الدرس الخامس: سورة القارعة

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

﴿الْقَارِعَةُ * مَا الْقَارِعَةُ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ * يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ * وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ * فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾.

للحفظ:

1-شرح المفردات:

1-القارعة: من القرع وهو الطرق الشديد مع إحداث صوت شديد.

2-الفراش: جمع فراشة وهي الحشرة المعروفة.

3-المبثوث: المتفرق المنتشر.

4-العهن: الصوف المصبوغ.

5-المنفوش: المنثور.

6-موازين: جمع ميزان وهي وسيلة لوزن الأجسام.

7-أمه: ماواه وملجأه.

8-هاوية: جهنم.

2-هوية السورة:

نزلت هذه السورة في مكة المكرمة وعدد آياتها إحدى عشرة آية.

محتوى السورة وفضيلتها:

تتناول هذه السورة بشكل عام، المعاد، ومقدماته، بتعابير حادة، وبيان مؤثر. وإنذار صريح وواضح، حيث تصنف الناس يوم القيامة، إلى صنفين أو جماعتين: جماعه تكون أعمالها ثقيلة في ميزان العدل الإلهي فتحظى جزاءً بذلك، حياةً راضية سعيدة في جوار الرحمة الإلهية، وجماعه أعمالها خفيفة الوزن، فتعيش في نار جهنم الحادة المحرقة.

وقد اشتق اسم هذه السورة، أي "القارعة" من الآية الأولى فيها وفي فضيلتها يكفي أن نقرأ الحديث الشريف المروي عن الإمام الباقر (ع):

"من قرأ القارعة آمنه اللّه من فتنة الدجال أن يؤمن به، ومن قيح جهنم يوم القيامة إن شاء اللّه"(1).

في كنف السورة:

1-القرآن واليوم الآخر:

السورة المباركة ككثير من سور القرآن تتحدّث عن مشاهد من يوم القيامة، ولو أجلت بصرك في القرآن العظيم لرأيت مدى اهتمامه بقضية اليوم الآخر.

فلقد كُرِّرت الأمور التي تتعلق باليوم الآخر كثيراً، فمثلاً يوم القيامة كُرِّر تقريباً 70 مرّة، اليوم الآخر 26 مرّة، الآخرة والدار الآخرة 117 مرّة، جنّة وجنّات 141 مرّة، جهنم 77 مرّة، إلى غير ذلك.

ولقد عني القرآن العظيم بمشاهد القيامة: البعث والحساب، النعيم والعذاب، حتى عاد اليوم الآخر من خلال بلاغة القرآن مصوّراً محسوساً، وحيّاً متحركاً، وبارزاً شاخصاً، وعاش المسلمون في هذا العالم عيشة كاملة: رأوا مشاهده، وتأثّروا بها، وخفقت قلوبهم واقشعرت جلودهم وسرى في نفوسهم الفزع مرّة، وعاودهم الاطمئنان أخرى، ولفحهم من النار شواظ، ورفّ إليهم من النار نسيم، فأصبحوا والنار كمن قد رأوها فهم فيها معذّبون، وباتوا والجنة كمن قد عاينها فهم فيهم منعمون.

وما اهتمام القرآن باليوم الآخر إلا لما يحمله الإيمان باليوم الآخر من أهميّة لحياة الأمم والأفراد، حتى أن القرآن الكريم قرن كثيراً بين الإيمان باللَّه واليوم الآخر، مما يشير إلى أن الإيمان باللَّه لا يكفي الإنسان (الفرد والأمة) في كماله الروحي وسكينته النفسية وصلاحه الأخلاقي والسلوكي، ما لم يكن يقترن بالإيمان باليوم الآخر.

قول القرآن الكريم: ﴿ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ (2).

﴿يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ (3).

إلى كثير من الآيات التي تقرن الإيمان باللَّه مع الإيمان باليوم الآخر.

2-اليوم الآخر اعتقاد غالب البشرية:

إن المراجع للتاريخ الإنساني، من البدائيين إلى السومريين إلى البابليين إلى الآشوريين فالمصريين فالهنود فالصينيين فاليابانيين فاليونانيين فالرومانيين فالفرس، إلى أن يأتي إلى اليهودية والمسيحية وبالطبع الإسلام، يرى بوضوح أن البشرية تؤمن بيوم آخر، وإن اختلفت في التفاصيل، وهنا نأتي على ذكر المسيحية في هذا المجال كمثال على اهتمام البشرية بموضوع اليوم الآخر.

