سورة فصلت
(1): ﴿حم﴾: تقدم في أول البقرة.
(2): ﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾: القرآن رحمة نزل به روح القدس الأمين جبريل من الرحمن على قلب محمد الرؤوف الرحيم.
(3): ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾: بُيِّنت أحكامه ومعانيه ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا﴾: لأن الرسول عربي، وأنذر به عشيرته الأقربين أول من أنذر ? بأمر الله ? ثم أنذر به قومه، وأمرهم أن يبلِّغوا العالم كله رسالة الإسلام، كما هو دأب أصحاب المبادئ والعقائد، فاستجابوا لأمرهم، ودخل الناس في دين الله أفواجًا من شعوب العالم، ثم أهملوا بل وعملوا بتناحرهم، على ضعف الإسلام بل أجهزوا على تطبيق أحكامه وتعاليمه! ولا أدري هل يستيقظون أو يستمرون في هذه المحبة؟.
(4): ﴿بَشِيرًا﴾: بمجد قائم، وسلطان دائم إن استمسكوا بعروة القرآن ﴿وَنَذِيرًا﴾: بالضعف والخزي والمذلة والهوان إن أعرضوا عنه ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ﴾: فساءت عاقبة العرب والمسلمين.
(5): ﴿وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ﴾: جمع كنان وهو الغطاء ﴿وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ﴾: صمم مما تدعونا إليه ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾: أبدًا لا حجاب إلا قادة الجهل والبغي والسوء ولا حياة لقوم يقودهم هؤلاء.
(6): ﴿قُلْ﴾: يا محمد ﴿إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ﴾: هذي هي رسالتي أُعلنها على الأجيال، فادرسوها بتجرد وإنصاف، تجدوها دعوة الحق والعقل والصلاح والإصلاح، وتقدم في الآية110من الكهف.
(7) ? (8): ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾: هذي الآية مكية لأن السورة مكية بالكامل، وزكاة المال الواجبة نزلت بالمدينة وفي تفسير ابن كثير عن ابن عباس أن المراد بالزكاة هنا التوحيد. وليس هذا ببعيد لقوله تعالى بلا فاصل: ﴿وَهُم بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾: و (هم) الثانية مجرد توكيد للأُولى.
(9): ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾: أي دفعتين أو طورين حيث لا أيام قبل خلق الأرض.
(10): ﴿وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ﴾: جبالاً ﴿مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا﴾: حيث أخرج ماءها الأبيض والأسود،وأنبت مرعاها للأنعام والإنسان وغير ذلك من العناصر والمعادن ﴿وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ﴾: قال المفسرون: كان خلق الأرض في يومين وتقدير الأقوات في يومين، فالمجموع أربعة أيام ﴿سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ﴾: المراد بالسائلين هنا المحتاجون، والمعنى أن الخلائق بالكامل سواء في خيرات الأرض وبركاتها.
(11): ﴿ثُمَّ اسْتَوَى﴾: قصد ﴿إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ﴾: في الآية 7 من هود (وكان عرشه على الماء) وتدل هذه الآية أن الماء كان موجودًا قبل خلق السموات والأرض، وعليه يكون المراد بالدخان بخار الماء كما ذهب إليه بعض الفلاسفة القدامى ﴿فَقَالَ لَهَا﴾: للسماء ﴿وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾: هذا القول ينطق به لسان الحال والواقع ويعلن في كل حين أن الكون بما فيه ومن فيه منقاد لأمره تعالى، ومستسلم لمشيئته.
(12): ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾: المراد بالسموات السبع الأكوان السبعة لا الكواكب السبعة، وقد يكون ذكر السموات السبع منزلاً على عادة الناس في تخاطبهم حيث يقولون السموات السبع والأرضون السبع قبل نزول القرآن ﴿وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾: خلق في كل سماء ما فيها من الكواكب وغيرها مما علمه عند خالقه ﴿وَحِفْظًا﴾: يحفظ الله الكون بسنن محكمة وثابتة ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ﴾: وفي الآية 23 من المرسلات (فقدرنا فنعم القادرون) على أن نعطي كل كائن جميع ما يحتاج إليه في عالمه.
(13): ﴿فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾: قل يا محمد لمن أعرض عنك وعن دعوتك: إني أخاف أن يصيبكم الله بعذاب من عنده مثل ما أصاب الأولين.
(14): ﴿إِذْ جَاءتْهُمُ الرُّسُلُ مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾: أي بالغوا واجتهدوا في الإرشاد والتبليغ وسلكوا إليه كل سبيل، فما كان جواب المرسل إليهم إلا أن ﴿قَالُوا لَوْ شَاء رَبُّنَا لَأَنزَلَ مَلَائِكَةً﴾: لا ينزل الله بشرًا من الأرض، بل يرسل ملائكة من السماء، وتقدم في الآية 24 من (المؤمنون).
(15): ﴿فَأَمَّا عَادٌ﴾: قوم هود فأخذتهم العزة بالأثم ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾: فأجابهم ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾: وهل المخلوق بشيء يذكر إذا نسب إلى خالقه؟ قال الإمام علي (ع): كل عزيز غير الله ذليل، وكل قوي غيره ضعيف، وكل مالك غيره مملوك، وكل عالم غيره متعلم، وكل قادر غيره يقدر ويعجز.
(16): ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا﴾: باردة مهلكة ﴿فِي أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ﴾: نكدات، وتقدم في الآية 13 من فصلت.
(17) ? (18): ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ﴾: دعوناهم إلى الهدى، فاختاروا العمى، وتقدم في الآية 62 وما بعدها من هود.
(19): ﴿وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾: يحبسون في العذاب أو يدفعون إليه بعنف.
(20): ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُوهَا﴾: أي جاءوا للشهادة ﴿شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ﴾: أنهم سمعوا التبليغ والإرشاد ﴿وَأَبْصَارُهُمْ﴾: أنهم رأوا المبلِّغ والمرشد ﴿وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾: يمارسون من المحرمات.
(21): ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا﴾: وكنا نحرص عليكم حرصنا على أنفسنا ﴿قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ﴾: بالحق، ومن ألقى بيده إلى الهلاك فلا يلومن إلا نفسه.
(22): ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ﴾: حين اقترفتم الجرائم والآثام من وراء حجاب و ستار ? ما خطر لكم على بال أن أعضاءكم سوف تشهد عليكم ﴿وَلَكِن ظَنَنتُمْ﴾: أي اعتقدتم ﴿أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾: أي لا يعلم ما تسرون، بل يعلم ما تعلنون فقط.
(23): ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ﴾: هو الذي ﴿أَرْدَاكُمْ﴾: أهلككم وقادكم إلى جهنم وبئس المصير، وينطبق هذا على كل من يستتر في المعاصي خوفًا من الناس ولا يخشى الله حتى ولو آمن به وباليوم الآخر.
(24): ﴿فَإِن يَصْبِرُوا﴾: أي المجرمون على النار فهي نصيبهم ومقرهم ﴿وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ﴾: أي يطلبوا الرضا من الله تعالى فلن يرضى عنهم.
(25): ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاء فَزَيَّنُوا لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾: المراد بالقرناء هنا النفس الأمارة وبما بين أيديهم أعمالهم في الماضي والحاضر، وبما خلفهم أعمالهم في المستقبل والمعنى من يعرض عن الله سبحانه يرى الشر خيرًا والقبيح حسنًا والحرام حلالاً في كل ما يقول ويفعل ويقصد ويعتقد ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾: العذاب ﴿فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم﴾: من قبل الذين كذبوا محمدًا ﴿مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ﴾: بتمردهم على الله ورسوله.
(26) ? (28): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ﴾: كان لإعجاز القرآن أبلغ الأثر في النفوس، فتواصى عتاة الشرك والبغي أن يلغوا ويهذوا بصوت عال عند تلاوته كي يضللوا السامع عنه، فتوعدهم سبحانه بأسوأ العذاب لأن أعمالهم أسوأ السيئات.
(29): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾: من الضعفاء التابعين ﴿رَبَّنَا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانَا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ﴾: الأقوياء المتبوعين ﴿نَجْعَلْهُمَا تَحْتَ أَقْدَامِنَا﴾: يتبرأ المضلل من الضال عند الحساب والعقاب، ويحاول الضال التشفي من المضل بكل سبيل، ولو استطاع لداسه بالأقدام، وقطعه بالأسنان.
(30): ﴿إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا﴾: على طاعة الله حتى النفس الأخير فهم المؤمنون حقًا ﴿تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ﴾: عند الموت ﴿الْمَلَائِكَةُ﴾: بالبشرى من الله بأن لهم عنده لزلفى وحسن المآب، أما الذين قالوا: ربنا الله، ثم قاسوا كل ما في الوجود بالمنافع والنقود، فهم شر من الشر لهم في الدنيا خزي، ولهم في الآخرة ما هو أخزى وأشد تنكيلاً.
(31): ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾: ما زال الكلام لملائكة الرحمة مع الذين أطاعوا واستقاموا على الطاعة، وتقول الملائكة لهؤلاء عند الإحتضار: لا تخافوا، فبعد قليل تجدون ما تشتهيه الأنفس وتلذه الأعين.
(32): ﴿نُزُلًا﴾: ضيافة وإكرامًا، وانتصب على الحال من اسم الموصول وهو (ما) ﴿مِّنْ غَفُورٍ﴾: لذنوبكم ﴿رَّحِيمٍ﴾: بكم.
(33): ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ﴾: وإذا قرأنا هذه الآية منضمة إلى قوله تعالى (قالوا ربنا الله ثم استقاموا) تبين لنا أن الإيمان على ثلاث شعب: الأولى إعلان الإيمان بالله ولو كره الجاحدون، الثانية العمل بشريعة الله بإخلاص، الثالثة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما قوله: إنني من المسلمين فمعناه أنا على علم اليقين أني من المهتدين، وأن ديني هو الدين القويم.
(34): ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ﴾: بحكم الطبيعة والبديهة وإلا كان المحسن والمسيء والتقي والشقي بمنزلة سواء ﴿ادْفَعْ﴾: يا محمد من أساء إليك ﴿بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾: تعاطف مع الناس، واصبر على أذاهم، فإن بعضهم إذا تسامحت معه عاد إلى رشده ولام نفسه، وانقلبت عداوته إلى حب وولاء، وقد استفاضت كتب السيرة والتاريخ أن شمائل محمد (ص) وأخلاقه هي أخلاق القرآن، ولا بدع فإن كل مصلح أن يكون قدوة في دعوته عملاً قبل أن تكون قولاً، وفعلاً قبل أن تكون أمرًا ونهيًا.
(35): ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا﴾: أي فضيلة تدفع السيئة بالحسنة ﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا﴾: صبر الأقوياء الأحرار ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾: من الفضائل والمكارم.
(36): ﴿وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ... ﴾: (إما) كلمتان: إن الشرطية وما الزائدة، والتعليق على محال ليس بمحال، فقوله تعالى: لئن أشركت ليحبطن عملك- 65 الزمر، يخاطب به من لا يشرك حتى ولو شنق، وتقدم بالحرف في الآية 200 من الأعراف.
(37): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ... ﴾: الخطاب للصابئة وكل من يعبد الكواكب، والمعنى ما هذه إلا مخلوقات لله تعالى فاعبدوه وحده لا شريك له، ويجب السجود عند تلاوة هذه الآية أو الاستماع إليها، والآية 15 من سورة السجدة و62 من النجم و19 من العلق.
(38): ﴿فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا﴾: أي إن أصر عبدة الكواكب على الشرك فإن الله غني عنهم وعن عبادتهم، وعنده عباد من الملائكة وغيرهم ﴿يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ﴾: عن عبادته مهما طال الأمد.
(39): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً... ﴾: هامدة، وتقدم في الآية 5 من الحج وغيرها.
(40): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا﴾: يطعنون في القرآن ويقولون: هو كذب وسحر، فليقولوا ما يشتهون، ويعملوا ما يشاءون، فإن الله بهم عليم، وأعد لهم ما يستحقون من عذاب الجحيم.
(41): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ﴾: وهو القرآن، وخبر إن محذوف أي معذبون.
(42): ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ﴾: المراد بالباطل هنا المبطل، والمعنى لا قوة في الكون لاحقة أو سابقة تستطيع أن تبطل حقيقة من حقائق القرآن أو أي شيء مما نطق به، وتقدم في الآية 9 من الحجر.
(43): ﴿مَا يُقَالُ لَكَ﴾: يا محمد ﴿إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾: كُذبت رسل من قبلك فصبروا، وكُذبت أنت فاصبر، والعاقبة لك على من كذبك وآذاك، وتقدم في الآية 4 من فاطر.
(44): ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا﴾: الفرق بن الأعجمي والعجمي أن الأعاجم لا يفصح ويبين وإن كان عربيًا، والعجمي المنسوب إلى العجم وإن كان فصيحًا ﴿لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾: نزل القرآن مفصلاً بلغة العرب، فأنكره المعاندون منهم للحق، ولو نزل بغير لغتهم لقالوا: أنبي عربي وكتاب أعجمي، فهم منكرون له طاعنون فيه على كل حال ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى﴾: لعقل من طلب الحق لوجه الحق ﴿وَشِفَاء﴾: لصدر من يشكو من داء الشك والريب ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾: ولا يفكرون إلا بمتعتهم وجشعهم أولئك ﴿فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾: أي يستحيل أن يستجيبوا لدعوة الحق أيًا كان مصدرها ﴿أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ﴾: لا يسمعون نداء الحق حتى كأن بينهم وبينه بعد المشرقين، وإن كان أقرب إليهم من حبل الوريد.
(45): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾: اعترفت به فئة، وأنكرته أخرى تمامًا كما هو الشأن في القرآن والإنجيل ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾: بتأجيل العذاب إلى يوم القيامة ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾: بتعجيل العقاب ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْه﴾ُ: من القرآن ﴿مُرِيبٍ﴾: يجادلون في القرآن وهم على غير بصيرة من أنفسهم، بل ويعلمون أنهم يتخبطون خبط عشواء، ولكنهم يتظاهرون بالعلم والمعرفة وما أكثر هذا النوع.
