قصة للمطالعة: جلد الأستاذ يطهر بالدباغة!

حكي أن أحدهم كان في بداية أمره حدّاداً، فصنع ذات يوم محبرة صغيرة، وجعل لها قفلاً عجيباً، وأهداها إلى ملك زمانه، فلما أحضر بين يدي الملك، تعجب الملك من صنعته، ولكن لم يرحّب به كثيراً، ولم يحتفِ به كما كان يتصور، واتفق في ذلك الوقت أن دخل رجل على الملك، وكان الحدّاد حاضراً، فقام الملك احتراماً لذلك الرجل وأجلسه في محله، فسأل عنه الحداد، فقيل له إنه من العلماء، ففكّر في نفسه أنه لو كان من هذه الطائفة لكان أقرب إلى ما كان يطلبه من الفضل والشرف والقبول، وخرج من ساعته لتحصيل العلوم وكان قد ذهب من عمره ثلاثون سنة، وذات يوم قال له المدرّس: لعلك في سنّ لا ينفعك فيه التعلم وأرى أن ذهنك لا يساعد على اكتساب العلم، ثم أخذ يعلّمه هذه المسألة (قال الأستاذ جلد الكلب يطهر بالدباغة) وجعل يكررها عليه، فلما كان من الغد جاء وطلب منه أستاذه أن يعيد الدرس الذي قرأه أمس، فقال: (قال الكلب جلد الأستاذ يطهر بالدباغة) فضحك منه الحاضرون.

يئس من نفسه وضاق صدره فخرج إلى البراري والجبال واتفق أنه رأى قليلاً من الماء يتقاطر من فوق جبل على صخرة صمّاء، وقد ظهر فيها ثقب من أثر ذلك التقاطر، فاعتبر بها وقال: ليس قلبي بأقسى من هذه الصخرة، ولا خاطري بأصلب منها حتى لا يتأثر بالدرس والتحصيل، ورجع ثانية إلى المدرسة بعزمه الثاقب، حتى فتح اللَّه عليه أبواب العلوم والمعارف، وحاز المراتب الأولى عند أهل زمانه من خلال صبره ومداومته وتصميمه على التعلم إلى أن بلغ الدرجة العليا بين كبار العلماء.