الدرس الخامس: الثبات على الإيمان

﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُود وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أصْحَابُ الْأخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيد﴾(1).

القصة

من هم أصحاب الأخدود وما هي قصتهم بالتفصيل؟ هناك العديد من الكلمات في هذا الموضوع، وقد ورد في تفسير القمي في قوله تعالى: ﴿قُتِلَ أصْحَابُ الْأخْدُود﴾، قال: "كان سببه أن الذي هيج الحبشة على غزوة اليمن ذو نواس وهو آخر من ملك من حمير تهود واجتمعت معه حمير على اليهودية وسمى نفسه يوسف وأقام على ذلك حيناً من الدهر. ثم أخبر أن بنجران بقايا قوم على دين النصرانية وكانوا على دين عيسى وحكم الإنجيل، ورأس ذلك الدين عبد الله بن بريامن، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ويدخلهم فيها فسار حتى قدم نجران فجمع من كان بها على دين النصرانية ثم عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها فأبوا عليه فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص كله فأبوا عليه وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها واختاروا القتل. فاتخذ لهم أخدوداً وجمع فيه الحطب وأشعل فيه النار، فمنهم من أحرق بالنار ومنهم من قتل بالسيف ومثّل بهم كل مثلة، فبلغ عدد من قتل وأحرق بالنار عشرين ألفاً،وأفلت منهم رجل يدعى دوش ذو ثعلبان على فرس له ركضة، واتبعوه حتى أعجزهم في الرمل، ورجع ذو نواس إلى صنيعه في جنوده".

الدروس المستفادة من هذه القصة

الثبات على الإيمان

الإيمان الحقيقي الذي يدخل إلى قلب الإنسان هو الذي يجعله يقف عند الشدائد موقفاً صلباً، فلا يتنازل ولا يتوانى عن نصرة الحق، وهذه هي قصة أصحاب الأخدود فهم قوم رفضوا الخضوع والخنوع وتحملوا في سبيل ذلك القتل بل وأشد أنواع القتل، الا وهو القتل بالإحراق بالنار.

وقد أورد الله عز وجل هذه القصة في كتابه الكريم تسلية للمسلمين وتثبيتاً لهم على الإيمان في مكة حيث كانوا يتلقون اشد أنواع العذاب من كفار قريش.

وأصحاب الأخدود هم الذين ذاقوا حلاوة الإيمان؛ فقد ورد في رواية عن رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم: "ثلاث من كن فيه ذاق طعم الإيمان: من كان لا شيء أحب إليه من الله ورسوله، ومن كان لئن يحرق بالنار أحب إليه من أن يرتد عن دينه، ومن كان يحبّ لله ويبغض لله"(2).

وهذا الثبات على الإيمان له مصاديقه البارزة في عصور الإسلام المختلفة، فمن قصة ياسر وزوجته سمية في أيام الإسلام الأولى، إلى قصة الحسين الشهيد، إلى زماننا هذا، قصص كبيرة من الثبات الراسخ على الإيمان.

الإسلام والإيمان

الإيمان رتبة أرقى ومرحلة أعلى من الإسلام وقد نصّ على ذلك قوله تعالى ﴿قَالَتِ الْأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْأِيمَانُ فِي قُلُوبِكُم﴾(3).

وورد تعريف الإيمان في الرواية عن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم: "الإيمان ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال، والإسلام ما جرى على اللسان"(4).

خصائص الإيمان

أ-الاقتران بالعمل الصالح:

لا يكون المؤمن مؤمناً حتى يصدق فعله ما يعتقده، فقد ورد عن الإمام الرضا (ع):"الإيمان عقد بالقلب، ولفظ باللسان، وعمل بالجوارح"(5).

وعن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم:"الإيمان والعمل أخوان شريكان في قرن، لا يقبل الله أحدهما إلا بصاحبه" (6).

