للمطالعة (العبادة تؤثر في الشباب)

العبادة تؤثر في الشباب(1)

يتم بالقرآن الكريم التأثر القلبي والتحوّل الباطني بصورة أفضل فترة الشباب، لأن قلب الفتى لطيف وبسيط وذو نقاء وصفاء أكثر. ولأن وارادته قليلة، وتضارب الأفكار وتهافتها فيه قليل. فيكون شديد الانفعال والتأثر وسريع التقبّل.

إذن يجب على الشباب حتى إذا كانت قلوبهم مطمئنة بالإيمان، أن ينتبهوا إلى كيفية تفاعلهم وعشرتهم مع الآخرين، ويتورّعوا عن الاختلاط مع السيئين. بل إن الصداقة والاختلاط مع العصاة وذوي الخلق الفاسد والسلوك المنحرف مسيء لجميع الناس من أي طبقة كانوا، ويجب أن لا يكون أحد مطمئناً بنفسه ومغروراً بإيمانه أو أخلاقه وأعماله. كما ورد في الأحاديث الشريفة الأمر بالابتعاد عن معاشرة أهل المعصية.

وإن المبتغى من خلال تلاوة القرآن هو ارتسام صورة القرآن في القلب، وتأثير الأوامر والنواهي فيه، وتثبيت الأحكام والتعاليم الإلهية. ولا يتحقق هذا إلا في ظل مراعاة آداب القراءة. وليس الهدف من الآداب ما هو المعروف لدى بعض القرّاء من الاهتمام البالغ بمخارج الألفاظ، وأداء الحروف، هذا الاهتمام الباعث مضافاً إلى الغفلة عن المعاني والتدبر فيها، إلى إبطال التجويد بعض الأحيان، فإن كثيراً من الكلمات القرآنية نتيجة مثل هذا التجويد، تفقد صورتها الخلاّبة الأصيلة، وتتحول إلى صورة أخرى، ذات صورة ومادة تختلف عما أرادها الله تعالى. إن هذا يُعتبر من مكائد الشيطان حيث يتلهى الإنسان المؤمن إلى آخر عمره بألفاظ القرآن، وينسى نهائياً استيعاب سرِّ نزول القرآن، وحقيقة الأوامر والنواهي، والدعوة إلى المعارف الحقة، والخلق الفاضل الحسن، بل ينكشف لديه بعد مضي خمسين عاماً أنه من جرّاء تغليظ بعض الحروف، والتشديد فيها، قد أخرج صورة بعض الكلمات كلياً عن حالتها الطبيعية وأصبحت ذات صورة غريبة.

بل الهدف المنشود من وراء آداب قراءة القرآن، تلك الآداب التي وردت في الشريعة المقدسة والتي يعدّ من أفضلها وأعظمها التفكر والتدبر في آيات القرآن كما تقدمت الإشارة إلى ذلك.

في الكافي الشريف بسنده إلى الإمام الصادق (ع) قال:

"إن هذا القرآن فيه منار الهدى ومصابيح الدجى، فلْيَجْلُ جالٍ بصره ويفتح للضياء نظره، فإنّ التفكر حياة قلب البصير كما يمشي المستنير في الظلمات بالنور"(2).

وفي المجالس بإسناده عن أمير المؤمنين (ع) في كلام طويل في وصف المتقين:

"وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم وأبصارهم فاقشعرت منها جلودهم ووجلت قلوبهم فظنوا أن صهيل جهنم وزفيرها وشهيقها في أصول آذانهم، وإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً وتطلعت أنفسهم إلهيا شوقاً وظنوا أنها نصب أعينهم"(3).

ومن الواضح أن من يتمعّن في معاني القرآن الكريم، يتأثر قلبه، ويبلغ مقام المتقين شيئاً فشيئاً. وإن حظي بتوفيق وسداد من الله، لتجاوز هذا المقام أيضاً ولتحوّل كل عضو وجارحة وقوة منه إلى آية من الآيات الإلهية، ولعلّ جذوات خطاب الله وجذباته، ترفعه وتبلغ به إلى مستوى إدراك حقيقة "اقرأ واصعد"(4) في هذا العالم وانتهى إلى مرحلة سماع الكلام من المتكلم من دون واسطة، وتحوّل إلى موجود لا يسع الإنسان فهمه واستيعابه.

ومن الآداب اللازمة في قراءة القرآن، والتي لها دور أساسي في التأثير في القلب والتي لا يكون من دونها لأي عمل أهمية وشأن، بل يعتبر ضائعاً وباطلاً وباعثاً على السخط الإلهي. هو الإخلاص، فإنه ركن أصيل للانطلاق إلى المقامات الأخروية، ورأس مال في التجارة الأخروية.


1- من كتاب الاربعون حديثا للإمام الخميني قدس سره، ص556.

2- أصول الكافي، المجلد2، كتاب فضل القرآ ن، ح5.

3- وسائل الشيعة، المجلد4، الباب3 من أبواب قراءة القرآن، ح6.

4- أصول الكافي، المجلد الثاني، كتاب فضل القرآ ن، باب فضل حامل القرآن، ح4.