الدرس الثاني عشر: كيف أنجح في العمل؟

﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ﴾(1).

في كنف الآية:

تشير الآية إلى أن لا يتصور أحد أنه إذا عمل عملاً، سواء في خلوته أو بين الناس في العلن، فإنه سيخفى على اللَّه سبحانه، ويبقى غائباً عن علمه، بل إن النبي (ص) والمؤمنين يعلمون به إضافة إلى علم اللَّه عزّ وجلّ. والالتفات إلى هذه الحقيقة والإيمان بها له أعمق الأثر في تطهير العمل وإنجاحه، لأن الإنسان عادة إذا أحسّ بأن أحداً ما يراقبه ويتابع حركاته وسكناته فإنه يحاول أن يتصرف تصرفاً لا نقص فيه ولا عيب حتى لا يؤاخذه عليه من يراقبه أو يتولى الاشراف عليه، وهذا الأمر متبع في الحياة ومعمول به في المؤسسات وقطاعات العمل على مستوى واسع في سائر دول العالم، فكيف إذا أحسّ وامن بأن اللَّه ورسوله والمؤمنين يطلعون على أعماله، والمراد بالمؤمنين في الاية أوصياء النبي (ص) من بعده وليس جميع المؤمنين، عن الرضا (ع)، إن شخصاً قال له: ادع اللَّه لي ولأهل بيتي، فقال: أولست افعل؟ واللَّه إن أعمالكم لتعرض عليّ في كل يوم وليلة، يقول الراوي: فاستعظمت ذلك فقال لي: أما تقرأ كتاب اللَّه عزّ وجلّ: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون﴾ هو علي بن أبي طالب(2).

والذي نودّ التعرف عليه في هذا الدرس هو كيف يكون عملنا ناجحاً وخالصاً وما هي شروط ذلك، ونحن نخضع لرقابة من اللَّه والنبي (ص) وأهل البيت عليهم السلام. سوف يتضح الجواب من خلال بيان الأمور التالية:

الأمر الأول: الحسن في العمل

يقول تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا﴾(3).

والمراد هنا الكيف لا الكم كما يوضح معنى الاية مولانا الصادق (ع): ليس يعني أكثر عملاً، ولكن أصوبكم عملاً، وإنما الإصابة خشية اللَّه والنية الصادقة، ثم قال: "الابقاء على العمل حتى يخلص أشد من العمل والعمل الخالص الذي لا تريد أن يحمدك عليه أحد إلا اللَّه عزّ وجلّ"(4).

الأمر الثاني: التقوى مع العمل

يوصي النبي (ص) أبا ذر قائلاً: "يا أبا ذر كن بالعمل بالتقوى أشدّ اهتماماً منك بالعمل، فإنه لا يقلّ عمل بالتقوى وكيف يقل عمل يتقبّل"(5).

وإن قبول الأعمال مرهون بصدورها من المتقين حيث قال سبحانه: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِين﴾(6).

الأمر الثالث: الدوام في العمل

يقول الصادق (ع): "يا حمران.. واعلم أن العمل الدائم القليل على اليقين أفضل عند اللَّه عزّ وجلّ من العمل الكثير على غير يقين"(7) والمراد هنا جوهر العمل مع المثابرة والاستمرار لأنه (ع) عبّر بـ(على اليقين) وإلا قد يبتلى بعض الناس بالمداومة على أعمال معينة دون يقين وإنما لتعوّدهم عليها بحيث إذا تركوها استوحشوا فهي لا تقرّبهم زلفى بل يتحمّلون عناءها لا غير.

الأمر الرابع: السداد في العمل

عن النبي (ص): "سلوا اللَّه السداد، وسلوه مع السداد، سداد العمل"(8).

الأمر الخامس: الإحكام في العمل

كثيراً ما تضيع أعمالنا بسبب عدم الاهتمام والاحكام وإنما نقوم بها دون الاحاطة بالجوانب الضرورية فيها، ولا دراستها بالشكل الذي يجعلنا قادرين على إمساك زمامها، فإذا بها واهية غير مثمرة. في الحديث: "إني لأعلم أنه سيبلى ويصل البلى إليه، ولكن اللَّه يحب عبداً إذا عمل عملاً أحكمه"(9).

الأمر السادس: البعث على العمل

يقول أمير المؤمنين (ع): "أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه"(10) حيث أن النفس كثيراً ما ترفض بعض الأعمال، للاعتقاد بعدم الأهلية والقدرة على القيام بها، أو للتسويف والتأجيل خاصة مع استحكام الكسل بالشخص أو استضعافه لنفسه بأوهام لا وجود لها في حياته، فالحل هو الحثّ والبعث واكراه النفس على الاقدام لا مطاوعتها والاحجام عن العمل وبالاقدام ينتفي الخوف كما روي عنه (ع): "إذا هبت أمراً فقع فيه، فإن شدة توقيه أعظم مما تخاف منه"(11).