(46): ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء... ﴾: ما من أحد يؤخذ ويعاقب بالعدل في الدنيا والآخرة إلا إذا كان هو بالذات السبب الموجب للأخذ والعقاب بحيث لو كان هو الحاكم العادل لحكم على غيره بنفس ما حكم الغير عليه.
(47): ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾: لا أحد يعلم متى تقوم القيامة إلا هو، ولا تخفى عليه خافية، وتقدم في الآية 59 من الأنعام و34 من لقمان وغيرهما.
(48): ﴿وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَدْعُونَ مِن قَبْلُ﴾: قد يكون للإنسان في الدنيا صنم أو مال أو شيء يعتز به حتى إذا قامت القيامة لم يجد شيئًا إلا عمله.
(49): ﴿لَا يَسْأَمُ الْإِنسَانُ مِن دُعَاء الْخَيْرِ﴾: يلح في طلب المال والجاه والصحة والأمان ﴿وَإِن مَّسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُوسٌ قَنُوطٌ﴾: يطير صوابه وتنهار أعصابه.
(50): ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّاء مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هَذَا لِي﴾: حق لازم، ولا فضل لأحد عليَّ، لأني أملك كل المؤهلات والكفاءات لهذا الغنى والخير الذي أنا فيه! وما من شك أن هذا كافر إلا أن يستثني ويقول: لا فضل عليَّ إلا لله ﴿وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً﴾: فيه إيماء إلى أن الغنى قد يؤدي بالمرء إلى إنكار البعث ﴿وَلَئِن رُّجِعْتُ إِلَى رَبِّي﴾: وإن صحَّ أن هناك نشرًا وحشرًا فمكانتي مضمونة عند الله، لأن العظيم عظيم أينما كان ويكون، وإذا لم يكن لهذا المغرور الكفور إلا هذه الغطرسة لكفى بها جرمًا وجريمة، وتقدم في الآية 32 ? 44 من الكهف ﴿فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا... ﴾: كل الأقوال و الأفعال والمقاصد هي في علم الله، دقيقها وجليلها، خيرها وشرها، وبمثلها وقدرها يكون الثواب والعقاب.
(51): ﴿وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنسَانِ... ﴾: إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن كما قال الإمام علي (ع) وتقدم مرارًا، منها الآية 9 وما بعدها من سورة هود.
(52): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُم بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾: قل يا محمد للذين كذبوا بالقرآن: أخبروني ماذا يكون حالكم ومآلكم لو كان القرآن حقًا من عند الله، ألستم عندئذ مخالفين للحق مكابرة وعنادًا.
(53): ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ﴾: أي في أشياء الكون كله أرضًا وسماء ﴿وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ﴾: أي القرآن هو ﴿الْحَقُّ﴾: يقوم منهج القرآن للرد على خصومه ومخالفيه ? على أمرين: الأول النظر إلى الشيء المختلف فيه نظرة موضوعية مجردة عن التقليد وكل رأي سابق كما جاء في آيات التقليد للآباء والأجداد ? الثاني الإعتماد على منطق الحس والعقل سلبًا وإيجابًا، وعلى هذا الأساس قال لعبدة الأصنام: إنها لا تنفع ولا تضر، ولمن ألَّه الكواكب: إنها تأفل وتغيب، وللمشركين: لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا، ولمن قال: البعث محال: من أوجد النشأة الأولى يوجد الثانية، أما الذين أنكروا وجود الله سبحانه فقد وعدهم أن يكشف لهم عن الأدلة الناطقة بوجوده في أنفسهم بالذات، وفي أشياء الكون بأرضه وسمائه، وصدق بوعده حيث اهتدى العلماء قديمًا وحديثًا في الكون والإنسان إلى قوانين وسنن وحقائق لا يمكن ويصح تفسيرها إلا بوجود الله، لأن الفكرة المضادة حماقات، وأشرنا إلى ذلك مرارًا فيما سبق، ووضع العلماء فيه كتبًا خاصة، ومنها على سبيل المثال: الله يتجلى في عصر العلم، والعلم يدعو إلى الإيمان، والدين في مواجهة العلم ﴿أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾: أودع سبحانه في كل شيء آية ظاهرة واضحة تدل على أنه واحد.
(54): ﴿أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاء رَبِّهِمْ﴾: يقول سبحانه: الذين يتركون القبائح والمحرمات، ولا يشعرون بالمسئولية وسوء العاقبة هم الذين يشكون في كل حق، وإن قام عليه ألف دليل ودليل، وقد هدد سبحانه هؤلاء بقوله: ﴿أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ﴾: ومنه كتاب المجرمين الذي لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها.