الدرس الثالث: الإنفاق في سبيل الله

﴿إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ وَلَا يَسْتَثْنُونَ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ فَأصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ فَلَمَّا رَأوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ قَالَ أوْسَطُهُمْ ألَمْ أقُل لَّكُمْ لَوْلَا تُسَبِّحُونَ قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلَاوَمُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ عَسَى رَبُّنَا أن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾(1)

القصة

الآية الكريمة تتحدث عن جماعة من الأغنياء كان أبوهم صاحب ثروة وكان ممن ينفق على الفقراء، ولما توفي أبوهم، وكانوا من أصحاب النفوس المريضة،اجتمعوا وتآمروا وفي نفوسهم الطمع على أن يمنعوا الفقراء مما لديهم، وعزموا على ذلك دون قول إن شاء الله، واستفاقوا ضمن ما خططوا له في الصباح الباكر وذهبوا إلى جنتهم، ولكنهم فوجئوا بأن الجنة أصبحت كالأرض المحروقة، فلا شجر ولا ثمر، وهنا إنتبهوا إلى ما كانوا عليه من الظلم والطغيان، وأعلنوا عن ندمهم وتوبتهم.

الدروس المستفادة من هذه القصة

الاستئثار بالنعم من البلاء

الإنسان مفطور على حب المال وحب هذه الدنيا وما يتعلق بها، وحب المال هذا والسعي في سبيل تحصيله لا بأس به إذا كان على حدّ الاعتدال مع إخراج حقه. كما يحكى عن والد أصحاب هذه الجنة الذي كان يعطي الفقراء من هذه الجنة. مع الحذر من الاستغراق في المال إلى الحد الذي يخرج به الإنسان إلى الطغيان والبخل.

وقد جاء في الروايات الواردة عن أهل البيت (ع) إن من الضروري أن يجعل صاحب الرزق نصيباً للمحتاجين الحاضرين مما يقطف من ثمار البساتين وحصاد الزرع. وهذا ما يعرف بعنوان (حق الحصاد) وهو مقتبس من الآية الشريفة: ﴿وآتوا حقه يوم حصاده﴾، وهذا الحق غير حق الزكاة، وما يعطى للمحتاجين الحاضرين منه أثناء قطف الثمار أو حصاد الزرع، غير محدود بحد معين.

ولكن حبّ المال هذا قد يخرج عن حدّ الاعتدال إلى حدّ الإفراط، فيخرج الإنسان عنه إلى الظلم وذلك بظلم أصحاب الحق حقهم.

ولذا كان الغنى من الابتلاءات الإلهية التي إن صبر عليها الإنسان أمكنه النجاة, وصبره على الغنى إنما هو بأداء الحقوق المالية الواجبة عليه وقد قال تعالى في كتابه الكريم: ﴿وَالَّذِينَ فِي أمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾(2).

وقد ورد في رواية عن أبي جعفر (ع):«إن رجلاً جاء إلى أبي علي بن الحسين (ع) فقال له: أخبرني عن قول الله عز وجل: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾(3) ما هذا الحق المعلوم؟ فقال له علي بن الحسين (ع): "الحق المعلوم الشيء يخرجه الرجل من ماله ليس من الزكاة ولا من الصدقة المفروضتين، قال: فإذا لم يكن من الزكاة ولا من الصدقة فما هو؟ فقال: هو الشيء يخرجه الرجل من ماله إن شاء أكثر وإن شاء أقل على قدر ما يملك، فقال له الرجل: فما يصنع به؟ قال: يصل به رحماً ويقري به ضيفاً ويحمل به كلأ أو يصل به أخاً له في الله أو لنائبة تنوبه، فقال الرجل: الله يعلم حيث يجعل رسالاته" (4).

أداء حق المال

الإنسان محاسب على كل ما يدخل في يده من مال، فهو سيسأل يوم القيامة عما وصل إليه من المال كيف وصله، وأين وضعه، وهل أدى ما تعلق به من حق. وقد ورد عن رسول الله (ص):"يجاء بصاحب الدنيا يوم القيامة الذي أطاع الله فيها، هو بين يدي ماله، وماله خلفه، فكلما تكفأ به الصراط قال له: امض فقد أديت الحق الذي عليك، قال: ويجاء بالآخر الذي لم يطع الله فيه، وماله بين كتفيه، فيعثره ماله ويقول: ويلك، هلا عملت بطاعة الله في مالك، فلا يزال كذلك يدعو بالويل والثبور"(5).

وأعظم البلاء هو أن يجمع الإنسان المال فلا يتنعم به في هذه الدنيا ولا في الآخرة فيرثه غيره وينتفع به فيكون ضرره عليه ونفعه لغيره. وقد ورد عن أمير المؤمنين (ع) انه قيل له (ع):"فمن أعظم الناس حسرة؟ قال: من رأى ماله في ميزان غيره، فأدخله الله به النار، وأدخل وارثه به الجنة، قيل: فكيف يكون هذا؟ قال: كما حدثني بعض إخواننا، عن رجل دخل إليه وهو يسوق، قال له: يا فلان، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق؟ قال: ما أديت منها زكاة قط، ولا وصلت منها رحماً قط، قال: قلت: فعلى ما جمعتها؟ قال: لحقوق السلطان، ومكاثرة العشيرة، ولخوف الفقر على العيال، ولروعة الزمان، قال: ثم لم يخرج من عنده حتى فاضت نفسه، ثم قال علي (ع): الحمد لله الذي أخرجه منها ملوماً ملياً، بباطل جمعها، ومن حق منعها فأوعاها، وشدها فأوكاها، فقطع فيها المفاوز والقفار ولجج البحار، أيها الواقف لا تخدع كما خدع صويحبك بالأمس، إن من أشد الناس حسرة يوم القيامة من رأى ماله في ميزان غيره، أدخل الله هذا به الجنة، وأدخل هذا به النار"(6).