الأمر السابع: إتمام العمل

قال عيسى بن مريم (ع): "يا معشر الحواريين بحق أقول لكم، إن الناس يقولون لكم أن البناء بأساسه وأنا لا أقول لكم كذلك قالوا: فماذا تقول يا روح اللَّه؟ قال: بحق أقول لكم إن اخر حجر يضعه العامل هو الأساس". قال أبو فروة: إنما أراد خاتمة الأمر(12).

الأمر الثامن: النظم في العمل

من وصايا أمير المؤمنين (ع): "أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى اللَّه ونظم أمركم"(13).

وهذا الشرط من أهم أسباب النجاح والفلاح على الصعيدين الفردي والاجتماعي وفي شؤون الدين والدنيا، وطالما كان العمل غير منتظم فإنه لا يؤمل منه خير على الاطلاق، ضرورة أن الإسلام يرفض العشوائية ويدعو إلى التخلص من الفوضى والغوغاء لأنه يحمل في تعاليمه السامية ومثله العليا أرقى مبادى‏ء الحضارة والنظام والعدالة فدعوته إلى نظم الأمور شاملة وعامة إلى سائر الشؤون العبادية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية وغيرها.

بهذا نكون قدَّمنا لك أخي الكريم عوامل النجاح في العمل على ضوء الكتاب والسنّة المباركة. واتضح الجواب عن السؤال الذي طرحناه في عنوان الدرس.

من فقه الإسلام

س: هل يجوز أخذ الأجرة على تغسيل الميت؟

ج: تغسيل الميت المسلم من العبادات الواجبة كفائياً فلا يجوز أخذ الأجرة على نفس عمل التغسيل.

س: ما هو حكم اللعب بالات التسلية ومنها الورق؟ وهل يجوز اللعب بها للتسلية ومن دون رهان؟

ج: اللعب بما يعد عرفاً من الات القمار حرام شرعاً مطلقاً وإن كان اللعب للتسلية ومن دون رهان.

س: هل تجيزون اللعب بالشطرنج أو إقامة دورات لتعليمه أم لا؟ مع رواجه في أكثر المدارس؟

ج: إذا لم يكن الشطرنج حالياً بنظر المكلف من الات القمار فلا مانع من اللعب به مع عدم الرهان فيما إذا كان لغرض عقلائي ولكن لا وجه لإدخاله إلى المدارس وتعليمه للتلاميذ بل من الأفضل التجنب عن ذلك.

س: ما هو حكم بيع وشراء بطاقات اليانصيب وما هو حكم جائزتها التي يفوز بها المكلف؟

ج: لا يصح بيع وشراء بطاقات اليانصيب ولا يملك الفائز الجائزة ولا يحق له استلامها.

س: هل يجوز العمل بوظيفة في حكومة غير إسلامية؟

ج: يدور مدار جواز الوظيفة في نفسها(14).

خلاصة الدرس

أ-إن عرض العمل على اللَّه ورسوله والأئمة له أعمق الأثر في انجاحه والاخلاص فيه.

ب-المراد من (المؤمنون) في الآية: ﴿وَقُلِ اعْمَلُواْ فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُون﴾ الأئمة الأطهار عليهم السلام.

ج-لنجاح العمل أسباب عديدة، هي: الحسن، والتقوى، والدوام، والسداد والإحكام والبعث والاخلاص والاتمام والنظم.

أسئلة حول الدرس

1-ماذا يؤثر عرض العمل على اللَّه ورسوله والأئمة؟

2-ما معنى الاية المتقدمة؟

3-ما هي أسباب النجاح في العمل؟

4-أي سبب برأيك هو الأهم؟

للحفظ

قال تعالى:

﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُور﴾(15).

عن الإمام الباقر (ع):

"أحب الأعمال إلى اللَّه عزّ وجلّ ما داوم العبد عليه وإن قلّ"(16).


1- التوبة:105.

2- أصول الكافي، ج1، ص171، باب عرض الأعمال.

3- الكهف:7.

4- الوافي ج1، ص73.

5- مكارم الأخلاق، 55.

6- المائدة:27.

7- الاختصاص، ص222.

8- المستدرك، ج1، ص360.

9- أمالي الصدوق، ص344.

10- نهج البلاغة، 1196.

11- نهج البلاغة، 1169.

12- معاني الأخبار، ص331.

13- نهج ابلاغة، 977.

14- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص98.

15- الملك:2.

16- الوسائل ج1، ص70.