سورة فاطر

(1): ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ مبتدعهما والفطر الشق كأنه شق منهما العدم ﴿جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا﴾ إلى أنبيائه ﴿أُولِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ﴾ ينزلون بها ويعرجون ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ﴾ في الملائكة وغيرهم ﴿مَا يَشَاء﴾ من حسن الوجه والصوت ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾.

(2): ﴿مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ﴾ كرزق وصحة وعلم ونبوة ﴿فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾ في فعله.

(3): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ﴾ احفظوا وأدوا حقها بشكر مولاها قولا وعملا واعتقادا ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ﴾ إلا الله ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ فمن أين تصرفون عن توحيده فتشركون منحوتكم به.

(4): ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ فاصبر كما صبروا تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ﴾ فيجازي الصابرين والمكذبين.

(5): ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بالبعث وغيره ﴿حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ فيلهيكم التمتع بها عن الآخرة ﴿وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾ الشيطان بأن يجرئكم على عصيان الله.

(6): ﴿إن إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا﴾ ولا تطيعوه واحذروه ﴿إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ﴾ أتباعه ﴿لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾ النار المسعرة.

(7): ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ وعيد لحزبه ووعد لحزب الله.

(8): ﴿أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ﴾ زينه له الشيطان فغلب هواه على عقله ﴿فَرَآهُ حَسَنًا﴾ وخبر من كمن اهتدى يهدي الله بدلالة ﴿فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ يخذل من لا ينفعه اللطف ويلطف بمن ينفعه ﴿فَلَا تَذْهَبْ﴾ تهلك ﴿نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ﴾ على المزين لهم ﴿حَسَرَاتٍ﴾ اغتماما بكفرهم وغيهم ﴿إن إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ فيجازيهم به.

(9): ﴿وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ تهيجه ﴿فَسُقْنَاهُ﴾ التفات إلى التكلم يفيد الاختصاص ﴿إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ﴾ بمائه ﴿الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ أي مثل إحياء الأرض إحياء الأموات.

(10): ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ أي فليطلبها من عنده بطاعته لأنها له كلها ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ هو التوحيد ﴿وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ﴾ المكرات ﴿السَّيِّئَاتِ﴾ بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ جزاء مكرهم ﴿وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ﴾ يبطل ولا ينفذ.

(11): ﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ﴾ بخلق آدم منه ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ بخلق نسله منها ﴿ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا﴾ ذكورا وإناثا ﴿وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ﴾ ما يزاد في عمر من يطول عمره ﴿وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ﴾ اللوح أو علمه تعالى ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ هين.

(12): ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ﴾ شديد العذوبة ﴿سَائِغٌ شَرَابُهُ﴾ في الحلق هنيء ﴿وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ﴾ شديد الملوحة وهذا مثل للمؤمن والكافر ﴿وَمِن كُلٍّ﴾ منهما ﴿تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هو السمك ﴿وتَسْتَخْرِجُون﴾ من الملح أو منهما ﴿حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ هي اللؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ﴾ في كل منهما ﴿مَوَاخِرَ﴾ تمخر الماء أي تشقه بجريها ﴿لِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ بالركوب للتجارة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الله على ذلك.

(13): ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو منتهى دوره أو مدته أو يوم القيامة ﴿ذَلِكُمُ﴾ الفاعل لهذه الأشياء ﴿اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ قشر نواة.

(14): ﴿إن إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا﴾ فرضا ﴿مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ﴾ لأنهم لا يملكون شيئا ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ﴾ بإشراككم أي يبرءون من عبادتكم إياهم ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ﴾ يخبرك بحقيقة الحال ﴿مِثْلُ خَبِيرٍ﴾ بما يخبرك وهو الله العليم بالحقائق.

(15): ﴿النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ﴾ في كل حال ﴿وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ﴾ عن كل شيء ﴿الْحَمِيدُ﴾ المستحق للحمد.

(16): ﴿إن إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ لكم.

(17): ﴿وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ﴾ بصعب.

(18): ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ لا تحمل نفس آثمة ﴿وِزْرَ﴾ نفس ﴿أُخْرَى وَإِن تَدْعُ﴾ نفس ﴿مُثْقَلَةٌ﴾ بالوزر ﴿إِلَى حِمْلِهَا﴾ إلى وزرها أحدا ليحمل بعضه ﴿لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ﴾ المدعو ﴿ذَا قُرْبَى﴾ قرابة ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالغَيْبِ﴾ غائبين عن عذابه أو عن الناس في خلواتهم ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَمَن تَزَكَّى﴾ تطهر من الآثام ﴿فَإِنَّمَا يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ﴾ إذ نفعه لها ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ فيجازي بالعمل.

(19): ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ الكافر والمؤمن.

(20): ﴿وَلَا الظُّلُمَاتُ﴾ الكفر ﴿وَلَا النُّورُ﴾ الإيمان.

(21): ﴿وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ﴾ الجنة والنار وتكرير لا لزيادة تأكيد النفي.

(22): ﴿وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ﴾ مثل للمؤمنين والكفار ﴿إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء﴾ ممن هو أهل ﴿وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ﴾ أي الكفار المشابهين للموتى.

(23): ﴿إِنْ﴾ ما ﴿أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ﴾.

(24): ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ﴾ محقين أو محقا أو إرسالا متلبسا بالحق ﴿بَشِيرًا﴾ لمن أطاعك ﴿وَنَذِيرًا﴾ لمن عصاك ﴿وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ﴾ وصي ينذرها ويفيد عدم خلو الزمان من حجة.

(25): ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالمعجزات المصدقة لهم ﴿وَبِالزُّبُرِ﴾ كصحف إبراهيم ﴿وَبِالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ كالتوراة والإنجيل أو أريد بهما واحد والعطف لاختلاف الوصفين.

(26): ﴿ثُمَّ أَخَذْتُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ﴾ إنكاري بتدميرهم.

(27): ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا﴾ التفات إلى التكلم ﴿بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا﴾ أصنافها أو هيئتها من صفرة وحمرة وغيرهما ﴿وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ﴾ جمع جدد الخطة والطريقة أي خطط وطرائق ﴿بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا﴾ بالشدة والضعف ﴿وَغَرَابِيبُ﴾ عطف على جدد أي ومنها شديدة السواد لا خطط فيها وهي تأكيد لمضمر يفسره ﴿سُودٌ﴾ إذ التأكيد متأخر عن المؤكد.

(28): ﴿وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ﴾ كاختلاف الثمار والجبال ﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء﴾ العارفون به لا الجهال وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم له وقصد حصر الفاعلية فقدم المفعول ﴿إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ﴾ في انتقامه من أعدائه ﴿غَفُورٌ﴾ لزلات أوليائه.

(29): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ﴾ يقرءون القرآن أو يتبعونه بالعمل بما فيه ﴿وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً﴾ المسنون والمفروض ﴿يَرْجُونَ تِجَارَةً﴾ كسب ثواب بذلك خبر إن ﴿لَّن تَبُورَ﴾ لن تكسد ولن تهلك.

(30): ﴿لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ﴾ ثواب أعمالهم المذكورة ﴿وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ﴾ على ما استحقوه ﴿إِنَّهُ غَفُورٌ﴾ لسيئاتهم ﴿شَكُورٌ﴾ لحسناتهم.

(31): ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ جنسه ﴿هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا﴾ حال مؤكدة أي أحقه مصدقا ﴿لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ لما تقدمه من الكتب ﴿إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ﴾ عالم بالبواطن والظواهر.

(32): ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ﴾ عبر بالماضي لتحققه ﴿الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا﴾ وهم علماء الأمة أو جميعها، عنهم (عليهم السلام): هي لنا خاصة ﴿فَمِنْهُمْ﴾ من عبادنا أو ممن اصطفينا ﴿ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ﴾ راجح السيئات ﴿وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ﴾ متساوي الحسنات والسيئات ﴿وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ﴾ راجح الحسنات وقيل الظالم صاحب الكبيرة والمقتصد صاحب الصغيرة والسابق المعصوم وقيل الظالم الجاهل والمقتصد المتعلم والسابق العالم، وعن الصادق (عليه السلام): الظالم منا من لا يعرف حق الإمام والمقتصد من يعرف حقه والسابق الإمام، وقدم الظالم لكثرة أفراده ﴿ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾ إشارة إلى الإيراث والسبق.

