإتقان إلا عن عالمٍ حكيمٍ وعلمه واسع شاملٌ لكل شي‏ء.

يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ بِكُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ ﴾(1) ويقول تعالى: ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ ﴾(2).

وقوله أيضاً: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه...﴾(3).

وقوله تعالى: ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيات وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾(4).

وقوله تعالى: ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾(5).

ويقول تعالى: ﴿قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْض﴾(6).

ومما قدّمنا من الآيات تقف على حقيقة سعة علم اللَّه تعالى، فهو عليم بكل شي‏ء لا يخفى عليه شي‏ء، عالم بالغيب والشهادة، بما مضى وما يأتي، بالسرِّ وأخفى، وبكلّ‏ِ جزئيات هذا الكون.

ويقول تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(7).

هذه الآية المباركة تتحدث عن علمه تعالى، فالذي خلق القلوب يعلم ما تكنّ فيها من أسرار، والذي خلق عباده لا يجهل أسرارهم، والذي خلق عالم الوجود جميعاً عارف ومطّلع على جميع أسراره، لأن المخلوقات تكون دائماً تحت رعاية خالقها وأنه أعرف شي‏ء بها، فإدراك هذه العلاقة القائمة بين الخالق والمخلوق هو أفضل دليل على علم الخالق بالمخلوقات في كل زمان ومكان.

وإلى ذلك يشير أمير المؤمنين (ع): "لا يعزب عنه عدد قطر السماء، ولا نجومها ولا سوافي الريح في الهواء، ولا دبيب النمل على الصّفا، ولا مقيل الذَّر في الليلة الظلماء، يعلم مساقط الأوراق، وخفيّ‏َ الأحداق"(8).

وقال (ع): "قد علم السرائر، وخبر الضمائر، له الإحاطة بكل شي‏ء"(9).

وقد وصف نفسه في الكتاب الكريم بالسميع البصير فقد جاء ذكر السميع 41 مرة وذكر البصير 42 مرة، ولكن سمعه وبصره سبحانه وتعالى ليس بجارحة أوعضو يسمع ويرى بهما لأنه ليس كمثله شي‏ء بل ترجع هاتان الصفتان إلى العلم، فإنه تعالى عالم بالمسموعات والمبصرات. ووصف تعالى بهما نفسه ليوقف الناس بأنه تعالى يعلم ما يفعلونه يسمعهم ويراهم ويراقبهم في السِّر والخفاء وسيحاسبهم على كل ما يفعلونه.

يقول تعالى: ﴿أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(10) ويقول سبحانه: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَاعْلَمُواْ أَنّ‏َ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(11) ويقول تعالى: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾(12) ويقول جلّ وعلا: ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنّ‏َ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾(13).

2-القدرة: من صفاته سبحانه وتعالى أنه قادر وأن قدرته عامة لكل شي‏ء وهو تعالى مختار في فعله إن شاء فعل وإن شاء ترك ففعله تعالى يكون بإرادته واختياره. وهذا الكون شاهد على عظيم قدرته.

يقول تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ قَدِيراً﴾(14) ويقول سبحانه: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلّ‏ِ شَيْ‏ءٍ مُّقْتَدِرًا﴾(15) ويقول أيضاً: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْ‏ءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرا﴾(16).

لأن خالق هذا الكون بما فيه من الكواكب والمجرات والسماوات والأرض مع هذه الدقة العظيمة والرائعة في الخلق وفي النظام المتناهي في الدقة والتناسق وكذلك خلق الإنسان وتطوره وتكامله ونشأته، من خلق إلى خلق ﴿فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾(17).

واللَّه تعالى لعن اليهود في كتابه لأنهم قالوا بعدم قدرته تعالى وأن يده مغلولة، قال تعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء﴾(18).

3-الحياة: فهو تعالى الحي القديم الأزلي الأبدي السرمدي ليس مسبوقاً بعلة ولا يعتريه عدم وفناء، بل هو الأول بلا أول كان قبله، والاخر بلا اخر يكون بعده.

فاللَّه تعالى حي لأنه قادر وعالم وكل من هو كذلك فإنه حي وعندما تنتفي القدرة والعلم والشعور لم يعد هناك حياة وقد أثبتنا أن اللَّه تعالى قادر وعالم فيثبت بذلك أنه حي، يقول تعالى: ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيّ‏ِ الَّذِي لَا يَمُوتُ﴾(19).

ويقول الحيّ‏ُ القيّوم: ﴿اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيّ‏ُ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم﴾(20). إلى غير ذلك من الآيات الكريمة.

4-الإرادة: إنه تعالى مريد أي أنه تعالى يعلم متى يوجد الفعل على وجه المصلحة باختياره.

والدليل عليه: أن قدرته تعالى عامة لكل شي‏ء ولكنه خصص بعض الأفعال في أوقات دون أوقات وصفات دون صفات وذلك بإرادته واختياره وإلا لو لم يكن مريداً ومختاراً لوجدت كلها في وقت واحد.

يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾(21).

﴿يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾(22).

﴿وَلَكِنّ‏َ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيد﴾(23).

﴿إِنّ‏َ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيد﴾(24).

﴿إِنّ‏َ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾(25).

هذه بعض الصفات الثبوتية وبعض الأدلة عليها.

الصفات السلبية:

وهي عديدة منها:

1-أنه تعالى ليس بمركب: وإلا لو كان تعالى مركباً من أجزاء يكون مفتقراً إلى هذه الأجزاء ومحتاجاً إليها، ولكن اللَّه تعالى هو واحد أحد غني غير محتاج لا إلى غير ولا إلى أجزائه.

يقول تعالى: ﴿وَاللّهُ غَنِيّ‏ٌ حَلِيمٌ﴾(26).

