سورة الحشر

(1): ﴿سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

(2): ﴿هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ هم النضير ﴿مِن دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ﴾ في أول حشرهم أي إخراجهم من جزيرة العرب إذ هو أول ذل أصابهم أو حشرهم إلى الشام ﴿مَا ظَنَنتُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿أَن يَخْرُجُوا﴾ لمنعتهم ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ﴾ من بأسه ﴿فَأَتَاهُمُ اللَّهُ﴾ أي أمره أو عذابه من الرعب والجلاء ﴿مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا﴾ لم يخطر ببالهم ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ الخوف بقتل كعب ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ﴾ حسدا أن يسكنها المسلمون ﴿وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ فإنهم عرضوهم له بنكثهم ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ﴾ بعذرهم ووثوقهم بغير الله فلا تماثلوهم.

(3): ﴿وَلَوْلَا أَن كَتَبَ اللَّهُ﴾ قضى ﴿عَلَيْهِمُ الْجَلَاء﴾ عن ديارهم ﴿لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا﴾ بالقتل والأسر كما عذب قريظة ﴿وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ﴾ بعد الجلاء ﴿عَذَابُ النَّارِ﴾.

(4): ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ خالفوهما ﴿وَمَن يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ له.

(5): ﴿ مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ﴾ نخلة من اللون أو اللين وجمعه ألوان أو أليان ﴿أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ﴾ فبأمره ﴿وَلِيُخْزِيَ﴾ أي وأذن لكم في القطع ليخزي ﴿الْفَاسِقِينَ﴾.

(6): ﴿وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ﴾ ما رد عليه من النضير أو الكفار فإن الأرض وما فيها له (صلى الله عليه وآله وسلّم) فما تغلبوا عليه ثم أخذه منهم فقد فاء إليه أي رجع ﴿فَمَا أَوْجَفْتُمْ﴾ من الإيجاف وهو سرعة السير ﴿عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ بل ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فأنتم لا تستحقون فيه شيئا.

(7): ﴿مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى﴾ قيل الأولى في أموال النضير وإنها للرسول خاصة وهذه في الفيء من غيرهم وقيل هي بيان للأولى ولذا ترك العاطف ﴿فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ وهو الإمام ﴿وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ من بني هاشم ومر في الأنفال نحوه ﴿كَيْ لَا يَكُونَ﴾ الفيء لقسمته على هذا الوجه ﴿دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ﴾ شيئا يتداولونه بينهم والخطاب للمؤمنين ﴿وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ﴾ أعطاكم من الفيء والأمر ﴿فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ﴾ من أخذ الفيء وغيره ﴿فَانتَهُوا﴾ عنه ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في معصية رسوله ﴿إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمن عصى.

(8): ﴿لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ﴾ متعلق بمحذوف أي أعجبوا لهم ﴿الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ﴾ أخرجهم كفار مكة ﴿يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا﴾ حال منهم ﴿وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ في إيمانهم.

(9): ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ﴾ المدينة ﴿وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ قبل قدوم المهاجرين ﴿يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ﴾ فيواسونهم بأنفسهم ﴿وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً﴾ ما يكون منها كحسد وغيظ ﴿مِّمَّا أُوتُوا﴾ مما أعطي المهاجرون من الغنى وغيره ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ﴾ حاجة إليه ﴿وَمَن يُوقَ﴾ يمنع عنه ﴿شُحَّ نَفْسِهِ﴾ حرصها على المال ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ عاجلا وآجلا.

(10): ﴿وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ﴾ بعد المهاجرين والأنصار وهم التابعون أو المؤمنون إلى يوم القيامة ﴿يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا﴾ في الإيمان ﴿الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا﴾ حقدا ﴿لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾.

(11): ﴿أَلَمْ تَر إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا﴾ كابن أبي وأضرابه ﴿يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ﴾ في الكفر ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾ وهم النضير ﴿لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ﴾ من وطنكم ﴿لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلَا نُطِيعُ فِيكُمْ﴾ في خذلانكم ﴿أَحَدًا أَبَدًا وَإِن قُوتِلْتُمْ لَنَنصُرَنَّكُمْ﴾ واستغنى بجوابه عن جواب الشرط في الخمسة ﴿وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ فيما يقولون.

