سورة الروم

(1)-(2): ﴿الم غُلِبَتِ الرُّومُ﴾ وهم النصارى غلبتهم فارس المجوس.

(3): ﴿فِي أَدْنَى الْأَرْضِ﴾ أرض العرب منهم وهي أطراف الشام أو أدنى أرضهم من عدوهم وهي الجزيرة ﴿وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ﴾ فارس.

(4)-(5): ﴿فِي بِضْعِ سِنِينَ﴾ هو ما بين الثلاث والعشر ﴿لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ﴾ قبل غلبهم لفارس وهو حين غلبوا وبعد غلب فارس إياهم وهو حين يغلبون أي كونهم مغلوبين أولا وغالبين آخرا ليس إلا بأمر الله ﴿وَيَوْمَئِذٍ﴾ يوم تغلب الروم ﴿يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ﴾ المؤمنين بإظهار صدق نبيهم فيما أخبر به أو بتولية بعض الظالمين بعضا ووافق ذلك يوم نصر المؤمنين ببدر فنزل به جبرئيل ففرحوا بالنصرين ﴿يَنصُرُ مَن يَشَاء﴾ بمقتضى الحكمة ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ بخذلانه لمن يشاء ﴿الرَّحِيمُ﴾ بنصره لمن يشاء.

(6): ﴿وَعْدَ اللَّهِ﴾ مصدر مؤكد لنفسه لأن ما سبق في معنى وعد ﴿لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ صحة وعده لجهلهم به.

(7): ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي مكاسبها ﴿وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ﴾ التي هي الغرض منها ﴿هُمْ غَافِلُونَ﴾.

(8): ﴿أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ ظرف نحو تفكر في قلبه أو صلة أي في أمرها فإنها أقرب شيء إليهم وفيها ما في العالم الأكبر من عجائب الصنع ﴿مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ ينتهي بقاؤها إليه ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ﴾ بلقاء جزائه والبعث ﴿لَكَافِرُونَ﴾ جاحدون لعدم تفكرهم.

(9): ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ كعاد وثمود ﴿وَأَثَارُوا الْأَرْضَ﴾ قلبوها للزرع واستحداث الأنهار والآبار وغيرها ﴿وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا﴾ من عمارة أهل مكة وهو تهكم بهم إذ لا إثارة لهم ولا عمارة أصلا مع تباهيهم في الدنيا التي عمدة ما يتباهى به أهلها الإثارة والعمارة ﴿وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ بالحجج الواضحات ﴿فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بتدميرهم.

(10): ﴿ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا﴾ العقوبة ﴿السُّوأَى﴾ تأنيث أسوأ أو مصدر وصف به ﴿أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون﴾.

(11): ﴿اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ﴾ ينشئهم ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بالبعث ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ التفات إلى الخطاب وقرىء بالياء.

(12): ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ﴾ يسكنون حيرة ويأسا.

(13): ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ﴾ من أشركوهم بالله ﴿شُفَعَاء﴾ يخلصونهم كما زعموا ﴿وَكَانُوا بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ﴾ جاحدين.

(14): ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ﴾ تأكيد ﴿يَتَفَرَّقُونَ﴾ أي المؤمنون والكافرون.

(15): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ﴾ أرض ذات خضرة وماء وهي الجنة ﴿يُحْبَرُونَ﴾ يسرون سرورا يتهللون له.

(16): ﴿وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ﴾ لا يفارقونه.

(17): ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ﴾.

(18): ﴿وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ﴾ أمر بلفظ الخبر أي نزهوه تعالى وأثنوا عليه في هذه الأوقات لظهور قدرته وتجدد نعمته فيها وخص التسبيح بالمساء والصباح لأظهرية آثار القدرة فيهما والحمد بالعشي وهو آخر النهار والظهيرة وهي وسطه لأكثرية تجدد النعم فيهما.

(19): ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ كالإنسان من النطفة والطائر من البيضة ﴿وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ﴾ النطفة والبيضة ﴿مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ﴾ بالنبات ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها ﴿وَكَذَلِكَ﴾ الإخراج ﴿تُخْرَجُونَ﴾ من قبوركم أحياء.

(20): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنتُم بَشَرٌ تَنتَشِرُونَ﴾.

