الدرس العاشر: قرين السوء

﴿إِلَّا عِبَادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ أوْلَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَّعْلُومٌ فَوَاكِهُ وَهُم مُّكْرَمُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ عَلَى سُرُرٍ مُّتَقَابِلِينَ يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ كَأنَّهُنَّ بَيْضٌ مَّكْنُونٌ فَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ يَقُولُ أئِنَّكَ لَمِنْ الْمُصَدِّقِينَ أئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أئِنَّا لَمَدِينُونَ قَالَ هَلْ أنتُم مُّطَّلِعُونَ فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاء الْجَحِيمِ قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدتَّ لَتُرْدِينِ وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلْ الْعَامِلُونَ﴾(1).

قصة الآية

الآية الكريمة تتحدث عما سيحدث في يوم القيامة من حوار يدور بين أهل الجنة، ومن ثم يدخل في الحوار طرف ثالث وهو القرين أي الصاحب، وقد ذكر المفسرون

1-أن هذا الشخص وقرينه هما عبارة عن صديقين كان لكل واحد منهما ثروة كبيرة وكان أحدهما ممن ينفق في سبيل الله وأما الآخر فلم يكن يؤمن بالآخرة، فكان لا ينفق من ماله شيئاً، وبعد مدّة أصيب صاحب الصدقات بالفقر ف-أخذ صديقه المنكر للمعاد يسخر منه، واللقاء الثاني بينهما كان في ما تحكي عنه الآية فبعد قيام القيامة، يجلس عباد الله المخلصون الذين استعرضت الآيات السابقة النعم المادية والمعنوية التي أغدقت عليهم، كالفاكهة، والحور، والأصدقاء الطيبين الذين يجالسونهم، وفجأة خطر في ذهن أحدهم أمر، فالتفت إلى أصحابه قائلاً: لقد كان لي صديق في الدنيا، ومع الأسف، فإنه انحرف عن الطريق الصحيح، وصار منكراً ليوم البعث، وكان دائما يقول لي: هل أننا إذا متنا وكنا تراباً وعظاماً نحيا مرة أخرى، لنساق إلى الحساب، والجزاء على ما اقترفناه من أعمال؟ إن هذا مما لا ينبغي أن يصدق.

وهنا يخاطب من كان يتحدث معهم من أهل الجنة، بالقول: ليتني أعرف أين هو الآن؟ وأثناء بحثه عن قرينه وصديقه ينظر إلى جهنم، ويرى فجأة صديقه وسط جهنم فاطلع فرآه في سواء الجحيم، فيخاطبه قائلا: أقسم بالله لقد كدت أن تهلكني وتسقطني في ما سقطت فيه. لقد أوشكت أن تؤثر على صفاء قلبي بوساوسك، وأن تزج بي في الخط المنحرف الذي كنت فيه، فلولا لطف الله الذي منعني من ذلك ونعمته التي سارعت لمساعدتي، لكنت اليوم من المحضرين للعذاب مثلك في نار جهنم.

الدروس المستفادة من هذه القصة

التأثر بالأصدقاء

خلق الله هذا الإنسان ووهبه هذا العقل الذي يعرف به مصالحه فيتبعها، كما جعله اجتماعياً بطبعه، فلا يمكنه أن يعيش إلا ضمن جماعة من الناس، يخالطهم ويعاشرهم، يفيدهم ويستفيد منهم. والأهم من ذلك انه يؤثر ويتأثر بهم. فإذا كانوا صالحين مهتدين كان ذلك مؤثراً ومساعداً على هدايته وصلاحه، وأما إذا كانوا فاسدين ومفسدين فإنّ ذلك سيشكل حافزاً ووسوسة إضافية تدفع الإنسان نحو الضلالة وخسران الآخرة.

هذا التأثير المتبادل بين الأصدقاء هو ما نلاحظه في حياتنا اليومية وهو ما أكّدت عليه الروايات، فقد ورد عن سليمان النبي (ع):"لا تحكموا على رجل بشيء حتى تنظروا إلى من يصاحب، فإنما يعرف الرجل بأشكاله وأقرانه"(2).

كما ورد عن أئمة أهل البيت (ع) بيان مواصفات الصديق الذي ينبغي مصادقته، والآخر الذي ينبغي الابتعاد عنه.

لا تصاحب من سوف تندم على صحبته

لكل منا صاحب، فلنتأمل قليلا، هل سيأتي يوم أندم فيه على هذه الصحبة والعلاقة مع هذا الصديق؟ هل سأكون مصداقا لقول الله تعالى: " يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا لَقَدْ أضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا"(3) فإذا كان كذلك فعلاً فلأدعه الآن، ولأذهب حيث لا ندامة.

وقد يرى بعض الناس إن صحبته لبعض الناس واتخاذهم أصدقاء يترتب عليه فوائد دنيوية كثيرة وأنه يتمكن من تحصيل بعض فرص الربح أو التنعم معهم ببعض نعيم هذه الدنيا، ويرى من نفسه القدرة على الابتعاد عما يقعون فيه من الضلال، لأنه يظن من نفسه أنها محصنة قوية لا تتزلزل، ولكن أمير المؤمنين يحذر من ذلك أيضاً:"صحبة الأشرار تكسب الشر، كالريح إذا مرت بالنتن حملت نتنا"(4).

فلن يسلم من يصاحب الأشرار مهما كانت نفسه محصنة ومهما جهد في تربيتها من أن يقع في هذا المحذور.

صاحب من تفتخر بصحبته

في الجهة المقابلة، إذا أردت أن تعرف صدق صحبتك فعليك أن تنظر إلى نفسك فتتأمل، هل ستخجل إن سُئلت عن فلان من أن تقول انه صاحبك؟ أو أنك سوف تعتز بصحبته وتفخر؟ فقد ورد عن الإمام الصادق (ع): "اصحب من تتزين به، ولا تصحب من يتزين بك" (5).

وعن الإمام علي (ع):"عجبت لمن يرغب في التكثر من الأصحاب كيف لا يصحب العلماء الألباء الأتقياء الذين يغنم فضائلهم، وتهديه علومهم، وتزينه صحبتهم"(6) .

ساحة الاختبار

قد يقع الكثير من الناس في مشكلة عدم وفاء الأصدقاء له، وقد كان يحسن الظن بهم كثيراً، ويظهر لهم المودة والمحبة، ولكنه يجد أنهم ليسوا كما توقعهم وليسوا كما يأمل منهم، ولذا ورد عن أهل البيت (ع) بيان المواضع التي يمكن من خلالها اختبار الأصدقاء وهي في الرواية عن الإمام الصادق (ع):" لاتسم الرجل صديقاً سمة معرفة حتى تختبره بثلاث"(7) وهذه الأمور الثلاثة سنذكرها كعناوين مع شرحها في ما يلي:

أولا: تغضبه فتنظر يخرجه من الحق إلى الباطل

لا يمكن التعرف على الطبع الحقيقي لهذا الإنسان إلا من خلال ملاحظة الموقف الذي يتخذه عند الغضب. هل يؤدي به ذلك إلى أن يخرج من طاعة الله إلى معصية الله فيظلم الناس أو يعتدي عليهم، وقد تكون أنت من يظلمه أو يعتدي عليه، ولذا ورد في رواية أخرى بيان هذا المعنى فعن الإمام الصادق (ع): إذا أردت أن تعلم صحة ما عند أخيك فأغضبه، فإن ثبت لك على المودة فهو أخوك وإلا فلا (8).

ثانيا: وعند الدينار والدرهم إنها مواطن الحاجة، وكلنا مُعرّض لأن يحتاج إلى صديقه، فقد يفتقر الإنسان أو تدعوه الحاجة لأن يستدين مالا من صديقه فهنا لحظة الاختبار، هل سيعينك على هذا الأمر؟ هل سيستجيب لك؟ أو أن الصداقة تنتهي عند أول طلب.