3-المسيحية واليوم الآخر:

لا شك في اعتقاد المسيحية باليوم الآخر فعندها "ملكوت الرب" "والحياة الأبدية"

للنعيم. وعندها جهنم والنار، و"الظلمة" للعذاب. وهناك "يوم الدين" يوم يأتي ابن الإنسان (المسيح) مع ملائكة اللَّه. وهنا نورد بعضاً مما جاء في العهد الجديد:

جاء في الاصحاح 16 من انجيل متى "فإن ابن الإنسان سوف يأتي... مع ملائكته (اللَّه)، وحينئذ يجازى كل واحد حسب عمله. الحق أقول لكم...".

وجاء في الاصحاح 12: "أقول لكم: إن كل كلمة بطالة يتكلم بها الناس سوف يعطون عنها حساباً يوم الدين". إلى غير ذلك، إلا أنه لا يقارن بعدد ما ورد في القرآن ولا ببلاغته.

4-الثواب والعقاب:

ورد الكثير في القرآن الكريم حول الثواب والعقاب في اليوم الآخر، ومما ورد ما في هذه السورة المباركة:

﴿فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ * فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ * نَارٌ حَامِيَةٌ﴾.

ولكن هنا ملاحظة:

صحيح أن الإيمان بالآخرة وبالتالي الثواب والعقاب فيها مهم وأساسي ولكن إذا لم يتبعه أمور تعطِّل فعالية هذا الإيمان.

فمثلاً المسيحية تؤمن بالثواب والعقاب، إلا أنه دخلت أمور عطّلت هذا القانون الإلهي العادل.

من هذه الأمور مسألة "صلب المسيح" وأنه صُلب ليفدي النّاس من الخطيئة، أو مسألة "الاعتراف عند الكاهن" بحيث إذا اعترف المذنب تغفر ذنوبه، أو مسألة "المسح الأخير" حيث يستمع القس إلى اعترافات المسيحي وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة، ويمنحه المغفرة التي تنجيه من النار، ويمسحه حتى يطهر من الخطيئة وتصبح مستعدة للبعث أمام الحكم العدل، إلى غير ذلك من المسائل.

هذه المسائل تعطِّل قانون الثواب والعقاب، وتشجِّع الناس على الخطيئة، وهذا ما نراه في المجتمع المسيحي، أما الإسلام فليس عنده هذه الأمور ولا يؤمن بها، نعم عنده التوبة والغفران من اللَّه والشفاعة، ولكن هذه لا تشبه تلك وإن كان هناك أناس يفهمونها خطأً، حيث يدخل الشيطان وتزييناته والنفس وهواها لكي يسوّف الإنسان بالتوبة إلى آخر العمر، مع أن التوبة في آخر العمر وعند تراكم الذنوب أمر صعب.

وحيث يمنِّى الإنسان نفسه بشفاعة الشافعين في حين أنه لم يعرف حقيقة الشفاعة.

ألا تعرف أنه قد لا تشملك شفاعتهم "عليهم السلام" لأن الانغمار في المعاصي يجعل القلب بالتدريج مظلماً ومنكوساً وربما يصل الإنسان إلى الكفر، والكافر لا شفاعة له.

ثم ألا تعلم أنه إذا كانت أثقال الذنوب كثيرة يمكن ألا يشفع الشافعون لك في البرزخ والقبر، ويمكن أن لا تصل شفاعتهم في يوم القيامة إلا بعد مدّة طويلة، كما ورد في بعض الأحاديث.

ولا تستمع للشيطان ونفسك الأمارة حيث توعد بالرحمة الواسعة والمغفرة الكريمة لأرحم الراحمين، فتتهاون وتنزلق في المعاصي، في حين أن اللَّه رحيم في موضع الرحمة وشديد العقاب في موضع الشدّة، فليس صحيحاً أن ترجو رحمة اللَّه فحسب دون أن تخافه وتخشى عقابه، وكما نقرأ في دعاء الإفتتاح:

"أيقنت أنك أنت أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة وأشد المعاقبين في موقع النكال والنقمة".

فإذن ينبغي فهم مسألة التوبة وغفران اللَّه ورحمته والشفاعة والاستغفار فهماً صحيحاً، وإلا كانت الآخرة والثواب والعقاب لا أثر له.

أسئلة حول الدرس

1-ماذا تتناول هذه السورة بشكل عام؟

2-تصنّف هذه السورة الناس يوم القيامة إلى صنفين تحدث عنهما؟

3-هل القارعة اسم للقيامة أو لمقدماتها؟

4- هل الإيمان بالآخرة اعتقاد اسلامي فحسب؟

5-هل هناك ما يعطّل فعالية الإيمان بالآخرة في الإسلام، وكيف تصوِّر ما توهم له ذلك؟


1- مجمع البيان، ج‏10، ص‏530.

2- سورة البقرة، الآية/232.

3- سورة آل عمران، الآية/114.