الدرس التاسع: كيف أصون الأمانة

﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ﴾(1).

أ-في كنف الآية:

من صفات المؤمنين البارزة التي ذكرها القران، المحافظة على الأمانة، وتعني الأمانة بمفهومها الواسع أمانة اللَّه ورسوله أي الولاية، إضافة إلى أمانات الناس، وكذلك ما أنعم اللَّه على خلقه، وما سخّر لهم من المقدّرات والأرزاق العامة أو الخاصة، وتضمّ الأموال والأبناء والمناصب التي بيد البشر، حيث يسعى المؤمنون في أدائها إلى أهلها ورعاية حقها، ويحرسونها ما داموا أحياءً، ويربّون أجيالهم على ذلك، بما يتسع له هذا المعنى الشامل للأمانة لأنها محافظة على الحقوق التي أمر اللَّه بها، ولا تقتصر المحافظة على الأموال، بل على كل شي‏ء يؤتمنون عليه.

يقول الصادق (ع): "لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده، فإن ذلك شي‏ء اعتاده، فلو تركه استوحش لذلك، ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء الأمانة"(2).

وفي الحديث عن النبي (ص): "من خان أمانة في الدنيا ولم يردّها إلى أهلها ثم أدركه الموت مات على غير ملتي، ويلقى اللَّه وهو عليه غضبان"(3).

ب-الأمانة أفضل الإيمان:

كثيراً ما يحاول الشيطان إغراء الإنسان كي يمدّ يده إلى مال كان أميناً عليه سواء في مركز عمله أو في مكان اخر حيث تكون الأمانة المالية خاصة، ويظن أنه من خلال هذا التعدي يمكنه أن يسدّ حاجة عرضت له في أمرٍ ما، أو يصبح غنياً عن طريق غير مشروع، لكن سرعان ما يصل إلى نهاية مؤسفة كانت بدايتها تمثّل له خروجاً عن ركب المؤمنين، وتلطّخ تاريخه بصورة بشعة لا يحب أن يتذكرها، ويؤدي ذلك إلى عذاب ضميري إن هو عاد عن الخيانة، وتاب مما سوّلت له نفسه، وهو يسمع ما روي عن أمير المؤمنين (ع): "أفضل الإيمان الأمانة، أقبح الخلق الخيانة"(4).

وفي الحديث: "الأمانة تجلب الغناء، والخيانة تجلب الفقر(5) ولا إيمان لمن لا أمانة له"(6) فالذي يريد أن يكون غنياً عما في أيدي الناس عليه أن يكون أميناً صدوقاً، يؤدي إلى كل ذي حق حقه، حتى وإن كان بينهما عداوة وشقاق يقول الصادق (ع): "اتقوا اللَّه وعليكم بأداء الأمانة إلى من ائتمنكم، فلو أن قاتل أمير المؤمنين (ع) ائتمنني على أمانة لأديتها إليه"(7).

من هنا نعرف أن وجوب أداء الأمانة ليس مقيداً، وليس بالإمكان لأي فردٍ أن يتوقف عن ايصالها إلى ذويها باختلاق مبررات ما أنزل اللَّه بها من سلطان وما نسمعه من تشديد وتأكيد من العترة الطاهرة عليهم السلام في المحافظة عليها قلّ نظيره في الأبواب الأخرى إلى حد أنه ورد عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: اقسم لسمعت رسول اللَّه (ص) يقول لي قبل وفاته بساعة مراراً ثلاثاً: "يا أبا الحسن أدّ الأمانة إلى البرّ والفاجر فيما قلّ وجلّ، حتى في الخيط والمخيط"(8).

وعنه (ع): "أدوا الأمانة ولو إلى قتلة أولاد الأنبياء"(9).

فعليه ليس من الصواب أن يعتذر حامل الأمانة، بأن صاحبها منحرف العقائد والمسلك فإن الواجب أداؤها إليه كيفما كان.

ج-آثار الأمانة:

1- الصدق في القول والعمل:

في الحديث: "إذا قويت الأمانة كثر الصدق(10) الأمانة والوفاء صدق الأفعال"(11).

2- السلامة في الدنيا والاخرة:

من وصايا لقمان: "يا بنيّ أدِّ الأمانة، تسلم لك دنياك واخرتك وكن أميناً تكن غنياً"(12).

3- الرزق:

عن أمير المؤمنين (ع): "الأمانة تجرّ الرزق، والخيانة تجرّ الفقر"(13).

د- لا تأمن هؤلاء:

لقد كان الحديث فيما تقدم عن وجوب الحفاظ على الأمانة وأدائها إلى صاحبها، ونتكلم الان عن أوصاف مجموعة من الناس نهانا الإسلام عن وضع الأمانات لديهم وحذّرنا منهم محدداً بذلك المكان المناسب والشخص الذي ينبغي ائتمانه وإلا كان الخلل من الطرفين أي من صاحب الأمانة، ومن حاملها حين يأتمن الإنسان شخصاً مع علمه بأنه لا أمانة له، وليس محلاً لها، فمن هم هؤلاء؟

إنهم كما حدثنا أهل البيت عليهم السلام:

1-شارب الخمر:

في الحديث: "من إئتمن شارب الخمر على اللَّه أمانة بعد علمه، فليس له على اللَّه ضمان، ولا أجر له ولا خلف"(14).

