سورة النور

(1): ﴿سُورَةٌ﴾ أي هذه سورة أو فيما أوحينا إليك سورة ﴿أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا﴾ فرضنا أحكامها التي فيها ﴿وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ﴾ ظاهرات الدلالة ﴿لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون بها.

(2): ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي﴾ مبتدأ وحذف خبره أي فيما أنزلنا حكمهما أو خبره ﴿فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ﴾ والفاء لتضمنها معنى الشرط ﴿وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ رحمة ﴿فِي دِينِ اللَّهِ﴾ في حكمه فتعطلوا حده أو تتسامحوا فيه ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ عن الباقر (عليه السلام) أقلها واحد وقيل اثنان وثلاثة وأربعة.

(3): ﴿الزَّانِي لَا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ﴾ أي الذي من شأنه الزنا لا يرغب فيها الصلحاء غالبا وإنما يرغب الإنسان إلى شكله وقدم الزاني لأن الرجل هو الأصل في الرغبة والخطبة ولذا لم يقل والزانية لا تنكح إلا زانيا للمقابلة ﴿وَحُرِّمَ ذَلِكَ﴾ أي صرف الرغبة في الزواني ﴿عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ أي نزهوا عنه لأنه تشبه بالصفة وتعرض للتهمة والطعن في النسب وعبر بالتحريم مبالغة في التنزيه وقيل النفي بمعنى النهي والحرمة على ظاهرها.

(4): ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ يقذفون العفائف بالزنا وكذا الرجال إجماعا وتخصيصهن لخصوص الواقعة ﴿ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ ويستوي فيه الحر والمملوك عند أكثر الأصحاب ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً﴾ في شيء قبل الجلد ﴿أَبَدًا﴾ وبعده ما لم يتب وقال أبو حنيفة إلى موته ﴿وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ بفعل الكبيرة.

(5): ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ عن القذف بأن يكذبوا أنفسهم والاستثناء من الجملتين وقيل من الأخيرة ﴿وَأَصْلَحُوا﴾ عملهم ﴿فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ لهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم.

(6): ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ بالزنا ﴿وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء﴾ عليه ﴿إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ﴾ حذف خبره أي يقوم مقام الشهداء أو خبر محذوف أي فالواجب شهادة أحدهم ﴿أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ﴾ فيما رماها به من الزنا.

(7): ﴿وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ في ذلك فإذا فعل الرجل ذلك سقط عنه الحد وحرمت عليه مؤبدا وثبت حد الزنا على المرأة.

(8): ﴿وَيَدْرَأُ﴾ يدفع ﴿عَنْهَا الْعَذَابَ﴾ أي الجلد ﴿أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ فيما رماها به.

(9): ﴿وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في ذلك واختير الغضب هنا تغليظا عليها لأنها أصل الفجور.

(10): ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بالإمهال والستر ﴿وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ﴾ يقبل التوبة ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما يحكم به وحذف جواب لو لا أي لعاجلكم بالعقوبة وفضحكم.

(11): ﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ﴾ بالكذب العظيم ﴿عُصْبَةٌ﴾ جماعة ﴿مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ﴾ أي الإفك ﴿شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ لأن الله يثبكم عليه ﴿لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ﴾ جزاء ما اكتسب منه بقدر ما خاض فيه ﴿وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ﴾ تحمل معظمه ﴿مِنْهُمْ﴾ من الآفكين ﴿لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ في الآخرة أو في الدنيا بجلدهم نزلت في مارية القبطية وما رمتها به عائشة من أنها حملت بإبراهيم من جريح القبطي وقيل في عائشة.

(12): ﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿إِذْ﴾ حين ﴿سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ﴾ ظن بعضهم ببعض ﴿خَيْرًا﴾ وعدل عن الخطاب إلى الغيبة مبالغة في التوبيخ وإيذانا باقتضاء الإيمان ظن الخير بالمؤمنين ورد الطعن عنهم كرده عن أنفسهم وفصل لو لا عن فعله بالظرف اتساعا تنزيلا له منزلته لأهميته لوجوب ظن الخير أول ما سمعوا ﴿وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ كذب بين.

(13): ﴿لَوْلَا﴾ هلا ﴿جَاؤُوا﴾ أي العصبة ﴿عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء﴾ شاهدوه ﴿فَإِذْ﴾ فحين ﴿لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاء فَأُوْلَئِكَ عِندَ اللَّهِ﴾ في حكمه ﴿هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ انتهى المقول.

