سورة التحريم

(1): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ روي اطلعت عائشة وحفصة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وهو مع مارية فقال والله ما أقربها فأمره الله أن يكفر عن يمينه وقيل خلا بها في يوم عائشة أو حفصة فعاتبته فحرم مارية فنزلت وقيل شرب عسلا عند زينب فواطأت عائشة حفصة فقالتا لم نشم عندك ريح المغافير فحرم العسل فنزلت.

(2): ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ﴾ شرع ﴿لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ تحليلها بالكفارة ﴿وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ﴾ متولي أموركم ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بمصالحكم ﴿الْحَكِيمُ﴾ فيما يحكم به عليكم.

(3): ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ﴾ حفصة ﴿حَدِيثًا﴾ تحريم مارية أو العسل أو استيلاء الشيخين بعده ﴿فَلَمَّا نَبَّأَتْ﴾ حفصة عائشة ﴿بِهِ﴾ الحديث ﴿وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ﴾ أطلعه على إفشائه ﴿عَرَّفَ﴾ أعلم النبي حفصة ﴿بَعْضَهُ﴾ بعض ما ذكرت ﴿وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ﴾ عن تعريفه تكرما ﴿فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ﴾ أي الله التفات إلى خطابهما للمبالغة في توبيخهما.

(4): ﴿إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ مالت عما يرضي النبي إلى ما يسخطه وعبر عن المثنى بالجمع كراهة الجمع بين الثنتين فاكتفى تثنية المضاف إليه أو إشارة إلى أن كل جزء من البدن صغي فكان أجزاء البدن قلوب ﴿وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ﴾ على النبي فيما يؤذيه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ﴾ ناصره ﴿وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ وهو أميرهم علي (عليه السلام) كما رواه العامة والخاصة ﴿وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ﴾ بعد نصر الله وجبرئيل وعلي (عليهما السلام) ﴿ظَهِيرٌ﴾ ظهراء له أي أعوان في نصره والكلام مسوق للمبالغة في نصره وإلا فكفى بالله وليا ونصيرا.

(5): ﴿عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ﴾ عمم الخطاب بالتهديد زجرا لغيرهما من الأزواج عن مثل فعلهما ﴿مُسْلِمَاتٍ﴾ مقرات أو منقادات ﴿مُّؤْمِنَاتٍ﴾ مصدقات أو مخلصات ﴿قَانِتَاتٍ﴾ مطيعات أو خاضعات ﴿تَائِبَاتٍ﴾ عن الذنوب ﴿عَابِدَاتٍ﴾ لله أو متذللات للنبي ﴿سَائِحَاتٍ﴾ صائمات أو مهاجرات ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ وسط الواو لتنافيهما بخلاف السابقات لإمكان اجتماعهما.

(6): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ﴾ بالحمل على الطاعات والكف عن المعاصي ﴿نَارًا وَقُودُهَا﴾ حطبها ﴿النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ أصنامهم أو حجارة الكبريت ﴿عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ﴾ خزنتها الزبانية ﴿غِلَاظٌ شِدَادٌ﴾ في الأجرام أو الأفعال لا يرحمون أهلها ﴿لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ تصريح بما علم ضمنا للتأكيد.

(7): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ﴾ أي يقال لهم ذلك عند دخولهم النار أي لا ينفعكم الاعتذار ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ جزاءه.

(8): ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا﴾ ناصحة بإخلاص الندم على الذنب والعزم على عدم العود والنصح صفة التائب فإنه ينصح نفسه بالتوبة فوصفت به مجازا مبالغة أو خالصة لله أو ذات نصوح ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ إطماع أريد به الوجوب على عادة الملوك وعسى من الله واجب كما في الخبر ﴿يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ﴾ أمامهم ﴿وَبِأَيْمَانِهِمْ﴾ ويكون بأيمانهم ﴿يَقُولُونَ﴾ أي قائلين ﴿رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا﴾ أي الجنة ﴿وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

(9): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ﴾ بالحرب ﴿وَالْمُنَافِقِينَ﴾ بالحجة ﴿وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾ بتخشين القول والفعل ﴿وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ هي.

(10): ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ﴾ مثل حالهم في أن الوصلة بينهم وبين النبي والمؤمنين لا تدفع عنهم عقوبة كفرهم بحال الامرأتين ﴿كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا﴾ بنفاقهما وتظاهرهما عليهما ﴿فَلَمْ يُغْنِيَا﴾ الرسولان ﴿عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ﴾ من عذابه ﴿شَيْئًا وَقِيلَ﴾ لهما ﴿ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ من الكفار فلا يستبعد النفاق والكفر من أزواج الأنبياء.

(11): ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ﴾ مثل حالهم في أن وصلة الكفار لا تضرهم بحال آسية آمنت بموسى فعذبها فرعون ﴿إِذْ قَالَتْ﴾ حال التعذيب ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ﴾ فكشف لها فرأته فصبرت على العذاب ﴿وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ التابعين له فقبض الله روحها وقيل رفعت إلى الجنة حية.

(12): ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ﴾ عطف على امرأة فرعون ﴿الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ من الرجال ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا﴾ التي خلقناها أو من جهة روحنا جبرائيل نفخ في جيبها فحملت بعيسى ﴿وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا﴾ بشرائعه ﴿وَكُتُبِهِ﴾ الإنجيل أو جنس الكتب المنزلة ﴿وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾ من جملة المطيعين والتذكير للتغليب أو المبالغة بمساواتها في الطاعة لكاملي الرجال، وفي المثلين تعريض بالامرأتين وتظاهرهما على النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أي كان من حقهما أن يكونا كآسية ومريم لا كامرأتي نوح ولوط.