الدرس السادس عشر: الوقف والابتداء

الوقف والابتداء من أهم أحكام التلاوة وهو فن يعرف به كيفية أداء القرآن الكريم، وقد سئل أمير المؤمنين (ع) عن معنى الترتيل في الآية الكريمة: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا﴾، فأجاب: "تجويد الحروف ومعرفة الوقوف".

أولاً - الوقف:

1-تعريفه: لغةً، الكف. اصطلاحاً: هو قطع الصوت عن الكلام زمناً يتنفّس فيه القارئ عادة بنية استئناف القراءة،لا بنيّة الإعراض، بمعنى آخر اختيار وقفة مناسبة للتنفّس والاستراحة عند تلاوة القرآن الكريم. ويكون عادة في نهاية الآيات.

2- أقسام الوقف: يقسم الوقف إلى أربعة أقسام هي: التام، الكافي، الحسن، القبيح(1).

1-الوقف التام: هو الذي يتم به الكلام لفظاً ومعنى، ولا يتعلق الكلام به بعده لفظاً ولا معنى، فهو يحسن الوقف عليه ويحسن الابتداء بما بعده، ويكون في وسط وآخر الآية، نحو:

﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾، ﴿وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ﴾ ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾...

2-الوقف الكافي: هو الذي يتم به الكلام لفظاً لا معنى، ويتعلّق الكلام به بعده لفظاً لا معنى، فيحسن الوقف عليه والابتداء بما بعده، نحو: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ، (ثم يبدأ) هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾(2).

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ (نقف هنا ثم نبدأ)، خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ﴾(3).

﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ،وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً،فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ﴾ الحاقة: 13-15.

﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَن رَّأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ﴾ يوسف: 24.

﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ الاسراء: 8.

3-الوقف الحسن: هوا لذي يحسن الوقوف عليه ولا يحسن الابتداء بما بعده، ولا بد من إعادة الكلمة الموقوف عليها أو الذي قبلها كي يتم المعنى، وهو وقف يتمّ المعنى لكن يتعلّق بما بعده لفظاً ومعنى، نحو: ﴿الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، يحسن الوقوف على ﴿الْحَمْدُ للّهِ﴾ ولا يحسن الابتداء بـ:﴿رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، ﴿ييُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَن تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ﴾ الممتحنة: 1. ﴿وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ﴾، ﴿إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاء لَا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ* يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾ القمر: 47-48.

4-الوقف القبيح: هو ما يقبح الوقوف عليه لشدّة تعلّقه بما بعده لفظاً ومعنى، كالوقف على قوله تعالى:﴿يَسْتَحْيِي﴾ في قوله سبحانه:﴿إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا﴾ البقرة: 26، أو الوقف على كلمة "بسم " من ﴿بِسْمِ اللّهِ﴾، أو"الحمد" من ﴿الْحَمْدُ للّهِ﴾ أو " إياك " من ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾، ﴿فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ *الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ الماعون: 4-5، ﴿لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى﴾ النساء: 43، ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ الأحقاف: 10، ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ﴾ محمد: 19، ﴿وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ﴾ يوسف: 17.

5-علامات الوقف في المصاحف:

في المصاحف الشريفة فوق الحروف علامات للوقف ولكل منها دلالة خاصة، وهي:

-(مـ): علامة الوقف اللازم، نحو: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ﴾ الانعام: 36، ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ الاسراء: 8.

-(قلى): علامة الوقف الجائز مع كون الوقف أولى، نحو: ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ﴾ الكهف: 22، ﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ﴾ هود: 86ا.

-(صلى): علامة الوقف الجائز مع كون الوصل أولى، نحو: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ﴾ لأنعام: 17.

﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ البقرة: 117.

-(ج): علامة الوقف الجائز جوازاً مستوى الطرفين، إن رغبت وقفت أو وصلت لا إشكال، نحو: ﴿نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ﴾ الكهف: 13،﴿قُلْ هَلْ مِن شُرَكَآئِكُم مَّن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ّ﴾ يونس: 35.

-(لا): علامة الوقف الممنوع، نحو: ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ...﴾ النحل: 32، ﴿قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ...﴾ المائدة: 4.

-(::): علامة تعانق وتشابك الوقف، بحيث إذا وقفت على أحد الموضعين لا يصحّ الوقف على الآخر، نحو: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ البقرة: 2،﴿قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ﴾ المائدة: 26.

ثانيا- الابتداء:

1-تعريفه: هو الشروع بالقراءة ابتداءً أو بعد التنفس في أثنائها.

2-أقسامه: يقسم الابتداء كالوقف إلى أربعة أقسام هي: التام، الكافي، الحسن، القبيح.

1-الابتداء التام: هو الابتداء بما ليس له علاقة بما قبله لفظاً ومعنى، نحو: الابتداء بقوله تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ...﴾، ﴿خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ،مِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ﴾.

2-الابتداء الكافي: هو ما يحسن الابتداء به وله علاقة بما قبله لفظاً أو معنى، نحو: الابتداء بقوله تعالى: ﴿وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ...﴾، ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ*خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ...﴾ البقرة: 6-7.

3-الابتداء الحسن: هو الابتداء بما يكون معناه حسناً، لكن له علاقة شديدة بما قبله لفظاً ومعنى، نحو: الابتداء بقوله تعالى ﴿فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ فالعلاقة شديدة بما قبله ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ﴾، ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا ...﴾ البقرة: 8.

4-الابتداء القبيح: هو الابتداء بما يفسد المعنى أو يغيّره لشدّة تعلّقه بما قبله، نحو: الابتداء بقول: ﴿إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ﴾ من قوله تعالى ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ﴾ المائدة: 72، ﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا﴾ البقرة: 116،﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء...﴾ آل عمران: 181، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ﴾ المائدة: 18،﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ...﴾ المائدة: 64، ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ﴾ المائدة: 72، ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ﴾ التوبة: 30، ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ﴾ الأنبياء: 29، ﴿وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي...﴾ يس: 22، ﴿أَلَا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ* وَلَدَ اللَّهُ﴾ الصافات: 151-152.

أسئلة حول الدرس

1-ما معنى الوقوف؟ وما معنى الابتداء؟

2-إلى كم قسم يقسم الوقف؟ وكذلك الابتداء؟

3-ما المقصود بالوقف القبيح؟ والابتداء القبيح؟


1- في مجمع البرهان للعاملي (الرسالة الشريفة ص 353):" إنّ الوقف لا يتعين في موضع، بل متى شاء وقّف ومتى شاء وصّل... وما ذكره القرّاء واجباً أو قبيحاً، لا يعنون به المعنى الشرعي... وفي كشف اللثام: يجوز الوقف على كلمة إذا قصر النفس ".

2- البقرة: 2.

3- البقرة: 6-7.