ب-التسليم أمام الإرادة الإلهية:

حقيقة الإيمان هو التسليم أمام الإرادة الإلهية، سواء في ما يرجع إلى الأمور التكوينية وما يحل بالإنسان من البلاء، أو في ما يرجع إلى الأمور التشريعية بالالتزام بأوامره ونواهيه، ولا سيما فيما إذا كان في الامتثال للأمر الإلهي تضحية وبذل للنفوس والأموال. وقد ورد عن الإمام الباقر (ع):"بينا رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم في بعض أسفاره إذ لقيه ركب فقالوا: السلام عليك يا رسول الله، فقال صلى الله عليه و اله وسلم: ما أنتم؟ قالوا: نحن مؤمنون، قال صلى الله عليه و اله وسلم: فما حقيقة إيمانكم؟ قالوا: الرضا بقضاء الله والتسليم لأمر الله والتفويض إلى الله تعالى، فقال صلى الله عليه و اله وسلم: علماء حكماء كادوا أن يكونوا من الحكمة أنبياء، فإن كنتم صادقين فلا تبنوا ما لا تسكنون، ولا تجمعوا ما لا تأكلون، واتقوا الله الذي إليه ترجعون"(7).

حسن الخلق كمال الإيمان

إذا بلغ الإنسان حقيقة الإيمان فإن أثر ذلك سوف يظهر على سلوكه في حياته مع الناس، كما أن اهتمام الإنسان بخلقه وسعيه للتحلي بمكارم الأخلاق ومرضيّ الصفات هو من موجبات كمال الإيمان، وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم في جواب رجل سأله: أحب أن يكمل إيماني:"حسن خلقك يكمل إيمانك"(8).

وعن الإمام علي (ع):"أكملكم إيمانا أحسنكم خلقا"(9).

درجات الإيمان

ليس الناس كافة على درجة واحدة من الإيمان بل هم على درجات، ووظيفة من يرقى في الدرجات العليا أن يكون عونا لمن هو دونه؛ وقد ورد في الرواية عن الإمام الصادق (ع):"إن الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم، يصعد منه مرقاة بعد مرقاة، فلا يقولن صاحب الاثنين لصاحب الواحد لست على شيء حتى ينتهي إلى العاشر، فلا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك، وإذا رأيت من هو أسفل منك بدرجة فارفعه إليك برفق، ولا تحملن عليه ما لا يطيق فتكسره، فإن من كسر مؤمنا فعليه جبره" (10).

استحباب الدعاء للثبات على الإيمان

وقد ورد استحباب أن يدعو الإنسان الله عز وجل ليجعله راسخ الإيمان فقد ورد فعن الإمام علي (ع):"إن الله جبل النبيين على نبوتهم فلا يرتدون أبداً، وجبل الأوصياء على وصاياهم فلا يرتدون أبداً، وجبل بعض المؤمنين على الإيمان فلا يرتدون أبداً، ومنهم من أعير الإيمان عارية، فإذا هو دعا وألح في الدعاء مات على الإيمان"(11).

خلاصة الدرس

1-الإيمان الحقيقي هو الإيمان الراسخ الذي يجعل الإنسان صلباً أمام الشدائد ومن ذاق طعم الإيمان هو من يختار الموت على أن يتبدل الكفر بالإيمان.

2-الإيمان أرقى من الإسلام لأن الإيمان عقد القلب وقد نص القرآن الكريم على أن الإيمان غير الإسلام.

3-خصائص الإيمان هو أن يقترن بالعمل الصالح، وان يتصف بالتسليم أمام الإرادة الإلهية.

4-حسن الخلق من كمال الإيمان.

5-يستحب للإنسان الدعاء بان يثبت الله قلبه على الإيمان.

أسئلة حول الدرس

1?ما هي العبرة الأساسية المستفادة من قصة أصحاب الأخدود؟

2?أذكر أهم خصائص الإيمان.

