الدرس الأول: إقرأ

يقول تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ﴾(1).

أ-أهمية العلم:

إن اللَّه تعالى افتتح الرسالة الإسلامية بالحث على العلم والتعلم لأن بالعلم يعرف اللَّه عزّ وجلّ وبه تكون الخشية الحقيقية فكان أول ما نزل من الوحي على قلب النبي الأعظم (ص): ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * ....... * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم﴾.

فإن كل خير يعود أصله إلى العلم، فما من غرابة حينما نقرأ الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة ونجد التشديد والحثّ الأكيد على بذل المهج وخوض اللجج في سبيل التعلم وجعله المعيار في قيمة الناس ففي الحديث: "أكثر الناس قيمة أكثرهم علماً وأقل الناس قيمة أقلهم علماً"(2) وفي الكتاب الكريم: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾(3).

ب-كمال الإنسان بالعلم:

إن الإنسان يصبح كاملاً حينما يعرف اللَّه معرفة حقيقية وذلك ما كان ليتم إلا عبر طريق العلم المقرون بالعمل.

يقول أمير المؤمنين (ع): "تعلّموا العلم فإن تعلمه حسنة، بالعلم يطاع اللَّه ويعبد، وبالعلم يعرف اللَّه ويوحّد، وبالعلم توصل الأرحام وبه يعرف الحلال والحرام والعلم إمام العقل"(4).

وعنه (ع): "أيها الناس اعلموا أن كمال الدين طلب العلم والعمل به"(5)، يعني أن الإنسان ما دام لا يعمل لا يكون دينه كاملاً لذلك صح أن يقال.

ج-قيمة العلم بالعمل به:

في الحديث: "الشرف عند اللَّه سبحانه وتعالى بحسن الأعمال لا بحسن الأقوال والعمل شعار المؤمن والعلم مصباح العقل والعلم زين الأغنياء وجمال الفقراء والناس في الدنيا بالأموال وفي الآخرة بالأفعال فَتَعلّموا وعلّموا"(6).

إن نظرة الإسلام إلى العلم من حيث أهميته ودوره في بناء الإنسان والمجتمع وعمران البلاد وإصلاح العباد، مرتكزة على ضرورة كونه مقروناً بالعمل وليس الاكتفاء بحيازة الرتب النظرية والقدرة على إدارة الحوار في أي صراع فكري قائم بين أطراف متعددين في المعتقد أو مختلفين في الهدف فكما أن العمل بجهل مرفوض كذلك العلم من دون عمل لا قيمة له من وجهة إلهية ولا يعد الإنسان عظيماً إلا مع محافظته على أمور ثلاثة في مسيرته العلمية أن يكون دائم التعطش والشوق إلى المعرفة والتعلم وأن يعمل بما يعلم وأن يعلّم غيره في الرتبة الأخيرة أي بعد التعلم والعمل وإلا صدق في حقه قوله تعالى: ﴿كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ﴾(7) ولذلك كان الحديث جامعاً لهذه الأركان الثلاثة، في قوله (ع): "من علم وعمل وعلّم عدّ في الملكوت الأعظم عظيماً"(8).

د-العلم النافع:

لا بد أن نعرف أن العلم ذو حدين قد يكون وسيلة يستعان بها في سبيل الوصول إلى أهداف تتنافى مع روح الإسلام ودعوته كحب السمعة والافتخار على الآخرين وطمس الحقائق من خلال فنون المحاورات وسحر البيان وتحكم أسلوب الجدال أو نيل المنصب والرئاسة، وقد يكون وسيلة إلهية في سير الإنسان نحو اللَّه تعالى بغية نيل رضاه فهو على ضوء تحديد الغاية منه يتصف بالنفع أو الضرر وقد تحدثت النصوص الشريعة عن الجانبين:

أما الجانب الايجابي النافع:

فقد جاء عن مولانا الصادق (ع): "من تعلّم للَّه عزّ وجلّ وعمل للَّه وعلّم للَّه دعي في ملكوت السماوات عظيماً"(9).

وأما الجانب السلبي الضارّ:

ورد عن مولانا الرضا (ع): "من تعلّم العلم رياءً وسمعةً يريد به الدنيا نزع اللَّه بركته وضيّق عليه معيشته ووكله اللَّه إلى نفسه ومن وكله اللَّه إلى نفسه هلك"(10).

ومن هذا استعاذ النبي (ص) قائلاً: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع"(11).

هـ- كتمان العلم:

يوجد شريحة من الناس يؤثرون الاختصاص بالعلم لأنفسهم ويعتبرون أن نشره أمر محظور تحدث القرآن الكريم عنهم في قوله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾(12).

وبالإمكان تشبيه أولئك بمحتكري الأدوية مع حاجة الجرحى والمرضى إليها ومنعهم عنها فكيف يتصف هذا الفعل بالحسن يا ترى؟!

يقول النبي (ص): "كاتم العلم يلعنه كل شيء حتى الحوت في البحر والطير في السماء"(13).

و-العلم خير من المال:

عن أمير المؤمنين (ع): "العلم أفضل من المال بسبعة: الأولى: أنه ميراث الأنبياء والمال ميراث الفراعنة، الثاني: العلم لا ينقص بالنفقة والمال ينقص بها، الثالث: يحتاج المال إلى الحافظ والعلم يحفظ صاحبه، الرابع: العلم يدخل في الكفن ويبقى المال، الخامس: المال يحصل للمؤمن والكافر والعلم لا يحصل إلا للمؤمن خاصة، السادس: جميع الناس يحتاجون إلى صاحب العلم في أمر دينهم ولا يحتاجون إلى صاحب المال، السابع: العلم يقوي الرجل على المرور على الصراط والمال يمنعه"(14).

من فقه الاسلام

س: هل يجب على الإنسان تعلم المسائل الفقهية التي يبتلي بها كالشك بين الثلاث والأربع من ركعات الفريضة أو السهو في السجود بحيث سجد مرة أو مرتين؟

ج: يجب تعلم المسائل الفقهية التي هي محل ابتلاء المكلف كسجود السهو ومعالجة الشك بين الركعات.

س: إذا رأى شخص رجلاً يؤدي صلاته على غير الطريقة المطلوبة شرعاً بحيث أنه لا يتشهد في الركعة الثانية ويكتفي بتشهد واحد في كل صلاة فهل يجب عليه تعليمه وإرشاده إلى الوجه الصحيح أو لا يجب باعتقاد أن الآخر يصلي وفقاً لعلمه؟

ج: يجب عليه تعليم الآخر كيفية الصلاة على الوجه الشرعي ولا يجوز الاعتماد على موافقة صلاته لعلمه الخاطئ.

س: يوجد لديّ كفاءة ورغبة في دراسة العلوم الدينية عبر الانتساب إلى إحدى الحوزات العلمية القريبة من مكان إقامتي، وهذا ما لا يرضاه والد أي رغبة منهم في متابعة دراستي في الجامعة فهل يجوز لي الترك؟

ج: إن طلب العلوم الدينية من الواجبات الكفائية ما عدا المسائل التي تعم فيها البلوى كمسائل الشك والسهو فإنها من الواجبات العينية(15).

خلاصة الدرس

أ-أن للعلم أهمية في الإسلام إلى مستوى أن اللَّه عزّ وجلّ افتتح رسالته الإلهية بالحث عليه في سورة إقرأ.

ب- إن كمال الإنسان بالعلم وبه يصل إلى معرفة ربه عزّ وجلّ ويؤدي سائر وظائف العبودية.

ج- إن العلم النافع هو ما تكون الغاية منه إلهية في سبيل الوصول إلى رضا الباري تعالى.

د- لا يجوز كتمان العلم حيث نهى القرآن الكريم عن ذلك.

أسئلة حول الدرس

1-ما هو موقع العلم في الرسالة الإسلامية؟

2-ما هو دور العلم في بناء الإنسان وكماله؟

3-ما هي الصلة بين العلم والعمل؟

4-هل يوجد علم غير نافع؟

5-هل يجوز كتمان العلم؟

للحفظ

﴿وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ وَيَهْدِي إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ﴾(16).

وعن أمير المؤمنين (ع): "هلك خزّان الأموال وهم أحياء والعلماء باقون ما بقي الدّهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة"(17).


1- العلق:1-2.

2- البحار ج1، ص164.

3- الزمر:90.

4- ميزان الحكمة، ج3، ص2065.

5- أصول الكافي، ج1، ص78.

6- ميزان الحكمة، ج6، ص447.

7- الصف:3.

8- م. ن، ص469.

9- م. ن، ص478.

10- البحار، ج77، ص100.

11- ميزان الحكمة، ج6، ص57.

12- البقرة:159.

13- ميزان الحكمة، ج6، ص472.

14- البحار، ج1، ص185.

15- راجع أجوبة الاستفتاءات ج2، ص83 فيما يرتبط بموضوع الدرس.

16- سبأ:6.

17- ميزان الحكمة، حديث 13705.