قصة للمطالعة: أنين وبكاء في ليلة مقمرة

عن الأصمعي قال: خرجت إلى الحج إلى بيت اللَّه الحرام وإلى زيارة النبي (ص) فبينما أنا أطوف حول الكعبة، وكانت ليلة مقمرة وإذا بصوت أنين وحنين وبكاء، فتتبعت الصوت وإذا أنا بشاب حسن الوجه ظريف الشمايل، وعليه ذوايب وهو متعلق بأستار الكعبة وهو يقول:

يا سيّدي ومولاي قد نامت العيون، وغارت النجوم، وأنت حيّ قيوم، إلهي غلقت الملوك أبوابها وقام عليها حجابها، وحراسها، وبابك مفتوح للسائلين، فها أنا ببابك، أنظر برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم أنشأ يقول:

يا من يجيب دعا المضطر في الظلم وكاشف الضرّ والبلوى مع السّقم

قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا وأنت يا حي يا قيوم لم تنم

أدعوك ربّي حزيناً دائماً قلقاً فارحم بكائي بحق البيت والحرم

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف فمن يجود على العاصين بالنّعم

ثم قال: رفع رأسه إلى السماء وهو ينادي إلهي وسيدي أطعتك بمشيّتك فلك الحجة عليّ بإظهار حجتك إلا ما رحمتني وعفوت عنّي ولا تخيبني يا سيّدي ثم قال: إلهي وسيدي الحسنات تسرك والسيئات ما تضرّك، فاغفر لي وتجاوز عني في ما لا يضرك ثم أنشأ يقول:

ألا أيّها المأمول في كلّ حاجة شكوت إليك الضرّ فارحم شكايتي

ألا يا رجائي أنت كاشف كربتي فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي

فزادي قليل لا أراه مبلغي على الزاد أبكي أم على بعد سفرتي

أتيت بأعمال قباح ردّية فما في الورى عبد جنى كجنايتي

أتحرقني بالنار يا غاية المنى فأين رجائي منك وأين مخافتي

قال الأصمعي: وكان يكرر هذه الأبيات حتى سقط مغشيّاً عليه فدنوت منه لأعرفه فإذا هو زين العابدين ابن الحسين بن عليّ عليهم السلام.

قال الأصمعي: فأخذت رأسه ووضعته في حجري وبكيت فقطرت قطرة من دموعي على خدّه ففتح عينيه وقال: من هذا الذي أشغلني على ذكر ربّي؟ قلت يا مولاي عبدك وعبد أجدادك الأصمعي فما هذا الجزع والفزع والبكاء والأنين وأنت من أهل بيت النبّوة ومعدن الرسالة وقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾.

قال: فاستوى قاعداً وقال: هيهات هيهات يا أصمعي إنّ اللَّه تعالى خلق الجنة لمن أطاعه ولو كان عبداً حبشياً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان سيَّداً قرشيّاً أما سمعت قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ﴾ قال الأصمعي: فتركته على حاله يناجي ربّه(1).


1- مصباح الأنظار للفيض الكاشاني.