الدرس السابع: كيف أقوم بالتكليف؟

﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًاً﴾(1).

أ-في كنف الآية:

تشير الاية الكريمة إلى أهم برامج الأنبياء العامة وهو القيام بأداء تكليفهم في تبليغ الرسالة الإلهية من دون خوف من أحد من الخلق بحيث يمضون في الوجهة التي أراد اللَّه تعالى لهم السير نحوها وهكذا القادة الإلهييون وسائر أهل التقوى حيث يجب أن يكون سلوكهم المضي في تنفيذ تكاليفهم دون الالتفات يميناً أو يساراً إلى كل القوى المتمردة على الحق والمجنّدة لدى الباطل فهي لا تشكل لهم مصدر رعب وقلق وإنما تزداد عزائمهم ويكبر إصرارهم على واجباتهم وهنا ينبغي الالفات إلى أمرين في الآية:

الأول: أن المراد من التبليغ هنا هو الابلاغ والايصال، وعندما يتصل برسالات اللَّه فإنه يعني أن يعلّم الأنبياء الناس ما علمهم اللَّه عن طريق الوحي، وأن يُنفذوه إلى القلوب عن طريق الاستدلال والانذار والتبشير والموعظة والنصيحة.

والثاني: إن الخشية تعني الخوف المقترن بالتعظيم والاحترام، وهي تختلف عن الخوف الخالي من هذه الخاصية، وبينهما فرق وهو: أن الخوف يعني القلق والاضطراب الداخلي من العواقب التي ينتظرها الإنسان نتيجة ارتكابه المعاصي والذنوب أو تقصيره في الطاعة وهذه الحالة تحصل لأغلب الناس وإن اختلفت درجاتها، وأما الخشية فهي الحالة التي تحصل للإنسان لدى إدراكه عظمة اللَّه وهيبته وحين الخوف من بقائه مبعداً عن أنوار فيضه، وهي لا تحصل إلا لأولئك الذين وقفوا على عظمة ذاته المقدسة وجلال كبريائه وتذوّقوا طعم قربه لذلك عدّ القران الكريم هذه الحالة خاصة بعباد اللَّه العلماء فقال: ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾(2).

ب-الطاعة والتسليم روح الإسلام:

من خلال ما تقدم في الفقرة الأولى، اتضح أن الإنسان المؤمن هو الذي يؤدي تكليفه المطلوب منه دون خوف أو تردد، ويعود جوهر هذا الأمر إلى حقيقة الارتباط باللَّه سبحانه وترجمة الإيمان به في عالم الأعمال والانقياد التام لأوامره والابتعاد عن نواهيه والتسليم إليه، وإن الإسلام أخذ من مادة التسليم وهو يشير إلى هذه الحقيقة وبناء على هذا فإن كل إنسان يتمتع بروح الإسلام بمقدار تسليمه للَّه سبحانه يقول عزّ من قائل: ﴿فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًاً﴾(3) والناس في هذه الناحية أقسام:

فقسم يسلّمون لأمر اللَّه في الموارد التي تنفعهم فقط وهؤلاء هم كمن قالوا: ﴿نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ﴾(4).

والقسم الثاني: هم الذين جعلوا إرادتهم تبعاً لإرادة اللَّه وإذا تعارضت منافعهم الزائلة مع أمر اللَّه يغضون الطرف عنها ويسلّمون لأمر اللَّه وهؤلاء هم المؤمنون والمسلّمون الحقيقيون.

والقسم الثالث: هم أسمى من هؤلاء فهم لا يريدون إلا ما أراد اللَّه وقد صبغ التوحيد كل وجودهم وغرقوا في حب اللَّه تعالى.

وهذه الأقسام بأجمعها جارية في التسليم لأمر المعصوم (ع) فعنهم عليهم السلام: "شيعتنا المسلّمون لأمرنا" وكذلك ولي الأمر كامتداد له في أثر الطاعة والانقياد لا المكانة والرتبة ومن هنا يقول سماحة السيد القائد في حديثه عن ولي الأمر: يجب التسليم لأمره ونهيه حتى على سائر الفقهاء العظام فكيف بمقلديهم(5).

وعليه يكون التسليم لحكم ولي الأمر ركناً وثيقاً في بناء الشخصية الإيمانية الواعية.

