سورة الإسراء
(1): ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ﴾: محمد روحًا وجسدًا لظاهر الوحي، ولا ينكره العقل ﴿لَيْلاً﴾: لمجرد التوضيح لا للإحتراز من الضدّ لأن الإسراء للسير ليلًا لانهارًا ﴿مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾: في مكة المكرمة ﴿إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى﴾: = بيت المقدس في فلسطين، وسمي الأقصى لبعده عن مكة، وقيل لمن يكن وراءه مسجد آنذاك، وكثير من المؤلفين يستعملون كلمة الإسراء في رحلة النبي (ص) من المسجد الأول إلى الثاني، والمعراج في رحلته من بيت المقدس إلى السماوات العلى ﴿الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾: الضمير للمسجد الأقصى، والبركة بما كان فيه وفي ضواحيه ونواحيه من أنبياء ﴿لِنُرِيَهُ﴾: محمدًا ﴿مِنْ آيَاتِنَا﴾: عجبًا ﴿إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ﴾: لقول من صدّق أو كذّب بهذا الإسراء والمعراج، والجزاء موفور للاثنين: الثواب لمن آمن وصدق بهذه الرحلة المحمدية السماوية والعذاب لمكن كفر بها وكذبها، ولا يسوغ له أن يتعلل ويعتذر بأن هذا الارتقاء وصعود الإنسان إلى السماء كان في القديم غير مألوف ومعروف، لأن على العاقل أن يفرق بينما هو خارق للعادة كتحول العصا إلى حية وما هو مستحيل في ذاته مثل أن يكون الشيء غير نفسه، وجزء الشيء أكبر من كله، والأول ممكن الوقوع ويثبت بخبر الصادق دون الثاني، قال الفيلسوف الانجليزي دافيد هيوم ما معناه: إذا أخبرك مخبر عن معجزة فأنظر: (إن كان تكذيب المخبر مستحيلا عندك فصدقه حتى ولو كانت المعجزة المخبّر عنها فوق ما تدرك وتتصوّر، وإلا فكذبه وإن كانت المعجزة ممكنة الوقوع في فهمك وعقلك) ومحمد (ص) هو الصادق الأمين بشهادة خصومه، وقد اخبر عن الإسراء والمعراج فوجب التصديق بغض الطرف عن الوحي. وفي جريدة أخبار اليوم المصرية، تاريخ 2/9/1972: (أن الدراسات الأكاديمية في كثير من الدول بخاصة في أميركا يدرسون هذه الرحلة بشيء كثير من الإمعان، ويدققون طويلا في كتب السيرة النبوية).
(2): ﴿وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾: التوراة ﴿وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: هاديًا لبني يعقوب بن اسحق بن إبراهيم ﴿أَلاَّ تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلاً﴾: نصيرًا ومعبودًا، ولكنهم حرفوا التوراة، وانتصروا بالطغاة، واتبعوا الشهوات.
(3): ﴿ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ﴾: حمل نوح في السفينة أولاده الثلاثة: سام وحام و يافث، وفي قاموس الكتاب المقدس: (سام أكبر أولاد نوح، ومعناه في العبراني اسم، ومن نسله العرب واليهود والآراميون والأشوريون، وتدعى اللغات التي يتكلم بها نسل سام اللغات السامية، ومنها اللغة العربية والعبرانية) ومعنى هذا أن العرب واليهود أولاد عم، ولا فخر، والله سبحانه نادى بني إسرائيل في هذه الآية بذرية(من حملنا) وحرف النداء محذوف أي يا ذرية من حملنا مع نوح ﴿إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا﴾: كان جدكم نوح شاكرا ذاكرًا أيها اليهود فلماذا أنتم تكفرون ولا تشكرون.
(4): ﴿وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ﴾: أخبر سبحانه بني إسرائيل في كتاب التوراة: أنكم ﴿لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ﴾: الخطاب للحاضرين آنذاك والمراد نسلهم وخلَفهم، لأن هؤلاء امتداد لأولئك، والمقصود بالإفساد سلطان البغي والعدوان بدليل قوله تعالى بلا فاصل: ﴿وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا﴾: وشهد بطغيان الدولة اليهودية التي أشار إليها سبحانه جماعة من المؤلفين والفلاسفة، منهم الفيلسوف الهولندي اليهودي إسبينوزا (ت1677م) فقد أطال الحديث عن فساد وإفساد الدولة اليهودية، وعقد بذلك بالخصوص الفصل السابع عشر والثامن عشر من رسالته الكبيرة في اللاهوت والسياسة، وترجمها إلى العربية حسن حنفي.
(5): ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ أُولاهُمَا﴾: إذا وجدت الدولة الأولى، وعاثت في الأرض فسادًا ﴿بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ...﴾: لهم قوة وعدة وعدد، قتلوا وأسروا وشردوا وسبوا ونهبوا، أنظر التفسير الكاشف وكتاب التاريخ بني إسرائيل من أسفارهم لمحمد عز دروزة.
(6): ﴿ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ...﴾: إشارة إلى الدولة اليهودية الثانية الباغية المفسدة. وفي قاموس الكتاب المقدس: (أورشليم- أي القدس- كانت عاصمة يهوذا وفلسطين السياسية... ونهب شيشق ملك مصر أورشليم، وكذلك نهبها الفلسطينيون والعرب معًا في عصر يهورام- أحد ملوك اليهود وأستمر ملكه من 850 إلى سنة 843 قبل الميلاد- أما نبوخذ نصّر أي بخت نصّر ملك بابل فقد أخذ المدينة مرتين، وأذن الملك كورش الفارسي وشجع كثيرين من اليهود للرجوع إلى أورشليم... وضم لإسكندر الأكبر أورشليم على إمبراطوريته، وبعد موته صارت أولًا تحت حكم البطالسة في مصر، ثم انتقلت إلى حكم السلوقيين في سوريا، وفي عام 165 قبل الميلاد ثار المكابيون من اليهود، وأقاموا مملكة يهودية وكانت عاصمتها أورشليم، وبعد أخذ القائد الروماني بومباي أورشليم عام 63 قبل الميلاد أصبحت المدينة تحت حكم الرومان) ولم يقم لليهود حكم ولا سلطان من سنة 63 قبل الميلاد إلى سنة 1948 بعد الميلاد. وفي أول المجلد الخامس من التفسير الكاشف أثبتنا بالدليل القاطع أن اليهود الذين يحتلون الآن أرض فلسطين ليسوا من بني إسرائيل يعقوب بن اسحق في شيء، وإنما هم أشتات لا رابط بينهم وقد تجمعوا فرقًا من هنا وهنا، وتستروا وراء إسرائيل بوقاحة لا حد لها.
(7): ﴿إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ﴾: كل من يفعل الخير لوجه الخير يأخذ من الله والناس أكثر مما فعل وأعطى، وفي الأشعار: لا يذهب العرف بين الله والناس ﴿وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا﴾: وكل من يفعل الشر يأخذ الشطان منه دينه وآخرته وإنسانيته وكرامته ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ﴾: إذا أفسد اليهود في الدولة الأخيرة ﴿لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ﴾: تظهر عليها آثار الهم والغم ﴿وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ﴾: أي القدس ﴿كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيرًا﴾: التتبير: الهلاك، وما علوا: ما استولوا وتسلطوا عليه، والمعنى أن اليهود إذا ملكوا وحكموا أهلكوا ودمروا كل مايقدرون على تدميره. صدق الله العلي العظيم.
