الدرس العاشر: كيف أكون في المجتمع؟

﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(1).

أ-في كنف الآية:

إن للإنسان كرامة عند اللَّه تعالى، لم ينلها غيره من الخلق حتى الملائكة، وقد خصّه بنعم ومقدرات عظيمة يصعب احصاؤها ومعرفتها، حتى يستعين بها في مسيرة حياته، ويتقوى على طاعته يصفها مولانا الصادق (ع) قائلاً: "فإنك إذا تأملت العالم بفكرك وميّزته بعقلك، وجدته كالبيت المبني المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده، فالسماء مرفوعة كالسقف، والأرض ممدودة كالبساط، والنجوم منضودة كالمصابيح.. والإنسان كالمملّك ذلك البيت والمخوّل جميع ما فيه، وضروب النبات مهيأة لماربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه"(2) ذلك كله وضع بتصرف الإنسان وخدمته لاستعماله في سبيل الخير والبناء لا في طريق الشرّ والشقاء، ومما قاله النبي (ص) في هذا التكريم الإلهي لابن آدم: "ما شي‏ء أكرم على اللَّه من ابن ادم، قيل يا رسول اللَّه! الملائكة؟ قال: الملائكة مجبورون بمنزلة الشمس والقمر"(3)، وفي الحديث: "لما أسري برسول اللَّه وحضرت الصلاة فأذن وأقام جبرئيل، فقال: يا محمد تقدم، فقال رسول اللَّه: تقدم يا جبرئيل، فقال له: إنا لا نتقدم الادميين منذ أمرنا بالسجود لادم"(4).

ب-الحقوق الإنسانية:

إذا عرفنا ما تقدم حقّ علينا أن نسأل أنفسنا كيف نتعامل مع من كرّمه اللَّه بهذا التكريم ونحن نعيش في مجتمع واحد، نتعارف ونتالف، ما هي الحقوق الواجبة علينا ليكون الجواب: أن الحقوق الإنسانية التي ينبغي علينا مراعاتها في جانبين: الأول: مادي، والثاني: معنوي، طالما كانت روح المسؤولية تعيش بيننا حيث يشعر كل واحد منا إنه جزء من هذا المجتمع يتكامل مع الاخرين لا تتحكم فيه روح الانزواء والتفرد، بل نلتزم المبادى‏ء الاجتماعية التي دعانا إليها الإسلام العزيز.

بحيث لا يستعلي أحد على الاخرين ولا يستضعفهم يقول أمير المؤمنين (ع): "الناس سواء كأسنان االمشط"(5).

ومن وصاياه (ع): "واشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم.. فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق"(6).

1- الحقوق المادية:

إن التشريعات بيّنت الاهتمام الإلهي بالحفاظ على توفير الضرورات والحاجات المادية للإنسان وهي هادفة في أن تسود الأرض عدالة اجتماعية، ولا يهان الإنسان لقاء لقمة عيشه أو سقف يظلّله مع عائلته أو دراهم تعينه على شراء دواء وما شاكل ذلك، ومن هنا يعتبر الممتنع عن دفع الزكوات والأخماس وسائر الحقوق المالية الشرعية المتوجبة عليه متعدياً ومنتهكاً للحقوق الإنسانية ومساهماً في حرمان الاخرين وابقائهم على الأوضاع السيئة التي تحيط بهم بدلاً من قيامه بإعانة الضعيف منهم ومساعدته لما فيه صلاح دينه ودنياه، عن النبي (ص): "الخلق كلهم عيال اللَّه، فأحبهم إلى اللَّه عزّ وجلّ أنفعهم لعياله"(7)، وعن الصادق (ع): "قال اللَّه عزّ وجلّ: الخلق عيالي فأحبهم إليّ ألطفهم بهم واسعاهم في حوائجهم"(8) لذلك كان للمساعي والخدمات في سبيل المجتمع البشري أهمية بالغة في الدين الحنيف. هذا ما يرتبط بالواجبات العامة وهي بدورها كما تفرض تأمين الاحتياجات تلزمنا كذلك بالمحافظة وعدم التعرض للمقدرات الموجودة لدى الناس على اختلاف أشكالها وأنواعها وقد أقام الإسلام على ذلك الحدود عند التعدي لتستقيم الحياة في الخط الذي أراده اللَّه سبحانه لها.

2-الحقوق المعنوية:

إن الدعوة إلى رعاية الحقوق المعنوية لا تقل عن المادية بل هي اكد وأوجب سواء في مجالها العام الذي يمكن التمثيل له بتوهين أهل بلد معيّن، من خلال إهانتهم ولصق التهم بهم أو في مجالها الخاص كالتعرض لغيبة المؤمن أو بهتانه وشتمه، قال اللَّه تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا﴾(9) وعن النبي الأكرم (ص): "من اذى مؤمناً فقد اذاني"(10) وهنا لا يكون الحق المطلوب رعايته عدم التعرض للاخر بما يكره وإنما هو إضافة في أن لا يتعرض إليه كذلك في محضرك حيث يجب عليك أن تصونه وتدفع عنه كل ما يسقط حرمته أو يخدشه في نفسه وحريمه وولده وسائر من يتعلق به لذلك قال أمير المؤمنين (ع): "السامع للغيبة كالمغتاب"(11).

وقد رتب اللَّه سبحانه على انتهاك الحقوق المعنوية حدوداً بيّنها القران الكريم من أجل صيانة الإنسان والحفاظ على كرامته من هذا الجانب كما رتب على انتهاك الحقوق المادية كذلك كحد السرقة وغيره.

