سورة العنكبوت

(1): ﴿الم﴾.

(2): ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ أي حسبوا تركهم غير ممتحنين لقولهم آمنا.

(3): ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ امتحناهم فهي سنة جارية في الأمم ﴿فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا﴾ في إيمانهم أي ليتعلق علمه به موجودا ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾ في إيمانهم أي ليتعلق علمه به موجودا فيه، وعن علي والصادق (عليهما السلام) فليعلمن من الإعلام أي ليعرفنهم الناس أو ليسمهم بعلامة يعرفون بها كبياض الوجوه وسوادها.

(4): ﴿أَمْ﴾ بل ﴿حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ الكفر والمعاصي ﴿أَن يَسْبِقُونَا﴾ أن يفوتونا فنعجز عن الانتقام منهم ﴿سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ حكمهم هذا.

(5): ﴿مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ﴾ يأمل الوصول إلى ثوابه أو يخاف العاقبة من الموت والبعث والجزاء ﴿فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ﴾ الوقت الموقت للقائه ﴿لَآتٍ﴾ فليسارع إلى ما يوجب الثواب ويبعد من العقاب ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ للأقوال ﴿الْعَلِيمُ﴾ بالأفعال.

(6): ﴿وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ﴾ لأن فائدته لها ﴿إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ وعن طاعتهم وإنما كلفهم لمنفعتهم.

(7): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ﴾ السابقة من الكفر والمعاصي بالإيمان والعمل ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ بأحسن جزائه.

(8): ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا﴾ أمرناه بإيلائهما فعلا ذا حسن أو ما هو في ذاته حسن مبالغة أو قلنا له أحسن بهما حسنا ﴿وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا﴾ في ذلك إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ بركم وفاجركم ﴿فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بالجزاء عليه.

(9): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ﴾ في جملتهم أو في مدخلهم إلى الجنة.

(10): ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ﴾ بلسانه ﴿فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ﴾ أذاه الكفار ﴿جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ﴾ أذاهم له صارفا عن الإيمان ﴿كَعَذَابِ اللَّهِ﴾ الصارف عن الكفر ﴿وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ﴾ فتح لكم ﴿لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ﴾ في الدين تقية ولتشركوهم إن غنمتم، والتوحيد والجمع للفظ من ومعناها ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾ من إيمان ونفاق.

(11): ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بإخلاص ﴿وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ﴾ فيجازي الحزبين.

(12): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا﴾ ديننا ﴿وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ﴾ بذلك إن كانت ﴿وَمَا هُم بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُم مِّن شَيْءٍ﴾ و﴿إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في ضمانهم حملها.

(13): ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ﴾ أوزارهم أنفسهم ﴿وَأَثْقَالًا﴾ آخر ﴿مَّعَ أَثْقَالِهِمْ﴾ وهي أوزار من أضلوه من غير أن ينقص من وزره شيء ﴿وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تقريعا ﴿عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من الكذب.

(14): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ﴾ على رأس أربعين ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا﴾ يدعوهم إلى الله ولا يجيبونه ﴿فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ بكفرهم.

(15): ﴿فَأَنجَيْنَاهُ﴾ أي نوحا ﴿وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ﴾ من ركبوا معه فيها وهم ثمانون أو أقل وعاش بعد ذلك ستين ﴿وَجَعَلْنَاهَا﴾ أي السفينة أو القصة ﴿آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ يعتبرون بها.

(16): ﴿وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من شرككم ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ الخير والشر.

(17): ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا﴾ جمادات ﴿وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا﴾ تكذبون كذبا ﴿إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا﴾ لا يقدرون أن يرزقوكم شيئا من الرزق ﴿فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ﴾ كله فإنه المالك له ﴿وَاعْبُدُوهُ﴾ وحده تأدية له ﴿وَاشْكُرُوا لَهُ﴾ استزادة لفضله أو استعدوا للقائه بهما فإنكم ﴿إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾.

(18): ﴿وَإِن تُكَذِّبُوا﴾ تكذبوني ﴿فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِّن قَبْلِكُمْ﴾ رسلهم فلم يضروهم بل ضروا أنفسهم فكذا أنتم ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ التبليغ البين.

(19): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا﴾ بالياء والتاء ﴿كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ﴾ بضم أوله يبدأ ﴿الْخَلْقَ﴾ من العدم ﴿ثُمَّ يُعِيدُهُ﴾ كما أبدأه ﴿إِنَّ ذَلِكَ﴾ المذكور من الإبداء والإعادة ﴿عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ إذا أراده كان.