ج- صور التكليف الشرعي:

إن للتكليف صوراً عديدة هي:

الصورة الأولى: أن يكون فتوى صادرة من المرجع الذي يجب على الإنسان تقليده.

الصورة الثانية: أن يكون حكماً من ولي أمر المسلمين فإنه تجب الطاعة على مقلديه وغيرهم وعلى الفقهاء وسائر مراجع الدين، وعدم الأخذ بحكمه يعتبر رداً على الأئمة ثم على النبي (ص) ثم على اللَّه عزّ وجلّ يقول الصادق (ع): "فإني قد جعلته عليكم حاكماً، فإذا حكم بحكمنا، فلم يقبل منه، فإنما استخف بحكم اللَّه وعلينا ردّ والرادّ علينا كالراد على اللَّه"(6) ومن أجوبة سماحة السيد القائد في هذا المجال قوله: طبقاً للفقه الشيعي يجب على كل المسلمين إطاعة الأوامر الولائية الشرعية الصادرة من ولي أمر المسلمين(7).

الصورة الثالثة: أن يكون حكماً غير مباشر، بل عبر قنوات تنظيمية من خلال إيكال الأمر من قبل الولي الفقيه إلى أشخاص معينين في بلدٍ ما فيعطيهم صلاحيات ويفوِّضهم في أمور يكون طاعتهم فيها طاعة للولي بحيث تعتبر مخالفتهم في دائرة صلاحياتهم مخالفة للولي فيكون الراد عليهم كالرادِّ عليه.

من فقه الإسلام

س: هل يجب إطاعة القرارات الصادرة من ممثل الولي الفقيه فيما يرجع إلى نطاق ممثليته؟

ج: إذا كانت قراراته الالزامية في نطاق صلاحياته التي منحه إياها الولي الفقيه فلا يجوز مخالفتها.

س: هل يجوز للمسؤولين أمر الجنود ببعض الأعمال الخاصة بهم بحيث تضيع أوقاتهم فيما لو أرادوا القيام بها بأنفسهم؟

ج: لا يجوز للمسؤولين تكليف الجنود ولا أي شخص اخر بقضاء أعمالهم الخاصة، وهو موجب لضمان أجرة المثل.

س: هل للمجتهد الجامع للشرائط في عصر الغيبة ولاية في اجراء الحدود؟

ج: يجب اجراء الحدود في عصر الغيبة أيضاً، والولاية على ذلك خاصة بولي أمر المسلمين.

س: ما هو تكليفنا تجاه الأشخاص الذين لا يرون ولاية الفقيه العادل إلا في الأمور الحسبية فقط؟

ج: ولاية الفقيه في قيادة المجتمع وإدارة المسائل الاجتماعية في كل عصر وزمان من أركان المذهب الحق الاثني عشري ولها جذور في أصل الإمامة، ومن أوصله الاستدلال إلى عدم القول بها فهو معذور، ولكن لا يجوز له بثّ التفرقة والخلاف(8).

خلاصة الدرس

أ-الالتزام بأداء التكليف نابع من العبودية الصادقة والتسليم لأمر اللَّه تعالى ونهيه وهو روح الإسلام والصلة الدائمة مع الخالق.

ب-إن للتسليم مراتب أسماها أن يصل الإنسان إلى مرحلة لا يريد إلا ما أراده اللَّه وهو التوحيد العملي.

ج-للتكليف الشرعي صور وهي:

أولاً: فتوى المرجع.

ثانياً: حكم الولي المباشر.

ثالثاً: حكم الولي غير المباشر.

أسئلة حول الدرس

1-ماذا يعني الالتزام بالتكاليف؟

2-ما هي مراتب التسليم والانقياد؟

3- ما هي صور التكليف؟

للحفظ

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾(9).

عن أمير المؤمنين (ع): "وأعظم ما افترض سبحانه من تلك الحقوق حق الوالي على الرعية"(10).


1- الأحزاب:39.

2- فاطر:28.

3- النساء:65.

4- النساء:150.

5- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص19، س65.

6- الكافي، ج7، ص412.

7- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص19.

8- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص19.

9- النساء:59.

10- نهج البلاغة، الخطبة 209.