(33): ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ﴾ بعضها ﴿مِن ذَهَبٍ﴾ بيان ﴿وَلُؤْلُؤًا﴾ أي مكلل بلؤلؤ ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾.

(34): ﴿وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ﴾ للذنوب ﴿شَكُورٌ﴾ للطاعات.

(35): ﴿الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ﴾ أي الإقامة ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ من عطائه وتفضله بتكليفنا مما استوجبنا به ذلك ﴿لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ تعب ﴿وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ تعب وإعياء إذ لا تكليف.

(36): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى﴾ لا يحكم ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بموت ﴿فَيَمُوتُوا﴾ يستريحوا ﴿وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا﴾ شيء ﴿كَذَلِكَ﴾ الجزاء ﴿نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ شديد الكفر.

(37): ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا﴾ يستغيثون بصراخ أي صياح قائلين: ﴿رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ نحسبه صالحا فقد تحقق الآن لنا خلافه فيقال لهم توبيخا ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا﴾ الهم للدين والدنيا ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ﴾ عمرا ﴿يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾ روي أنها ستون وقيل أربعون وقيل ثماني عشر ﴿وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ﴾ الرسول أو الكتاب أو الشيب أو العقل أو موت الأهل ﴿فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ يدفع العذاب عنهم.

(38): ﴿إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ولا يخفى عليه شيء ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بمضمراتها فغيرها أولى بأن يعلمه.

(39): ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ﴾ جمع خليف أي تخلفون من قبلكم في التصرف فيها أو يخلف بعضكم بعضا ﴿فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ﴾ وبال كفره ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلَّا مَقْتًا﴾ أشد البغض ﴿وَلَا يَزِيدُ الْكَافِرِينَ كُفْرُهُمْ إِلَّا خَسَارًا﴾ للآخرة.

(40): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي أصنامكم التي أشركتموها بالله تعالى ﴿أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ﴾ بدل اشتمال من ﴿أَرَأَيْتُمْ﴾ أي أخبروني أي شيء منها خلقوه ﴿أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ﴾ شركة مع الله ﴿فِي السَّمَاوَاتِ﴾ في خلقها ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ﴾ أي الأصنام أو المشركين ﴿كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة ﴿مِّنْهُ﴾ بأنا جعلناهم شركاء ﴿بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم﴾ أي الرؤساء ﴿بَعْضًا﴾ أي الأتباع ﴿إِلَّا غُرُورًا﴾ باطلا بقولهم الأصنام تشفع لهم.

(41): ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا﴾ كراهة زوالهما أو يمنعهما من الزوال ﴿وَلَئِن زَالَتَا إِنْ﴾ ما ﴿أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ﴾ بعد الله أو بعد زوالهما ﴿إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا﴾ لا يعاجل بالعقوبة ﴿غَفُورًا﴾ للذنوب.

(42): ﴿وَأَقْسَمُوا﴾ أي قريش قبل بعث محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) حين سمعوا أن أهل الكتاب كذبوا رسلهم ﴿بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ غاية جهدهم فيها ﴿لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ﴾ اليهود والنصارى وغيرهم ﴿فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ﴾ هو محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا﴾ تباعدا عن الهدى.

(43): ﴿اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ﴾ مفعول له أو بدل من نفورا ﴿وَمَكْرَ السَّيِّئِ﴾ مصدر أضيف إلى صفة معموله أي وإن مكروا المكر السيىء ﴿وَلَا يَحِيقُ﴾ يحيط ﴿الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾ وهو الماكر ﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ﴾ ينتظرون ﴿إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ﴾ سنة الله فيهم من تعذيبهم بتكذيبهم ﴿فلن فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا﴾ فلا يبدل بالعذاب غيره ولا يحول إلى غير مستحقه.

(44): ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ مما يشاهدونه من آثار إهلاكهم ﴿وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ﴾ ليسبقه ويفوته ﴿مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا﴾ بكل شيء ﴿قَدِيرًا﴾ على ما يشاء.

(45): ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا﴾ من الذنوب ﴿مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا﴾ ظهر الأرض ﴿مِن دَابَّةٍ﴾ نسمة تدب عليها بشؤمهم ﴿وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو يوم القيامة ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا﴾ فيجازيهم بأعمالهم.