(20): ﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ حكاية قوله تعالى لإبراهيم أو محمد ﴿فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ﴾ للمواليد الثلاثة وغيرها ﴿ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ بعد الأولى ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيقدر على النشأتين.

(21): ﴿يُعَذِّبُُ مَن يَشَاء﴾ تعذيبه ﴿وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء﴾ رحمته ﴿وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ﴾ تردون.

(22): ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ الله عن إدراككم لو هربتم عن حكمه ﴿فِي الْأَرْضِ﴾ الفسيحة ﴿وَلَا فِي السَّمَاء﴾ التي هي أفسح منها ولو تحصنتم في أعماق الأرض أو في القلاع الذاهبة في السماء ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ﴾ يمنعكم منه ﴿وَلَا نَصِيرٍ﴾ يدفع عنكم عذابه.

(23): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ﴾ دلائله أو كتبه ﴿وَلِقَائِهِ﴾ البعث ﴿أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِن رَّحْمَتِي﴾ لإنكارهم البعث والجزاء أو يئسون منها يوم القيامة وعبر بالماضي لتحققه ﴿وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ مؤلم.

(24): ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ قوم إبراهيم ﴿إِلَّا أَن قَالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ فألقوه في النار ﴿فَأَنجَاهُ﴾ فنجاه ﴿اللَّهُ مِنَ النَّارِ﴾ بجعلها بردا وسلاما عليه ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ في إنجائه ﴿لَآيَاتٍ﴾ منها منعه من حرها وسرعة إخمادها مع عظمها وجعل مكانها روضا وعدم تضرره بالرمي ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ لأنهم المتفكرون فيها.

(25): ﴿وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ أي لتوادوا بينكم لاجتماعكم عليها ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضًا﴾ أي يقوم التعادي والتلاعن بين العبدة أو بينهم وبين أوثانهم ويكونون عليهم ضدا ﴿وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ يدفعونها عنكم.

(26): ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ هو ابن أخته وأول مؤمن به ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ﴾ من قومي ﴿إِلَى رَبِّي﴾ إلى حيث أمرني ربي ﴿إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ﴾ في سلطانه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه.

(27): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ﴾ ولدا ﴿وَيَعْقُوبَ﴾ نافلة من هرمين ولذا خصا بالذكر ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ﴾ فكل نبي بعده منهما ﴿وَالْكِتَابَ﴾ أي جنسه فيعم الكتب الأربعة ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيَا﴾ وهو الذرية الطيبة وثناء كل الأمم عليه ﴿وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أولي الدرجات العلا.

(28): ﴿وَلُوطًا﴾ عطف على إبراهيم ﴿إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ﴾ الفعلة الشنعاء ﴿مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ﴾.

(29): ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ﴾ باعتراض المارة بالقتل وأخذ المال أو بالفاحشة أو تقطعون سبيل النسل بإتيان الرجال دون النساء ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ﴾ هو المجلس ما دام أهله فيه ﴿الْمُنكَرَ﴾ كالضراط أو اللواط وكشف العورة وغير ذلك ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا﴾ استهزاء ﴿ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في استفحاش ذلك.

(30): ﴿قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ﴾ بقبائحهم وسنها في الناس.

(31): ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ بالبشارة بإسحق ويعقوب بعده ﴿قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ﴾ وهي سدوم ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ﴾ بالكفر والمعاصي.

(32): ﴿قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا﴾ جدال لهم بأن فيها من لا يظلم إشفاقا عليه ﴿قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا﴾ أخبر بحاله أو حال قومه ﴿لَنُنَجِّيَنَّهُ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ الباقين في العذاب.

(33): ﴿وَلَمَّا أَن﴾ زيدت للتأكيد ﴿جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾ اغتم بسببهم إذ جاءوا في صورة غلمان أضياف فخاف عليهم قومه ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ صدرا كناية عن فقد الطاقة ﴿وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ﴾ فنحن رسل ربك ﴿إِنَّا مُنَجُّوكَ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ﴾.

(34): ﴿إِنَّا مُنزِلُونَ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا﴾ عذابا ﴿مِّنَ السَّمَاء بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾ بسبب فسقهم.

(35): ﴿وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً﴾ هي آثار المنازل الخربة أو قصتها أو بقية الحجارة والماء الأسود ﴿لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

(36): ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ﴾ وأرسلنا لهم ﴿أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ﴾ واعملوا ما ترجون به ثوابه فأقيم الرجاء مقام سببه أو خافوه ﴿وَلَا تَعْثَوْا﴾ تعتدوا ﴿فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ حال مؤكدة.

(37): ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ﴾ الزلزلة أو صيحة جبرائيل ﴿فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ صرعى على وجوههم.

(38): ﴿وَعَادًا﴾ وأهلكنا عادا ﴿وَثَمُودَ﴾ بالصرف وتركه بمعنى الحي أو القبيلة ﴿وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ﴾ بعضها أو إهلاكهم من جهتها عند مروركم بها ﴿وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ كفرهم ومعاصيهم ﴿فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ﴾ سبيل الحق ﴿وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ﴾ متمكنين من النظر ولكن لم ينظروا.

(39): ﴿وَقَارُونَ﴾ وأهلكنا قارون ولعله قدم لنسبه ﴿وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءهُم مُّوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ﴾ فائتين أمرنا بل أدركهم.

(40): ﴿فَكُلًّا﴾ من المذكورين ﴿أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا﴾ ريحا عاصفا فيها حصباء كقوم لوط ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ﴾ كثمود ومدين ﴿وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ﴾ كقارون ﴿وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ كقوم نوح وفرعون وقومه ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ﴾ بالإهلاك ﴿وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بالإشراك.

(41): ﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاء﴾ أصناما يلجئون إليها أي في وهن ما اعتمدوه في دينهم ﴿كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا﴾ تأوي إليه من نسجها الذي هو في غاية الوهن ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِ﴾ يضمحل بأدنى سبب ولا يقيها حرا ولا بردا كذلك الأصنام لا تنفع عبدتها فدينهم أوهن الأديان ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ أن هذا مثلهم لندموا.

(42): ﴿إِنَّ اللَّهَ﴾ أي قل لهم إن الله ﴿يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ﴾ الذي تعبدونه ﴿مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ في سلطانه ﴿الْحَكِيمُ﴾ في صنعه.

(43): ﴿وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ تفهيما لهم ﴿وَمَا يَعْقِلُهَا﴾ يعقل فائدتها ﴿إِلَّا الْعَالِمُونَ﴾ المتدبرون.

(44): ﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾.

(45): ﴿اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ﴾ لنفسك وعلى الناس ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ﴾ بشروطها ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ﴾ بكونها سببا للانتهاء عن المعاصي لتذكيرها الله وإيراثها في القلب خوفه ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ﴾ إياكم برحمته ﴿أَكْبَرُ﴾ من ذكركم إياه بطاعته أو الصلاة أكبر من سائر الطاعات ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ من خير وشر فيجازيكم.

(46): ﴿وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا﴾ بالخصلة التي ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ كمقابلة الخشونة باللين والغضب بالحلم ﴿إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ﴾ بالاعتداء أو العناد أو نبذ الذمة أو قولهم بالولد ﴿وَقُولُوا﴾ في المجادلة بالتي أحسن ﴿آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ﴾ وحده ﴿مُسْلِمُونَ﴾ مطيعون.

(47): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ الإنزال ﴿أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ القرآن مصدقا لسائر الكتب المنزلة ﴿بِالَّتِي فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ كابن سلام أو أمثاله أو من تقدم زمن النبي من أهل الكتاب ﴿وَمِنْ هَؤُلَاء﴾ من أهل مكة أو ممن عاصره (صلى الله عليه وآله وسلّم) من أهل الكتاب ﴿مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا﴾ مع وضوحها ﴿إِلَّا الْكَافِرُونَ﴾ المصممون على الكفر.

(48): ﴿وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا﴾ أي لو كنت تقرأ وتخط ﴿لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ الذين شأنهم الإبطال أي كفرة مكة وقالوا لعله جمعه من كتب الأولين أو أهل الكتاب وقالوا الذي في كتبنا أنه أمي.

(49): ﴿بَلْ هُوَ﴾ أي القرآن ﴿آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ يحفظونه عن التحريف وهم النبي وآله ﴿وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا﴾ الواضحة ﴿إِلَّا الظَّالِمُونَ﴾ بالعناد والمكابرة.

(50): ﴿وَقَالُوا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ كناقة صالح وعصا موسى ومائدة عيسى ﴿قُلْ إِنَّمَا الْآيَاتُ عِندَ اللَّهِ﴾ ينزلها كما يشاء ﴿وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ للإنذار بما أوتيت من الآيات.

(51): ﴿أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ﴾ آية بالغة ﴿أَنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ على الدوام فهو آية ثابتة لا تزول بخلاف سائر الآيات ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ الكتاب المعجز المستمر ﴿لَرَحْمَةً وَذِكْرَى﴾ نعمة وعظة ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ به.

(52): ﴿قُلْ كَفَى بِاللَّهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيدًا﴾ بصدقي أو صدقني بالمعجزات أو بتبليغي ومقابلتكم بالتكذيب ﴿يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ فيعلم حالي وحالكم ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ﴾ بإلهية غير الله ﴿وَكَفَرُوا بِاللَّهِ﴾ منكم ﴿أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ في صفقتهم حيث اشتروا الباطل بالحق.

(53): ﴿وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ﴾ استهزاء ﴿وَلَوْلَا أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ لعذابهم ﴿لَجَاءهُمُ الْعَذَابُ﴾ عاجلا ﴿وَلَيَأْتِيَنَّهُم بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ بإتيانه.

(54): ﴿يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾ بناء على تجسم الأعمال والظاهر ولكن لا يظهر أثرها في هذا العالم بل في الآخرة أو كالمحيط بهم لإحاطة الكفر واللام للجنس فتعمهم حكمة أو للعهد بوضع الظاهر موضع الضمير إشعارا بموجب الحكم.

(55): ﴿يَوْمَ يَغْشَاهُمُ الْعَذَابُ﴾ ظرف لمحيطة ﴿مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾ يغطيهم مبتدئا من الجهتين ﴿وَيَقُولُ ذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي جزاءه.

(56): ﴿يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ﴾ فهاجروا عن أرض لم يتيسر لكم فيها العبادة إلى أرض يتيسر فيها ﴿فَإِيَّايَ﴾ نصب بما يفسره ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ والفاء جواب شرط مقدر أي إن لم تخلصوا للعبادة لي في الأرض فأخلصوها في غيرها.

(57): ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ واجدة كربه ﴿ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ بعده للجزاء.

(58): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم﴾ لننزلنهم ﴿مِّنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا﴾ أعالي وقرىء لنثوينهم من الإثواء الإقامة ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ﴾ أجرهم.

(59): ﴿الَّذِينَ صَبَرُوا﴾ على أذى الكفر والبليات ومشقة الهجرة أو الطاعات ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ لا غيره ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ في المهمات.

(60): ﴿وَكَأَيِّن﴾ وكم ﴿مِن دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ لضعفها عن حمله أو لا تدخره ﴿اللَّهُ يَرْزُقُهَا﴾ مع ضعفها ﴿وَإِيَّاكُمْ﴾ مع قوتكم على الكسب والحمل لا يرزق الكل إلا هو لأنه المسبب لأسبأب رزقهم، قيل لما أمروا بالهجرة فقال بعضهم كيف نقدم بلدة لا معيشة لنا فيها فنزلت ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لقولكم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بسركم.

(61): ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم﴾ أي أهل مكة ﴿مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ مقرين بأنه الفاعل لذلك ﴿فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ يصرفون عن توحيده مع إقرارهم بذلك.

(62): ﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ﴾ يوسعه ﴿لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾ يضيق ﴿لَهُ﴾ بعد البسط فالأمران لواحد أو ويقدر لمن يشاء على وضع الهاء موضعه مبهمة مثله فليسا لواحد ﴿إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يعلم موضع البسط والتقتير.

(63): ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾ فكيف يشركون به الجماد ﴿قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ على ما وفقك لتوحيده أو على إلزامهم الحجة ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ أن إقرارهم به مبطل لشركهم.

(64): ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ الحقيرة ﴿إلا لهو ولعب﴾ إلا كما يلهو ويلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون ﴿وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ﴾ لهي دار الحياة الحقيقية الأبدية أو جعلت حياة مبالغة ﴿لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ﴾ ذلك ما آثروا الحياة عليها.

(65): ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ أي الدعاء لا يدعون إلا إياه إذ لا يكشف الشدائد سواه ﴿فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾ عادوا إلى الشرك.

(66): ﴿لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ من نعمة الإنجاء ﴿وَلِيَتَمَتَّعُواا﴾ بعكوفهم على أصنامهم ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ غب ذلك.

(67): ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا﴾ بلدهم مكة ﴿حَرَمًا آمِنًا﴾ أهله من القتل والأسر والنهب ﴿وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ﴾ بالتغاور قتلا وأسرا ونهبا دونهم ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ﴾ أبعد هذه النعمة وغيرها بالصنم ﴿يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ﴾ بإشراكهم به.

(68): ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ﴾ أي لا أظلم ﴿مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بادعاء شريك له ﴿أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ﴾ الرسول أو الكتاب ﴿لَمَّا جَاءهُ﴾ من غير تثبت ولا ترو ﴿أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْكَافِرِينَ﴾.

(69): ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا﴾ في حقنا ما يجب جهاده من النفس والشيطان وحزبه ﴿لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾ سبل الجنة أو سبل الخير بزيادة اللطف والذين اهتدوا زادهم هدى أو والذين عملوا بما علموا لنهدينهم إلى ما لا يعلمون ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ بالنصر والعون.