الدرس الرابع: سورة القدر

بسم اللَّه الرحمن الرحيم‏

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ﴾.

للحفظ:

1-شرح المفردات:

1-ليلة القدر: هي ليلة يقدِّر اللّه فيها مصير البشر وتعين بها مقدراتهم.

2-الروح: مخلوق عظيم يفوق الملائكة(1).

2-هوية السورة:

هذه السورة مكية، وآياتها خمسة.

محتوى السورة وفضيلتها:

محتوى السورة كما هو واضح من اسمها بيان نزول القرآن الكريم في ليلة القدر، وبيان أهمية هذه الليلة وبركاتها.

وحول مكان نزولها في مكة أو المدينة، المشهور بين المفسرين أنها مكية واحتمل بعضهم أنها مدنية، لما روي أن النبي (ص) رأى في منامه "بني أمية" يتسلقون منبره، فصعب ذلك على النبي وآلمه، فنزلت سورة القدر تسلية (لذلك قيل إن ألف شهر في السورة هي مدة حكم بني أميَّة). ونعلم أن منبر النبي أقيم في مسجد المدينة لا في مكة(2).

لكن المشهور كما قلنا أنها مكية، وقد تكون الرواية من قبيل التطبيق لا سبباً في النزول. ويكفي في فضيلة تلاوتها ما روي عن النبي (ص) قال:

"من قرأها أعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر"(3).

وعن الإمام محمد بن علي الباقر عليهما السلام قال:

"من قرأ إنا أنزلناه بجهر كان كشاهر سيفه في سبيل اللّه، ومن قرأها سراً كان كالمتشحط بدمه في سبيل اللّه"(4).

وواضح إن كل هذه الفضائل في التلاوة تزداد وتتأكد لمن يقرأها ويفهمها ويعمل بها... من يقدر القرآن حق قدره ويطبق آياته في حياته.

في كنف السورة:

1-ليلة القدر والقدر:

في الإسلام العظيم اهتمام ببعض الأمكنة والأزمنة، فلقد جعل بعضها مباركة وفيها خصوصية عن غيرها، فمثلاً بارك المسجد الحرام والكعبة المكرمة والمسجد الأقصى إلى غير ذلك من الأمكنة، وبارك شهر رمضان وجلّل الأشهر الحرم (ذي القعدة ذي الحجة رجب محرّم) وبارك ليلة القدر التي أنزل فيها القرآن العظيم: ﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ﴾.

2-وجه التسمية بليلة القدر:

أما بخصوص تسميتها بليلة القدر فقد قيل الكثير في ذلك:

أ-سميت بالقدر لقدر منزلتها وعلو شرفها.

ب-لأن القرآن بكل قدره ومنزلته نزل على الرسول (ص) بواسطة الملك العظيم في هذه الليلة.

ج-إنها الليلة التي قدِّر فيها نزول القرآن.

د- إنها الليلة التي من أحياها نال قدراً ومنزلة.

ه-إنها الليلة التي تنزل فيها الملائكة حتى تضيق بهم الأرض لكثرتهم، لأن القدر جاء بمعنى الضيق، كما في قوله تعالى: ﴿وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ﴾(5).

و- وهو التفسير الأشهر: إنها الليلة التي تعين فيها مقدرات العباد لسنة كاملة، كما يشهد لذلك قوله تعالى:

﴿إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ﴾(6).

وقد ورد في بعض الروايات: في هذه الليلة تعين مقدرات الناس لسنة كاملة، وهكذا أرزاقهم، ونهاية أعمارهم، وأمور أخرى تفرق وتبين في تلك الليلة المباركة.

وهنا يجرُّنا الحديث إلى معنى القدر:

1-معنى القَدَرْ:

فهل تعني مسألة "القدر" الجبر، كما يرى الجبريون أن الإنسان في أعماله وأقواله وسلوكه ليس مختاراً، أو أن المسألة على العكس من ذلك كما يرى المفوِّضون، حيث يعتقدون بالتفويض أي أن اللَّه خلقنا وترك كل شي‏ء بيدنا، ولا يعود أي دخل له في أعمالنا، وبناء على ذلك يكون لنا الحرية الكاملة والاستقلال التام فيما نفعل بلا منازع.

أو أن المسألة ليست جبراً ولا تفويضاً، الصحيح الذي ينسجم مع عدالة اللَّه تعالى والإيمان بتوحيده هو هذا، كما ورد عن الإمام الصادق (ع):"لا جبر ولا تفويض إنما أمر بين أمرين".

وفي ذلك كلام موسَّع نتركه لدروس العقائد، ولكن المسألة المهمّة التي ينبغي طرحها هنا، أن كثيراً من الغربيين استغل قضية "القضاء والقدر" واعتبر أن الاعتقاد بهذه المسألة هي إحدى العلل بل العلّة الأساس في انحطاط المسلمين.