(8): ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ﴾: على أن تتوبوا وترحموا لأن من لا يَرحم لا يُرحم ﴿وَإِنْ عُدتُّمْ﴾: إلى الضلال والإجرام ﴿عُدْنَا﴾: إلى العذاب والإنتقام.
(9) ? (10): ﴿إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾: لأقوم الطرق وأوضح السبل، وأية جدوى من الهداية إذا لم تقترن بالسمع والطاعة، ولذا قال سبحانه: ﴿وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا﴾: لا فاصل بين الإيمان والعمل، هذا هو منطق القرآن ومبدأه: (كبر مقتًا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون- 3 الصف).
(11): ﴿وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ﴾: ما من صنف أو فرد من الناس إلا وله صورة وهوية في كتاب الله، وتشير هذه الآية إلى الجبان الضعيف الخوّار الذي ينهار بكله لأدنى حادث، ويدعوا على نفسه بالموت كما يتمنى لها طول البقاء ساعة اليسر والهناء، وفي نهج البلاغة: لا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم ﴿وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً﴾: في دعاءه بالشر، والمراد بعض أفراد الناس، وفي نهج البلاغة: فكم من مستعجل بما أدركه ودَّ أنه لم يدركه.
(12): ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ﴾: دالتين على وجود الله تعالى حيث يتعاقبان وفقًا لقوانين ثابة ونظام دائم يدل على وجود مدبر حكيم وقادر عليم ﴿فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ﴾: المراد بالمحو هنا الظلمة وعدم الإبصار فيه بدليل قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً﴾: نيّرة، تبصر الأشياء في ضوئها ﴿لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ﴾: نسكن في الليل، وننشر في النهار للأعمال والأسفار، وتقدم في الآية 67 من يونس ﴿وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ﴾: تقدم بالحرف في الآية 5 من يونس ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً﴾: أبان سبحانه أصول الدين وفروعه بكل وضوح، وما لأحد بعد هذا يأتي الناس بدين جديد، كما ادعى غلام أحمد القادياني، وقال في كتابه الإستفتاء ص46: (لما جعلني الله مثل عيسى جعل السلطة البريطانية ربوة أمن وراحة ومستقرًا حسنًا)( عن كتاب المجددين في الإسلام لأمين الخولي ص27).
(13) ? (14): ﴿وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ﴾: عمله الصادر الطائر عنه بإرادته واختياره ﴿فِي عُنُقِهِ﴾: كناية عن أن الإنسان هو وحده المسؤول عن عمله ﴿وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا...﴾: لا شك ولا ريب في يوم القيامة، فكل شيء محسوس وملموس، ولذا يقول سبحانه لعبده: هذا عملك بالكامل، وهذا كتابك بيدك، فحاسب نفسك لنفسك، وأدلِ بما لديك من حجة إن كنت تملكها.
(15): ﴿مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ﴾: هذا حكم ضروري طبيعي لا يتوقف على التشريع هو توضيح وتوكيد لقوله تعالى: ألزمناه طائره في عنقه وتقدم في الآية 104 في الأنعام ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾: تقدم في الآية 164 من الأنعام ﴿وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً﴾: أيضًا هذا حكم ضروري طبيعي، ويتلخص بكلمة واحدة: لا عقاب بلا بيان، وفي الحديث الشريف رفع عن أمتي ما لا يعلمون، وقال الإمام الصادق (ع): إن الله احتج على الناس بما آتاهم وعرفهم.
(16): ﴿وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا﴾: جمع مترف وهو الغني المنعم في الحياة الدنيا، وأطلقت الآية كلمة المترفين هنا على جميع أهل القرية بلا استثناء لأن الأمر بالحق والعدل يعم ويشمل الفقراء والأغنياء وخص سبحانه المترفين بالذكر لأنهم إلى المعصية أسرع، ولأنهم متبوعون لا تابعون ﴿فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا﴾: بعد أن قال سبحانه ما معناه: لا عقوبة بلا نص فرع على هذا الأصل وقال- وهو الرحمن الرحيم والعادل الحكيم لا نهلك أهل قرية إلا بعد أن تقوم عليهم الحجة بإرسال الرسل يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويبشرون وينذرون فإذا عصوا ما أمروا به أنزل بهم الهلاك والدمار، ومعنى هذا أن الأمر بالخير والمعروف هو المحك الذي أظهر فسادهم وضلالهم، فحقت عليهم كلمة العذاب.
(17): ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِن بَعْدِ نُوحٍ﴾: هذا تهديد ووعيد للذين كذبوا محمدًا آنذاك بأن الله قادر على أن يجعل مصيرهم كمصير الذين كذبوا أنبيائهم من قبل.
(18): ﴿مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ﴾: ما كل من طلب الدنيا بمدركها إلا أن يشاء الله، ومن طلبها وعمل لها وحدها معرضًا عن الآخرة فإنه يستثمر نتيجة جهده وعمله، ولكن بمشيئة الله لا بحول العبد وقوته وفي نهج البلاغة: لا نملك مع الله شيًا إلا ماملكنا، وهو أملك به منا ﴿ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا﴾: لأنه لا يرى إلا همه وهمّ ذويه، أم المبادئ والقيم فهي أداة للصوصيته ووسيلة لشهوته.
(19): ﴿وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا﴾: من أراد الجنة فعليه أن يدفع الثمن سلفًا، وقد حدده سبحانه بقوله: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدًا عليه حقًا ? 111 التوبة) وأيضًا حقًا عليه سبحانه أن لا يُدخل الجنة من دخل في جوفه شيء من الحرام، فقد روى القمّي في سفينة البحار عن المعصوم أنه قال: (حبس شهيد على باب الجنة بثلاثة دراهم ليهودي) وإذا كانت هذه هي حال الشهيد الذي يلقى الله مضرجًا بدمه في سبيل الله، من أجل ثلاثة دراهم ليهودي، فكيف بمن يأكل الألوف المؤلفة من أموال المساكين الموالين للنبي وآله (ص)؟.
(20): ﴿كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء﴾: إشارة إلى من عمل لدنياه دون آخرته، ولمن عمل لهما معًا ﴿مِنْ عَطَاء رَبِّكَ﴾: الكون بمن فيه وما فيه فيض من الله وعطائه حتى الجاحدين به يتنعمون بأفضاله وآلائه، لأنه هو الذي خلقهم وأوجدهم، وفعله عدل وحكمة، ومن هنا أعطى كل شيء ما يحتاج إليه في وجوده وبقاءه ﴿وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا﴾: ويستحيل أن تقوم له الحجة على عباده إلا بعد الهبة والعطاء بلا ثمن وعوض.
