الدرس الرابع: قصة طالوت والقائد الصالح

﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾(1).

القصة

عن الإمام أبي جعفر الباقر (ع): إن بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط، فأذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا: سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسلطان في بيت آخر، لم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد، فمن ذلك قالوا: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ" فقال لهم نبيّهم "قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ألَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا ألَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأبْنَائِنَا﴾ وكان كما قال تعالى ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾(2)، فقال لهم نبيهم: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ فغضبوا من ذلك وقالوا: ﴿أنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ﴾ وكانت النبوة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لأمه، لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ وكان أعظمهم جسما، وكان شجاعا قويا، وكان أعلمهم، إلا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر، فقالوا: فقال لهم نبيهم: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ وكان التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت، كما قال الله: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ والبقية: ذرية الأنبياء، وقوله: ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فتخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان.

الدروس المستفادة من هذه القصة

صفات القائد بين الاختيار الإلهي والاختيار البشري

تحكي لنا هذه القصة التي جرت مع بني إسرائيل عن تلك الصفات التي ينبغي أن يتمتع بها القائد، والتي تكون معياراً يؤهّله لأن يكون له أمر قيادة الناس إلى ما فيه صلاحهم وخيرهم، كما تحكي عن الصفات والموازين التي يراها الإنسان المادي معياراً لذلك وتبين خطأ تلك المعايير البشرية.

أ-المعايير الإلهية:

ورد في هذه الآية ذكر صفتين من الصفات التي لا بد وان تتوفر في الإنسان الذي يراد له أن يكون قائداً يسير الناس خلفه في المطالبة بحقوقهم والدفاع عن وجودهم وكيانهم، وهما:

أولا: العلم

إن الصفات التي تؤهّل الشخص للقيادة بتعاليم الإسلام لها علاقة بالصفات الشخصية التي يتمتع بها، وعلى رأسها العلم، وهي الصفة التي تؤهل الإنسان لأن يكون قائداً وأميراً على القوم.

وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه و اله وسلم:"ما ولت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا"(3). ونحن نلاحظ أن الله تعالى وصف طالوت بأنه زاده بسطة في العلم، أي انه كان يفضل عليهم بالعلم، لا انه كان يساويهم.

ثانيا: صفات وقدرات جسميّة

لا يكفي في القائد أن يكون عالماً بل ينبغي أن يكون ذا صفات وقدرات جسمية تؤهّله للقيادة بحسب ما يفترضه هذا المقام، وما تقتضيه المهام الملقاة على عاتقه، وقد ورد عن الإمام علي (ع):"يحتاج الإمام إلى قلب عقول، ولسان قؤول، وجنان على إقامة الحق صؤول"(4).

فلا بد وان يكون القائد قوي القلب يتمكن من اتخاذ قرارات حاسمة في بعض المواطن التي قد يتردد فيها الإنسان العادي.

كما ورد عن الإمام علي (ع): إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل (5).

ويصف الإمام علي (ع) مالك الأشتر في كتابه لأهل مصر لما ولاه مصر يقول:

"أما بعد، فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشد على الكفار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره في ما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة ولا نابي الضريبة. فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا"(6)

ب-المعايير البشرية:

أولا: النسب والحسب

فان الكثير من الناس يظن أنه إذا كان صاحب نسب بأن كان من سلالة كان لها الحكم والسلطة والإمرة والقيادة فان هذا يؤهّله لأن يكون أحقّ من غيره لهذا المنصب والمقام. كما احتجت قريش على أن الخلافة لا بد وأن تكون فيها لأنها أقرب إلى رسول الله، فهي افتخرت بنسبها مع أنّ النسب ليس معياراً لمقام الإمامة والقيادة.

ثانيا: سعة المال

يرى بعض الناس أنّ من لا يكون صاحب حسب ونسب فلا بد وأن يكون صاحب مال يجبر فيه ما ينقصه من الحسب والنسب، وهذا المنطق هو منطق أهل الشرك والضلال.

ومن هنا نجد أن الناس تميل إلى احترام صاحب المال لما يملكه من مال، وهذا الاحترام احترام مؤقت فإذا زال ما عنده من المال ترك الناس ذلك الاحترام، ولهذا لا يصح أن يكون امتلاك المال معياراً في القيادة، بل لا بد وأن تكون الصفة التي تجعل الشخص أهلاً للقيادة من الصفات التي لا تقبل الزوال كالعلم.

الابتلاء والاختبار الإلهي

هل يكفي إعلان الناس عن استعدادهم للقتال والجهاد لكي يمشي القائد بهم إلى الحرب والقتال؟ لا، بل لا بد له من أن يمتحنهم ليعرف منهم الطاعة والالتزام بأوامره ونواهيه وهذا ما حصل مع طالوت (ع) فقد أراد الله أن يختبر هؤلاء الذين أرادوا قتال عدوهم قبل أن يقع القتال، وفي هذا الاختبار تمكن القائد طالوت من معرفة من أخلص النية في الجهاد والقتال ممن مشى معه لمصالح آنية أو لأنه رأى الناس تمشي فمشى بمشيهم.

وهكذا تظهر أهمية الطاعة للقائد، وانه ما لم تعلم الطاعة فان على القائد أن لا يقدم على الحرب والقتال فان ذلك قد يترتب عليه الهزيمة والخسران.

لقد كانت نتيجة هذا الاختبار أن لا تثبت سوى الفئة القليلة ولكن هذه الفئة القليلة تمتاز بأنها مؤمنة ومخلصة ولذلك فان النصر سوف يكون حليفها بإذن الله تعالى.

وقد ورد عن علي بن أبي طالب (ع) قال:"يحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوه إذا دعا"(7).

خلاصة الدرس

1-تتضمن القصة مفاهيم تربوية تتعلق بمسألة صفات القائد ولزوم طاعته.

2- في صفات القائد معايير إلهية ومعايير بشرية. أما المعايير الإلهية فهي ترجع إلى صفتين في القائد: العلم، وقوة الجسم والشجاعة. وأما المعايير البشرية فهي ترجع إلى صفتين: النسب والحسب، المال والثروة.

3- الدليل على كون المعيار الصحيح هو العلم وقوة الجسم أن هاتين الصفتين بهما يتمكن القائد من تحقيق النصر وأما الحسب والثروة مع الجهل والضعف فنتيجته الهزيمة

4- إن امتحان الناس واختبارهم لازم وضروري قبل إقحامهم الحرب والقتال، لان كثيرا من الناس قد يتراجعون عند أول مواجهة.

أسئلة حول الدرس

1?ما هي الصفات الأساسية للقائد؟

2?لماذا رفض الناس قيادة طالوت؟

3?لماذا ابتلاهم الله تعالى بالنهر؟

للمطالعة

عن الإمام الصادق (ع): إن الله أوحى إلى نبيهم أن جالوت يقتله من يستوي عليه درع موسى، وهو رجل من ولد لاوي بن يعقوب، واسمه داود بن إيشاراع، وكان لإيشا عشرة بنين، أصغرهم داود. فلما بعث الله طالوت إلى بني إسرائيل، وجمعهم لحرب جالوت، بعث إلى أيشا بأن أحضر ولدك. فلما حضروا دعا واحدا واحدا من ولده، فألبسه درع موسى، فمنهم من طالت عليه، ومنهم من قصرت عنه. فقال لإيشا: هل خلفت من ولدك أحدا؟ قال: نعم أصغرهم، تركته في الغنم يرعاها. فبعث إليه، فجاء به. فلما دعي أقبل ومعه مقلاع. قال: فنادته ثلاث صخرات في طريقه: يا داود! خذني، فأخذها في مخلاته، وكان حجر الفيروزج. وكان داود شديد البطش، شجاعا، قويا في بدنه. فلما جاء إلى طالوت، ألبسه درع موسى، فاستوت عليه. قال: فجاء داود فوقف حذاء جالوت، وكان جالوت على الفيل، وعلى رأسه التاج، وفي جبهته ياقوتة تلمع نورا، وجنوده بين يديه. فأخذ داود حجرا من تلك الأحجار، فرمى به في ميمنة جالوت، ووقع عليهم، فانهزموا. وأخذ حجرا آخر، فرمى به في ميسرة جالوت، فانهزموا. ورمى بالثالث إلى جالوت، فأصاب موضع الياقوتة في جبهته، ووصلت إلى دماغه، ووقع إلى الأرض ميتاً.

للحفظ

أحق: أجدر وأولى.

لم يؤت: لم يعط.

سعة: الغنى.

بسطة: سعة.

التابوت صندوق من خشب، كان يضع موسى فيه التوراة، او الذي وضعته أمه فيه لما ألقته في النهر.

سكينة: الطمأنينة.

بقية مما ترك آل موسى: ما تركه موسى (ع) في التابوت من العصا والثياب.

فصل طالوت بالجنود: فارق المكان.

مبتليكم: الابتلاء الاختبار والامتحان.


1- البقرة:247-251.

2- البقرة: 246.

3- كتاب سليم بن قيس الهلالي، ص 205.

4- ميزان الحكمة، الريشهري، ج1،ص 121.

5- ميزان الحكمة، الريشهري، ج1، ص 122.

6- نهج البلاغة، الكتاب38، من كتاب له إلى أهل مصر لما ولى الأشتر مصر.

7- الريشهري، ميزان الحكمة، ج1، ص 124.