﴿وَاعْلَمُواْ أَنّ‏َ اللّهَ غَنِيّ‏ٌ حَمِيدٌ﴾(27).

﴿فَإِنّ‏َ الله غَنِيّ‏ٌ عَنِ الْعَالَمِين﴾(28).

﴿وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيّ‏ٌ حَمِيدٌ﴾(29).

2-أنه تعالى ليس بجسم: وإلا لو كان تعالى جسماً لافتقر إلى المكان وقلنا إن اللَّه تعالى غني غير محتاج إلى شي‏ء حتى المكان والزمان. وإن الآيات تؤكد بأنه تعالى ليس كمثله شي‏ء، يقول تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير﴾(30).

3-أنه تعالى لا يُرى بالأبصار: يستحيل عليه تعالى الرؤية البصرية لأنه من يُرى بالبصر لا بد أن يكون موجوداً في جهة ومكان فيكون جسماً ونحن نفينا عنه تعالى الجسمية وكونه محتاجاً إلى شي‏ء.

يقول تعالى: حينما سأله موسى (ع) الرؤية ﴿قَالَ رَبّ‏ِ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي﴾(31).

ويقول تعالى: ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾(32).

ورد في كتاب التوحيد عن الأصبغ بن نباتة عن أمير المؤمنين (ع) حينما سأله رجل يُدعى ذعُلب وقال له يا أمير المؤمنين هل رأيت ربَّك: قال (ع): ويلك يا ذعُلب لم أكن بالذي أعبد ربَّاً لم أره، فقال كيف رأيته صفه لنا؟ قال (ع): ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان(33).

4-ليس بمحتاج من صفاته تعالى أنه غني وليس بمحتاج إلى غيره لا في ذاته ولا في صفاته لأنه لو كان محتاجاً إلى غير لم يعد واجباً بل أصبح ممكناً وقد ذكرنا الآيات التي تتحدث عن غناه تعالى في الصفة الأولى التي فيها ﴿وَاللّهُ غَنِيّ‏ٌ حَلِيم﴾(34).

وقوله تعالى: ﴿فَإِنّ‏َ الله غَنِيّ‏ٌ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾(35).

الأفول والغروب يدلان على الفقر والاحتياج ووجود مسخِّر

يقول تعالى في قصة النبي إبراهيم (ع): ﴿وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنّ‏َ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبّ‏ُ الافِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنّ‏َ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾(36) هناك تفاسير عديدة لما استدل به النبي إبراهيم (ع)

منها: لما كان الهدف من اتخاذ الرب وصول المخلوق إلى الكمال المطلوب، لذلك ينبغي أن يكون هذا الرب قريباً من مربوبيه عالماً بأحوالهم مطلعاً على احتياجاتهم، أما ذلك الموجود الذي يختفي في بعض الأوقات ويأفل ويغيب، فهو حتماً ناقص محتاج إلى من يظهره.

هذه بعض الصفات الثبوتية والسلبية لأنه كما قلنا لا يمكن إحصاؤها لأن القاعدة تقول إن كل صفة تثبت للَّه تعالى الكمال والجمال هي صفة ثبوتية وكل صفة تنفي عن اللَّه تعالى نقصاً وحاجة هي صفة سلبية وجلالية.

﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ﴾(37).

خلاصة الدرس

صفات اللَّه سبحانه وتعالى تنقسم إلى قسمين: الصفات الثبوتية والصفات السلبية.

الصفات الثبوتية: هي كل صفة مثبتة لجمال وكمال في الموصوف.

الصفات السلبية: هي كل صفة تنفي عن الموصوف كل نقص.

الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: الصفات الذاتية والصفات الفعلية.

من الصفات الثبوتية: العلم، القدرة، الحياة، الإرادة.

من الصفات السلبية: أنه تعالى ليس بمركب، ليس بجسم، لا يُرى بالأبصار، ليس بمحتاج.

للحفظ

ورد عن أمير المؤمنين (ع): "لا يعزب عنه عدد قطر السماء، ولا نجومها ولا سواقي الريح في الهواء، ولا دبيب النمل على الصفا، ولا مقيل الذَّر في الليلة الظلماء، يعلم مساقط الأوراق وخفيّ‏َ الأحداق".

أسئلة حول الدرس

1-إلى كم قسم تنقسم صفات اللَّه تعالى؟

2-ما هو الفرق بين الصفات الثبوتية والصفات السلبية؟

3-ما هو الفرق بين الصفات الفعلية والصفات الذاتية؟

4-عدّد بعض الصفات الثبوتية وبعض الصفات السلبية؟

5-كيف استدل إبراهيم (ع) على وجود مسخِّر لهذا الكون؟


1- البقرة: 282.

2- النساء: 12.

3- ق: 16.

4- النور: 18.

5- سورةالأنعام: 59.

6- آل عمران: 29.

7- الملك: 14.

8- نهج البلاغة، خطبة 178.

9- نهج البلاغة، خطبة 86.

10- البقرة: 224.

11- البقرة: 244.

12- الحديد: 4.

13- المجادلة: 1.

14- الأحزاب: 27.

15- الكهف: 45.

16- فاطر: 44.

17- المؤمنون: 14.

18- المائدة: 64.

19- الفرقان: 58.

20- البقرة: 255.

21- يس: 82.

22- البقرة: .185.

23- البقرة: 253.

24- المائدة: 1.

25- هود: 107.

26- البقرة: 263.

27- البقرة: 267.

28- آل عمران: 97.

29- التغابن: 6.

30- الشورى: 11.

31- الأعراف: 143.

32- الأنعام: 103.

33- الإرشاد، ج‏1، ص‏225.

34- البقرة: 263.

35- آل عمران: 97.

36- الأنعام: 75-79.

37- الرحمن: 27.