الدرس الأول: كيف أدعو الله؟

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ﴾(1).

أ-في كنف الآية:

سأل رجل رسول اللَّه (ص) عن اللَّه سبحانه، أهو قريب ليناجيه بصوت خفي أم بعيد ليدعوه بصوت مرتفع؟ فنزلت الاية(2) عن قرب اللَّه تعالى المعنوي.

الدعاء أفضل العبادة وهو نوع من الخضوع والطاعة، يزداد الإنسان من خلاله ارتباطاً باللَّه تعالى وله اثار تربوية ونفسية واجتماعية، وهو ايقاظ للقلب والعقل، بحيث يساهم بقوة في بناء الإنسان المؤمن، وصناعة شخصيته الروحية، فيكون سلاحه ومفتاح نجاحه، ومخّ العبادة كما جاء عن النبي (ص) ومخّ كل شي‏ء: خالصه والدعاء كذلك لأنه أصل العبادة وخالصها لما فيه من امتثال أمر اللَّه سبحانه، وقطع الأمل عما سواه، واللجوء إليه، والاعتماد عليه، وفي حديث اخر عنه (ص): "الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض"(3) وتوجد منزلة عند اللَّه عزّ وجلّ لا تنال إلا بالدعاء والمسألة، كما يوجد منزلة لا تنال إلا بالشهادة يقول الصادق (ع): "إن عند اللَّه عزّ وجلّ منزلة لا تُنال إلا بمسألة"، ونحن حينما ندعو فإنا نربط أنفسنا بقوة لا متناهية تربط جميع الكائنات مع بعضها، وقد وعدنا اللَّه تعالى بالإجابة غير أننا كثيراً ما نبادر إلى موانعها فنحرم من الخير الكثير بما قدّمته أيدينا، فما هي هذه الموانع يا ترى؟

سوف يتضح ذلك من خلال ذكر شروط الاستجابة التي توضح لنا كثيراً من الحقائق الغامضة، وتبيّن الاثار البناءة للدعاء.

ب- شروط استجابة الدعاء:

وهي كثيرة لأنها إما ترجع إلى حالات الداعي أو الدعاء، أو المكان، أو الزمان أو غير ذلك.

الشرط الأول: معرفة الرب

عن الكاظم (ع) قال: قال قوم للصادق (ع): ندعو فلا يُستجاب لنا؟

قال (ع): "لأنكم تدعون من لا تعرفونه"(4).

الشرط الثاني: الإقبال بالقلب

يقول الصادق (ع): "إن اللَّه عزّ وجلّ لا يستجيب دعاء بظهر قلب ساهٍ فإذا دعوت فأقبل بقلبك ثم استيقن بالإجابة"(5).

الشرط الثالث: حسن الظن باللَّه تعالى في الإجابة

عن النبي (ص): "ادعوا اللَّه وأنتم موقنون بالإجابة"(6) وعن الصادق (ع): "إذا دعوت فظن أن حاجتك بالباب"(7).

الشرط الرابع: حصر الرجاء باللَّه

في الحديث: "إذا أراد أحدكم أن لا يسأل ربه شيئاً إلا أعطاه، فلييأس من الناس كلهم ولا يكون له رجاء إلا عند اللَّه، فإذا علم اللَّه عزّ وجلّ ذلك من قلبه لم يسأل اللَّه شيئاً إلا أعطاه"(8).

الشرط الخامس: الثناء والتمجيد قبل الدعاء

يدل على ذلك الأدعية المروية عنهم (ع) خصوصاً أدعية الصحيفة السجادية على صاحبها الاف السلام.

في الحديث: "إياكم إذا أراد أحدكم أن يسأل من ربه شيئاً من حوائج الدنيا والاخرة حتى يبدأ بالثناء على اللَّه عزّ وجلّ والمدح له والصلاة على النبي (ص) ثم يسأل اللَّه حوائجه"(9).

الشرط السادس: الصلاة على النبي واله قبل الدعاء وبعده

عن الصادق (ع): "لا يزال الدعاء محجوباً حتى يصلي على محمد وال محمد"(10).

الشرط السابع: الاقرار بالذنب والاستغفار منه قبل الدعاء

في الحديث: "إنما هي المدحة، ثم الثناء، ثم الإقرار بالذنب، ثم المسألة إنه واللَّه ما خرج عبد من ذنب إلا بالإقرار"(11).

الشرط الثامن: التعميم في الدعاء

قال رسول اللَّه (ص): "إذا دعا أحدكم فليُعم، فإنهأوجب للدعاء"(12) والمراد منه أن يُشمل الاخرين بدعائه ولا يقتصر على نفسه.

الشرط التاسع: ترك التعجيل المؤدي إلى اليأس

في الحديث: "لا يزال المؤمن بخير ورجاء، رحمة من اللَّه عزّ وجلّ ما لم يستعمل فيقنط ويترك الدعاء، قلت له: كيف يستعجل؟ قال: يقول: قد دعوت منذ كذا وكذا وما أرى الإجابة"(13).