2-الكذّاب:

عن الباقر (ع): "من عرف من عبد من عبيد اللَّه كذباً إذا حدّث وخيانة إذا ائتمن، ثم ائتمنه على أمانة اللَّه، كان حقاً على اللَّه عزّ وجلّ أن يبتليه فيها، ثم لا يخلف عليه ولا يأجره"(15).

3-الخائن:

يقول النبي (ص): "ليس لك أن تتهم من ائتمنته، ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته"(16).

وعن الصادق (ع): "لم يخنك الأمين، ولكن ائتمنت الخائن"(17).

ه-لا تؤخّر الأمانة:

ربما لا يعتدي الإنسان بالتصرف في مال مودع عنده، غير أنه يؤخّر إيصاله إلى صاحبه، استهانة منه، وتثاقلاً من خلال ما تحدّثه به نفسه وجرّاء التسويف والكسل، فإن هذا أيضاً يعتبر تعدياً لأنه يدخل في دائرة تأخير الحقوق عن ذويها، وربما يؤدي ذلك إلى تلف الأمانة إذا كانت مما يتلف وتنقص قيمته بمرور الزمن عليه، يقول رسول اللَّه (ص): "ليس منّا من يحقّر الأمانة حتى يستهلكها إذا استودعها"(18).

من فقه الإسلام

س: أودع رجل كتاب وصيته عند شخص ليدفعه بعد موته إلى ولده الأكبر، إلا أنه امتنع عن إعطائه له، فهل يعتبر هذا العمل خيانة منه؟

ج: الامتناع عن ردّ الأمانة إلى من عيّنه المستأمن يعتبر نوعاً من الخيانة.

س: دفع لشخص أمين مبلغ من المال للنقل إلى بلد اخر ولكن المال سرق منه في الطريق، فهل عليه ضمان ذلك المال؟

ج: لا ضمان على الأمين ما لم يثبت عليه التعدي أو التفريط في حفظه.

س: استلمت من المعسكر أيام الخدمة العسكرية، بعض الأثاث واللوازم للاستفادة الشخصية، ولكني ما أرجعتها إليه بعد إنهاء الخدمة، فما هو تكليفي بشأنها الان؟ وهل يجزي ارجاع ثمن تلك الأشياء أو لا؟

ج: لو كانت تلك الأشياء التي استلمتها من المعسكر عارية عندك وجب عليك ارجاعها بعينها إلى مركز الخدمة إذا كانت موجودة وبمثلها أو بقيمتها، إن كانت تالفة بسبب التعدي أو التفريط منك في حفظها ولو من أجل التأخير في ردها، وإلا فلا شي‏ء عليك فيها(19).

خلاصة الدرس

أ-من أعظم صفات المؤمنين المذكورة في القران أداء الأمانة ورعايتها وهي من الواجبات التي لم يجعل اللَّه تعالى رخصة فيها لأحد ومعناها ليس خصوص الحفاظ على الأموال فقط بل عام شامل لسائر الحقوق.

ب-لا إيمان لمن لا أمانة له، والخيانة سبب للفقر والعوز.

ج-من اثار الأمانة: الصدق والسلامة والرزق.

د-نهانا الإسلام عن ائتمان: شارب الخمر، والكذاب، والخائن.

ه-إن تأخير الأمانة مع القدرة على تأديتها يعتبر تعدياً، وبالخصوص إذا أدى إلى تلفها ونقصان قيمتها.

أسئلة حول الدرس

1-ما هو المراد من الأمانة في الاية الكريمة المتقدمة؟

2-كيف تصان الأمانة بما لها من معنى شامل؟

3-ما دور الأمانة في الإيمان؟

4-ما هي اثار الأمانة؟

5-من هم الذين نهينا عن إئتمانهم؟

6-هل يجوز تأخير الأمانة؟

للحفظ

قال تعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا﴾(20).

عن الإمام الباقر (ع): "من ائتمن غير مؤتمن فلا حجة له على اللَّه"(21).


1- المؤمنون:8.

2- البحار، ج75.

3- البحار، ج75.

4- غرر الحكم.

5- البحار، ج75.

6- ميزان الحكمة، حديث 1502.

7- أمالي الصدوق البحار، ج72.

8- ميزان الحكمة، الحديث 1498.

9- م. ن، الحديث 1495.

10- م. ن، الحديث 1507.

11- م. ن، الحديث 1508.

12- م. ن، الحديث 1511.

13- م. ن، الحديث 1509.

14- وسائل الشيعة، ج13 ميزان الحكمة، حديث 1517.

15- م. ن، 1516.

16- م. ن، 1514.

17- م. ن، 1515.

18- م. ن، 1504.

19- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص274 273.

20- الأحزاب:72.

21- ميزان الحكمة، الحديث 1518.