3?ما العلاقة بين حسن الخُلق والإيمان؟

للمطالعة

عن رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم قال: كان ملك فيمن كان قبلكم له ساحر، فلما مرض الساحر، قال: إني قد حضر أجلي، فادفع إلي غلاما أعلمه السحر. فدفع إليه غلاما، وكان يختلف إليه. وبين الساحر والملك راهب. فمر الغلام بالراهب فأعجبه كلامه وأمره، فكان يطيل عنده القعود، فإذا أبطأ عن الساحر ضربه، وإذا أبطأ عن أهله ضربوه، فشكا ذلك إلى الراهب فقال: يا بني إذا استبطأك الساحر فقل: حبسني أهلي، وإذا استبطأك أهلك فقل: حبسني الساحر. فبينما هو ذات يوم إذا بالناس قد حبستهم دابة عظيمة فظيعة. فقال: اليوم أعلم أمر الساحر أفضل، أم أمر الراهب فأخذ حجرا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك، فاقتل هذه الدابة. فرمى فقتلها، ومضى الناس، فأخبر بذلك الراهب فقال: أي بني إنك ستبتلى، وإذا ابتليت فلا تدل علي. قال: وجعل يداوي الناس، فيبرئ الأكمه والأبرص. فبينما هو كذلك إذ عمي جليس للملك، فأتاه وحمل إليه مالا كثيرا، فقال: اشفني ولك ما ههنا. فقال: إني لا أشفي أحدا، ولكن الله يشفي، فإن آمنت بالله دعوت الله فشفاك. قال: فآمن. فدعا الله له فشفاه، فذهب فجلس إلى الملك، فقال: يا فلان من شفاك؟ قال: ربي. قال: قال: أنا. قال: لا ربي وربك الله. قال: أو إن لك ربا غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل به حتى دله على الغلام. فبعث إلى الغلام فقال: لقد بلغ من أمرك أن تشفي الأكمه والأبرص. قال: ما أشفي أحدا، ولكن الله ربي يشفي. قال: أو إن لك رباً غيري؟ قال: نعم ربي وربك الله. فأخذه فلم يزل به حتى دله على الراهب. فوضع المنشار عليه فنشره حتى وقع شقين، وقال للغلام: إرجع عن دينك فأبى. فأرسل معه نفرا. وقال: إصعدوا به جبل كذا وكذا، فإن رجع عن دينه، وإلا فدهدهوه منه. قال: فعلوا به الجبل، فقال: اللهم اكفنيهم بما شئت. قال: فرجف بهم الجبل فتدهدهوا أجمعون، وجاء إلى الملك فقال: ما صنع أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. فأرسل به مرة أخرى، قال: انطلقوا به فلججوه في البحر، فإن رجع وإلا فغرقوه. فانطلقوا به في قرقور فلما توسطوا به البحر قال: اللهم اكفنيهم بما شئت. قال: فانكفأت بهم السفينة، وجاء حتى قام بين يدي الملك. فقال: ما صنع أصحابك؟ قال: كفانيهم الله. ثم قال: إنك لست بقاتلي، حتى تفعل ما آمرك به، إجمع الناس، ثم اصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضعه على كبد القوس، ثم قل: باسم رب الغلام، فإنك ستقتلني

قال: فجمع الناس، وصلبه، ثم أخذ سهما من كنانته، فوضعه على كبد القوس، وقال: باسم رب الغلام، ورمى فوقع السهم في صدغه، ومات. فقال الناس: آمنا برب الغلام. فقيل له: أرأيت ما كنت تخاف قد نزل والله بك، آمن الناس. فأمر بالأخدود فخددت على أفواه السكك، ثم أضرمها نارا. فقال: من رجع عن دينه فدعوه، ومن أبى فأقحموه فيها، فجعلوا يقتحمونها. وجاءت امرأة بابن لها، فقال لها: يا أمه اصبري فإنك على الحق.

للحفظ

البروج: البرج هو البناء العالي، ويطلق على السور الذي يحيط بالبلد للدفاع عنها، وهنا كناية عن مواضع الكواكب في السماء.

اليوم الموعود: يوم القيامة.

وشاهد: الذي يشهد على الناس فيما يفعلونه.

الأخدود: الشق العظيم في الأرض.

الوقود: ما تشعل به النار من الحطب وغيره.

نقموا: من الانتقام أي الثأر.


1- البروج: 1-9.

2- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص200.

3- الحجرات: 14.

4- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج50، ص208.

5- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج66، ص65.

6- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص 193.

7- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص 192.

8- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص196.

9- عيون أخبار الرضا، ص 41.

10- الكليني، الكافي، ج 2، ص 45.

11- الكليني، الكافي، ج 2، ص419.