الشرط العاشر: ترك الظلم

عن الصادق (ع): "قال: قال اللَّه عزّ وجلّ: وعزتي وجلالي، لا أجيب دعوة مظلوم دعاني في مظلمة ظلمها ولأحد عنده مثل تلك المظلمة"(14).

وهناك عشرون شرطاً لم نذكرها يمكن مراجعتها في مصادرها.

ج- أهل استجابة الدعاء:

إن هناك أصنافاً من الخلق يحملون مواصفات تؤهلهم بأن لا يردّ اللَّه عزّ وجلّ دعاءهم ويستجيب لهم كلما دعوه مخلصين مسلّمين له ومن هؤلاء:

1- الإمام المقسط الذي يحكم بما أنزل اللَّه تعالى.

2- المظلوم الذي سلب حقه.

3- الولد الصالح لوالديه.

4- الوالد الصالح لولده.

5- المؤمِّن لأخيه بظهر الغيب(15).

6- الغازي في سبيل اللَّه.

7- المريض الذي يكابد الالام(16).

8- المعتمر حتى يرجع.

9- الصائم حتى يفطر(17).

10-الغائب حين يدعو لغائب مثله(18).

11-الطفل إذا لم يقارف الذنوب.

12-المتختم بالفيروزج.

حيث وردعن رسول اللَّه (ص): "دعاء أطفال أمتي مستجاب ما لم يقارفوا الذنوب"(19).

وأما صاحب الخاتم فعن مولانا الصادق (ع) عن رسول اللَّه (ص) قال: "قال اللَّه سبحانه: إني لأستحي من عبد يرفع يده وفيها خاتم فيروز ج فأردّها خائبة"(20).

من فقه الإسلام

س: عندما نرفع أيدينا في القنوت ونطلب حاجاتنا من اللَّه تعالى في صلاة الوتر، هل يوجد أشكال لو ذكرناها باللغة الفارسية؟

ج: لا إشكال في الدعاء في القنوت باللغة الفارسية، بل لا مانع من مطلق الدعاء في القنوت بغير اللغة العربية وبأي لغة كانت(21).

س: ما هو أفضل ذكر بعد قراءة الذكر الواجب في السجود والركوع؟

ج: تكرار نفس الذكر الواجب على أن يختم بالفرد، ويستحب في السجود، وبالإضافة إلى ذلك الدعاء نطلب الحاجات الدنيوية والأخروية(22).

س: هل يجب الحضور إلى المسجد لقراءة دعاء كميل أو دعاء الندبة مع الأخوة، بحيث لا يكون دعائي على انفراد في البيت مقبولاً؟ وهل الدعاء مع جماعة أفضل من الدعاء لوحده؟

ج: تحسن المشاركة في مراسم الأدعية المباركة العامة والمأثور عن أهل بيت العصمة عليهم السلام أن الاجتماع للدعاء والمسألة أقرب للإجابة وقضاء الحاجة، فمن المناسب الاجتماع لتعظيم هذه المراسم.

خلاصة الدرس

أ-الدعاء أفضل العبادة وهو يساهم بقوة في البناء الروحي للإنسان واتصاله مع خالقه سبحانه وهو سلاح المؤمن ومفتاح نجاحه.

ب-إن الاستجابة مرهونة بشرائط عديدة تعود في بعض الأحيان إلى نفس الداعي أو إلى الدعاء أو إلى الزمان أو المكان.

ج-إن هناك طائفة من الناس لا يرد اللَّه دعاءهم وذلك لكونهم يحملون مواصفات جعلتهم في هذه المنزلة كالمظلوم والصائم وغيرهما.

أسئلة حول الدرس

1-ما هي حقيقة الدعاء في الإسلام؟

2-ما هي شرائط الاستجابة؟

3-من هم أهل الاستجابة والقبول؟

للحفظ

قال تعالى:

﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾(23).

الرسول الأعظم (ص):

"الدعاء سلاح المؤمن وعمود الدين ونور السماوات والأرض"(24).


1- البقرة:186.

2- مجمع البيان في تفسير الاية.

3- الكافي ج2، ص339.

4- التوحيد للصدوق، ص288، ب41، حديث 7.

5- ينابيع الحكمة، ج2، ص322.

6- م. ن، ص321.

7- م.ن.

8- البحار، ج93، ص314.

9- الكافي، ج2، ص356.

10- ينابيع الحكمة، ج2، ص323.

11- م. ن، ص326.

12- م. ن، ص327.

13- الكافي ج2، ص355.

14- الوسائل، ج7، ص146، ب68، حديث 1.

15- الكافي، ج2، ص369، حديث 2.

16- م. ن، حديث 1.

17- م. ن، ص370، حديث 6.

18- ينابيع الحكمة، ج2، ص331.

19- م. ن، ص333.

20- م. ن.

21- أجوبة الاستفتاءات، ج1، ص145.

22- م. ن، ص148.

23- غافر:60.

24- ميزان الحكمة، الحديث 5523.