(21) ? (22): ﴿انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾: لا طبقات عند الله على أساس الجاه والمال واللون والنسب، كيف وهو القائل: إن أكرمكم عند الله أتقاكم؟ وعليه يكون المراد بالتفضيل هنا في الصحة والموهبة والعمر والرزق عن طريق ما أحل الله وشرع، أم المال الحرام والعيش على حساب الآخرين فمن الشيطان لا من الرحمن حيث لا ظلم وبغي عند الله ولا مجازفة وعبث ﴿وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾: قد تكون دنيا الأشرار أفضل ألف مرة من دنيا الأخيار، أما في الآخرة فلأهل الشر نار وجحيم، ولأهل الخير أمان ونعيم.
(23) ? (24): ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا... ﴾: قضى ربك: أوصى وأمر بأن تكون العبادة خالصة لله لا شائبة فيها لسواه، وقرن سبحانه البر والإحسان للوالدين بهذه العبادة الخالصة تمامًا كما قرن النبوة بالإلوهية، والزكاة بالصلاة، والعمل الصالح بالإيمان، في العديد من آياته، ومعنى هذا أن لبر الوالدين أكرم المنازل عند الله وأفضلها، أم السر لذلك فقد أوضحه الإمام زين العابدين وقدوة المتقين (ع) بدعائه لوالديه الذي قال فيه من جملة ما قال (أين طول شغلهما بتربيتي؟ وأين شدة تعبهما في حراستي؟ وأين إقتارهما على أنفسهما للتوسعة عليّ؟ هيهات ما يستوفيان حقهما مني، ولا أُدرك ما يجب عليّ لهما، ولا أنا بقاضٍ وضيفة خدمتهما).
(25): ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ﴾ : لأنه هو الذي خلقها. وأودع فيها من جملة ما أودع غريزة الرضا والغضب ﴿إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ﴾: بارين محسنين للآباء والأمهات ثم بدرت من أحدكم بادرة إلى أبويه لسبب أو لآخر. وندم بعدها واستغفر منهما فإن الله سبحانه يغفر لمن تاب وأصلح.
(26): ﴿وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾: نقل الشيخ الطبرسي في مجمع البيان عن السدي التابعي والمفسر الكبير: أن المراد بذي القربى هنا قرابة الرسول (ص)، ومثله في تفسير البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي، وفي أحكام القرآن لأبي بكر المعافري المالكي. وقيل: المراد بالقربى قرابة الرجل ﴿وَالْمِسْكِينَ﴾: المحتاج ﴿وَابْنَ السَّبِيلِ﴾: المنقطع في السفر، واسمه يدل عليه، وللإثنين حق لازم في الزكاة بنص الآية 60 من التوبة ﴿وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا﴾: والتبذير: الإنفاق في غير الوجه المعروف لدى العقلاء.
(27): ﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ﴾: ومازالوا ﴿إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾: كل من تجاوز الحد المشروع والمعقول في النفقة أو في غيرها فهو من حزب الشيطان.
(28): ﴿وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ﴾: عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل، ومعنى تعرضن تمنع المال عنهم لفقده ﴿ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا﴾: أي انتظرت ودعوت الله سبحانه أن يغنيك ويغنيهم من فضله ﴿ورحمته فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا﴾: ومعنى الآية بجملتها إن كان لديك مال تصدقت وإلا فقول معروف، وفي الحديث: إن لم تسعوا الناس بأموالكم فسعوهم بأخلاقكم.
(29): ﴿وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ﴾: لا تسرف ولا تقتر ﴿فَتَقْعُدَ مَلُومًا﴾: يلومك الناس على إسرافك وإضرارك بنفسك ﴿مَّحْسُورًا﴾: نادمًا على ما فرطت، هذا إذا أسرفت، أما إذا قترت وعشت في الدنيا عيش الفقراء، وحاسبك الله في الآخرة حساب الأغنياء كما قال الإمام علي (ع).
(30): ﴿إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾: ظن كثير من المفسرين وغيرهم أن مشيئة الله سبحانه تتحكم بالمنع والعطاء تحكمًا مطلقًا بلا حد وأساس، وأن من يعترض على ذلك فقد رد على الله وحكمه ومشيئته وتشبثوا بكلمة (يشاء) وما يشبهها في العديد من الآيات! وغاب عنهم أن الله مدبر عليم وعدل حكيم، يتنزه عن التشهي والعبث بحم العقل ونص القرآن، ومعنى هذا أن مشيئته تعالى مقيدة بالحكمة الإلهية والأسباب الطبيعية، ويكون معنى الآية أن ربك يبسط الرزق والعطاء لمن يشاء بأسبابه الموجبة كالسعي والميراث والهبة وحسن التدبير، وأيضًا يمنع ويقدر تبعًا للحكمة والسنن التي توجب المنع والحرمان كترك السعي والعمل وسوء التدبير والتبذير وما يشبه ذلك من موجبات، ومن هذا الباب قوله تعالى: (نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم- 83 الأنعام) علمًا بأن المراتب والمنازل عنده لن تكون إلا على أساس العلم والتقوى: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون-9 الزمر... إن أكرمكم عند الله أتقاكم - 13 الحجرات) وكلمة حكيم وعليم في آية الأنعام تدلان أن رفع الدرجات سببه حكمة الله وعلمه بمن يستحق الرفع والخفض، وأيضًا من هذا الباب قوله تعالى: (فيضل من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم-4 إبراهيم) وتقدم أنه تعالى يهدي إليه من تاب وأناب كما في الآية 13 من الشورى، وأنه لا يضل إلا الفاسقين كما في الآية 26 من البقرة.
(31): ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ...﴾: تقدم في الآية 137 و151 من الأنعام.
(32): ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً﴾: منتهى القبح، وما فشا في مجتمع إلا كان مصيره إلى الفساد والإنحلال.
(33): ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ...﴾: تقدم في الآية 151 من الأنعام وغيرها ﴿وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا﴾: لا قصاصًا أو حدًا ﴿فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ﴾: وأولياء القتيل قرابته من أبيه ﴿سُلْطَانًا﴾: تسلطًا على القاتل، إن شاء قتل أو أخذ الدية أو عفا ﴿فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ﴾: لا يسوغ للولي أن يمثّل بالقتيل أو يسيء إلى أقاربه وذويه ﴿إِنَّهُ﴾: الولي ﴿كَانَ مَنْصُورًا﴾: محقًا في القصاص.
(34): ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ...﴾: تقدم بالحرف في الآية 152 من الأنعام ﴿وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ﴾: مع الله والناس ومثله العقد. انظر تفسير الآية 1 من المائدة ﴿إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً﴾: عنه يوم القيامة.
(35): ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ﴾: وغير الكيل، ولا تبخسوا الناس أشياءهم ﴿وَزِنُواْ بِالقِسْطَاسِ﴾: بالميزان ﴿الْمُسْتَقِيمِ﴾: العدل ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾: مآلًا وعاقبة، من آل إذا رجع.
(36): ﴿وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾: نهي عن القول بلا علم وعن الحكم بالتهمة، وعن القطع باللمحة، وعن الرجم بالظنة ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً﴾: فالويل كل الويل لمن قال: سمعت ولم يسمع، ورأيت ولم ير، وعلمت ولم يعلم.
(37): ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا﴾: الفرق بين الإنسان الواقعي والمخلوق الخرافي، أن الواقعي يعرف نفسه، ويعيش في عالمه ودنياه، أم الخرافي فهو الذي يجهل نفسه، ويفصله العجب والغرور عن واقعه، وينتقل به إلى عالم الأحلام والأوهام، فيرى نفسه أعلم الناس وهو أجهلهم، وأقوى الناس وهو أضعفهم، وخير الناس وهو شرًا من الشر ﴿إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً﴾: كناية عن ضعفه وعجزه وأنه محاط بكائنات من فوقه ومن تحته وأمامه ووراءه، وعن يمينه وشماله هي أقوى منه وأعظم. إن في ذلك لذكرى لمن كان له عقل وقلب.
(38) ? (39): ﴿كُلُّ ذَلِكَ﴾: الذي نهينا عنه من التبذير.. إلى التعالي ﴿كَانَ سَيٍّئُهُ﴾: كان قبيحًا ﴿عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا﴾: المراد بالكراهة هنا التحريم.
(40): ﴿أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلآئِكَةِ إِنَاثًا﴾: تقريع وتوبيخ لبعض عرب الجاهلية الذين قالوا الملائكة بنات الله، وتقدم في الآية 57 من النحل.
(41): ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَـذَا الْقُرْآنِ﴾: ذكرنا فيه وكررنا الدلائل والشواهد على وجود الخالق المبدع، ودعونا إلى الخير وزجرنا عن الشر مبشرين ومنذرين ﴿لِيَذَّكَّرُواْ﴾: ليعلموا ويعملوا ﴿وَمَا يَزِيدُهُمْ﴾: التذكير ﴿إِلاَّ نُفُورًا﴾: بعدًا.
(42) ? (43): ﴿قُل لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلاً﴾: قل يا محمد للذين يعبدون الأصنام يقربوهم إلى الله زلفى: إن كان الأمر كما تقولون فمعنى هذا إن للأصنام شئنًا ومكانًا عند الله لأنهم سمعوا له وأطاعوا، فاستشفعوا أنتم لدى الله بالسمع والطاعة لا بالأصنام ولماذا اللف والدوران.
(44): ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ﴾: وتسبيح كل شيء بحسبه، فالعاقل يسبح باللسان المقال، وغيره باللسان الحال، وكأنه يقول أؤمن بمن أوجدني، وأنزهه عن العجز والنقص ﴿وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ﴾: إلا من كان له عقل يفهم عن الله سبحانه، ما أقام من البينات على وجوده وعظيم قدرته:
(45): ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ﴾: يا محمد ﴿الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا﴾: أي ساترًا. كان النبي (ص) إذا قرأ القرآن يتصدى له المشركون بالأذى ويسخرون منه ومما يتلو، فقال سبحانه لنبيه ونجيه: امض في قراءة القرآن و الدعوة إلى الله، وهو سبحانه يحجبهم عنك بحائل بينك و بينهم.
(46): ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾: جمع كنان وهو الغطاء ﴿وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾: صممًا، وأسند سبحانه الغطاء والصمم إليه تجّوزًا لا حقيقة لأنه هو الذي خلق القلوب والآذان، فاستعملوها في غير ما خلقت من أجله، وتقدم في الآية 25 من الأنعام ﴿وَإِذَا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْاْ عَلَى أَدْبَارِهِمْ نُفُورًا﴾: لا شيء أشد وأثقل من كلمة(لا إله إلا الله) على قلوب الجبابرة الطغاة لأنها تعني المساواة بين الجميع في الحقوق والواجبات، لا أسود ولا أبيض، لا غني وفقير، وحقير وكبير إلا أن يسدي للناس يدًا تذكر فتشكر.
(47): ﴿نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾: كان المشركون يسترقون السمع من النبي(ص) وهو يقرأ القرآن، بقلب حاقد وعقل معاند، فأخبر سبحانه نبيه الكريم بحالهم هذه ﴿وَإِذْ هُمْ نَجْوَى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلاً مَّسْحُورًا﴾: يستمعون للقرآن ويقول بعضهم لبعض وللناس أيضًا: إن محمدًا تلبسته الجن، ونطقت على لسانه بهذه الحكمة والبلاغة.
(48): ﴿انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأَمْثَالَ﴾: أي كيف مثلوك و شبهوك بالساحر والكاهن والشاعر والمجنون! ولماذا محمد ساحر؟ أبدًا لا لشيء إلا لأنه نطق بالحق ولم يخش لومه لائم. وهكذا المحق عند المبطلين في كل زمان ومكان ﴿فَضَلُّواْ فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً﴾: إلى تكذيب الصادق الأمين إلا بالتضليل والافتراءات والدس والمؤامرات.
(49): ﴿وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾: تومئ هذه الآية إلى أن بعض المشركين كانوا على استعداد تام أن يؤمنوا بنبوة محمد (ص) لولا مسألة البعث، لأنها فوق ما يتصورون ويدركون.
(50): ﴿قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا﴾: قالوا: كيف نحيا ونبعث ونحن عظام بالية؟ قال سبحانه لنبيه: قل لهم: لو كنتم صخرًا وفولاذًا لأعادكم مرة ثانية، فكيف بالعظام البالية؟.
(51): ﴿أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ﴾: بل افترضوا في تصوركم أنكم أقوى وأصلب من الصخر والحجارة والحديد والفولاذ، ومع هذا فإنه يعيدكم ويبعثكم... أبدًا لا فرق لدى قدرته بين خلق السموات والأرض وخلق الذرة أو جناح البعوضة ﴿فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾: الذي خلقكم أول مرة قادر على خلقكم ألف مرة ومرة ﴿فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ﴾: يحركونها استبعادًا وإنكارًا ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا﴾: أي آت لا محالة وكل آت قريب، وإن طال به الزمن.
(52): ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ﴾: المراد باليوم يوم البعث، وبالدعاء النفخ في الصدور، والاستجابة كناية عن خروجهم من الأجداث، وبحمده: طائعين منقادين ﴿وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ﴾: في الدنيا ﴿إِلاَّ قَلِيلاً﴾: (قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يومًا أو بعض يوم- 113 المؤمنون).
(53): ﴿وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾: وهي الكلمة التي توضع في محلها اللائق، وأفضلها كلمة عدل عند إمام جائر كما في الحديث الشريف، فإن تجاوزت الكلمة محلها فهي سفه وجهالة، وفي كتاب الحكمة الخالد: من بادر إلى الكلام عن كل ما يخطر بقلبه فقد استخف بنفسه واحتقرها. وفي نهج البلاغة: لا تقل ما لا تعلم، بل لا تقل كل ما تعلم ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ﴾: يلتمس عثرات اللسان ليتخذ منها وقودًا لنار العداوة والبغضاء بين الناس.
(54) ? (55): ﴿رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ﴾: بمقتضى حكمته وعلمه إنكم أهل لرحمته ﴿أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذِّبْكُمْ﴾: أيضًا بمقتضى عدله وعلمه إنكم أهل للعذاب(ولا يظلم ربك أحدًا- 49 الكهف) أنظر الآية 30 من هذه السورة ﴿وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ﴾: كل الأنبياء بمنزلة سواء في الطاعة والعصمة عن الخطأ والخطيئة، والتفاوت إنما هو في الرتبة والمنزلة: عالم وأعلم وعظيم وأعظم ﴿وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا﴾: الكتاب وداود اسم عبري معناه محبوب، وأشار إليه سبحانه لمجرد التنبيه إلى مكانته.
(56): ﴿قُلِ﴾: يا محمد للمشركين ﴿ادْعُواْ الَّذِينَ زَعَمْتُم﴾: وعبدتم من دون الله واسألوهم أن يكشفوا ضرًا أو يحولوه إلى غيركم أو يجلبوا لكم نفعا، فهم يستجيبون؟ وتكرر هذا المعنى في العديد منم الآيات.
(57): ﴿أُولَـئِكَ﴾: الآلهة ﴿الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾: أي يدعونها المشركون هم بالذات ﴿يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ﴾: إلى الله أي يتوسلون إليه، ويسجدون له ويسبحون بحمده، فكيف تؤلهون عبادًا ضعافًا أمثالكم؟ ﴿أَيُّهُمْ أَقْرَبُ﴾: إن الذين تعبدون كعيسى وأمه-مثلا- يحرص كل منهما أن يكون أقرب إلى الله من الآخر في الطاعة والاجتهاد ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ﴾: وعفوه أكثر مما ترجون ﴿وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾: وغضبه أكثر مما تخافون ﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا﴾: يحذره ويخافه الأنبياء والأولياء، فكيف بغيرهم؟ لأن الخوف من حيث هو من أفضل الطاعات والعبادات، بل أفضلها إن أثر أثره، وعمل عمله، ولا فرق أبدًا بين العجب والتباهي بالنسب والمال والعجب والتباهي بالطاعة والعبادة.
(58): ﴿وَإِن مَّن قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾: يأتي هذا اليوم ولا حي على وجه الأرض حيث تفني الخلائق بالموت الطبيعي ﴿أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا﴾: لأنها ركست وتمادت في الفساد والانحلال، والبغي والضلال.
(59): ﴿وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ﴾: التي اقترحها المشركون ﴿إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ﴾: طلب الأولون من أنبيائهم آيات خاصة، فاستجاب لهم سبحانه، ومع هذا أصروا على موقفهم الأول من الكفر والعناد، وضرب مثلا على ذلك بقوله تعالى: ﴿وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً﴾: واضحة ﴿فَظَلَمُواْ بِهَا﴾: كفروا بها وهم اقترحوها، وسبب نزول هذه الآية أن قريشًا اقترحوا على رسول الله (ص) أن يجعل لهم الجبل ذهبًا، فأخبر سبحانه أنه لم يفعل ذلك لئلا يكذبوا فيهلكوا تمامًا كما جرى لثمود ﴿وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفًا﴾: يخوف سبحانه عباده بما شاء من الآيات لعلهم يتعظون ويتقون، وفي نهج البلاغة: (احتجاجًا بالبينات وتحذيرًا بالآيات).
(60): ﴿وَإِذْ قُلْنَا لَكَ﴾: يا محمد ﴿إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِالنَّاسِ﴾: فهم في قبضته، وهو سبحانه ناصرك عليهم لا محال، فأصدع بما تؤمر، ولا تكترث ﴿وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلنَّاسِ﴾: جاء في تفسير الرازي ما نصه بالحرف الواحد: (قال سعيد بن المسيب- من التابعين والفقهاء السبعة بالمدينة رأى رسول الله (ص) بني أمية ينزون على منبره، فساءه ذلك، وهذا قول بن عباس في رواية عطاء) وأيضًا نقل هذا البيضاوي وصاحب البحر المحيط أبو حيان الأندلسي، وصاحب التسهيل محمد بن أحمد الكلبي وغيرهم من المفسرين ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي القُرْآنِ﴾: هي الأسرة الأموية عند من فسر رؤيا النبي (ص) بهم، وفي تفسير البيضاوي أن الحكم هو حظهم في الدنيا، يعطونه بإسلامهم، وعلى هذا كان المراد بقوله تعالى: إلا فتنة للناس، ما حدث في أيامهم ﴿وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا﴾: وإن قال قائل: إذا كانت آيات التخويف والتحذير تزيدهم طغيانًا فتركها خير وأفضل، ولكنه لا يأخذ أحدًا إلا بقول أو فعل ظاهر ومحسوس ومن أجل هذا يأمر وينهي، ويبشر وينذر، والمؤمن يسمع ويطيع ويزداد إيقانًا وإيمانًا، والشقي يزداد كفرًا وعتوًا، ومعنى هذا أن التخويف والتحذير ليس سببًا للعتو والطغيان بل كاشفًا عما هو كامن في الأعماق من طغيان، وزائد عما كان ظاهرًا للعيان، وإلى هذا تشير الآية 124 ? 125 من التوبة: (فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانًا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسًا إلى رجسهم).
(61): ﴿وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ...﴾: تقدم في الآية 34 من البقرة وغيرها.
(62): ﴿قَالَ أَرَأَيْتَكَ﴾: أي أخبرني، والكاف حرف خطاب لا محل لها من الإعراب ﴿لأَحْتَنِكَنَّ﴾: لأقودن أو لأستولين.
(63): ﴿قَالَ اذْهَبْ...﴾: وافعل ما شئت أنت وحزبك فالنار مثواكم ومأواكم.
(64): ﴿وَاسْتَفْزِزْ﴾: استخف، وفي الآية 43 من الزخرف (فاستخف قومه فأطاعوه) ﴿مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ﴾: وكل دعوى مسمومة وملغومة، ومقال خادعة مضلله فهي صوت ابليس، منها الأقلام ووسائل الإعلام المغرضة المأجورة ﴿وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم﴾: هوّل عليهم بالأكاذيب، من الجلبة وهي الصياح ﴿بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ﴾: جمع راجل، ولا جنود لإبليس، بعضهم فارس، وآخر راجل، وإنما المراد أهل الشر والفساد، والفارس من كان للشيطان أطوع وأسمع ﴿وَشَارِكْهُمْ فِي الأَمْوَالِ﴾: بكسبها من الحرام وإنفاقها في الآثام ﴿وَالأَوْلادِ﴾: كناية عن الزنا والتربية الفاسدة ﴿وَعِدْهُمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا﴾: زين لهم الأضاليل وعللهم بالأباطيل، فلن يغتر بك إلا من هو على شاكلتك غيًا وفسادًا.
(66): ﴿رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي﴾: يجري ﴿لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ﴾: السفينة تجري بالرياح أو الطاقة، ولكنه تعالى هو الذي خلق الطبيعة بما فيها من عناصر وطاقات، ومن هنا صح الإسناد إليه تعالى، وتقدم في الآية 32 من إبراهيم.
(67): ﴿وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ...﴾: تلجئون إلى الله في العسر، وتنونه في اليسر، وتقدم في الآية 22 من يونس.
(68): ﴿أَفَأَمِنتُمْ أَن يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ﴾: خفتم من غضب الله في البحر دون البر، وهما عنده بمنزلة سواء، إن شاء خسف بكم الأرض ﴿أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا﴾: يمطر عليكم حجارة من السماء أو غير ذلك من أنواع العذاب وألوانه ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ وَكِيلاً﴾: ناصرًا ينجيكم من عذاب الله وغضبه.
(69): ﴿أَمْ أَمِنتُمْ أَن يُعِيدَكُمْ فِيهِ﴾: في البحر ﴿تَارَةً أُخْرَى﴾: إن رجوعكم إلى الله عند خوف الغرق دليل على إيمانكم به، وعليه نسأل: ما الذي يمنع أن يحوجكم الله سبحانه إلى ركوب البحر ثانيًا ﴿فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفا﴾: كاسرًا ومحطمًا ﴿مِّنَ الرِّيحِ﴾: يحطم المركب ويغرقه بمن فيه ﴿فَيُغْرِقَكُم بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لاَ تَجِدُواْ لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا﴾: مطالبًا يطالبنا بما فعلنا ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون- 23 الأنبياء).
(70): ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ﴾: ولابن آدم كرامة ذاتية، يستمدها من طبيعته، وتخلق معه منذ تكوينه وولادته، وكرامه طارئة يكتسبها بسعيه وإرادتهن ومن آثار الأولى وثمارها حقه في الحياة وصيانته من الأذى والإعتداء... حتى إذا صار إنسانًا راشدًا كان له من الحقوق ما لكل الناس، وعليه من الواجبات ما عليهم بلا امتياز واختصاص ذكرًا كان أم أنثى تولد من أسود أو أبيض مؤمن أو ملحد، أم الكرامة الطارئة فنذكر منها ثلاث كرامات 1) كرامة الإخلاص والتقوى، قال سبحانه: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم- 13 الحجرات... ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين- 8 المنافقون) 2) كرامة العلم: (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون- 9 الزمر) وما من شك أن المراد بالذين يعلمون الذين ينفعون الناس بعلمهم بدليل قوله تعالى: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض-17 الرعد) 3) كرامة العمل: (ولكل درجات مما عملوا- 132 الأنعام) ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾: ولا شيء على الإطلاق يوازي فضيلة العقل، فيه يكون الإنسان مسؤلًا عن تصرفاه، وبه تعرف نعمة الله على خلقه، وبه يسيطر على الطبيعة ويسخرها تبعًا لأغراضه.
(71): ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ﴾: المراد باليوم يوم القيامة، وفيه ينادي المنادي الأئمة والمؤتمين بهم، فيأتي المشركون وأصنامهم، والملحدون ومن أغراهم بالإلحاد والفساد، واليهود وموسى، والنصارى وعيسى، والمسلمون ومحمد، ويجري الحساب والسؤال والجواب ﴿فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ﴾: وهو من اتبع إمام الهدى والحق، وأحسن قولا وعملا ﴿فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ﴾: ويرون فيه أجرهم وثوابهم، فيفرحون ويستبشرون ﴿وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً﴾: بل يزيدهم الله من فضله، والفتيل: ما كان في شق النواة، والنقير: النقطة في ظهرها، والقطمير: القشرة عليها.
(72): ﴿وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾: ليست الغاية من البعث مجرد البعث، ولا هو غيب في غيب، ولا الدنيا تناقض الآخره وتعارضها، بل هما متلاحمتان متلازمتان، فالخير في الدنيا خير في الآخره، والشر في الدنيا شر في الآخرة، على فاعله، وهل من شيء أوضح وأصدق في الدلالة على هذه القرابة القريبة من قوله تعالى: (من كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى)؟ إن الدنيا طريق ومطية وحقل وزرع، والآخرة هي الغاية والنهاية يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرًا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدًا بعيدًا- 30 آل عمران).
(73) ? (75): ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ﴾: إن مخففه واسمها محذوف أي إنّه واللام في ليفتنونك هي اللام الفارقة بين إن المخففة وإن النافية ﴿عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ? إلى- عَلَيْنَا نَصِيرًا﴾: تدل هذه الآيات الثلاث دلالة قاطعة على أن الله سبحانه هو الذي يتولى أمر نبيه محمد (ص) ويحفظه من كل سوء، ولا يكله إلى نفسه ولا إلى أي مخلوق، ومجمل الحكاية أن المشركين قالوا لرسول الله (ص): أقبل بعض ماندين، ونقبل بعض ما تدعوا إليه وينتهي ما بيننا من خلاف تمامًا كما يتم الصلح بين قبيلتين على الشريعة القبلية والطريقة العشائرية! ولكن محمدًا (ص) رفض هذا العرض منذ البداية وبلا تردد بدافع من العصمة التي منحه الله إياها، وإليها أشار سبحانه بقوله: (ولولا أن ثبتناك) ولولا تدل على امتناع جوابها لوجود تاليها، والتالي هنا بعد لولا مباشرة كلمة ثبتناك (أي العصمة) والجواب لقد كدت تركًا، ومعنى هذا أن محمدًا ماركن إليهم إطلاقًا تمامًا كقول القائل: لولا فلان لهلكت.
(76): ﴿وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا﴾: قبل أن يهاجر النبي(ص) إلى المدينة تصدى له المشركون بألوان من الأذى، وحاولوا بكل وسيلة أن يخرج من مكة فرارًا من شرهم، ولكنه تحمل وصبر ﴿وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾: أي لو أخرجوك يا محمد لأهلكهم الله بعد خروجك بقليل، ولما هاجر النبي(ص) إلى المدينة قتل من مشركي مكة من قتل في بدر، ومن بقي أسلم أو استسلم صاغرًا.
(77): ﴿سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا﴾: هذي هي عادة الله سبحانه في الذين كذبوا برسله وأخرجوهم من ديارهم.
(78): ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْر﴾: تشير هذه الآية إلى أوقات الصلوات الخمس المفروضة، ولها ثلاث أوقات: الأول لصلاة الظهر والعصر، ويبدأ بزوال الشمس، وينتهي بغروبها، وأشار سبحانه إلى الزوال بالدلوك، وإلى الغروب بالغسق، الوقت الثاني لصلاة المغرب والعشاء، ويبدأ بالغروب إلى نصف الليل، ويدخل في غسق الليل وظلمته، والثالث لصلاة الفجر ابتداء من بزوغه حتى شروق الشمسِ ﴿إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا﴾: لأن الإنسان يقبل على صلاة الفجر حاضر القلب والحواس بعد أن يأخذ قسطًا من الراحة بالنوم.
(79): ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ﴾: يا محمد، وتهجد اسهر، والضمير في(به) للقرآن، والنافلة الزيادة على الصلوات الخمس، ولك اللام للإختصاص، والمعنى أن الله فرض عليك يا محمد صلاة أخرى تصليها في الليل زيادة على الصلوات الخمس، ويؤيد إرادة هذا المعنى قوله تعالى (يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا) ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾: عسى في كلام المخلوق تدل على الرجاء، وفي كلام الخالق على الحتم والجزم، ولا شيء فوق مقام محمد وآل محمد إلا خالق الخلق.
