الدرس الثاني: المسؤوليَّة في الحياة الزوجيَّة

يقول الله تعالى في محكم كتابه:

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾(1) 

المودّة والرحمة

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ أي: جعل لكم من شكل أنفسكم "أزواجاً".

وإنّما منَّ سبحانه علينا بذلك، لأنّ الشكل إلى الشكل أميل ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ أي: لتطمئنّوا إليها، وتألفوا بها، ويستأنس بعضكم ببعض. ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ يريد بين المرأة وزوجها، جعل سبحانه بينهما المودّة والرحمة، فهما يتوادّان ويتراحمان، وما شيء أحبّ إلى أحدهما من الآخر من غير رحم بينهما. والمودّة هي المحبّة الّتي تستتبع عملاً بمقتضاها ولا تقتصر على مجرّد الشعور القلبيّ، والرحمة: الشفقة. ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي: في خلق الأزواج مشاكلة للرجال لَآيَاتٍ أي: لدلالات واضحات ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في ذلك.

لأنّهم إذا تفكّروا في الأصول التكوينية الّتي تبعث الإنسان إلى بناء المجتمع من الذكورة والأنوثة الداعيتين إلى الاجتماع المنزليّ والمودّة والرحمة الباعثتين على الاجتماع المدنيّ والأنس ثمّ ما يترتّب على هذا الاجتماع من بقاء النوع واستكمال الإنسان في حياتيه الدنيا والأخرى، لعثروا من عجائب الآيات الإلهية في تدبير أمر هذا النوع على ما يبهر عقولهم ويدهش أحلامهم، فالإنسان يسدّ من خلال الزواج حاجات ودوافع فطرية منغرسة في حاقّ نفسه وأعماق فطرته، لا بُدّ له من قضائها وإلا يبقى في حالة اضطراب داخليّ وبحث باطنيّ عمّا يسدّها ولو كان بطرق غير إنسانية، فهذا في الواقع نفع دينيّ شخصيّ ومجتمعيّ، وهو أكبر مساعد على عفّة النظر وعفّة الفرج اللذين هما من أفضل العبادة.

لكي نتكلّم عن مقوّمات الحياة الزوجية إسلاميّاً وبالمنظار الإلهي لا بُدّ لنا أوّلاً أن نُلقي نظرة على كيفية نظرة الإسلام والقرآن لبناء البيت الزوجي والعلاقة الزوجية، إلى أيّ حدٍّ يُقدِّر ويحترم هذا البناء وهذه العلاقة؟

إنّ تقدير الإسلام للعلاقة الزوجية يُصنّف في أعلى درجات التقديس والاحترام وذلك من خلال عدّة أمور:

أوّلاً: نجد الآية القرآنية تجعل خلق الزوج لزوجه آيةً من آياته تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم﴾ إذاً هي أمر يُعطيه الخالق أهميّة مميّزة حيث جعله آية من آياته.

ثانياً: ختم الآية سبحانه وتعالى بقوله: ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ أي أكّد كون العلاقة الزوجية آية ودعا إلى التفكّر والتدبّر في مكتنفات هذه الآية لما لها من أبعاد لطيفة جديرة بأن تُستنبط عن طريق التفكّر.

ثالثاً: الرسول الأكرم (ص): "ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من التزويج"(2).

وهذا يؤكّد على أنّ الأبنية الكثيرة الّتي هي ضمن الإطار الإسلاميّ، بعضها أحبّ إلى الله تعالى من بعض وأحبّها على الإطلاق التزويج، وهذا من أعظم التعابير عن الأهمية والتقدير من قبل الله تعالى للبيت الزوجيّ!

وفي رواية عنه (ص):"ما استفاد امرؤ مسلم فائدة بعد الإسلام أفضل من زوجة مسلمة تسرّه إذا نظر إليها، وتُطيعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها في نفسها وماله"(3).

إذا كانت أهمية هذه المؤسّسة العائلية لهذا الحدّ، وهذه المرتبة السامية بالنظر الشرعيّ الإسلاميّ فلا بُدّ أن نعرف كمؤمنين متديّنين عظم المسؤولية فيها، وذلك من خلال عدّة أمور:

أ-المؤمن يُحبّ ما أحبّ الله، فإذا كان البناء الزوجيّ أحبّ الأبنية الإسلامية إلى الله، فالمؤمن لا بُدّ أن يُحبّه ويكون لديه من أحبّ المؤسّسات، وإذا كان كذلك فإنّه سيعتني به، ويُعطيه أهمية قصوى ليكون بناءً متيناً قويّاً ومحقِّقاً للأهداف الإلهية الّتي سنذكرها فيما سيأتي.

ب-سيكون حذراً دائماً من إلحاق أيّ ضرر بهذه المؤسّسة المحترمة غاية الاحترام لدى الله سبحانه وتعالى، لأنّه لو قصّر أو تهاون أو حقّر -لا سمح الله- هذا البناء فإنّه سيكون قد وضع ما رفعه الله، وحقّر ما عظّمه الله تعالى وهذا سيكون من المهلكات..!

كيف إذا رأيت أحداً يريد تخريب بناء مقدّس كالمسجد، فإنّك تعتبره خاطئاً بل مجرماً، فكذلك العلاقة الزوجية هي بناء محترم غاية الاحترام في الإسلام بل بنصّ الرواية: "ما بني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله من الترويج" فإنّ من أراد تخريبه وإلحاق الضرر به فإنّه سيكون قد ارتكب إحدى الموبقات.

وهذا طبعاً يُحمِّل المؤمن مسؤولية كبرى، كيف يرعى؟ كيف يحمي؟ كيف يكون حكيماً في معالجة الأمور الموهنة للحياة الزوجية؟ كيف يُعطي وقتاً ويبذل طاقة ويولي أهمية لهذه الحياة العائلية، ولا يكون مستصغراً لقدرها ولا متهاوناً بشأنها؟

وهذا بدوره يحتاج إلى علمٍ وحكمة وفنٍّ في التعامل ومهارة في التعاطي وتغافل عن السفائف والصغائر وتعقّل وتحمُّل وتصبُّر.

رابعاً: إنّ الله تعالى قد أمر الإنسان المكلَّف بأن يقي نفسه النار، وقرن هذا الأمر بأمرٍ آخر في نفس السياق وهو أمره بأن يقي أهله النار أيضاً، وهذا يعني تكليفاً إلزامياً وجوبياً يُحمِّل الإنسان الّذي يتّخذ أهلاً "من خلال بناء الأسرة والحياة الزوجية" مسؤولية عظمى تجاههم، وهذه المسؤولية الكبيرة شعر بها بعض المؤمنين بعد نزول الآية وعبّر عن ذلك للرسول (ص).

فعن أبي عبد الله (ع) قال: "لمّا نزلت هذه الآية ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾(4) جلس رجل من المؤمنين يبكي وقال: أنا عجزت عن نفسي وكُلّفت أهلي".

فقال رسول الله (ص):"حسبك أن تأمرهم بما تأمر به نفسك وتنهاهم عمّا تنهى عنه نفسك"(5).

وفي رواية عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (ع) في قوله: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾ قال (ع): "علِّموا أنفسكم وأهليكم الخير وأدّبوهم"(6).

فإذاً لاحظوا المسؤولية الملقاة على عواتق المؤمنين تجاه عوائلهم.

فعلى المؤمن أن يأمرهم بما يأمر به نفسه، وينهاهم عما ينهى عنه نفسه، يعني إذا رأيت ابنك يتكلّم كلام الفحش فتكليفك أن تنهاه، وإذا رأيته يُصاحب أصدقاء السوء فعليك أن تُبادر إلى نصيحته بالامتناع عن مصاحبة الفاسدين، وإذا رأيته يتهاون في صلاته فعليك أن تأمره بأداء الصلاة والاهتمام بأوقاتها وشرائطها، فإذا رأيته مثلاً لا يستيقظ لصلاة الفجر فعليك أن تُبادر إلى أمره بالاستيقاظ لأدائها، وكذلك عليك أن تنهاه عن الكذب والنميمة والغيبة والظلم والعقوق، ومُرْه بأضدادها، فإذاً القضيّة ليست بالسهولة الّتي نتصوّرها، بل هي مسؤوليّة دفعت بعض المؤمنين الّذين يستشعرون المسؤوليّة الرساليّة بكلّ أبعادها إلى أن يبكي.

وكذلك أمير المؤمنين (ع) يُحمِّلنا هذه المسؤولية بالبعد التعليميّ للخير "علّموا أنفسكم وأهليكم الخير". فلا تبخل على أهلك بالعلم الّذي تعلّمته، ولا تقل مللت من الكلام، ولا أجد عندي طاقة للحديث والموعظة، وتكفيني همومي المعيشية وهموم الحياة.

فهذا واجب عليك يأمرك به أمير المؤمنين (ع).

وبالبعد التأديبيّ "وأدّبوهم" أي اذكروا لهم الآداب وتابعوهم لكي يتحلّوا بها.فالتعليم ليس هو التأديب، فقد يلقي شخص المعلومة إلى آخر ويتلقّاها الآخر، إلا أنّه لا يعمل ولا يتخلّق بها، فهذا تعليم وليس تأديباً. فالتأديب هو تعليم وزيادة، هو تعليم الآخر الآداب ومتابعته بتكرارها والتذكير بها ومداومة الحثّ عليها حتّى تُصبح جزءاً ملتصقاً به تصدر تصرّفاته عنها فيكون مؤدّباً حينئذ.

وهذا قد يستدعي تنويعاً في الأساليب، وحشد الأمور الإقناعيّة، وتقريبها من فهمه وذهنه، وتحريك دوافعه الحسنة، وتشجيعه، وقد يستدعي بعض الأحيان الحزم، والتقريع، والتأنيب، إلى أن يصل الأمر إلى العقاب.

ما هو المنطلق للحياة الزوجية؟

إنّ المنطلق الأوّل والأساس هو الوصول إلى رضا الله تعالى والتقوى للنجاة من عذاب الله تعالى. هذا الضابط الأوّلي والمنطلق الأساس الّذي من خلاله تُبنى الحياة الزوجية وإليه ترجع وبه تنضبط. فكلٌّ من الرجل والمرأة عليه أن يكون همُّه قبل الزواج وبعد الزواج هو تحقيق ما يُريده الله عزّ وجلّ، وأن يحكّم تعاليم الشريعة في حياته مع الطرف الآخر، وأن يخاف الله تعالى من التجاوز أو التغطرس أو الظلم أو الاستضعاف أو الاحتيال لهدر حقوق الآخر أو خيانته. فهناك رسالة عائلية منبثقة من الدِّين الحنيف لا بُدّ من تحمُّلها بأحسن وجه والعمل على إنجاحها والوقوف سدّاً منيعاً في وجه إفشالها وإحباطها بقدر ما يسع الحال، يقول تعالى:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾(7).

فالإنسان يتزوّج لكي يُنفِّذ رغبة رسول الله (ص) الّذي أمر بالتزويج وجعله من سنّته ويؤسّس عائلة عنوانها الأساس تقوى الله في علاقاتها فيما بين أفرادها، الزوج مع الزوجة، والأب وألام مع الأولاد، والأولاد مع الوالدين، والأخ مع أخيه. كلّ هذه الصنوف من العلاقات يجب أن يحكمها قانون تقوى الله والطاعة له والخوف من مخالفته، وينبغي أن نتحمّل المسؤولية في ذلك على أكمل وجه.

مقوّمات الحياة الزوجية إسلامياً

وهناك مقوّمات أساس للوصول إلى الهدف المنشود دينياً من الحياة الزوجية:

1-السكينة والطمأنينة

"فكلّ واحد من الزوجين ناقص في نفسه مفتقر إلى الآخر ويحصل من المجموع "الزوج والزوجة" واحد تامّ من شأنه أن يلد وينسل. ولهذا النقص والافتقار يتحرّك الواحد منهما إلى الآخر حتّى إذا اتّصل به سكن إليه، لأنّ كلّ ناقص مشتاق إلى كماله وكلّ مفتقر مائل إلى ما يُزيل فقره، وهذا هو الشبق المودع في كلٍّ من هذين القرينين"(8).

فالأصل أن يسكن الزوج إلى زوجه، وهذا لا يكون إلا بالانسجام. فمن يطمع بالأنس بمن لا ينسجم معه يكون طامعاً في غير مطمع. وهذا يحتاج إلى رفع العوائق والمنفّرات الّتي تمنع من الانسجام. وهذا يُرجعنا إلى الشعور بالمسؤولية وعدم الاستهانة بالحياة الزوجية، سواء من قِبَل الزوج أو الزوجة، فالانسجام له أسبابه الموضوعية ولا يأتي هكذا من قدرة قادر.

فعلى كلٍّ من الرجل والمرأة أن يُسخّر وقتاً لفهم الآخر، فالأمزجة تختلف، والعادات، والمرتكزات، وأساليب مقاربة الأمور، وكيفية مواجهة الأحداث السارّة أو المحزنة.

والخلاصة: الانسجام الّذي يولّد السكن والاطمئنان والأنس له ثمن ولا يأتي بالمجّان.

2-المودّة

وهي المحبّة المصاحِبة للتعبير الفعليّ.

وأيضاً هذا الأمر لا يتحقّق إلا بالعمل الدؤوب المشتمل على الإحسان إلى الآخر والتضحية في سبيله، والتحمُّل منه، والموافقة، وعدم المنافرة، وعدم التعاكس المستمرّ، والعمل الدائب وبذل قصارى الوسع للوصول إلى الاتّفاق بأسرع وقت ممكن عند الاختلاف في الرأي وعدم إطالة فترة المنازعة والاختلاف، فإنّه مما يُمرض المودّة. فينبغي عدم تكثير التنازع وتكراره، فلا نستطيع أن ننفي الاختلاف في الآراء من رأس لأنّه أمر غير ممكن واقعاً، ولكن لا بُدّ من الذكاء والمهارة والفنّ في التعامل للتخطّي السريع والوصول إلى الاتّفاق بسرعة، ولا بُدّ من التغافل عن كثير من صغائر الأمور، فعن إمامنا الباقر (ع):

"صلاح حال التعايش والتعاشر ملء مكيال ثلثاه فطنة وثلثه تغافل"(9).

وتلاحظون هذه الأمور كم هي شاقّة، فيها جهاد للنفس الّذي هو الجهاد الأكبر.

3-الرحمة

من كلٍّ من الرجل والمرأة للآخر. ورحمة كلٍّ منهما لها مواردها الخاصة.

فالرجل يرحم المرأة:

إذا تسرّعت فيغفر لها، كما ورد في الحديث أنّ من حقّها عليه أن يغفر لها إذا جهلت.

ويرحم ضعفها إذا قصّرت في القيام ببعض حقوقه.

ويرحمها في مواطن حاجتها إليه.

والرحمة من لوازمها عدم القسوة والخشونة سواء في الكلام أم في المواقف، فإنّه من المؤسف أن نرى بعض الرجال يستعرض عضلاته، ويختبر قوّته في قبال زوجته.

والمرأة ترحم زوجها

عندما تراه منهكاً وتعباً من عناء العمل ومعاركة الحياة، تُبادر إلى التخفيف عنه.

وعندما تراه مهموماً لتكاليف الحياة الصعبة الّتي تثقل الكاهل.

وإذا قصّر في قضاء بعض حوائج المنزل لانشغاله في عمله والكدّ على معيشته ومعيشة كلّ العيال.

وإذا تعسّر عليه عمله وقصّر الإنتاج عن النفقة، تصبر عليه وترحمه ولا تعيّره ولا تجرح شعوره، بل تعينه وتشجّعه وتحثّه على القيام بما يُصلح شأن عمله.

وكلّ هذا يحتاج إلى توفيق من الله تعالى واستعانة به، ودعاء مستمرٍّ بنيّة مخلصة، لكي يجعل الله تعالى البركة في الحياة الزوجية، ويشمل الزوجين بألطافه لكي يقدرا على تحمُّل هذه المسؤولية.

لا تبدأ حياتك الزوجية بالحرام

لكي يُنزل الله تعالى البركة على البيت الزوجيّ يلزم من كلا الزوجين أن يتبعا تعاليم الشرع المبين الّتي توجب الرحمة من الله تعالى، أفلا نقول في الدعاء "اللّهمّ إنّي أسألك موجبات رحمتك" إذاً للرحمة موجبات ولنزول البركة موجبات، وللتوفيق بين الزوجين موجبات، وكذلك يوجد ما يمنع هذه المعاني كلّها، ويأتي بأضدادها، من الشؤم والنكد، وعدم المحبة والمودّة، وعدم الاتّفاق والانسجام...

والعاقل يتعرّض من بدء حياته الزوجية، من أوّل يوم، بل من أوّل خطوة يخطوها لنفحات الرحمن سبحانه، ولبركاته، وذلك من خلال القيام بالمستحبّات وترك المكروهات، والدعاء للتوفيق..

بينما الجاهل يبدأ من أوّل يوم في حياته الزوجية بالأعراس المحرّمة الّتي تشتمل على الغناء والموسيقى والرقص الّذي يتعدّى فيه الشرع المبين، وباللباس غير المحتشم للنساء مما لا تُسيغه مرتكزاتنا الدينية ولا أخلاقنا الإنسانية.

بالله عليكم أيّ موجبات رحمة يقوم بها مثل هذا.

وأيّ نفحات رحمانية وألطاف إلهية يتعرّض لها؟

وأيّ بركة من هذا الزواج يرجوها وهو يعصي الله تعالى جهاراً.

وفي الرواية: إنّ البيت الّذي يُسمع فيه الغناء لا تدخله الملائكة، ولا يُستجاب فيه الدعوة، ولا يأمن الفجيعة، وإنّ الغناء عشّ النفاق...إلى ما هنالك من مضامين تُشنّع على الغناء وسامعيه.

ويتذرّع الإنسان بكلمات واهية غالباً ينطق بها الشيطان عن لسانه، كأن يقول: هي ليلة في العمر وتمضي!

عجيب، يعني إذا كانت مرّة واحدة يجوز لي أن أعصي؟

وفي الرواية: "إذا هممت بمعصية فلا تفعلها لعلّ الله ينظر إليك ويقول لا أغفر لك أبداً".

وإذا كان هذا المنطق سليماً؛ فإذاً يستطيع العبد أن يعصي الله بكلّ المعاصي، ولكن يعصي بكلّ معصية مرّة واحدة والأمر يمضي، يقتل مرة واحدة، يزني مرة واحدة، يسرق مرة واحدة....

هل هذا منطق سليم؟!

أو يقول: إنّ أهل زوجتي، أو إنّ بعض أهلي يريدون أن يفرحوا لنا.

أو إنّ العرف جارٍ هكذا فلا نقدر على مخالفة التقليد.

أو إنّ الناس تعيب علينا وتقول إنّ عرسكم كان مثل مأتم.

أقول: المؤمن لا يفرح بالمعصية بل المعصية هي مأتم وعزاء له، ولا ينبغي لعاقل مؤمن أن تغلبه العادات والأعراف إذا كانت مخالفة لرضا الله تعالى.

ويمكن القيام بمظاهر الفرح، فإنّ الإسلام لم يمنع من الفرح بل أباحه وخصوصاً في الأعراس، غاية الأمر أن لا تُمارس المعاصي بحجّة الفرح.

وهل الفرح لا يكون إلا بمعصية الله؟! هناك أساليب شرعية تُعبّر خير تعبير عن الفرح والسرور.

نسأل الله التوفيق والرحمة والبركة في كلِّ شؤوننا.


1- سورة الروم، الآية: 21.

2- وسائل الشيعة، الحرّ العامليّ، ج 20، ص 15.

3- م.ن، ص 41.

4- سورة التحريم، الآية: 6.

5- الكافي، الشيخ الكلينيّ، ج 5، ص 62.

6- كنز العمّال، المتّقي الهندي، ج 2، ص 540.

7- سورة التحريم، الآية: 6.

8- تفسير الميزان، السيّد الطباطبائي، ج 16، ص 166.

9- بحار الأنوار، العلّامة المجلسيّ، ج 75، ص 241.