(14): ﴿وَلَوْلَا﴾ امتناعية ﴿فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ أي فضله عليكم في الدنيا ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ عاجلا أو في الآخرة ﴿فِي مَا أَفَضْتُمْ﴾ خضتم ﴿فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.

(15): ﴿إِذْ﴾ ظرف لمسكم أو أفضتم ﴿تَلَقَّوْنَهُ﴾ بحذف إحدى التاءين ﴿بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾ أي بأخذه بعضكم من بعض بالسؤال عنه ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ﴾ أي قولا لا وجود له إلا بالعبارة ولا حقيقة لموارده في الواقع ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا﴾ لا إثم فيه ﴿وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ في الإثم.

(16): ﴿وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم﴾ ما يحل ﴿مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ﴾ تعجب ممن يقوله أو تنزيه له تعالى من أن تكون زوجة نبيه فاجرة إذ فجورها منفر عنه بخلاف كفرها.

(17): ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ﴾ ينهاكم أو يحرم عليكم ﴿أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ تقبلون الوعظ.

(18): ﴿وَيُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ الدالة على حكمته فيما شرع لعباده ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره لهم.

(19): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ﴾ تفشوا ﴿فِي الَّذِينَ آمَنُوا﴾ بأن ينسبوها إليهم ﴿لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا﴾ بالحد للقذف ﴿وَالْآخِرَةِ﴾ في النار ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ﴾ ما في القلوب فيعاقب على حب الإشاعة ﴿وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ فعاقبوا على ما يظهر لكم.

(20): ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ تكرير للمنة بترك المعاجلة بالعقاب مع المبالغة فيها بقوله ﴿وَأَنَّ اللَّه رَؤُوفٌ رَحِيمٌ﴾ وحذف الجواب اكتفاء بذكره سابقا.

(21): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ أثره وتسويله بإشاعة الفاحشة ﴿وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ﴾ أي المتبع والشيطان بتقدير عائد ﴿يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء﴾ أقبح القبيح ﴿وَالْمُنكَرِ﴾ شرعا أو عقلا ﴿وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ﴾ بتوفيقكم لما تصيرون به أذكياء ﴿مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا﴾ ما طهر من دنس الذنوب ﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي﴾ يطهر بلطفه ﴿مَن يَشَاء﴾ ممن يعلمه أهلا للطفه ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ لأقوالكم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأحوالكم ومن يصلح للطفه.

(22): ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ ولا يحلف من الألية أو لا يقصر من الألو ﴿أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ﴾ أهل الغنى ﴿وَالسَّعَةِ﴾ في المال ﴿أَن يُؤْتُوا﴾ أو في أن يؤتوا ﴿أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ عنهم ﴿أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ﴾ على عفوكم وصفحكم عمن أساء إليكم ﴿وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ للمؤمنين.

(23): ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ العفائف ﴿الْغَافِلَاتِ﴾ عن الفواحش ﴿الْمُؤْمِنَاتِ﴾ بالله ورسوله ﴿لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ وعيد عام لكل قاذف ما لم يتب.

(24): ﴿يَوْمَ تَشْهَدُ﴾ بالتاء والياء ﴿عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ بها وبغيرها.

(25): ﴿يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ﴾ جزاءهم المستحق ﴿وَيَعْلَمُونَ﴾ ضرورة ﴿أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ الثابت الإلهية أو العادل الظاهر العدل.

(26): ﴿الْخَبِيثَاتُ﴾ من الكلمات ﴿لِلْخَبِيثِينَ﴾ من الناس من الرجال والنساء ﴿وَالْخَبِيثُونَ﴾ من الناس ﴿لِلْخَبِيثَاتِ﴾ من الكلمات ﴿وَالطَّيِّبَاتُ﴾ منها ﴿لِلطَّيِّبِينَ﴾ منهم ﴿وَالطَّيِّبُونَ﴾ منهم ﴿لِلطَّيِّبَاتِ﴾ منها ﴿أُوْلَئِكَ﴾ أي الطيبون ﴿أُوْلَئِكَ مُبَرَّؤُونَ مِمَّا يَقُولُونَ﴾ أي أهل الإفك أو الخبيثون أي مبرءون أن يقولوا كقولهم ﴿لَهُم﴾ أي الطيبين ﴿مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الجنة وقيل الخبيثات من النساء للخبيثين من الرجال وكذا الطيبات للطيبين.

(27): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ تستأذنوا ﴿وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا﴾ فيقول الواحد السلام عليكم أأدخل ثلاثا فإن أذن له دخل وإلا رجع ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي الاستئذان ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من الدخول فجأة وبتحية الجاهلية ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ أي أنزل عليكم هذا إرادة أن تتعظوا وتعملوا به.