يقول "واشنطن أروفك" في كتابه حياة محمد: "... وقد عدّ بعض المسلمين مذهب الجبر القائل بأن الإنسان غير مختار في اجتنابه المعاصي وخلاصه من الجزاء، فلا إرادة له في هذا المجال، عدوّه منافياً للعدل والرحمة الإلهيين، كما وجدت فرق تسعى لتعديل هذا المذهب المحيِّر... وهل هناك عقيدة أفضل من هذه العقيدة تستطيع أن تحرِّك الجنود... ولكن هذه العقيدة كانت تحمل في نفس الوقت سمَّها الزعاف الذي قتل النفوذ الإسلامي..."(7).

ويقول ديورانت: "وهذا الإيمان بالقضاء والقدر جعل الجبريّة من المظاهر الواضحة في التفكير الإسلامي... وبفضل هذه العقيدة لاقى المؤمنون أشد صعاب الحياة بجنان ثابت، ولكنها أيضاً كانت من الأسباب التي عاقت تقدُّم العرب وعطلت تفكيرهم في القرون المتأخرة"(8).

ولكن نقول أن كلامهم صحيح على القول بالجبرية(9)، أما من يعتقد اعتقاد أهل البيت عليهم السلام فإنه لا يرد عليه مثل هذا الإشكال.

2-اللَّه لم يقطع الصلة بخلقه (المدد الغيبي):

هذا وفي سورة القدر تأكيد على أن اللَّه تعالى لم يخلق الخلق ويتركهم، إنما هناك تواصل بين السماء والأرض، حيث تتنزل الملائكة إلى الأرض ويطّلعون على أحوال الناس، وهذا تسلية لقلوب المؤمنين، فليس الأمر كما قال المفوِّضة، أو كما قال اليهود:

﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء ...﴾(10).

والآيات في الكتاب الكريم كثيرة، التي تؤكد على أن اللَّه عليم بخلقه.

يقول تعالى: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ﴾(11).

﴿أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾(12).

﴿وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (13).

﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(14).

إلى غير ذلك الكثير من الآيات التي تؤكد أن اللَّه مطلع على شؤون خلقه، ولم يتركهم، وهذا ما يؤكده الأمر بالدعاء:

﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (15).

﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي ...﴾ (16).

﴿أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ﴾(17).

وورد في الحديث:

"إذا دعوت فظن حاجتك بالباب"(18).

وورد في دعاء زين العابدين (ع): (اللهم إني أجد سبل المطالب إليك مشرعة، ومناهل الرجاء لديك مترعة، والاستعانة بفضلك لمن أمّلك مباحة، وأبواب الدعاء إليك للصارخين مفتوحة، واعلم أنك للراجين بموضع إجابة، وللملهوفين بمرصد إغاثة)(19).

أسئلة حول الدرس

1-نعرف أن القرآن نزل تدريجياً مدة 23 عاماً، فكيف توقف بين ذلك ونزوله في ليلة واحدة هي ليلة القدر؟

2-ما المراد ب (الروح) في قوله تعالى: ﴿تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ﴾؟

3-ما هو القول المشهور في وجه تسمية ليلة القدر؟

4-ما هي القدر وما هو رأي أهل البيت، واذكر حديث الصادق (ع)؟

5-كيف تصوّر عدم قطع علاقة اللَّه تعالى مع البشر؟


1- وقيل أنه جبرائيل.

2- روح المعاني، ج‏30، ص‏188 و«الدر المنثور»، ج‏6، ص‏371.

3- مجمع البيان، ج‏10، ص‏516.

4- مجمع البيان، ج‏10، ص‏516.

5- سورة الطلاق، الآية/7.

6- سورة الدخان، الآيتان/4 3.

7- الإنسان والقضاء والقدر، مطهري، ص‏16.

8- قصة الحضارة، ول ديورانت، ج‏13، ص‏5.

9- وهو اعتقاد السنّة المتبعين لمذهب الأشاعرة القائل بالجبر.

10- سورة المائدة، الآية/64.

11- سورة البقرة، الآية/235.

12- سورة البقرة، الآية/77.

13- سورة لقمان، الآية/34.

14- سورة الحجرات، الآية/16.

15- سورة غافر، الآية/60.

16- سورة البقرة، الآية/186.

17- سورة النمل، الآية/62.

18- الكافي، باب اليقيني في الدعاء، ج‏2، ح‏1، ص‏473.

19- دعاء أبي حمزة الثمالي(راجع: مفاتيح الجنان: أعمال أسحار شهر رمضان) وللدعاء شروطه وفلسفته، والحديث عن ذلك له مكانه.