سورة المجادلة

(1): ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ﴾ وهي خولة بنت ثعلبة ﴿فِي زَوْجِهَا﴾ أوس بن الصامت ظاهر منها فاستفتت النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فنزلت ﴿وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ﴾ شدة حالها ﴿وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا﴾ تراجعكما ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿بَصِيرٌ﴾ بالأحوال.

(2): ﴿الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم﴾ بأن يقول لها: أنت علي كظهر أمي ﴿مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ﴾ على الحقيقة ﴿إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ﴾ ينكره الشرع ﴿وَزُورًا﴾ كذبا ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾ لهم تفضلا أو إن تابوا.

(3): ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ﴾ ﴿ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا﴾ ما قال الرجل الأول لامرأته: أنت علي كظهر أمي وقيل إلى ما قالوا فيه أي ما حرموه على أنفسهم من الوطء ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ أي فعليهم إعتاق رقبة ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا﴾ بالوطء ﴿ذَلِكُمْ﴾ التغليظ ﴿تُوعَظُونَ بِهِ﴾ حتى لا تظاهروا ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ وعد ووعيد.

(4): ﴿فَمَن لَّمْ يَجِدْ﴾ رقبة ﴿فَصِيَامُ﴾ فعليه صيام ﴿شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا﴾ ويتحقق التتابع بصوم شهر ويوم ﴿فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ﴾ الصيام لمرض ونحوه ﴿فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا﴾ لكل مسكين مد من غالب قوت البلد وقيل مدان ﴿ذَلِكَ﴾ أي فرض ذلك البيان أو التخفيف ﴿لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ﴾ الأحكام ﴿حُدُودُ اللَّهِ﴾ فلا تعتدوها ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ بها ﴿عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

(5): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ يخالفونهما إذ كل من المتخالفين في حد غير الآخر ﴿كُبِتُوا﴾ أذلوا وأخذوا ﴿كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ في محادتهم رسلهم ﴿وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ دالة على صدق الرسل ﴿وَلِلْكَافِرِينَ﴾ بالآيات ﴿عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ لهم.

(6): ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا﴾ ظرف مهين ﴿فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ إخزاء لهم ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ﴾ أحاط به كما وكيفا ﴿وَنَسُوهُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾.

(7): ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ تعلم ﴿أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض﴾ كل ما فيهما ﴿مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى﴾ نفر ﴿ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ بالعلم بنجواهم ﴿وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ لا يخفى عليه شيء لم يذكر أقل النجوى اثنتين إذ لا يبقى مصداق لقوله ولا أقل ولم يكتف بالعدد الأول مع كفايته لأن المتعارف في المبالغة والكثرة أن يذكر عددين ثم يقال فصاعدا ولم يذكر الأربعة بعد الثلاثة تباعدا من صورة التكرار وليكون لكل منهما أدنى وأعلى.

(8)-(9): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ﴾ هم اليهود والمنافقون كانوا يتناجون فيما بينهم ويتغامزون فنهوا ثم عادوا ﴿وَيَتَنَاجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ للمؤمنين ﴿وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ﴾ أي ويتواصون بمخالفته ﴿وَإِذَا جَاؤُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ﴾ فيقولون: السام عليك أي الموت ﴿وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ﴾ فيما بينهم ﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ﴾ بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) لو كان نبيا ﴿حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ﴾ عذابا ﴿يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ هي ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ﴾ بأفعال الخير﴿وَالتَّقْوَى﴾ والاتقاء عن معصية الرسول ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ للجزاء.

(10): ﴿إِنَّمَا النَّجْوَى﴾ بالاسم وشبهه ﴿مِنَ الشَّيْطَانِ﴾ بتزيينها والدعاء إليها ﴿لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ إذ يتوهمونها في سوء أصابهم ﴿وَلَيْسَ﴾ التناجي والشيطان ﴿بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ بأمره ﴿وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ﴾ في أمورهم.

(11): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا﴾ توسعوا ﴿فِي الْمَجَالِسِ﴾ جنسه أو مجلس الرسول وقرىء مجلس ﴿فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ﴾ في الجنة ﴿وَإِذَا قِيلَ انشُزُوا﴾ انهضوا للتوسعة أو لعمل الخير كصلاة وجهاد ﴿فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ﴾ بحسن الذكر في الدنيا والكرامة في الجنة ﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ ويرفع العلماء منهم ﴿دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فلا يضيعه.

(12): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً﴾ روي أنها نسخت بقوله أأشفقتم وما عمل بها أحد غير علي (عليه السلام) ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لمن لم يجد إذ ناجى من غير صدقة.

(13): ﴿أَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ﴾ أخفتم من تقديم الصدقة ما يعدكم الشيطان من الفقر أو نقص المال ﴿فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا﴾ التصدق ﴿وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ﴾ لتفريطكم ﴿فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فلا تفرطوا في هذه كما فرطتم في ذلك ﴿وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم به.

(14): ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا﴾ هم المنافقون وادوا ﴿قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم﴾ هم اليهود ﴿مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ﴾ لأنهم مذبذبون ﴿وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ﴾ وهو ادعاء الإيمان ﴿وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ كذبهم.

(15): ﴿أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ ساء عملهم مدة حياتهم.

(16): ﴿اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ﴾ الكاذبة ﴿جُنَّةً﴾ سترا لأموالهم وأنفسهم ﴿فَصَدُّوا﴾ الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ عن دينه بالتثبيط ﴿فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ تكريرا بتغيير وصف العذاب وقيل الأول في القبر وهذا في الآخرة.

(17)- (18): ﴿لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ يَوْمَ﴾ ظرف تغني أو مقدر باذكر ﴿يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ﴾ أنهم مؤمنون ﴿كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ﴾ في الدنيا على ذلك ﴿وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ﴾ من النفع بحلفهم ﴿أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ حيث يحلفون عليه.

(19): ﴿اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ﴾ استولى ﴿فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ﴾ أتباعه ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ باستبدالهم بالجنة النار.

(20): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ﴾ في جملتهم.

(21): ﴿كَتَبَ اللَّهُ﴾ في اللوح أو قضى ﴿لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي﴾ بالحجة ﴿إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ﴾ على ما يريد ﴿عَزِيزٌ﴾ غالب عليه.

(22): ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ﴾ أي لا يجتمع الإيمان الخالص وموادة المحادين ولو كانوا أقارب ﴿أُوْلَئِكَ﴾ أي الذين لم يوادوهم ﴿كَتَبَ﴾ ثبت ﴿فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ﴾ بألطافه ﴿وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ﴾ من الله وهو نور الإيمان أو القرآن أو النصر ﴿وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ﴾ بطاعته ﴿وَرَضُوا عَنْهُ﴾ بثوابه ﴿أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ﴾ جنده وأنصار دينه ﴿أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الظاهرون بالبغية.