(80): ﴿وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ﴾: وحق في جميع ما أفعل ﴿وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾: وحق في جميع ما أترك، ونذكر هنا ما نقله الكليني في أصول الكافي عن الإمام الصادق (ع): (إنما المؤمن الذي إذا غضب لم يخرجه غضبه من حق، وإذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، وإذا قدر لم يأخذ أكثر مما له) ﴿وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا﴾: أعز به الحق وأهله، وأذل به الباطل وأهله إذ لا حق بلا قوة وسلطان.
(81): ﴿وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾: يشير سبحانه بهذا إلى أن الله سينصر محمدًا على أعدائه لا محالة، ويظهر دينه على الدين كله، ويقيم دعائمه في شرق الأرض وغربها ولو كره المشركون كما جاء في الآية 33 من التوبة وغيرها.
(82): ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾: القرآن دواء وشفاء من كل رذيلة، ورحمة ونعمة على من استمسك بعروته، وأخذ بشريعته ﴿وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا﴾: لأنه حجة الله عليهم، فكلما عصوا حكمًا من أحكامه ازدادوا عتوًا و طغيانًا.
(83): ﴿وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ﴾: بمال أو جاه أو عافية وما يشبهها ﴿أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ﴾: لوى جانبه تكبرًا ﴿وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا﴾: وفي نهج البلاغة: إن استغنى بطر وفتن، وإن افتقر قنط ووهن. وتقدم في الآية 12 من يونس.
(84): ﴿قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ﴾: للإنسان غرائز عامة يشاركه فيها جميع الأفراد دون استثناء كالحب والبغض والرضا والغضب، ومنها تختص بفئة دون فئة من الناس كالسخاء والبخل، والشجاعة والجبن، ومنها تختص بالفرد وحده، ولا يشاركه فيها أحد على الإطلاق، ولا ضابط لها ومقياس إلا عدم الضابط لأن كل صفة منها قلعة مستقلة بنفسها تمامًا كبصمة الأصابع، و قرأت في مجلة الحوادث البيروتية10/2/1978: أن العلماء توصلوا إلى عزل جزيئات دم الإنسان بالكهرباء، فتبين لهم أن كل إنسان يستقل في تركيب دمه كما يستقل في بصمات أصابعه. وما من شك أن لنوع الدم تأثيره البالغ في تصرفات الإنسان.
(85): ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾: المراد بالروح هنا الحياة، وسئل النبي(ص) عن حقيقتها، فأمره الله تعالى أن يقول للسائلين: إن الروح من الأشياء التي وجدها سبحانه بأمره، وقوله للشيء: (كن فيكون) ومنذ القديم حاول العلماء وما زالوا أن يفهموا ويعرفوا أصل الحياة، فلم يصلوا إلى شيء، قال الدكتور جيمس كونانت رئيس جامعة هارفارد في كتاب مواقف حاسمة ترجمة الدكتور أحمد زكي: (إن الآراء التي تحاول تفسير أصل الحياة كثيرة، ولكن لا أستطيع أن أسميها بأكثر من خواطر، وعلينا أن نترك الحديث عن أصل الحياة) ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً﴾: حتى لو صعدتم إلى المريخ، وملأتم السماء بعربات الفضاء والأرض بالصورايخ والقنابل المدمرة- فإنكم أحقر وأعجز من أن تنجحوا في تركيب خلية حية من خلايا الذبابة، تتصف بالصفات ولمميزات المتوافرة في الخلية الطبيعية،علاوة عن خلق الذبابة نفسها.
(86) - (87): ﴿وَلَئِن شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾: لقد أنعم الله عليك يا محمد بهذا القرآن الكريم العظيم، لو شاء لسلب هذه النعمة عنك، فاشكر الواهب على هبته وأيضًا اشكره على بقائها واستمرارها ﴿ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً﴾: تعتمد عليه في رد ما نأخذه منك، وإرجاعه إليك.
(88): ﴿قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ﴾: هذا التحدي بهذا الأسلوب القاطع الجازم لا يكون إلا من خبير بأن الجن والإنس يعجزون عن مثل القرآن حتى ولو كان بعضهم لبعض ظهيرًا، ومازال هذا التحدي قائمًا إلى آخر يوم، و تقدم في الآية 23من البقرة و يرها.
(89): ﴿وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ﴾: بيَّنا وكررنا ﴿فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾: أي من كل شيء يعود إلى الدين و الأخلاق و الحجج والبراهين، والدليل على إرادة هذا المعنى الآية 138من آل عمران:(هذا بيان للناس و هدى و موعظة للمتقين) أي لمن أراد أن يتقي الله.
(90): ﴿وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ﴾: وظيفة الرسول أن يبلغ رسالة ربه مع معجزة تشهد بصدقه، وما تجاوز محمد (ص) هذا الحد المحدود، فدعا إلى الإسلام أول ما دعا عشيرته وقومه، وتحداهم بالقرآن، لأنهم من أهل الفصاحة والبلاغة، فكابروا وصادروا، وتحدوه بما لا يمت إلى وظيفته بسبب، من ذلك قولهم ﴿حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا﴾: فوارًا يملأ الجداول والأخاديد.
(91): ﴿أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ﴾: حديقة ذات أشجار وأنهار، تنشئها لنفسك بكلمة كوني فتكون.
(92): ﴿أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا﴾: يشيرون إلى قوله تعالى: (إن نشأ نخسف بهم الأرض أو تسقط عليهم كسفًا من السماء -9سبأ) و كِسفًا بكسر الكاف: جمع، كسفة، وهي القطعة من الشيء ﴿َأوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً﴾:أي مقابلين لنا وجهًا لوجه.
(93): ﴿أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ﴾: من ذهب، والمال رب الأشرار، ومحمد (ص) نبي الأتقياء الأخيار قال أبو ذر (رض): خرجت مرة مع رسول الله (ص) نحو جبل أُحد، فقال: يا أبا ذر أتبصر أُحُدًا؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: ما أُحب أن يكون لي مثله ذهبًا أُنفقه في سبيل الله ما عدا قيراطين أموت وأتركهما. قلت: أو قنطارين يا رسول الله. قال: بل قيراطين.. ﴿أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ﴾: حتى لو ارتقيت وصعدت إلى المريخ أو ما هو أبعد منه بلا سلّم أو أي وسيلة، قد نفكر وننظر إذا أنزلت معك صحيفة منشورة نقرأها ونتدبرها! وهذا الطراز من المشاكسين والمعاكسين موجود في كل زمان ومكان، والقرآن الكريم يعبر عن هذه الظاهرة المنتشرة في كل المجتمعات، لا في المجتمع القديم فقط أو المجتمع الذي عاش فيه النبي بالخصوص وعند تفسير الآية 11 من هذه السورة قلنا: إن لكل صنف وفرد من الناس صورة وهوية في كتاب الله. وهذي واحدة منها ﴿قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً﴾: يأتمر بأمر من أرسله وينتهي بنهيه. وتقدم في الآية 11 من إبراهيم وغيرها.