وقد ورد التحذير في الآخرة من الامتناع عن الإنفاق في سبيل الله وانه سيتبدل حسرة على هذا الإنسان فقد ورد عنهم (ع):"ما من عبد يبخل بنفقة ينفقها في ما يرضي الله إلا ابتلي بأن ينفق أضعافها في ما أسخط الله" (7).

آداب الإنفاق

إن للإنفاق آداباً لا بد وأن يتأدّب بها الإنسان، ومن هذه الآداب أن ينفق من أفضل ماله الذي يرغب، لا أن ينفق من المال الذي يزهد فيه، وقد قال تعالى ﴿أنفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾(8). وقال تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾(9).

كفران النعم موجب لزوالها

من أهم التعاليم التي تحكي عنها هذه الآيات أن كفران النعمة والمنع من أداء الحقوق المتوجبة على الإنسان موجب لزوال هذه النعم، كما حدث مع أصحاب الجنة فان عزمهم على حرمان الفقراء والمساكين أدى إلى زوال ما كان أنعم الله به عليهم.

عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال:"شكر النعمة اجتناب المحارم وتمام الشكر قول الرجل الحمد لله رب العالمين" (10).

وقال تعالى أيضاً واصفاً جزاء كفران النعم: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأنْعُمِ اللّهِ فَأذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُون﴾(11).

خلاصة الدرس

1- للنعمة حق وحق النعمة هي الشكر وشكر النعمة بأداء الحقوق وإشراك المحرومين فيها وعدم حرمان أصحاب الحق من حقهم.

2- المسؤولية تفرض على الإنسان أداء حق المال بدفع ما يتوجب عليه من الحقوق.

3- إن كفران النعمة وإمتناع صاحب النعمة عن أداء ما عليه موجب لزوال هذه النعمة.

أسئلة حول الدرس

1?لماذا يُعتبر الغِنى من الابتلاءات الإلهية؟

2?مَن أعظم الناس حسرة؟ ولماذا؟

3?ما هو السبب في زوال النعم؟

للمطالعة

عن رسول الله (ص):"يؤتى برجل يوم القيامة، وقد جمع مالاً من حرام وأنفقه في حرام. فيقال: إذهبوا به إلى النار. ويؤتى برجل قد جمع مالاً من حلال وأنفقه في حرام، فيقال: إذهبوا به إلى النار. ويؤتى برجل قد جمع مالاً من حرام وأنفقه في حلال، فيقال اذهبوا به إلى النار. ويؤتى برجل قد جمع مالا من حلال وأنفقه في حلال، فيقال له: قف لعلك قصرت في طلب هذا بشيء مما فرضت عليك من صلاة لم تصلها لوقتها، وفرطت في شيء من ركوعها وسجودها ووضوئها فيقول: لا يا رب! كسبت من حلال وأنفقت في حلال، ولم أضيع شيئاً مما فرضت، فيقال: لعلك إختلت في هذا المال في شيء من مركب أو ثوب باهيت به، فيقول: لا يا رب! لم أختل ولم أباه في شيء، فيقال: لعلك منعت حق أحد أمرتك أن تعطيه من ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل، فيقول: لا يا رب! لم أضيع حق أحد أمرتني أن أعطيه. فيجئ أولئك فيخاصمونه، فيقولون: يا رب. أعطيته وأغنيته وجعلته بين أظهرنا وأمرته أن يعطينا، فإن كان قد أعطاهم وما ضيع مع ذلك شيئاً من الفرائض ولم يختل في شيء، فيقال: قف الآن هات شكر نعمة أنعمتها عليك من أكلة أو شربة أو لقمة أو لذة.

للحفظ

بلوناهم: امتحناهم، اختبرناهم.

ليصرمنها: يقطفون ثمرها.

مصبحين: عند الصباح الباكر.

ولا يستثنون: قول إن شاء الله.

فطاف عليها طائف من ربك: أصابها عذاب من ربك فأحرقها.

كالصريم: البستان المصروم ثمره أي المقطوع.

اغدوا: اقبلوا مبكرين.

حرثكم: شجركم وزرعكم.

حرد: منع.

طاغين: الطغيان، الظلم بالتجاوز عن الحدّ.


1- القلم: 17-33.

2- المعارج: 24-25.

3- المعارج: 24-25.

4- الكافي، الشيخ الكليني، ج3، ص 500، الحديث11.

5- النراقي - محمد مهدي - جامع السعادات ج2 ص 48.

6- تفسير الإمام العسكري، ص40.

7- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج72، ص172.

8- البقرة:267.

9- آل عمران:62.

10- العلامة المجلسي، بحار الأنوار، ج68، ص 40.

11- النحل:112.