تقسيم اللحظات:

ونحن إذا قرأنا سيرة المعصومين عليهم السلام بعين البصيرة وجدنا العناية الفائقة والملاحظة الدقيقة لصغائر الأمور التي قد نقضي أعمارنا في الغفلة عنها وعدم الالتفات لها حتى أنهم صلوات اللَّه عليهم كانوا يقسّمون لحظاتهم في النظر إلى أصحابهم كما عن جدهم المصطفى (ص) فإنه كان يقسّم لحظاته بين أصحابه فينظر إلى ذا وينظر إلى ذا بالسوية(12).

عدل الخطاب:

أو يعتنون بالالتزام في أن لا يعلو خطاب الخصم على خصمه ويرتبون على ذلك الاثار كالعزل من القضاء كما عن أمير المؤمنين (ع) فإنه ولّى أبا الأسود الدؤلي القضاء ثم عزله، فقال له: لم عزلتني وما خنت ولا جنيت؟ فقال: إني رأيت كلامك يعلو كلام خصمك(13) فكيف بنا إذا قادتنا رغباتنا ونزعاتنا إلى تحطيم الاخرين وتشويه سمعتهم واقناع أنفسنا بأنه يوجد لذلك مبررات شرعية مع حقيقة أن الشرع المبين بعيد عن ذلك غاية البعد، فإذا كان الاستعلاء بالكلام في محضر الاخر انتهاكاً خطيراً استحق صاحبه العزل من سدّة القضاء فكيف إظهار عيوبه والكيد له في غيبته؟! أعاذنا اللَّه تعالى من ذلك وعصمنا من الوقوع في الشرك الشيطاني.

ملعون يصلّي:

إن الحقوق الإنسانية بقسميها المذكورين يعتبر المسّ بها موجباً للفسق والعصيان حتى أن اللَّه تعالى يطرد منتهكها من بيته ويلعنه عن النبي (ص): "أوصى اللَّه إليّ أن يا أخا المرسلين، يا أخا المنذرين أنذر قومك لا يدخلوا بيتاً من بيوتي ولأحد من عبادي عند أحدهم مظلمة، فإني ألعنه ما دام قائماً يصلّي بين يديّ حتى يردّ تلك المظلمة"(14).

من فقه الإسلام

س: ماهو حكم من دفع المال الحرام لأداء الدين؟

ج: لا يتحقق الأداء بدفع مال الغير ولا تفرغ ذمة المدين بذلك.

س: اقترضنا مالاً من شخص وبعد مدة فُقِدَ ذلك الشخص ولم نعثر عليه، فماذا يجب علينا بشأن طلبه؟

ج: يجب عليكم الانتظار والفحص عنه لتسديد دينه بدفعه إليه أو إلى ورثته، ومع اليأس من العثور عليه فيمكنكم مراجعة الحاكم الشرعي بشأن ذلك.

س: هل الدين على الميت من حقوق الناس لكي يجب على ورثته أداؤه من تركته؟

ج: الدين سواء كان للأشخاص الحقيقيين أم الحقوقيين من حقوق الناس ويجب على ورثة المدين أداؤه من تركته للدائن أو لورثته، وليس لهم التصرّف في تركة الميت ما لم يؤدوا دينه منها.

س: إذا أخر الدائن تسديد دينه عن أجله، فهل يجوز للمدين أن يطالبه بمبلغ أزيد من مبلغ الدين؟

ج: ليس له حق المطالبة شرعاً بشي‏ء زائدٍ على أصل الدين.

س: اقترض شخص مبلغاً لمدة سنة على أن يتعهد بتسديد نفقات سفر المقرض كسفره للحج مثلاً، فهل يجوز لهما ذلك؟

ج: شرط تسديد نفقات سفر المقرض وأمثال ذلك في ضمن عقد القرض يكون من شرط الربح والفائدة على القرض ويكون حراماً وباطلاً شرعاً، إلا أن أصل القرض صحيح.

خلاصة الدرس

أ-إن اللَّه تعالى فضّل الإنسان وكرّمه حتى على ملائكته وسخّر له هذا الكون بتصرفه ليصل إلى هدفه الأسمى.

ب-لقد تكلفت الشريعة الغرّاء بالحفاظ على الحقوق المادية والمعنوية لبني الإنسان في كل تفاصيل أحكامها ودعت إلى المحافظة عليها وصيانتها ويعتبر التقصير فيها عصياناً للّه سبحانه.

ج-جسّدت حياة المعصومين عليهم السلام في أقوالهم وأفعالهم رعاية دقيقة لحقوق الفرد والمجتمع حتى في تقسيم لحظات النظر إلى أصحابهم.

أسئلة حول الدرس

1-ما هي النظرة القرانية للإنسان؟

2-ما منشأ تكريم الإنسان؟

3-ما هي حقوقه المادية والمعنوية؟

4-كيف يتم الاعتناء بهذه الحقوق؟

5-كيف كانت سيرة أهل البيت عليهم السلام في رعاية الحقوق؟

للحفظ

قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾(15).

عن الإمام الباقر (ع): "ما خلق اللَّه عزّ وجل خلقاً أكرم على اللَّه عزّ وجلّ من المؤمن لأن الملائكة خدّام المؤمنين"(16).


1- الإسراء:70.

2- البحار، ج3، ص61.

3- ميزان الحكمة، ج1، ص222.

4- البحار، ج18، ص404.

5- تحف العقول، ص271.

6- نهج البلاغة، 993.

7- البحار، ج86، ص118.

8- الكافي، ج2، ص199.

9- الأحزاب:58.

10- البحار، ج67، ص72.

11- غرر الحكم، 1171.

12- الكافي، ج2، ص671.

13- المستدرك ج3، ص197.

14- ميزان الحكمة، حديث 8311.

15- الإسراء:70.

16- ميزان الحكمة، الحديث 1552.