الدرس الثاني عشر: الإيمان واليقين

﴿أوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أعْلَمُ أنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾(1).

القصة

الآية تتحدث عن قصة نبي من الأنبياء والأشهر انه (العزير)، وقد خرج النبي فوصل إلى بلدة ورد في الروايات أنها بيت المقدس، وورد في روايات أخرى أنها القرية التي خرج منها الألوف حذر الموت، فقال لهم الله موتوا. وقد تعجب هذا النبي من أن أهل هذه القرية كيف يعودون إلى الحياة ثانية، فأماته الله، وبعثه بعد مائة عام، ولم يشعر ذلك الرجل بأنه مات لمائة عام. ولكن الله أخبره بما لبث وأراه أن طعامه الذي كان معه وهو (العنب، والتين، والعصير) وأن الإرادة الإلهية من أن يصاب بالتلف أو التغيير.

ومن لطف الله به أنه أراه عملية الإحياء بأم عينيه حيث أراه كيف تعود الحياة إلى حماره فجعل ينظر إلى العظام البالية المتفرقة تجتمع إليه، وإلى اللحم الذي قد أكلته السباع الذي يأتلف إلى العظام من هنا وهناك، وقام حماره.

الدروس المستفادة من هذه القصة

اليقين أعلى مراتب العلم.

ورد في العديد من الروايات أن الإيمان على درجات وان على الإنسان أن يستحث الخطى في طلب أعلى درجات الإيمان. والمطلوب من العلم هو أن يصل الإنسان إلى درجة اليقين.

وقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال لأبي بصير:"يا أبا محمد! الإسلام درجة، قال: قلت: نعم، قال: والإيمان على الإسلام درجة، قال: قلت: نعم، قال: والتقوى على الإيمان درجة، قال: قلت: نعم، قال: واليقين على التقوى درجة، قال: قلت: نعم، قال: فما أوتي الناس أقل من اليقين، وإنما تمسكتم بأدنى الإسلام، فإياكم أن ينفلت من أيديكم"(2) .

إذاً هناك فرق بين الإيمان وبين اليقين وهذا الفرق يشبه الفرق بين قولك: سمعت وقولك: رأيت. وقد ورد في رواية عن رسول الله (ص) بيان هذا الفارق بينهما مستشهداً بقصة موسى (ع):" ليس الخبر كالمعاينة، إن الله تعالى أخبر موسى بما صنع قومه في العجل فلم يلق الألواح، فلما عاين ما صنعوا ألقى الألواح فانكسرت"(3).

علامات أهل اليقين

أما كيف يصل الإنسان إلى أن يصبح من أهل اليقين، هذا ما تدل عليه الروايات حيث وردت ببيان بعض العلامات التي يحملها أهل اليقين، وهذه العلامات تنعكس على حياتهم ويوميات هذه الحياة، فقد ورد في الرواية عن رسول الله (ص): "أما علامة الموقن فستة"(4) هذه العلامات التي سنوردها ضمن العناوين التالية:

1-أيقن بالله حقا فآمن به

وهذا اليقين بالله عز وجل يتمثل بأن يرى الإنسان الله، فإذا رأى الله لم يعصه، وذلك كما لو كنت أمام من يكون مسؤولا عنك وله الولاية عليك فإنك لن تقدم على مخالفته، أو أن يعلم بأن الله يراه فلا يقدم على مخالفته أيضا، وهذا ما نطقت به الرواية عن الإمام الصادق (ع):"خف الله كأنك تراه، فإن كنت لا تراه فإنه يراك، فإن كنت ترى أنه لا يراك فقد كفرت، وإن كنت تعلم أنه يراك ثم استترت عن المخلوقين بالمعاصي وبرزت له بها فقد جعلته في حد أهون الناظرين إليك"(5).

2-أيقن بأن الموت حق فحذره

يصف أمير المؤمنين (ع) الموت بأفضل وصف يقول:"ما خلق الله يقينا لا شك فيه أشبه بشك لا يقين فيه من الموت"(6).

فالناس كافة تتيقن بالموت، وتعلم انها سوف تموت، ولكنها تنسى ذلك، وقد ورد عنهم (ع): «كفى بالموت واعظا"، وأهل اليقين هم أولى بالاتعاظ به.

3-وأيقن بأن البعث حق فخاف الفضيحة

إنه الخوف من اليوم الذي تكون فيه الفضيحة على رؤوس الإشهاد، وقد ورد في الدعاء عن الإمام السجاد:"وارحم... إذا نشرت للحساب بين يديك ذل موقفي واغفر لي ما خفي على الآدميين من عملي وأدم لي ما به سترتني".

4-وأيقن بأن الجنة حق فاشتاق إليها

والجنة على أنواع فمن الناس من يرغب بما يسمّى جنة الأعمال، وهي صور أداء العبادات، وهي نصيب من كان يعمل للحور والقصور، ومن الناس من يرغب بما يسمّى جنة الصفات، وهي نصيب من كان يعمل لأجل تهذيب نفسه وترويض روحه ومن الناس من يرغب بما يسمّى جنة الذات حيث يكون المطلوب هو العلم بالله والمعارف الإلهية، ولذا نقرأ في دعاء كميل:"هبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك".