(21): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ خلق حواء من ضلع آدم أو من فضل طينته وسائر النساء من نطف الرجال أو من سائر جنسكم ﴿لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ لتألفوها ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم﴾ بين الرجال والنساء أو أشخاص النوع ﴿مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾ بالزواج لا لسابقة معرفة أو رحم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَآيَاتٍ﴾ على قدرته وحكمته ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيه.

(22): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ﴾ لغاتكم بأن علم كل أناس لغة أو ألهمهم وضعها أو كيفيات نطقكم التي يمتاز بها كل شخص عن غيره ﴿وَأَلْوَانِكُمْ﴾ من بياض وسواد وغيرهما ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ﴾ الثقلين والملائكة وقرىء بكسر اللام أي أولي العلم.

(23): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ﴾ نومكم في الوقتين للاستراحة وطلب معاشكم فيهما أو نومكم بالليل وطلبكم بالنهار فلفه لكن فصل بين الفعلين بالوقتين إيذانا بصلاحية كل منهما للآخر عند الحاجة وإن خصوا بأحدهما ويوافقه الآيات المتضمنة له ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ سماع تدبر.

(24): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا﴾ من الصاعقة وللمسافر ﴿وَطَمَعًا﴾ في المطر وللحاضر ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء مَاء فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتفكرون بعقولهم ليعلموا قدرة مدبرها وحكمته.

(25): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاء وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ﴾ بإرادته بغير عمد ﴿ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِّنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ عطف على أن تقوم بتأويل مفرد أي من آياته قيامهما ثم خروجكم من القبور إذا دعاكم دعوة واحدة يا أهل القبور اخرجوا.

(26): ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا ﴿كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ﴾ منقادون لفعله بهم.

(27): ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ بعد إهلاكهم ﴿وَهُوَ﴾ أي الإعادة والتذكير على معنى أن يعيد ﴿أَهْوَنُ عَلَيْهِ﴾ من البدء بالقياس على أصولكم وإلا فهما سواء في السهولة وقيل أهون بمعنى هين وقيل الهاء للخلق ﴿وَلَهُ الْمَثَلُ﴾ الوصف ﴿الْأَعْلَى﴾ الذي ليس لغيره مثله من الوحدانية والقدرة والحكمة ﴿فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ نطقا ودلالة ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في ملكه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه.

(28): ﴿ضَرَبَ لَكُم مَّثَلًا﴾ منتزعا ﴿مِنْ أَنفُسِكُمْ﴾ التي هي أقرب شيء منكم ﴿هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء فِي مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ من الأموال ﴿فَأَنتُمْ﴾ وهم ﴿فِيهِ سَوَاء﴾ لا فضل بينكم وبينهم مع كونهم بشرا مثلكم ﴿تَخَافُونَهُمْ﴾ أن تنفردوا بتصرف فيه ﴿كَخِيفَتِكُمْ أَنفُسَكُمْ﴾ أمثالكم من الأحرار أي لا ترضون بذلك فكيف تشركون بالله مماليكه في الإلهية ﴿كَذَلِكَ﴾ التفصيل ﴿نُفَصِّلُ الْآيَاتِ﴾ نبينها ﴿لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتدبرون بعقولهم.

(29): ﴿بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ أشركوا ﴿أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ جاهلون يهيمون كالبهائم ﴿فَمَن يَهْدِي مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ﴾ أي لا هادي لمن خذله ولم يلطف به ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ مانعين مما استوجبوا من الخذلان.

(30): ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ قومه ﴿لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ مائلا إليه ثابتا عليه ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ﴾ خلقته نصب بتقدير الزموا ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ وهي قبولهم لدين الإسلام إذا خلوا وما فطروا عليه لم يختاروا غيره كما قال (صلى الله عليه وآله وسلّم) كل مولود يولد على الفطرة ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ أي ما ينبغي أن تبدل تلك الفطرة ﴿ذَلِكَ﴾ هو ﴿الدِّينُ الْقَيِّمُ﴾ المستقيم ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك لعدم تفكرهم.

(31): ﴿مُنِيبِينَ﴾ راجعين ﴿إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

(32): ﴿مِنَ الَّذِينَ﴾ بدل ﴿فَرَّقُوا دِينَهُمْ﴾ باختلافهم بأهوائهم ﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾ فرقا كل فرقة تشيع إماما ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾ بظن أن ما عندهم الحق.