(94): ﴿وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللّهُ بَشَرًا رَّسُولاً﴾: وفي الآية 34 من المؤمنون: (ولئن أطعتم بشرًا مثلكم إنكم إذًا لخاسرون) والذين قالوا هذا يعبدون أصنامًا من صنع أيديهم! ومحمد يدعو إلى الله الذي ليس كمثله شيء، وهكذا الجاهل الغر يناقض نفسه بنفسه من حيث لا يريد ولا يشعر.
(95): ﴿قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً﴾: ولما كنتم بشرا لا ملائكة بعثنا فيكم رسولاً منكم لأن شبيه الشيء منجذب إليه، ومعنى مطمئن هنا ساكنين. وتقدم في الآية 9 من الأنعام.
(96): ﴿قُلْ كَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا...﴾: تقدم في آخر الرعد.
(97): ﴿وَمَن يَهْدِ اللّهُ﴾: أي من كان بعلم الله والواقع مهتديًا لا باعتقاده وزعمه ﴿فَهُوَ الْمُهْتَدِ﴾: وإلا فهو كذّاب أشر ﴿وَمَن يُضْلِلْ﴾: أي من كان ضالاً بعلم الله والواقع ﴿فَلَن تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِيَاء مِن دُونِهِ﴾: لا ناصر ولا شفيع عند الله لأهل الفساد والضلال. وفي نهج البلاغة: الغنى والفقر بعد العرض على الله ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ﴾: كناية كن أليم العذاب وشدته لكل عات وباغ لا يكترث بدين وضمير ولا بحساب وعقاب كما أشار سبحانه بقوله:
(98): ﴿ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا﴾: تقدم بالحرف الواحد في الآية 49 من هذه السورة.
(99): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ...﴾: لا شيء عند منكري البعث إلا أنه أدهش المدهشات في خيالهم وأفكارهم، ولا جواب لهذه الدهشة إلا وجود الشبيه والنظير، وقياس الغائب على الشاهد، ولخص الإمام علي (ع) الجواب بقوله: عجبت لمن أنكر النشأة الأخرى، وهو يرى النشأة الأولى. وتقدم مرات، وآخرها في الآية 51 من هذه السورة.
(100): ﴿قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ﴾: بخلتم ﴿خَشْيَةَ الإِنفَاقِ﴾: خوف الفقر بسبب الإنفاق، ومجمل المعنى قل يا محمد للذين طلبوا منك أن تفجر لهم ينبوعًا فوارًا: لو ملكتم خزائن الله التي لا نفاد لها لبقيتم على الشح والتقتير والكفر وعدم الشكر، وإذن علام تطلبون الينابيع؟.
(101): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾: تدل على صدقه في نبوته، وهي العصا واليد والجراد والقمل والضفادع والدم وفلق البحر وانفجار الماء من الحجر وإنزال المن والسلوى ﴿فَاسْأَلْ﴾: يا محمد ﴿بَنِي إِسْرَائِيلَ﴾: أي من آمن منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه عن قصة موسى وما جرى له من فرعون وبني إسرائيل، وانها كما أخبرناك كي يزدادوا إيمانًا وإيقانًا ﴿إِذْ جَاءهُمْ﴾: إذ جاء موسى ليحرر بني إسرائيل من ظلم فرعون. ﴿فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا﴾: ساحرًا أو لعب بعقلك ساحر.
(102): ﴿قَالَ﴾: له موسى ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلاء﴾: المعجزات كالعصا واليد البيضاء ﴿إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَآئِرَ﴾: دلائل على صدقي في نبوتي ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَونُ مَثْبُورًا﴾: هالكًا.
(103) ? (104): ﴿فَأَرَادَ﴾: فرعون ﴿أَن يَسْتَفِزَّهُم﴾: أن يخرج موسى وقومه ﴿مِّنَ الأَرْضِ﴾: من أرض مصر ﴿فَأَغْرَقْنَاهُ...﴾: تقدم مرات ﴿فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ﴾: يوم القيامة ﴿جِئْنَا بِكُمْ﴾: يا بني إسرائيل ﴿لَفِيفًا﴾: جماعات من فئات وقبائل شتى..
(105): ﴿وَبِالْحَقِّ أَنزَلْنَاهُ﴾: أي القرآن، وكل ما فيه حق وصدق ﴿وَبِالْحَقِّ نَزَلَ﴾: أي ما نزل القرآن إلا لخير الناس ومصلحتهم، وعليه فكل ما فيه خير وصلاح فهو عند الله حلال محلل بشرط أن لا يحلل حراما أو يحرم حلالاً، وهذا الأصل ضروري للحياة، وتومئ إليه الآية 9 من الإسراء: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم).
(106): ﴿وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً﴾: لم ينزل القرآن على محمد(ص) جملة واحدة بل تدريجيًا تبعًا للمصالح والوقائع، أما قوله تعالى: إنا أنزلناه في ليلة القدر. فمعناه أن ابتداء نزوله كان في هذه الليلة.
(107): ﴿قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُواْ﴾: قل يا محمد بلا اهتمام و مبالاة بالجاحدين بك وبالقرآن: من أنتم؟ وما هو محلكم من الإعراب؟ سواء آمنتم أم كفرتم فى كفركم حجة عليَّ أو على القرآن، ولا إيمانكم يزيدني ثقة بديني ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ﴾: أي من قبل القرآن، والمراد بأهل العلم هنا المؤمنون الذين أسلموا من أهل الكتاب ﴿إِذَا يُتْلَى﴾: القرآن ﴿عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ سُجَّدًا﴾: شكرًا لله على نعمة الهداية إلى الإسلام.
(108): ﴿وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولاً﴾: واقعًا لا محالة.
(109): ﴿وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ﴾: كرَّر سبحانه السجود لأن الأول كان شكرًا وتعظيمًا لله، والثاني لتأثير القرآن في نفوسهم ﴿وَيَزِيدُهُمْ﴾: القرآن ﴿خُشُوعًا﴾: على خشوع.
(110): ﴿قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ﴾: لأن الرحمن صفة الله، وصفاته عين ذاته لا تعدد ولا تغاير ﴿أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾: أبدًا كل أسمائه وصفاته تعالى على مستوى واحد حسنًا وكمالاً، فلا حسن وأحسن ولا كامل وأكمل، لأنه تعالى واحد أحد فرد صمد من كل الجهات إن صحَّ هذا التعبير ﴿وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ﴾: لا ترفع صوتك بالقراءة في الصلاة ﴿وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا﴾: وأيضًا تسره وتخفيه ﴿وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً﴾: قال الإمام الصادق عليه السلام في تفسير هذه الآية: الجهر بها رفع الصوت، والمخافتة ما لم تسمع أذنيك واقرأ قراءة بينهما.
(111): ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾: نحمده تعالى على عظيم إحسانه، وننزهه عن الولد والصاحبة والشريك والولي الذي يفتقر إليه، لأنه تعالى الغنيّ بذاته وصفاته، والمغني لغيرة لا يفتقر إلى شيء، وكل شيء يفتقر إليه في وجوده وبقائه. والحمد لله الذي منَّ علينا بقرآنه ونبيِّه محمد وآله عليه وعليهم أفضل الصلوات.