(12): ﴿لَئِنْ أُخْرِجُوا لَا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِن قُوتِلُوا لَا يَنصُرُونَهُمْ﴾ أخبر بذلك قبل وقوعه كما أخبر ﴿وَلَئِن نَّصَرُوهُمْ﴾ فرضا ﴿لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ﴾ ليهزمن ﴿ثُمَّ لَا يُنصَرُونَ﴾ ضمير الفعلين للمنافقين أو اليهود.

(13): ﴿لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً﴾ مرهوبية ﴿فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ﴾ فإنهم يظهرون خوفه نفاقا بسبب ما يبطنونه من رهبتكم ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ﴾ لا يعلمون عظمة الله فلا يخشونه حق خشيته.

(14): ﴿لَا يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ أي المنافقون واليهود ﴿جَمِيعًا﴾ مجتمعين ﴿إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ﴾ غاية التحصين ﴿أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ﴾ إذا حارب بعضهم بعضا ﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا﴾ مجتمعين ﴿وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾ متفرقة لاختلاف أهوائهم ﴿ذَلِكَ﴾ التشتت ﴿بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ﴾ ما فيه من الرشد ولو عقلوا لاجتمعوا على الحق.

(15): ﴿كَمَثَلِ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي مثلهم في سوء العاقبة كمثل من قتلوا ببدر ﴿قَرِيبًا﴾ بزمن قريب ﴿ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ﴾ عقوبة أمرهم في الدنيا ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.

(16): ﴿ كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ﴾ أي مثل المنافقين في غرهم اليهود وخذلانهم لهم كمثل الشيطان ﴿إِذْ قَالَ لِلْإِنسَانِ اكْفُرْ﴾ أريد به الجنس أو أهل بدر قال لهم لا غالب لكم اليوم. ﴿فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾.

(17): ﴿فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَا﴾ أي الغار والمغرور ﴿أَنَّهُمَا فِي النَّارِ خَالِدَيْنِ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ﴾ بالكفر.

(18): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ﴾ نكرت لقلة الأنفس النواظر ﴿مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ﴾ ليوم القيامة سمي غدا لقربه ونكر تعظيما ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ كرر تأكيدا ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم به.

(19): ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ﴾ تركوا طاعته ﴿فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ﴾ حتى لم ينفعوها بل ضروها ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾.

(20): ﴿لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ بنعيمها.

(21): ﴿لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا﴾ متشققا ﴿مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ﴾ تمثيل وتخييل أريد به توبيخ الإنسان على خشوعه لتلاوة القرآن بدليل ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ﴾ أي هذا وغيره ﴿نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيتعظون ولا بعد في حمله على الحقيقة.

(22): ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ما غاب عن الحس وما ظهر ﴿هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾.

(23): ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ﴾ المنزه عما لا يليق به ﴿السَّلَامُ﴾ السالم من كل نقص ﴿الْمُؤْمِنُ﴾ واهب الأمن ﴿الْمُهَيْمِنُ﴾ الرقيب الحافظ لكل شيء ﴿الْعَزِيزُ﴾ الغالب الذي لا يغلب ﴿الْجَبَّارُ﴾ الذي جبر خلقه على ما لا اختيار لهم فيه أو جبر حالهم وأصلحها ﴿الْمُتَكَبِّرُ﴾ عما لا يليق به ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾.

(24): ﴿هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ﴾ المقدر للأشياء بحكمته ﴿الْبَارِئُ﴾ الموجد لما قرر بريئا من التفاوت ﴿الْمُصَوِّرُ﴾ المرتب لصور الموجودات أحسن ترتيب ﴿لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى﴾ لدلالتها على أحسن المعاني ﴿يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ينزهه بلسان الحال أو المقال ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه.