سورة الحجرات

(1): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا﴾ متعد حذف مفعوله ليعم كل أمر أو ترك قصدا إلى التقديم لا إلى مفعوله أو لازم أي لا تقدموا بقول أو فعل ويعضده قراءة تقدموا بالفتحات ﴿بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أصله بين جهتي يدي الإنسان والمراد لا تعجلوا بأمر قبل إذنهما فيه أو أريد بين يدي الرسول وذكر الله تعظيما له ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في أوامره ونواهيه ﴿إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ﴾ لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأفعالكم.

(2): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ﴾ إذا خاطبتموه ﴿ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض﴾ فإنه ليس كأحدكم وكرر نداءهم لمزيد التذكير وإيذانا باستقلال المنادى له والاهتمام به ﴿أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ﴾ علة للنهيين أي مخافة حبوطها ﴿وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ﴾ بذلك.

(3): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ﴾ يخفضون ﴿أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ﴾ إجلالا له ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى﴾ اختبرها وجبرها للتقوى إذ الامتحان سبب للمعرفة فوضع موضعها أو ضربها بمحن التكاليف لتظهر منهم التقوى بصبرهم عليها ﴿لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ بطاعتهم.

(4): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاء الْحُجُرَاتِ﴾ يا محمد اخرج إلينا ﴿أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ إخلالهم برعاية الأدب وتوقير منصب النبوة.

(5): ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ﴾ الصبر ﴿خَيْرًا لَّهُمْ﴾ في دينهم بنيل الثواب ودنياهم بأن يوصفوا بالعقل والأدب ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لمن تاب منهم.

(6): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا﴾ اطلبوا بيان صدقه وكذبه ﴿أَن تُصِيبُوا﴾ كراهة إصابتكم ﴿قَوْمًا بِجَهَالَةٍ﴾ جاهلين أمرهم ﴿فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ﴾ من الخطايا بالإصابة ﴿نَادِمِينَ﴾.

(7): ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ﴾ الذي تريدون أن يتبع رأيكم فيه ﴿لَعَنِتُّمْ﴾ لوقعتم في العنت والمشقة ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ﴾ جحود الحق ﴿وَالْفُسُوقَ﴾ الخروج عن القصد ﴿وَالْعِصْيَانَ﴾ ضد الإطاعة ﴿أُوْلَئِكَ﴾ المستثنون ﴿هُمُ الرَّاشِدُونَ﴾ المهتدون إلى كل خير.

(8): ﴿فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً﴾ علة ل حبب، وكره وما بينهما اعتراض ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيرهم.

(9): ﴿وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾ جمع باعتبار المعنى ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا﴾ بما فيه رضا الله ﴿فَإِن بَغَتْ﴾ تعدت ﴿إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ﴾ ترجع إلى حكمه ﴿فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ﴾ قيد به الإصلاح الواقع بعد القتال لأنه مظنة الحيف ﴿وَأَقْسِطُوا﴾ اعدلوا في كل أمر ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾ يرضى فعلهم ويصيبهم عليه.

(10): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ في الدين ﴿فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ﴾ إذا تخاصما والتنبيه بحسب الأغلب ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ في جميع الأمور ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ بتقواكم.

(11): ﴿يا يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ﴾ رجال منكم ﴿مِّن قَوْمٍ﴾ خص بالرجال لأنهم قوامون على النساء ﴿عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ﴾ عند الله ﴿وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ﴾ أي لا يعيب بعضكم بعضا لأنكم كنفس واحدة ﴿وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ﴾ لا يدعو بعضكم بعضا بلقب يكرهه ﴿بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ أي بئس الذكر أن يذكر الرجل بالفسوق كاليهودية بعد إيمانه أو المعنى أن التنابز فسق يقبح الجمع بينه وبين الإيمان ﴿وَمَن لَّمْ يَتُبْ﴾ عما نهي عنه ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بإصرارهم على المعاصي.

(12): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ﴾ قيد بالكثير لأن منه ما يحسن كحسن الظن بالله وبأهل الصلاح ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ يستحق به العقوبة ﴿وَلَا تَجَسَّسُوا﴾ تتبعوا عورات المؤمنين بالبحث عنها ﴿وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا﴾ سئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن الغيبة فقال أن تذكر أخاك بما يكرهه فإن كان فيه فقد اغتبته وإلا فقد بهته ﴿أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا﴾ تمثيل الاغتياب بأفضح مثال وفيه مبالغات تقرير الاستفهام ومحبة المكروه وإشعارا حد بأن لا أحد يحبه والتمثيل بأكل لحم الإنسان وكونه أخا وميتا ﴿فَكَرِهْتُمُوهُ﴾ أي عرض عليكم ذلك فكرهتموه بحكم العقل والطبع فاكرهوا ما هو نظيره ﴿وَاتَّقُوا اللَّهَ﴾ بترك الغيبة ﴿إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ﴾.

(13): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا﴾ آدم وحواء فنسب الكل واحد وجعلناكم شعوبا﴾ جمع شعب وهو أعم طبقات النسب ﴿وَقَبَائِلَ﴾ هي دون الشعوب ودونها العمائر ثم البطون ثم الأفخاذ ثم الفصائل وقيل الشعوب للعجم والقبائل للعرب ﴿لِتَعَارَفُوا﴾ ليعرف بعضكم بعضا بالأنساب لا لتفاخروا بها ﴿إن إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾ فلا تتفاضلون إلا بالتقوى ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ﴾ بكم ﴿خَبِيرٌ﴾ بأحوالكم.

(14): ﴿قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا﴾ إيمانا حقيقيا يتواطأ فيه القلب واللسان ﴿وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا﴾ انقدنا ودخلنا في السلم بإظهار الشهادتين ﴿وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ بالإخلاص ﴿لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ﴾ لا ينقصكم من ثوابها ﴿شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لمن أخلص له.

(15): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ على الحقيقة ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا﴾ لم يشكوا فيما ءامنوا به ﴿وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ في ادعاء الإيمان.

(16): ﴿قُلْ﴾ توبيخا لهم ﴿أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ في قولكم آمنا ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ومنه إيمانكم.

(17): ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا﴾ أي بإسلامهم إذ قالوا أسلمنا من غير قتال ﴿قُل لَّا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُم﴾ نصب بنزع الباء ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ الذي ادعيتموه ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في ادعائه.

(18): ﴿إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ما غاب فيهما ﴿وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ لا يخفى عليه شيء.