الدرس الرابع: الإصلاح والتعاون

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾(1).

أ-الإصلاح واجب إلهي:

إن العمل على تحقيق الأخوة والتواصل والاجتماع وإصلاح ذات البين من أوجب الواجبات الإلهية ضرورة أنه لا يمكن بناء مجتمع متماسك يسير في خدمة الأهداف العليا للإسلام ما لم يكن هذا التكليف قائماً ومعمولاً به لدى المسلمين حيث في المقابل يكون التشتت والتفرّق وتحكم روح العداوة عاملاً هدّاماً لا تستقيم معه مسيرة أهل الإيمان، وهو سبب في فشل وسقوط كثير من القضايا الهامة على مر العصور ولا يزال، فالمطلوب أن تسود روح الجماعة والوفاق في إعزاز المصالح العامة، لا روح الفرد والشقاق في خدمة المصالح الخاصة بما تحكمها من أهواء ورغبات يقول عزّ من قائل: ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ﴾(2) وفي بيان قرآني آخر تأكيد على أن هذا الواجب هو غاية الإرادة في قوله تعالى: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾(3).

وفيما جاء عن مولانا الكاظم (ع): "يا بن بكير! إني لأقول لك قولاً، قد كانت آبائي عليهم السلام - تقوله: إن للحق أهلاً، وللباطل أهلاً، فأهل الحق يجأرون في إصلاح الأمة بنا، وأن يبعثنا اللَّه رحمة للضعفاء والعامة. يا عبد اللَّه! أولئك شيعتنا، وأولئك منا، وأولئك حزبنا، وأولئك أهل ولايتنا"(4).

ب-التعاون وصيّة السماء:

في الذكر الحكيم ﴿وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾(5) إن إعانة الآخرين ومؤازرتهم في مواطن الشدائد ونزول المصائب أمر أولاه الإسلام اهتماماً كبيراً وهو من أعظم شيم وشمائل أهل الولاية سواء في الترابط والتزاور أو في تقديم المساعدات المالية أو البدنية أو المعنوية أو سائر أشكال التعاضد والتكافل سيّما الفقراء والأيتام والمساكين.

في الحديث عن خثيمة قال: "دخلت على أبي عبد اللَّه لأودّعه وأنا أريد الشخوص، فقال: "ابلغ موالينا السلام، وأوصهم بتقوى اللَّه العظيم، وأوصهم أن يعود غنيهم على فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيّهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن في لقاء بعضهم بعضاً حياة لأمرنا، ثم قال: رحم اللَّه عبداً أحيا أمرنا"(6).

ويعتبر السعي في قضاء حوائج الناس من أعظم القربات الإلهية التي أعدّ عليها الثواب الجزيل فوق ما يتصوره الإنسان ويتوقعه حيث جاء عن مولانا الباقر (ع): "من مشى في حاجة أخيه المسلم أظله اللَّه بخمسة وسبعين ألف ملك ولم يرفع قدماً إلا وكتب اللَّه بها حسنة، وحط عنه بها سيئة ورفع له بها درجة، فإذا فرغ من حاجته كتب اللَّه له عزّ وجلّ بها أجر حاج ومعتمر"(7).

وفي الحديث أيضاً: "إن للَّه عباداً في الأرض يسعون في حوائج الناس هم الآمنون يوم القيامة"(8).

ج-دور التواضع في العلاقات الإنسانية:

إن التواضع بحد ذاته فضيلة من الفضائل الإسلامية وهو مصدر قوة للإنسان وليس ضعفاً ووهناً وبه الأمر في الكتاب الكريم: ﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾(9) وقد أشاد أهل البيت عليهم السلام بشرف هذا الخلق واعتبروه من خصال المؤمن وسبباً في رفعته كما جاء عن الصادق (ع): "إن في السماء ملكين موكلين بالعباد، فمن تواضع للَّه رفعاه، ومن تكبر وضعاه"(10) والذي يرتبط بمقامنا هو دور التواضع في عملية الإصلاح والعلاقة مع الآخرين فإنه ليس هناك شك في أن بعض الناس يقومون بخدمة الآخرين أو إجابتهم لكن مع روح مستعلية وتكبّر زائف من خلال ثقافة الطبقات والميّزات العرفية أو العائلية أو غيرها مما لا يقيم له الإسلام وزناً في واجب احترام الآخر وإنما المدار على التقوى في الأفضلية، فمن هنا لا بد من إيضاح هذا الجانب من خلال الآثار التي يتركها في نجاح العلاقات الإنسانية أو فشلها والواقع أنه لا يمكن التصديق أن التواصل والارتباط الوثيق بين أفراد أو مجتمعات هو قابل للاستمرار والديمومة طالما أن أحد الطرفين في إصرار وتصميم على استحقار الآخر وتقزيمه والاستعلاء والتكبر عليه، فكيف يكتب ذلك في سجل محاولات الإصلاح مع كونه دعوة عملية لسيادة منهج الاستكبار الذي يبغضه اللَّه عزّ وجلّ كل البغض حيث يقول سبحانه: ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾(11).

وفي الحديث: "فاعتبروا بما كان من فعل اللَّه بإبليس إذ أحبط عمله الطويل وجهده الجهيد، واستعيذوا باللَّه من لواقح الكبر كما تستعيذون من طوارق الدهر، فلو رخصّ اللَّه في الكبر لأحد من عباده، لرخص فيه لخاصة أنبيائه ورسله، ولكنه سبحانه كرّه إليهم التكابر ورضي لهم التواضع"(12).

وهناك جوانب أساسية في معاشرة الناس أكد عليها القرآن الكريم وما هي إلا مصاديق ومفردات للتواضع الذي هو ركيزة النجاح في المعاملة معهم أو إصلاح أمورهم أو مد يد العون لهم كما في سورة لقمان: ﴿وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾(13)، ﴿وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾(14).

د-صفتان مذمومتان:

فالمطلوب هو عدم الميل بالوجه عن الناس، والإقبال عليهم واستماع حديثهم والاهتمام بهم ولو صغر موقعهم في المجتمع وقد كان رسول اللَّه (ص) يقبل على من يحدثه ولا يرفع يده من يد صاحبه حتى يكون هو الذي يرفعها.

والذي يشير إليه لقمان في وصيته لولده، صفتان مذمومتان جداً وهما أساس تضعيف وقطع الروابط، الاجتماعية الصميمية:

الأولى: التكبر وعدم الاهتمام بالآخرين والاستعلاء.

والثانية: الغرور والعجب بالنفس.

وهما مشتركتان من جهة دفع الإنسان إلى عالم من التوهم والخيال ونظرة التفوق على الآخرين وإسقاطه في هذه الهاوية، وبالتالي تقطعان علاقته بالآخرين وتعزلانه عنهم، وهو نوع من الانحراف في التشخيص والتفكير. فعلى ضوء ما تقدم نعرف الدور البنّاء للتواضع في شتى جوانب العلاقة الإنسانية القائمة على أساس التعاون والإصلاح والمودة في اللَّه تعالى ولنا في رسول اللَّه (ص) أسوة حسنة حيث كان (ص) يكرم من يدخل عليه وربما بسط له ثوبه ويؤثره بالوسادة التي تحته، ولا يقطع على أحد الحديث، وإذا دخل منزلاً قعد في أدنى المجلس حين يدخل.

من فقه الاسلام

س: هل يجوز التحدث أمام الناس عن الأسرار الشخصية وعن الأمور الخاصة السرية؟

ج: لا يجوز كشف وإظهار الأمور الخاصة الشخصية أمام الآخرين فيما إذا كانت مرتبطة بوجه ما بغيره أيضاً أو كان موجباً لترتب مفسدة.

س: يقوم البعض بالتحدث عن بعض المظاهر السلبية في الجمهورية الإسلامية صانها اللَّه من الأعداء أمام الآخرين فما هو حكم الاستماع إلى مثل هذه الأحاديث والحكايات؟

ج: من الواضح أن القيام بأي عمل يوجب تشويه حوزة الجمهورية الإسلامية المواجهة للكفر والاستكبار العالمي ليس لصالح الإسلام والمسلمين، بل يكون لصالح أعداء الإسلام خذلهم اللَّه تعالى، فيكون محرماً شرعاً بلا ريب فلا يجوز عونه على ذلك ولا الإصغاء لكلامه حول مثل هذه الأمور.

س: هل يجوز التجسّس على المؤمنين ونقل أخبارهم لحكومة السلطان الظالم؟

ج: يحرم مثل هذا العمل شرعاً، ويوجب ضمان الخسارة الواردة فيما إذا استندت إلى الوشاية على المؤمنين لدى الجائر(15).

خلاصة الدرس

أ-يعتبر العمل لأجل الإصلاح وتوطيد العلاقات بين المؤمنين من أوجب الواجبات الإلهية وبه أمر اللَّه تعالى في الذكر الحكيم ومن خلاله يبنى المجتمع المتماسك الواحد.

ب-من أهم صفات أهل الولاية التعاون على البر والتقوى وبذل الجهود في سبيل خدمة الضعفاء والمساكين وتكفل الأيتام.

ج-التواضع سرّ نجاح العلاقة مع الآخرين في كل مجالاتها العلمية والعملية ومن خلاله يمكن مواصلة الطريق.

أسئلة حول الدرس

1-كيف ينظر القرآن الكريم إلى الإصلاح؟

2-ما هو التعاون الذي يريده الإسلام؟

3-ما دور التواضع في العلاقات الإنسانية؟

4-كيف تعرف أن الإنسان ناجح في مجتمعه أو لا؟

للحفظ

﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾(16).

"المؤمن أخو المؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى شيئاً منه وجد ألم ذلك في ساير جسده وأرواحهما من روح واحدة"(17).


1- الحجرات:10.

2- آل عمران:105.

3- هود:88.

4- مشكاة الأنوار، ص64.

5- المائدة:2.

6- مصادقة الإخوان، ص53.

7- م. ن، ص73.

8- م. ن، ص75.

9- الشعراء:215.

10- الكافي، ج2، ص122.

11- الزمر:60.

12- نهج البلاغة، ج13، ص131، (شرح ابن أبي الحديد).

13- لقمان: 18.

14- لقمان: 19.

15- أجوبة الاستفتاءات، ج2، ص106-108.

16- آل عمران: 109.

17- صفات الشيعة، ص61.