سورة الجن

(1): ﴿قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ﴾ أي الشأن ﴿اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ﴾ جن نصيبين أو غيرهم ويفيد أنه مبعوث إلى الثقلين وأن الجن مكلفون ويفهمون لغة العرب ويميزون بين المعجز وغيره بدليل ﴿فَقَالُوا﴾ لقومهم لما رجعوا إليهم ﴿إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ عجيبا مباينا لأشكاله في حسن مبانيه وصحة معانيه.

(2): ﴿يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ﴾ الصواب والإيمان ﴿فَآمَنَّا بِهِ﴾ بالقرآن ﴿وَلَن نُّشْرِكَ﴾ فيما بعد ﴿بِرَبِّنَا أَحَدًا﴾.

(3): ﴿وَأَنَّهُ﴾ أي الشأن ﴿تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا﴾ تنزه جلالة وعظمة أو ملكه وغناه عما نسب إليه من الصاحبة والولد ﴿مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا﴾.

(4): ﴿وَأَنَّهُ﴾ أي الشأن ﴿كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا﴾ إبليس أو غيره ﴿عَلَى اللَّهِ شَطَطًا﴾ قولا ذا شطط أي بعد عن الحق بنسبة الصاحبة والولد إليه أو وصف بالمصدر مبالغة.

(5): ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا أَن﴾ الشأن ﴿ لَّّن تَقُولَ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ أي إنما قلدنا السفيه في ذلك لظننا أن أحدا لا يكذب على الله حتى تبين لنا كذبه.

(6): ﴿وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ﴾ كان الرجل إذا أمسى بقفر يقول أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهائه ﴿فَزَادُوهُمْ رَهَقًا﴾ فزاد الإنس الجن بعوذهم بهم طغيانا فقالوا سدنا الجن والإنس أو فزاد الجن والإنس إثما بإغوائهم وهو من كلام الجن بعضهم لبعض أو استئناف من الله وعلى الفتح من الوحي وكذا الكلام في.

(7): ﴿وَأَنَّهُمْ﴾ أي الإنس ﴿ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ﴾ أيها الجن أو بالعكس ﴿أَن﴾ المخففة ﴿لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا﴾ بعد الموت وقال الجن.

(8): ﴿وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء﴾ مسسناها مستعار للطلب أي طلبنا بلوغها لاستراق السمع ﴿فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا﴾ من الملائكة ﴿وَشُهُبًا﴾ جمع شهاب وهو كوكب الرجم وهذا حين بعث النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

(9): ﴿وَأَنَّا كُنَّا﴾ قبل مبعثه ﴿نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ﴾ خالية من الحرس والشهب ﴿لِلسَّمْعِ فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا﴾ قد رصد ليرجم به.

(10): ﴿وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ﴾ يمنع الاستراق ﴿أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا﴾ خيرا.

(11): ﴿وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ﴾ عقيدة وعملا ﴿وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ﴾ أي قوم أدون حالا منهم في الصلاح ﴿كُنَّا طَرَائِقَ﴾ في طرائق أي مذاهب أو ذوي طرائق ﴿قِدَدًا﴾ متفرقة.

(12): ﴿وَأَنَّا ظَنَنَّا﴾ تيقنا ﴿أَن﴾ المخففة ﴿لَّن نُّعجِزَ اللَّهَ﴾ كائنين ﴿فِي الْأَرْضِ وَلَن نُّعْجِزَهُ هَرَبًا﴾ هاربين أي لا نفوته حيث كنا.

(13): ﴿وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى﴾ القرآن ﴿آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا﴾ نقصا من أجره ولا غشيان ظلم بعقوبة أو جزاء بخس ولا رهق.

(14): ﴿وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ﴾ الجائرون عن الحق بكفرهم ﴿فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا﴾ طلبوا صوابا موجبا للثواب.

(15): ﴿وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا﴾ وقودا ككفرة الإنس.

(16): ﴿وَأَلَّوِ﴾ الشأن ﴿اسْتَقَامُوا﴾ أي الثقلان أو أحدهما ﴿عَلَى الطَّرِيقَةِ﴾ أي الإيمان ﴿لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا﴾ كثيرا أي لوسعنا عليهم الرزق وخص الماء بالذكر لأنه أصل السعة.

(17): ﴿لِنَفْتِنَهُمْ﴾ لنختبرهم ﴿فِيهِ﴾ ليظهر كيف يشكرونه وقيل معناه لو استقاموا على طريقة الكفر لوسعنا عليهم استدراجا لهم ﴿وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ﴾ وعظه أو عبادته ﴿يَسْلُكْهُ﴾ يدخله بالنون والياء ﴿عَذَابًا صَعَدًا﴾ شاقا يتصعد المعذب ويعلوه.

(18): ﴿وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ﴾ من الموحى أو بتقدير لام العلة لقوله ﴿فَلَا تَدْعُوا﴾ تعبدوا فيها ﴿مَعَ اللَّهِ أَحَدًا﴾ بأن تشركوا كأهل الكتابين في بيعهم وكنائسهم وقيل أريد بالمساجد الأرض كلها لأنها جعلت للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) مسجدا وروي مواضع السجود وهي الأعضاء السبعة أي لا تسجدوا بها لغير الله.

(19): ﴿وَأَنَّهُ﴾ أي الشأن من الموحى أو استئناف ﴿لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ﴾ النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وذكر العبد للتواضع كأنه كالمتكلم عن نفسه ﴿يَدْعُوهُ﴾ يعبده ﴿كَادُوا﴾ أي الجن ﴿يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا﴾ جمع لبدة أي مزدحمين عليه يركب بعضهم بعضا تعجبا من قراءته وحرصا على سماعها أو كاد المشركون يتراكبون عليه لمنعه عما هو فيه.

(20): ﴿قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا﴾ رد عليهم.

(21): ﴿قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا﴾ ولا نفعا.

(22): ﴿قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ﴾ إن أراد به ضرا ﴿وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ معدلا وملجأ.

(23): ﴿إِلَّا بَلَاغًا﴾ استثناء من مفعول أملك أي لا أملك لكم شيئا إلا البلاغ إليكم ﴿مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ﴾ أي عنه أو كائنا منه ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في التوحيد ﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا﴾ جمع للمعنى.

(24): ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ من العذاب في بدر أو القيامة ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ حينئذ ﴿مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا﴾ أعوانا هو أم هم وكأنهم قالوا متى هذا الوعد فقيل.

(25): ﴿قُلْ إِنْ﴾ ما ﴿أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من العذاب ﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا﴾ أجلا بعيدا أي هو كائن قطعا ولا يعلم وقته إلا الله هو.

(26): ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ﴾ يطلع ﴿عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا﴾ من خلقه.

(27): ﴿إِلَّا مَنِ ارْتَضَى﴾ للاطلاع على بعضه لمصلحة ﴿مِن رَّسُولٍ﴾ بيان لمن وأما علم الأوصياء فبتوسط الرسول كعلمنا بأمور الآخرة بتوسطهم وإن اختلف طريق التعلم ﴿فَإِنَّهُ﴾ أي الله ﴿يَسْلُكُ﴾ أي يدخل ﴿مِن بَيْنِ يَدَيْهِ﴾ من أمام المرتضى ﴿وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا﴾ ملائكة يحرسونه من تخاليط الشياطين حتى يبلغ ما يوحى إليه وقيل التقدير فإن المرتضى يسير أمامه وخلفه الملائكة يحرسونه.

(28): ﴿لِيَعْلَمَ﴾ الله علم ظهور ﴿أَن﴾ المخففة ﴿قَدْ أَبْلَغُوا﴾ أي الرسل ﴿رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ﴾ بلا تغيير ﴿وَأَحَاطَ﴾ وقد أحاط الله قبل ﴿بِمَا لَدَيْهِمْ﴾ من العلم والحكمة ﴿وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾.