للمطالعة (وسوسة الشيطان؟!)

في الحديث:

"ذكرتُ لأبي عبد اللَّه (ع) رجلاً مبتلى بالوضوء للصلاة وقلت له: هو رجل عاقل. فقال أبو عبد اللَّه (ع) وأي عقل له وهو يطيع الشيطان؟ فقلت له: وكيف يطيع الشيطان؟ فقال: سله هذا الذي يأتي من أي شي‏ء هو؟ فإنه يقول لك: من عمل الشيطان".

يقول الإمام الخميني قدس سره أعلى اللَّه مقامه:

اعلم أن الوسوسة والشك والتزلزل والشرك وأشبهاهما من الخطرات الشيطانية والإلقاءات الإبليسية التي تقذف في قلوب الناس، كما أن الطمأنينة واليقين والثبات والإخلاص وأمثالها من الإفاضات الرحمانية والإلقاءات الملكية وتفصيل هذا الإجمال بصورة مختصرة هو أن قلب الإنسان شي‏ء لطيف متوسط بين نشأة الملك ونشأة الملكوت. بين عالم الدنيا وعالم الآخرة وجهة منه نحو عالم الدنيا والملك، وبها يعمّر هذا العالم، ووجهة أخرى منه نحو عالم الآخرة والملكوت والغيب وبها يعمّر عالم الآخرة والملكوت.

فالقلب بمثابة مرآة لها وجهان، وجهه منها نحو عالم الغيب وتنعكس فيه الصور الغيبية، ووجه آخر نحو عالم الشهادة وتنعكس فيه الصور الملكية الدنيوية. ويتم انعكاس الصور الدنيوية من خلال القوى الحسّية الظاهرية وبعض القوى الباطنية مثل الخيال والوهم وتنتقش الصور الأخروية فيها من باطن العقل وسرّ القلب.

فإذا قويت الوجهة الدنيوية والتفتت كلياً إلى تعمير الدنيا وانحصرت في هذا العالم واستغرق في ملاذ البطن والفرج وكافة المشتهيات والمتع الدنيوية، انعطف باطن الخيال نحو. الملكوت السفلي الذي يكون بمثابة الظل المظلم لعالم الملك والطبيعة وعالم الجن والشياطين والنفوس الخبيثة. وتكون الالقاءات شيطانية وباعثة على تخيلات باطلة وأوهام خبيثة. وحيث أن النفس تنتبه إلى الدنيا فتشتاق إلى تلك التخيلات الباطلة ويتبعها أيضاً العزم، والإرادة وتتحول كل الأعمال القلبية والغالبية إلى نسخ الأعمال الشيطانية من قبيل الوسوسة والشك والترديد والأوهام والخيالات الباطلة وتصبح الإرادة على ضوء ذلك في ملك الجسم فعّالة وتتجسد الأعمال البدنية أيضاً حسب الصور الباطنية للقلب لأن الأعمال صورة وتمثال للإرادات التي هي صور ومثال للأوهام التي بدورها انعكاس لاتجاه القلب وحيث أن وجهة القلب كانت نحو عالم الشياطين، كانت الإلقاءات في القلب من نسخ الجهل المركب الشيطاني وفي النتيجة تستشري من باطن الذات الوسوسة والشك والشرك والشبهات الباطلة وتسري في كل أنحاء الجسم.

وعلى هذا القياس المذكور، إذا كانت وجهه القلب نحو تعمير الآخرة والمعارف الحقة وعالم الغيب لحصل له وئام مع الملكوت الأعلى الذي هو عالم الملائكة وعالم النفوس الطيبة السعيدة والذي يكون هذا العالم بمثابة الظل النوراني لعالم الطبيعة وتعتبر العلوم التي تفاض عليه من العلوم الرحمانية الملكية والعقائد الحقة وتصير الخواطر من الإلقاءات والخواطر الإلهية ويتطهر من الشك والشرك وينزه منهما وتجعل الاستقامة والطمأنينة في النفس وتصير أشواقها أيضاً على ضوء تلك العلوم وإرادتها على ضوء تلك الأسواق ومجمل الكلام أن الأعمال القلبية والغالبية والظاهرية والباطنية تتحقق على أساس العقل والحكمة.