سورة القصص

(1): ﴿طسم﴾.

(2): ﴿تِلْكَ﴾ الآيات ﴿آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ السورة أو القرآن البين إعجازه أو المبين له.

(3): ﴿نَتْلُوا عَلَيْكَ مِن نَّبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ﴾ بعض خبرهما ﴿بِالْحَقِّ﴾ محقين ﴿لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ فإنهم المنتفعون به.

(4): ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ﴾ أرض مصر ﴿وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا﴾ فرقا يشيعونه في طاعته أو أصنافا في خدمته أو فرقا مختلفة متعادين لينقادوا له ﴿يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ﴾ وهم بنو إسرائيل ﴿يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ﴾ يستبقيهن لأن كاهنا أخبره بأنه يولد في بني إسرائيل مولود يذهب ملكك على يده ﴿إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ﴾ بالقتل وغيره.

(5): ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ﴾ من خلاصهم من بأسه في المال ﴿وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً﴾ مقدمين في الدارين ﴿وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾ لملك فرعون.

(6): ﴿وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ أرض مصر والشام بتسليطهم فيها ﴿وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ﴾ وزيره ﴿وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم﴾ من بني إسرائيل ﴿مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ﴾ من ذهاب ملكهم وإهلاكهم على يد مولود منهم.

(7): ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ﴾ ذلك ﴿فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ البحر أي النيل ﴿وَلَا تَخَافِي﴾ ضيعته ولا غرقه ﴿وَلَا تَحْزَنِي﴾ لفراقه ﴿إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ﴾ سالما عن قريب ﴿وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ﴾ فأرضعته ثلاثة أشهر ثم ألح فرعون في طلب الولدان فوضعته في تابوت مطلي داخله بالقار ممهد له فيه وأغلقته وألقته في النيل ليلا.

(8): ﴿فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ﴾ بتابوته فوضع بين يديه وفتح وأخرج منه موسى ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا﴾ اللام للعاقبة ﴿إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ﴾ في كل أمر فليس خطؤهم في تربية عدوهم ببدع منهم.

(9): ﴿وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ﴾ هو ﴿قُرَّتُ عَيْنٍ لِّي وَلَكَ﴾ مروي أنه قال لك لا لي ولو قال لي ولك لهداه الله كما هداها ﴿لَا تَقْتُلُوهُ﴾ الجمع للتعظيم أو خاطبه وأعوانه ﴿عَسَى أَن يَنفَعَنَا﴾ فإن فيه مخايل النفع وذلك أمارات من نوره وارتضاعه إبهامه لبنا وبرأ برص ابنتها بريقه ﴿أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أنهم على خطإ في التقاطه.

(10): ﴿وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى﴾ لما سمعت بالتقاطه ﴿َارِغًا﴾ من كل شيء سوى همه أو من العقل لدهشتها أو من الحزن لوثوقها بوعد الله ﴿إِن﴾ المخففة يعني أنها ﴿كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ﴾ لتظهر بأنه ابنها جزعا وتضجرا ﴿لَوْلَا أَن رَّبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا﴾ سكناه بالصبر ﴿لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ المصدقين بوعدنا وجواب لو لا دل عليه ما قبلها.

(11): ﴿وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ﴾ مريم ﴿قُصِّيهِ﴾ اتبعي أثره وتعرفي خبره ﴿فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ﴾ عن بعد مجالسة ﴿وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ﴾ أنها أخته أو لغرضها.

(12): ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ﴾ منعناه أن يرضع منها جمع مرضع الرضاع أي مكانه أي الثدي ﴿مِن قَبْلُ﴾ قبل قصها أثره ﴿فَقَالَتْ﴾ أخته حين رأت حنوهم عليه ﴿هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ بتربيته ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ بالقيام بأمره.

(13): ﴿فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا﴾ بلقائه ﴿وَلَا تَحْزَنَ﴾ لفراقه ﴿وَلِتَعْلَمَ﴾ عيانا ﴿أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ﴾ برده إليها ﴿حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ﴾ أي الناس ﴿لَا يَعْلَمُونَ﴾ حقيقة وعده.

(14): ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ كمال شدته وهو ثلاث وثلاثون أو الحلم ﴿وَاسْتَوَى﴾ أي تم في استحكامه وبلغ الأربعين ﴿آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾ بالدين ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما فعلنا له ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾ بإحسانهم.

(15): ﴿وَدَخَلَ﴾ موسى ﴿الْمَدِينَةَ﴾ مصر ﴿عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ وقت القائلة أو ما بين العشاءين أو يوم عيدهم ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ﴾ إسرائيلي ﴿وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ قبطي يسخر الإسرائيلي بحمل حطب إلى مطبخ فرعون ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ طلب أن يغيثه بالنصر ﴿فَوَكَزَهُ مُوسَى﴾ ضربه بجمع كفه ﴿فَقَضَى عَلَيْهِ﴾ فقتله ﴿قَالَ هَذَا﴾ أي الأمر الذي وقع القتل بسببه ﴿مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ﴾ للإنسان ﴿مُّضِلٌّ﴾ له ﴿مُّبِينٌ﴾ بين الإضلال.

(16): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي﴾ ترك الأولى أو قاله انقطاعا إلى الله ﴿فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ﴾ لعباده ﴿الرَّحِيمُ﴾ بهم.

(17): ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ من القوة ﴿فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ أي فلن أستعملها إلا في مظاهرة أوليائك.

(18): ﴿فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ الأخبار وما يقال فيه ﴿فَإِذَا الَّذِي اسْتَنصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ﴾ يستغيثه بصراخ إلى قبطي آخر ﴿قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُّبِينٌ﴾ من الغواية لكثرة مخاصمتك.

(19): ﴿فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَن يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَّهُمَا﴾ لموسى والإسرائيلي ﴿قَالَ﴾ الإسرائيلي ظانا أن يبطش به لوصفه إياه بالغواية ﴿يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَن تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ﴾ أو قاله القبطي إذ أحس مما قاله أنه القاتل للقبطي بالأمس لهذا الإسرائيلي ﴿إِن﴾ ما ﴿تُرِيدُ إِلَّا أَن تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ﴾ عاليا بالقتل والظلم ﴿وَمَا تُرِيدُ أَن تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ﴾ بين الناس فانتشر الحديث فبلغ فرعون فأمر بطلبه وقتله.

(20): ﴿وَجَاء رَجُلٌ﴾ هو مؤمن آل فرعون وهو ابن عمه ﴿مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى﴾ يسرع ﴿قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ الائتمار التشاور ﴿فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ﴾ لك.

(21): ﴿} فَخَرَجَ مِنْهَا﴾ من المدينة ﴿خَائِفًا يَتَرَقَّبُ﴾ الطلب ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ دل على أن قتله القبطي لم يكن ذنبا وإلا لم يكونوا ظالمين بطلب القود.

(22): ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاء مَدْيَنَ﴾ قصد نحوها وهي قرية شعيب ﴿قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السَّبِيلِ﴾ وسطه.

(23): ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ﴾ وصل إليه وهو بئر لهم ﴿وَجَدَ عَلَيْهِ﴾ فوق شفيرة ﴿أُمَّةً﴾ جماعة وأصنافا ﴿مِّنَ النَّاسِ﴾ يسقون مواشيهم ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ﴾ في مكان أسفل من مكانهم ﴿امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ﴾ تمنعان غنمهما عن الماء لئلا تزاحماهم ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُمَا﴾ شأنكما تذودان ﴿قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء﴾ جمع راع يصرفوا مواشيهم عن الماء خوف مزاحمتهم ﴿وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ﴾ لا يقدر أن يسقي فيضطر لإخراجنا فرحمهما.

(24): ﴿فَسَقَى لَهُمَا﴾ غنمهما وحذفت مفاعيل الخمسة لأن الغرض هو الفعل لا المفعول ﴿ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ﴾ طعام ﴿فَقِيرٌ﴾ ورجع البنتان إلى أبيهما شعيب فأخبرتاه الخبر فقال لإحداهما علي به.

(25): ﴿فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء﴾ وهي التي تزوجها وهي الصغرى واسمها صفيراء وقيل الكبرى واسمها صفراء ﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ فأجابها ﴿فَلَمَّا جَاءهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ من لدن ولادته إلى فراره خوفا من فرعون ﴿قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ فرعون وقومه فلا سلطان له بأرضنا.

(26): ﴿قَالَتْ إِحْدَاهُمَا﴾ وهي المرسلة ﴿يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ﴾ لرعي الغنم ﴿إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ﴾ حث بليغ على استئجاره إذ عللته بهما على جهة المثل ولم تقل لقوته وأمانته وجعلت خيرا اسما ودلت بالماضي على أنه أمر قد عرف منه.

(27): ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي﴾ تكون أجيرا لي ﴿ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾ سنين ﴿فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِندِكَ﴾ فالإتمام تفضل منه ولا ألزمكه ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ﴾ بإلزامك العشرة أو بالمناقشة في استيفاء الأعمال ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ﴾ للتبرك ﴿مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ في حسن الصحبة والوفاء بالعهد.

(28): ﴿قَالَ ذَلِكَ﴾ الذي شارطتني عليه قد تم ﴿بَيْنِي وَبَيْنَكَ﴾ لا تخرج عنه ﴿أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ﴾ الثماني أو العشر ﴿قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ بطلب الزيادة عليه أو فلا أكون متعديا بترك الزيادة عليه ﴿وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ﴾ من التشارط ﴿وَكِيلٌ﴾ شهيد حفيظ.

(29): ﴿فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ﴾ أوفى الأجلين ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ امرأته بإذن أبيها إلى الشام أو مصر ﴿آنَسَ﴾ بصر ﴿مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ عن الطريق وكان قد ضله ﴿أَوْ جَذْوَةٍ﴾ قطعة أو شعلة ﴿مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ تستدفئون بها.

(30): ﴿فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِن شَاطِئِ﴾ أتاه النداء من جانب ﴿الْوَادِي الْأَيْمَنِ﴾ لموسى ﴿فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ﴾ لأنها محل الوحي وتكليمه ﴿مِنَ الشَّجَرَةِ﴾ بدل اشتمال ﴿أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾.

(31): ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ فألقاها فصارت حية واهتزت ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ﴾ تتحرك ﴿كَأَنَّهَا جَانٌّ﴾ حية سريعة ﴿وَلَّى مُدْبِرًا﴾ هاربا منها ﴿وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ لم يرجع فنودي ﴿يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلَا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ﴾ من كل مخوف.

(32): ﴿اسْلُكْ يَدَكَ﴾ أدخلها ﴿فِي جَيْبِكَ﴾ طرف مدرعتك ﴿تَخْرُجْ بَيْضَاء﴾ ذات شعاع ﴿مِنْ غَيْرِ سُوءٍ﴾ برص ﴿وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ يدك المبسوطة تتقي بها الحية خوفا منها أو بإدخالها في جيبك فالتكرير لغرض آخر وهو إخفاء الخوف عند العدو مع إظهار معجزة أخرى بخروجها بيضاء ﴿مِنَ الرَّهْبِ﴾ من أجله أي إذا خفت فافعل ذلك شدا لنفسك ﴿فَذَانِكَ﴾ أي العصا واليد ﴿بُرْهَانَانِ﴾ حجتان نيرتان مرسلا بهما ﴿مِن رَّبِّكَ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ﴾ متمردين في الكفر.

(33): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ﴾ بها.

(34): ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا﴾ معينا ﴿يُصَدِّقُنِي﴾ ببيان الحجة ورفع الشبهة ﴿إِنِّي أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾.

(35): ﴿قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ نقويك به قوة اليد وقوتها بشدة العضد ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا﴾ تسلطا وحجة ﴿فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا﴾ بسوء ﴿بِآيَاتِنَا﴾ متعلق بمقدر أي اذهبا بها ﴿أَنتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ﴾.

(36): ﴿فَلَمَّا جَاءهُم مُّوسَى بِآيَاتِنَا بَيِّنَاتٍ قَالُوا مَا هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُّفْتَرًى﴾ مختلق كسائر أنواع السحر أو سحر تعلمه ثم يفتريه على الله ﴿وَمَا سَمِعْنَا بِهَذَا﴾ السحر أو ادعاء النبوة ﴿فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ﴾ كائنا في زمنهم.

(37): ﴿وَقَالَ مُوسَى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَن جَاء بِالْهُدَى مِنْ عِندِهِ﴾ فيصدقه بالمعجز ﴿وَمَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدَّارِ﴾ الدنيا أي عاقبتها المحمودة وهي الجنة فإنها المعتد بها ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ لا يفوزون بخير.

(38): ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ﴾ جهلا أو تلبيسا على قومه ﴿يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾ نفي علمه به دون وجوده ﴿فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ﴾ فاطبخ الآجر ﴿فَاجْعَل لِّي صَرْحًا﴾ قصرا عاليا ﴿لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى﴾ توهما أو إيهاما لقومه أنه لو وجد لكان في السماء فيصعد إليه ﴿وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في ادعائه إلها غيري وأنه رسول.

(39): ﴿وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ إذ لا يحق التكبر إلا لله ﴿وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ﴾ ببناء الفاعل أو المفعول.

(40): ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ﴾ طرحناهم في البحر ﴿فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ﴾ بتكذيب الرسل.

(41): ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ في الكفر بالتسمية أو بمنع اللطف ﴿يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ﴾.

(42): ﴿وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً﴾ إبعادا من الرحمة ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُم مِّنَ الْمَقْبُوحِينَ﴾ المبعدين أو المشوهين الخلقة.

(43): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿مِن بَعْدِ مَا أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولَى﴾ قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ﴿بَصَائِرَ لِلنَّاسِ﴾ أنوارا لقلوبهم يستبصر بها ﴿وَهُدًى﴾ إلى طريق الحق ﴿وَرَحْمَةً﴾ سببا لنيل الرحمة ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ إرادة أن يتذكروا.

(44): ﴿ا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ﴾ بجانب المكان أو الجبل أو الوادي الغربي من موسى ﴿إِذْ قَضَيْنَا﴾ حين أوحينا ﴿إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ﴾ أي رسالته وشريعته أي لم تحضر مكان أمرنا إليه ﴿وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ﴾ للوحي إليه.

(45): ﴿وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُونًا﴾ مما بعد موسى ﴿فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ أمد انقطاع الوحي فاندرست الشرائع فأوحينا إليك خبر موسى وغيره ﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا﴾ مقيما ﴿فِي أَهْلِ مَدْيَنَ﴾ شعيب ومن آمن به ﴿تَتْلُو﴾ تقرأ ﴿عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ المتضمنة لقصتهم ﴿وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ لك.

(46): ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ﴾ حين ﴿نَادَيْنَا﴾ موسى أن خذ الكتاب بقوة أو حين ناجيناه ﴿وَلَكِن﴾ علمناك ﴿رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ رسول وشريعة وإن كان عليهم أنبياء وأوصياء حافظون لشرع الرسول السابق ظاهرون أو مستترون لامتناع خلو الزمان من حجة ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ يتعظون.

(47): ﴿وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ﴾ عقوبة ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ من الكفر والمعاصي ﴿فَيَقُولُوا﴾ أي لو لا قولهم إذا عوقبوا بكفرهم ﴿رَبَّنَا لَوْلَا﴾ هلا ﴿أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ الفاء جواب التخصيص أي إنما أرسلناك لقطع عذرهم فالقول وهو سبب الإرسال ولكن لما كانت العقوبة سببا للقول أدخلت لو لا إليها وعطف القول عليها بفاء السببية إيذانا بأنهم إنما ألجأهم إلى القول العقوبة لا غير.

(48): ﴿فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا﴾ أي الرسول المصدق بالقرآن المعجز ﴿قَالُوا﴾ تعنتا ﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى﴾ من الكتاب جملة والعصا واليد وغيرها ﴿أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ﴾ أي أبناء جنسهم في الكفر والعناد من كفرة زمن موسى أو آبائهم إذ قيل كان للعرب أصل في أمته ﴿قَالُوا سِحْرَانِ﴾ أي موسى وأخوه أو موسى ومحمد وقرىء سحران مبالغة أو ذو سحر أو كتاباهما ﴿تَظَاهَرَا﴾ تعاونا بالسحر أو الكتابان بتقوية كل للآخر والإسناد مجازي ﴿وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ﴾ منهما أو بكتابهما ﴿كَافِرُونَ﴾.

(49): ﴿قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِّنْ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا﴾ من الكتابين ﴿أَتَّبِعْهُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ في قولكم.

(50): ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ﴾ لا الحجة ﴿وَمَنْ أَضَلُّ﴾ أي لا أضل ﴿مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى﴾ حال أي ممنوع الألطاف ﴿مِّنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ لا يلطف بهم لظلمهم.

(51): ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ﴾ أنزلنا عليهم القرآن متصلا بعضه في إثر بعض ليتصل الذكر أو متواصلا حججا وعبرا ومواعيد ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ إرادة أن يتعظوا.

(52): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ﴾ قبل القرآن ﴿هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ نزلت في مؤمني أهل الكتاب أو في أربعين من مسلمي النصارى أقدموا من الحبشة ومن الشام.

(53): ﴿وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ﴾ القرآن ﴿قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا﴾ تعليل يبين موجب إيمانهم به ﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ بيان لأن إيمانهم به متقادم قبل نزوله إذ وجدوا ذكره في كتبهم.

(54): ﴿أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا﴾ بصبرهم على الإيمان بالكتابين أو بالقرآن قبل نزوله وبعده أو على الإيمان وأذى الكفرة ﴿وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ﴾ يدفعون بالطاعة المعصية أو بالحلم الجهل ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ في فرض ونفل.

(55): ﴿وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ﴾ السفه ﴿أَعْرَضُوا عَنْهُ﴾ حلما ﴿وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ﴾ متاركة لهم أو كلمة حلم ﴿لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ﴾ لا يزيد مخالطتهم.

(56): ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ﴾ لا تقدر على اللطف المقرب له إلى الإيمان ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ بلطفه ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ القابلين للطف.

(57): ﴿وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا﴾ نستلب منها بسرعة ﴿أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا﴾ ذا أمن بحرمة البيت فهم آمنون فيه والعرب يتغاورون حولهم ﴿يُجْبَى﴾ يجلب ﴿إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من كل بلد ﴿رِزْقًا مِن لَّدُنَّا﴾ هذا وهم كفرة فكيف يسلبوا الأمن إذا ضموا إلى حرمة البيت حرمة الإسلام ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ لا يتأملون ليعلموا ذلك.

(58): ﴿وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ﴾ أي أهلها ﴿بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا﴾ أي كانوا مثلكم في الأمن وسعة الرزق فبطروا فأهلكناهم ﴿فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ﴾ خربة ﴿لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا﴾ من السكنى للمارة يوما أو ساعة ﴿وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ﴾ لها منهم.

(59): ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا﴾ في أصلها التي هي توابعها ﴿رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ لإلزام الحجة وفيه التفات ﴿وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ﴾ بالكفر وتكذيب الرسل.

(60): ﴿وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ﴾ من أعراض الدنيا ﴿فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا﴾ تتمتعون به وتتزينون به أيام حياتكم الفانية ﴿وَمَا عِندَ اللَّهِ﴾ وهو ثوابه ﴿خَيْرٌ﴾ في نفسه من ذلك ﴿وَأَبْقَى﴾ لأنه سرمد ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ ذلك فتؤثروا الخير الباقي.

(61): ﴿أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا﴾ وهو الثواب الباقي ﴿فَهُوَ لَاقِيهِ﴾ مدركة لا محالة ﴿كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ المنغص بالآلام ﴿ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾ للنار أي لا يستويان.

(62): ﴿وَيَوْمَ﴾ واذكر يوم ﴿يُنَادِيهِمْ﴾ الله ﴿فَيَقُولُ﴾ توبيخا لهم ﴿أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ تزعمونهم شركائي.

(63): ﴿قَالَ الَّذِينَ حَقَّ﴾ وجب ﴿عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ﴾ الوعيد أي مقتضاه وهو العذاب ﴿رَبَّنَا هَؤُلَاء﴾ مبتدأ ﴿الَّذِينَ أَغْوَيْنَا﴾ خبره ﴿أَغْوَيْنَاهُمْ﴾ بالوسوسة فغووا باختيارهم غيا ﴿كَمَا غَوَيْنَا﴾ مثل غينا باختيارنا ولم نقرهم على الغي ﴿تَبَرَّأْنَا إِلَيْكَ﴾ منهم ﴿مَا كَانُوا إِيَّانَا يَعْبُدُونَ﴾ وإنما كانوا يعبدون أهواءهم.

(64): ﴿وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءكُمْ﴾ من جعلتموه شركاء لله ﴿فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ﴾ دعاءهم ﴿وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ﴾ إلى إله الحق لما رأوه أو لعلموا أن العذاب حق أو تمنوا لو كانوا مهتدين.

(65): ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ﴾ تبكيت بتكذيبهم الرسل.

(66): ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ﴾ فصارت الأخبار كالعمى عليهم لا يهتدي إليهم فعجزوا عن الجواب ﴿فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ﴾ لا يسأل بعضهم بعضا عنه لدهشتهم إذ الرسل تذهل عن جواب مثل هذا السؤال فنكله إلى علمه تعالى فما ظنك بالضلال.

(67): ﴿فَأَمَّا مَن تَابَ﴾ من الشرك ﴿وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ شفع الإيمان بالعمل ﴿فَعَسَى أَن يَكُونَ مِنَ الْمُفْلِحِينَ﴾ يومئذ وعسى وجوب من الله أو ترج من التائب.

(68): ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ﴾ ما يشاء ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ﴾ ليس لأحد من خلقه أن يختار عليه بل له الخيرة عليهم لعلمه بالمصالح ﴿سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ عن إشراكهم الحامل لهم أن يختاروا عليه ما لا يختار، وفيه رد على من جعل الإمامة باختيار الخلق.

(69): ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ﴾ من عداوتك ﴿وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ من طعنهم فيك أو الأعم منهما.

(70): ﴿وَهُوَ اللَّهُ﴾ المعبود بالحق ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ لا معبود بحق غيره ﴿لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى﴾ في الدنيا على نعمه الشاملة لخلقه ﴿و﴾ في ﴿الْآخِرَةِ﴾ في الجنة على توفيقهم لما يوجب دخولها وءاخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ﴿وَلَهُ الْحُكْمُ﴾ بين العباد خاص به ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ بالبعث.

(71): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ أخبروني ﴿إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا﴾ دائما من السرد أي المتابعة ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ بحبس الشمس تحت الأرض ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ﴾ سماع تعقل.

(72): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ بحبسها فوق الأرض ﴿مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ﴾ للاستراحة من نصب العمل وقرن بالضياء أفلا تسمعون وبالليل ﴿أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ ولأن الضياء أكثر منافع من الظلام والسمع أكثر مدارك من البصر ومن ثم لم يصف الضياء بما يقابل وصف الليل.

(73): ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ﴾ في الليل ﴿وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ﴾ في النهار بالكسب ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ ولإرادة شكركم على نعمه.

(74): ﴿وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ كرر توبيخهم به إيذانا بأن لا شيء أسخط لله من الإشراك به.

(75): ﴿وَنَزَعْنَا﴾ أخرجنا ﴿مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ وهو نبيهم يشهد عليهم بما كان منهم ﴿فَقُلْنَا﴾ لهم ﴿هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ على صحة ما كنتم عليه ﴿فَعَلِمُوا﴾ حينئذ ﴿أَنَّ الْحَقَّ﴾ في الإلهية ﴿لِلَّهِ﴾ وحده ﴿وَضَلَّ﴾ غاب ﴿عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ﴾ من الباطل.

(76): ﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى﴾ ممن آمن به وكان ابن خالته أو ابن عمه ﴿فَبَغَى﴾ تكبر ﴿عَلَيْهِمْ﴾ بكثرة ماله وولده أو ظلمهم حين ولاه فرعون عليهم قبل ذلك ﴿وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ﴾ جمع مفتح بالكسر وهو ما يفتح به الغلق أو بالفتح وهو الخزانة ﴿لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ﴾ تثقل الجماعة الكثيرة ﴿أُولِي الْقُوَّةِ﴾ وعدتهم قيل عشرة وقيل أربعون وقيل ستون ﴿إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ﴾ بطرا بمالك وسرورا بزخارف الدنيا ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ﴾ تعليل للنهي.

(77): ﴿وَابْتَغِ﴾ اطلب ﴿فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ﴾ من المال ﴿الدَّارَ الْآخِرَةَ﴾ بإنفاقه في سبيل الله الموصلة إليها ﴿وَلَا تَنسَ﴾ تترك ﴿نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا﴾ وهو أن تنال بها آخرتك أو اللذات المباحة ﴿وَأَحْسِن﴾ إلى الناس أو بشكر الله ﴿كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ﴾ في إنعامه عليك ﴿وَلَا تَبْغِ﴾ تطلب ﴿الْفَسَادَ﴾ أي الظلم والبغي ﴿فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾ بغاة الفساد.

(78): ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ﴾ أي المال ﴿عَلَى عِلْمٍ﴾ حال أي على استحقاق له لعلمي الذي فضلت به على الناس وهو علمه بوجوه المكاسب أو بالكيمياء أو بالتوراة وكان أعلمهم بها ﴿عِندِي﴾ أي الأمر كذلك في رأيي وفي ظني ﴿أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِن قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ﴾ الأمم ﴿مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا﴾ للمال أي هو يعلم ذلك من التوراة وغيرها فلا يغتر بقوته وكثرة ماله فإن الله يهلكه كما أهلكهم ﴿وَلَا يُسْأَلُ عَن ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ﴾ استعلاما لعلمه تعالى بها.

(79): ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ قيل خرج على بغلة شهباء عليها سرج من ذهب وعليه الأرجوان ومعه أربعة آلاف في زيه ﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا﴾ من ضعيفي المؤمنين وقيل كانوا كفارا ﴿يَا﴾ للتنبيه ﴿لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ﴾ غبطة لا حسدا إذ تمنوا مثله لا عينه ﴿إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ﴾ بخت ﴿عَظِيمٍ﴾ من الدنيا.

(80): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ بأحوال الدارين ﴿وَيْلَكُمْ﴾ هلاكا لكم كلمة زجر ﴿ثَوَابُ اللَّهِ﴾ في الآخرة ﴿خَيْرٌ لِّمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا﴾ مما أوتي قارون بل مما في الدنيا ﴿وَلَا يُلَقَّاهَا﴾ أي الكلمة التي قالها العلماء والثواب لأنه بمعنى المثوبة أو الجنة ﴿إِلَّا الصَّابِرُونَ﴾ على الطاعة وعن المعصية.

(81): ﴿فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ﴾ أعوان ﴿يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ يمنعونه من عذابه ﴿وَمَا كَانَ مِنَ المُنتَصِرِينَ﴾ الممتنعين منه.

(82): ﴿وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ﴾ من قريب ﴿يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ﴾ يوسع لا لكرامة ويضيق لا لهوان بل بحسب الحكمة، قيل وي للتعجب وكان للتشبيه أي ما أشبه الحال بأن الله يبسط وقيل ويك بمعنى ويلك أي ويك اعلم أن الله ﴿لَوْلَا أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا﴾ فلم يعطنا مثله ﴿لَخَسَفَ بِنَا﴾ كما خسف به ﴿وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ لنعمة الله أو به وبرسله.

(83): ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ﴾ تكبرا وقهرا ﴿وَلَا فَسَادًا﴾ بغيا وظلما ﴿وَالْعَاقِبَةُ﴾ المحمودة ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾ المعاصي.

(84): ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ فسر في آخر النمل ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ﴾ وضع موضع فلا يجزون تقبيحا لحالهم بتكرير نسبة السيئة إليهم ﴿إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ إلا مثله وحذف المثل مبالغة في المماثلة.

(85): ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ﴾ أوجب تلاوته وتبليغه وامتثال ما فيه ﴿لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ﴾ عظيم الشأن في الرجعة أو في البعث أو هو مكة ورده إليها يوم الفتح ﴿قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى﴾ وما يستوجبه ﴿وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ وما يستوجبه.

(86): ﴿وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ﴾ القرآن ﴿إِلَّا﴾ لكي ألقي إليك ﴿رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ﴾ أو متصل إذ المعنى وما ألقي إليك إلا رحمة منك ﴿فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا﴾ معينا ﴿لِّلْكَافِرِينَ﴾ على مرادهم وهو وما بعده تهييج.

(87): ﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ﴾ أي الكافرون عن آيات الله عن تلاوتها واتباعها ﴿عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ﴾ إلى توحيده وعبادته ﴿وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ بإعانتهم.

(88): ﴿وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ إلا ذاته وعنهم (عليهم السلام) إلا وجهه الذي يؤتى منه وهو حججه ونحن وجهه، فالمراد بالهلاك ما يجر إلى الضلال والعذاب ﴿لَهُ الْحُكْمُ﴾ القضاء النافذ ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ للجزاء.