(33): ﴿وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ﴾ شدة ﴿دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ﴾ راجعين ﴿إِلَيْهِ﴾ عن غيره ﴿ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً﴾ خلاصا من الشدة ﴿إِذَا﴾ فجائية ﴿فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾ في مقابلة رحمته.

(34): ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ عاقبة أمركم.

(35): ﴿أَمْ﴾ بل ﴿أَنزَلْنَا عَلَيْهِمْ سُلْطَانًا﴾ حجة ﴿فَهُوَ يَتَكَلَّمُ﴾ تكلم دلالة ﴿بِمَا كَانُوا بِهِ يُشْرِكُونَ﴾ بإشراكهم وصحته.

(36): ﴿وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً﴾ نعمة ﴿فَرِحُوا بِهَا﴾ بطرا ﴿وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ﴾ شدة ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ بسبب ذنوبهم ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ من الرحمة.

(37): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ يعلموا ﴿أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه ﴿لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ﴾ يضيقه لمن يشاء بحسب المصالح ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ﴾ على قدرته وحكمته ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ بها.

(38): ﴿فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ﴾ أقربائك فرضهم من الخمس وعن الصادق (عليه السلام) لما نزلت أعطى (صلى الله عليه وآله وسلّم) فاطمة فدكا ﴿وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ﴾ حقهما من الزكاة ﴿ذَلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ﴾ بمعروفهم ﴿وَجْهَ اللَّهِ﴾ جهة التقرب إليه لا جهة أخرى ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ الفائزون بالنعيم الباقي.

(39): ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا﴾ زيادة محرمة في المعاملة أو عطية يطلب بها أكثر منها وقرىء بالقصر أي ما جئتم به من ربا ﴿لِّيَرْبُوَ﴾ ليزيد ﴿فِي أَمْوَالِ النَّاسِ﴾ أكلة الربا ﴿فَلَا يَرْبُو﴾ فلا يزكوا ﴿عِندَ اللَّهِ﴾ بل يمحقه ولا يثيب المكافىء ﴿وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ﴾ لا غيره ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ﴾ من الثواب.

(40): ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ﴾ أي هو فاعل بهذه الأفعال التي لا يقدر على شيء منها غيره ﴿هَلْ مِن شُرَكَائِكُم﴾ ممن أشركتموهم به من الأصنام وغيرها ﴿مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم﴾ المذكور ﴿مِّن شَيْءٍ﴾ حتى تجوز عبادتكم لها ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به.

(41): ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ كالقحط والموتان وكثرة المضار ومحق البركات ﴿بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ﴾ بسبب ذنوبهم أو ظهر الشر والظلم بكسبهم إياه ﴿لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾ بعض وباله عاجلا ﴿لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ يتوبون.

(42): ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ﴾ من تدميرهم بسوء فعلهم ﴿كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ﴾ أي كان سوء عاقبتهم لشركهم.

(43): ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ﴾ البليغ الاستقامة ﴿مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ﴾ لا يرده أحد ﴿مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ﴾ يتصدعون أي يتفرقون إلى الجنة والنار.

(44): ﴿مَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ﴾ لا على غيره ﴿كُفْرُهُ﴾ أي وباله وهو النار ﴿وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِأَنفُسِهِمْ﴾ لا لغيرها ﴿يَمْهَدُونَ﴾ منزلا في الجنة.

(45): ﴿الْقَيِّمِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِن فَضْلِهِ ﴾ زيادة على ثوابهم الواجب لهم أو من عطائه وهو ثوابهم ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ﴾ أي يجازيهم بالعقوبة على كفرهم.

(46): ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ﴾ الجنوب والصبا والشمال وهي للرحمة وأما الدبور فللعذاب ﴿مُبَشِّرَاتٍ﴾ بالغيث ﴿وَلِيُذِيقَكُم﴾ عطف على معنى مبشرات أي ليبشركم وليذيقكم ﴿مِّن رَّحْمَتِهِ﴾ وهي الغيث المسبب عنها أو الخصب التابع له أو الروح الحاصل بهبوبها ﴿وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ﴾ بإرادته ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ تجارة البحر ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ هذه النعمة فتوحدونه.

(47): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاؤُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ﴾ فكذبوهم ﴿فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا﴾ بالإهلاك ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالحجة والبرهان أو في الرجعة.

(48): ﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ﴾ وقرىء الريح ﴿فَتُثِيرُ سَحَابًا﴾ تهيجه ﴿فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء﴾ في جهتها ﴿كَيْفَ يَشَاء﴾ من قلة وكثرة وغيرهما ﴿وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا﴾ قطعا متفرقة ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ المطر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ من مخارجه ﴿فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ﴾ يفرحون.

(49): ﴿وَإِن كَانُوا مِن قَبْلِ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْهِم مِّن قَبْلِهِ﴾ كرر تأكيدا وقيل الهاء للإرسال ﴿لَمُبْلِسِينَ﴾ لابسين.

(50): ﴿فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ﴾ أثر المطر من النبات والخصب ﴿لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه إحياء الموتى.

(51): ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا﴾ ضارة ﴿فَرَأَوْهُ﴾ أي الأثر وهو النبات ﴿مُصْفَرًّا﴾ وقيل الهاء للسحاب لا أنه إذا أصفر لم يمطر ﴿لَّظَلُّوا﴾ لصاروا جواب سد مسد الجزاء ﴿مِن بَعْدِهِ﴾ بعد أن رأوه مصفرا ﴿يَكْفُرُونَ﴾ ذمهم بأنهم إذا حبس عنهم المطر قنطوا ولم يستغفروا وإذا أمطروا فرحوا ولم يشكروا.

(52): ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى﴾ شبهوا بهم في عدم تدبرهم وبالصم في ﴿وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾ فإنهم حينئذ أبعد عن الإستماع.

(53): ﴿وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ﴾ أي ما تبعدهم عنها بالهدى ﴿إِن﴾ ما ﴿تُسْمِعُ اللَّهُ ثُمَّ﴾ سماع قبول ﴿إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا﴾ ممن علمه الله أنه يصدق بها ﴿فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ منقادون لأمره.

(54): ﴿الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ﴾ أي ابتدأكم أطفالا ضعافا أو خلقكم من النطفة ﴿ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً﴾ أي قوة الشباب أو تعلق الروح ﴿جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً﴾ أي في حال الشيخوخة والهرم وقرىء بفتح الضاد في الثلاث وبضمها ﴿يَخْلُقُ مَا يَشَاء﴾ من ضعف وقوة وشيبة ﴿وَهُوَ الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء ﴿الْقَدِيرُ﴾ على ما يشاء.

(55): ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ﴾ القيامة ﴿يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا﴾ في القبور أو في الدنيا أو فيما بين فنائها والبعث وهو وقت انقطاع عذابهم ﴿غَيْرَ سَاعَةٍ﴾ يستقصرون مدة لبثهم بالنسبة إلى مدة عذاب الآخرة أو ينسونها ﴿كَذَلِكَ﴾ الصرف عن الصدق ﴿كَانُوا يُؤْفَكُونَ﴾ يصرفون في الدنيا.

(56): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ﴾ من الملائكة وغيرهم ﴿لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ﴾ في علمه أو اللوح أو ما كتبه أي أوجبه أو القرآن من قوله ومن ورائهم برزخ ﴿إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ﴾ الذي أنكرتموه ﴿وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ وقوعه لعدم النظر.

(57): ﴿فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ﴾ بالياء والتاء ﴿وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى رضا الله.

(58): ﴿وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ﴾ منبه على التوحيد والبعث وصدق الرسول ﴿وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ﴾ من القرآن أو مما اقترحوه ﴿لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ عنادا ﴿إِنْ أَنتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ﴾ أصحاب أباطيل.

(59): ﴿كَذَلِكَ﴾ الطبع ﴿يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ الحق لتركهم النظر أي يمنعهم ألطافه لعلمه بأنها لا تجدي فيهم.

(60): ﴿فَاصْبِرْ﴾ على أذاهم ﴿إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ بنصرك وإعلاء دينك ﴿حَقٌّ﴾ منجز لا محالة ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ﴾ لا يحملنك على الخفة والضجر ﴿الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.