وقد ورد وصف مثل هذا الشخص في الرواية بأنه بئس الإخوان؛ فعن الإمام الباقر (ع): "بئس الأخ أخ يرعاك غنيا ويقطعك فقيرا" (9) .

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (ع):"الإخوان ثلاثة: مواس بنفسه، وآخر مواس بماله، وهما الصادقان في الإخاء، وآخر يأخذ منك البلغة، ويريدك لبعض اللذة، فلا تعده من أهل الثقة"(10).

ثالثا: وحتى تسافر معه

فعند السفر تظهر أخلاق الشخص ومدى قدرته على التحمل ورعايته للصحبة.

والصفات التي يحددها رسول الله صلى الله عليه واله وسلم لاختبار الاخ في السفر هي:"بذل الزاد، وحسن الخلق، والمزاح في غير المعاصي" (11)

خلاصة الدرس

1-الإنسان خلق بطبعه اجتماعياً، لا يمكنه أن يعيش وحده، بل إنه يحب ويرغب في اتخاذ الإخوان، وعليه أن يحسن اختيارهم.

2- لا تصاحب من سوف تندم على صحبته في الدنيا أو في الآخرة، وصاحب من تفخر بصحبته.

3- اختبار الصحبة الصادقة في مواطن ثلاثة: الغضب، الحاجة، السفر.

أسئلة حول الدرس

1 ? بيّن أهمية الصديق وتأثيره على صديقه.

2 ? ما هو المعيار في اختيار الأصدقاء؟

3 ? ما هي ساحات اختبار الأصدقاء؟

للمطالعة

عن الإمام الحسن (ع): أيها الناس أنا أخبركم عن أخ لي، كان من أعظم الناس في عيني، وكان رأس ما عظم به في عيني صغر الدنيا في عينه، كان خارجا من سلطان بطنه، فلا يشتهي ما لا يجد، ولا يكثر إذا وجد، كان خارجا من سلطان فرجه، فلا يستخف له عقله ولا رأيه، كان خارجا من سلطان الجهالة، فلا يمد يده إلا على ثقة لمنفعة. كان لا يتشهى ولا يتسخط ولا يتبرم، كان أكثر دهره صماتا، فإذا قال بذّ القائلين، كان لا يدخل في مراء، ولا يشارك في دعوى، ولا يدلي بحجة حتى يرى قاضيا، وكان لا يغفل عن إخوانه ولا يخص نفسه بشيء دونهم، كان ضعيفا مستضعفا، فإذا جاء الجد كان ليثا عاديا. كان لا يلوم أحدا في ما يقع العذر في مثله حتى يرى اعتذارا، كان يفعل ما يقول ويفعل ما لا يقول، كان إذا ابتزه أمران لا يدري أيهما أفضل، نظر إلى أقربهما إلى الهوى فخالفه. كان لا يشكو وجعا إلا عند من يرجو عنده البرء، ولا يستشير إلا من يرجو عنده النصيحة، كان لا يتبرم ولا يتسخط ولا يتشكى، ولا يتشهى، ولا ينتقم ولا يغفل عن العدو. فعليكم بمثل هذه الأخلاق الكريمة، إن أطقتموها، فإن لم تطيقوها كلها فأخذ القليل خير من ترك الكثير.

للحفظ

الغول: الفساد.

ينزفون: يطردون.

قاصرات الطرف: نظرهن نظرة الغنج والدلال.

مكنون: مخزون.

القرين: الصاحب.

سواء الجحيم: وسط الجحيم.

أردى فلانا: أسقطه.

اطلع إلى كذا: إذا أشرف عليه.


1- الصافات:40-61.

2- الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص1582.

3- الفرقان:28-29.

4- الريشهري، ميزان الحكمة، ج2، ص 1568.

5- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 73، ص267.

6- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1584.

7- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 1583.

8- الريشهري، ميزان الحكمة، ج 75، ص 239.

9- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج46، ص287.

10- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج 75، ص 239.

11- المحدّث النوري، مستدرك الوسائل، ج 8، ص224.