سورة الممتحنة

(1): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ﴾ يعني قريشا ﴿أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ تقضون إليهم المودة بالمكاتبة بأن الرسول يريد غزوهم ﴿وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ﴾ أي من مكة ﴿أَن تُؤْمِنُوا﴾ بسبب إيمانكم ﴿بِاللَّهِ رَبِّكُمْ إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ﴾ من مكة ﴿جِهَادًا فِي سَبِيلِي وَابْتِغَاء مَرْضَاتِي﴾ فلا تكاتبوهم وجواب إن دل عليه لا تتخذوا ﴿تُسِرُّونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ﴾ استئناف يفيد أنه لا فائدة في الإسرار ﴿وَأَنَا أَعْلَمُ﴾ أي منكم ﴿بِمَا أَخْفَيْتُمْ وَمَا أَعْلَنتُمْ وَمَن يَفْعَلْهُ﴾ أي الإسرار ﴿مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ﴾ أخطأ وسطه.

(2): ﴿إِن يَثْقَفُوكُمْ﴾ يظفروا بكم ﴿يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاء﴾ وإن واددتموهم ﴿وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ﴾ كالقتل والشتم ﴿وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ﴾ وتمنوا ارتدادكم.

(3): ﴿لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ﴾ أقرباؤكم ﴿وَلَا أَوْلَادُكُمْ﴾ الذين لأجلهم توادون الكفرة ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير﴾.

(4): ﴿قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ﴾ بكسر الهمزة وضمها في الموضعين قدوة ﴿حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ﴾ ممن آمن به ﴿إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَاء﴾ جمع بريء كشريف وشرفاء ﴿مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ﴾ أنكرناكم وءالهتكم ﴿وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ﴾ لا تشركوا به شيئا ﴿إِلَّا قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ﴾ مستثنى من أسوة كأنه قيل تأسوا بأقواله إلا استغفاره للكافر فإنه كان قبل النهي أو قبل تبيين عداوته لله ﴿وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ﴾ أمر للمؤمنين بأن يقولوا ذلك أو هو من تتمة قول إبراهيم ومن معه أي وقالوا.

(5): ﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُوا﴾ ذلك أي لا تظفرهم بنا فيفتنونا أي يعذبونا ﴿وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ﴾ في ملكك ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعك.

(6): ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ كرر مصدرا بالقسم تأكيدا لأمر التأسي ولذا أبدل من لكم ﴿لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ فإنه يؤذن بأن تاركه لا يرجوهما ويؤكده ﴿وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾ فإنه نوع وعيد.

(7): ﴿عَسَى اللَّهُ أَن يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُم مِّنْهُم مَّوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ﴾ على ذلك ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ بكم.

(8): ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ﴾ من أهل العهد أو من اتصف بذلك ﴿أَن تَبَرُّوهُمْ﴾ بدل اشتمال من الذين

﴿وَتُقْسِطُوا﴾ تقضوا ﴿إِلَيْهِمْ﴾ بالقسط أي العدل ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ العادلين.

(9): ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا﴾ عاونوا ﴿عَلَى إِخْرَاجِكُمْ﴾ كمشركي مكة ﴿أَن تَوَلَّوْهُمْ﴾ بدل اشتمال من الذين ﴿وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بموالاتهم.

(10): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ﴾ المظهرات للإيمان ﴿مُهَاجِرَاتٍ﴾ من الكفار ﴿فَامْتَحِنُوهُنَّ﴾ بالحلف أنهن لم يخرجن إلا للإسلام لا لبغض زوج ولا لعشق أحد ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ﴾ باطنا ﴿فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ﴾ من أمارة الحلف وغيره ﴿فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ﴾ أي أزواجهن ﴿لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ﴾ كرر مبالغة وزيادة تأكيد للمنع من الرد ودل على وقوع الفرقة ﴿وَآتُوهُم مَّا أَنفَقُوا﴾ عليهن من المهور ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَن تَنكِحُوهُنَّ﴾ لأن الإسلام أبانهن من أزواجهن ﴿إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ﴾ مهورهن ولا يكفي ما أعطيتم أزواجهن ﴿وَلَا تُمْسِكُوا﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ بما يعتصم به من عقد وسبب أي لا تقيموا على نكاحهن لانقطاعه بإسلامكم ﴿وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ﴾ من مهور نسائكم اللاحقات بالكفار ﴿وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا﴾ من مهور نسائهم المهاجرات ﴿ذَلِكُم﴾ المذكور في الآية ﴿حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ فحكمه مصلحة وحكمة ولما أبى المشركون أن يؤدوا مهور الكوافر نزلت.

(11): ﴿وَإِن فَاتَكُمْ شَيْءٌ﴾ أحد ﴿مِّنْ أَزْوَاجِكُمْ﴾ وعبر بالشيء تحقيرا وتعميما وتغليظا في الحكم أو شيء من مهورهن ﴿إِلَى الْكُفَّارِ﴾ مرتدات ﴿فَعَاقَبْتُمْ﴾ فجاءت عاقبتكم أي توبتكم من إعطاء المهر شبه أداء كل من الفريقين المهر للآخر بأمر يتعاقبون فيه ﴿فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا﴾ مثل مهرها من مهر المهاجرة ولا تؤتوها زوجها الكافر أو المعنى وإن فاتكم فأصبتم عقبى أي غنيمة فأتوا مهر الفائتة من الغنيمة ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾ في أحكامه.

(12): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لَّا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾ لما بايعه الرجال يوم الفتح جاء النساء يبايعنه فنزلت ﴿وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ﴾ وهو أن يلحقن بأزواجهن غير أولادهن من اللقطاء ووصف بوصف ولدها الحقيقي أنه إذا ولد سقط بين يديها ورجليها وقيل هو الكذب والنميمة وقذف المحصنة ﴿وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ هو فعل الحسن وترك القبيح ﴿فَبَايِعْهُنَّ﴾ على ذلك ﴿وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ للمؤمنين والمؤمنات.

(13): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ هم جميع الكفار أو اليهود وقيل كان بعض فقراء المسلمين يواصلونهم طمعا في ثمارهم فنزلت ﴿قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ﴾ من ثوابها لتكذيبهم النبي مع علمهم بصدقه من كتابهم ﴿كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُور﴾ أن يبعثوا أو ينفعوهم.