5-وأيقن بأن النار حق فظهر سعيه للنجاة منها

هي صفة المتقين التي وردت في نهج البلاغة في خطبة المتقين قال (ع): وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون. قلوبهم محزونة... وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم فهم حانون على أوساطهم، مفترشون لجباههم، وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله تعالى في فكاك رقابهم.

6-وأيقن بأن الحساب حق فحاسب نفسه

من مقتضيات الطبيعة الإنسانية الغفلة عن كثير من الأمور، ولذا من يعمل بالتجارة إلى تدوين كل ما له وما عليه، ليؤدي ما عليه ويطالب بما له، وهذا ما يسمى اليوم بعلم المحاسبة، والمؤمن هو الذي يتعامل بهذا النحو في أمور دينه فيؤدي ما عليه ويطالب بما له، ولذا ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع):"حق على كل مسلم يعرفنا أن يعرض عمله في كل يوم وليلة على نفسه، فيكون محاسب نفسه، فإن رأى حسنة استزاد منها، وإن رأى سيئة استغفر منها لئلا يخزى يوم القيامة"(7).

العلم المطلوب من الجميع

يقسم العلماء العلوم إلى قسمين:

العلوم الدنيوية، والتي يكون الهدف منها الوصول إلى الأغراض الدنيوية، وتأمين حاجات الإنسان الحياتية، وهذه يتعلمها الإنسان بمقدار تأمين حاجاته التي تختلف من شخص إلى آخر بحسب التوجه وفرص العمل.

والعلوم الأخروية والتي يكون الهدف منها الوصول إلى المراتب الأخروية، حيث ينبغي على الجميع تحصيلها. ويرى علماء الأخلاق أن الروايات التي حثت على طلب العلم أرادت به علم الآخرة.

يقول الإمام الخميني: "إن جميع العلوم الأخروية لا تخرج عن إطار الحالات الثلاث: إما من قبيل العلم بالله والمعارف الإلهية، أو من قبيل علم تهذيب النفس والسلوك إلى الله، أو من قبيل علم الآداب وسنن العبودية".

وهذا العلم الذي طلبه العزير في دعائه هو علم الآخرة، لأنه طلب الإيمان بأمر يرتبط بالله عز وجل ولغرض الآخرة لا الدنيا.

خلاصة الدرس

1-إن على الإنسان أن يسعى دائماً لتحصيل اليقين، وأن لا يكتفي بأدنى درجات الإيمان، بل يواظب على تحصيل المعرفة.

2-علامات أهل اليقين بحسب ما ورد في الروايات: الإيمان بالله، الحذر من الموت، الإيمان بالبعث وخوف الفضيحة، الإيمان بالجنة والشوق إليها والإيمان بالنار والخوف منها، ومحاسبة النفس.

3-العلم المطلوب من الجميع هو ما يسمّى بعلم الآخرة والذي يطلب فيه نيل المراتب الأخروية.

أسئلة حول الدرس

1 ? ما الفرق بين الإيمان واليقين؟

2 ? أذكر ثلاثاً من علامات الموقنين.

3 ? ما الفرق بين العلوم الدنيوية والأخروية؟

للمطالعة

يقول الإمام الخميني:

أيها العزيز، إن العلاج كل العلاج فيما إذا أراد الإنسان أن يكون علمه إلهيا فعليه عندما يدرس أي علم شاء أن يبادر إلى مجاهدة النفس، ويسعى بواسطة الرياضة الروحانية، في سبيل تخليص نيته. فإن المنقذ الأٍساسي، ومصدر الفيض، تخليص النية، والنية الخالصة"من أخلص لله أربعين صباحا جرت ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه" فهذه فوائد وآثار الإخلاص في أربعين يوما. فأنت عندما بذلت الجهد أربعين عاما في سبيل تجميع المصطلحات والمفاهيم العلمية، واعتبرت نفسك علّامة من جنود الله، ولكن لم تجد أثرا للحكمة في قلبك ولا طعما لها في لسانك، فاعلم بأن دراستك وتعبك لم يقترنا بالإخلاص بل إنما اجتهدت للشيطان والرغبات النفسية... وعلى أي حال أيها العزيز أنت محتاج في جميع العوالم: عالم البرزخ وعالم القبر وعالم القيامة ودرجاتها إلى المعارف الإلهية الحقّة والعلوم الحقيقية والخلق الحسن والأعمال الصالحة. (الأربعون حديثا) ص359 الحديث الرابع والعشرون.


1- البقرة 259.

2- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص52.

3- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 4، ص3715.

4- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 4، ص3717.

5- الشيخ الكليني، الكافي، ج 2، ص 68.

6- الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، ص 194.

7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 279.