(28): ﴿فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا﴾ يأذن لكم ﴿فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ﴾ أي تجدوا من يأذن ﴿لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ﴾ الرجوع ﴿أَزْكَى﴾ أطهر ﴿لَكُمْ﴾ من الإلحاح والوقوف على الباب وأنفع لكم دينا أو دنيا ﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ لا يخفى عليه شيء فيجازيكم.

(29): ﴿لَّيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ﴾ كالربط والحوانيت أي بغير استئذان ﴿فِيهَا مَتَاعٌ﴾ استمتاع ﴿لَّكُمْ﴾ كاستكنان ومعاملة ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ﴾ في دخولكم من إفساد وغيره.

(30): ﴿} قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ أي شيئا منها وهو ما يكون إلى محرم ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ عمن لا يحل لهم، وعن الصادق (عليه السلام) حفظها هنا خاصة سترها ﴿ذَلِكَ أَزْكَى﴾ أطهر وأنفع لهم لما فيه من نفي التهمة ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ بأبصارهم وفروجهم وجميع جوارحهم فليحذروه في كل حال.

(31): ﴿وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ عمن لا يحل لهن نظرة ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ عمن لا يحل لهن ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ كالحلي والثياب والأصباغ فضلا عن مواقعها لمن يحرم إبداؤها له ﴿إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ كالثياب والمراد بالزينة مواقعها والمستثنى الوجه والكفان وهو المروي ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ لستر نحورهن وصدورهن ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ الخفية كرر تأكيدا وللاستثناء من محل الإبداء له بقوله ﴿إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ﴾ نسبأ ورضاعا لاحتياجهن إلى مخالطتهم ولبعدهم عن وقوع الفتنة لنفرة الطباع عن مماسة القرائب ويعم الآباء من علا والأبناء من سفل ولم يذكر الأعمام والأخوال لأنهم في معنى الآباء أو الإخوان ﴿أَوْ نِسَائِهِنَّ﴾ أي المسلمات فلا يتجردن للكافرات وقيل كل النساء ﴿أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ﴾ قيل يعم العبيد والإماء ويعضده بعض الأخبار والمشهور اختصاصه بالإماء وهو الأحوط ﴿أَوِ التَّابِعِينَ﴾ الناس لفضل طعامهم ﴿غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ﴾ الحاجة إلى النساء ﴿مِنَ الرِّجَالِ﴾ وهم البله الذين لا يعرفون أمورهن وقيل الشيوخ الصلحاء ﴿أَوِ الطِّفْلِ﴾ جنس أريد به الجمع أي الأطفال ﴿الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا﴾ لم يطلعوا ﴿عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء﴾ أي لم يعرفوها لعدم شهوتهم ﴿وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ﴾ ليقعقع خلخالها ليعلم أنها ذات خلخال ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ من تقصير لا يكاد أحدكم يخلو منه أو مما فعلتموه في الجاهلية ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ تسعدون في الدارين.

(32): ﴿وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ﴾ مقلوب أيائم جمع أيم وهو العزب ذكرا كان أو أنثى بكرا أو ثيبا أمر للأولياء بتزويج الأيامى الحرائر الأحرار بعضهم من بعض وللسادة بتزويج عبيدهم وإمائهم بقوله ﴿وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ﴾ وتذكير الصالحين للتغليب وتخصيصهم لأهمية الاهتمام بهم وتحصين دينهم ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ والفقر لا يمنع من النكاح فإن فضله يغني عن المال ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ إفضاله ﴿عَلِيمٌ﴾ بما تقتضيه الحكمة من بسط الرزق وتقديره.

(33): ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ﴾ وليجهد في العفة ﴿الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ أسبأبه أو ما ينكح به من المال ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾ فيتمكنوا من النكاح ﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ﴾ المكاتبة وهو قول السيد لمملوكه كاتبتك على كذا معناه كتبت على نفسي إعتاقك وكتبت عليك الوفاء بالمال ﴿مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ من عبد أو أمة ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ خبر الذين والفاء لمعنى الشرط ﴿إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ صلاحا أو أمانة وقدرة على أداء المال بالتكسب ﴿وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ﴾ أمر للسادة بإعطائهم شيئا من أموالهم ومثله حط شيء مما التزموه ﴿وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ﴾ إماءكم ﴿عَلَى الْبِغَاء﴾ على الزنا ﴿إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا﴾ تعففا شرط للنهي ولا يلزم من عدمه جواز الإكراه لامتناع الإكراه بدونه على أن المفهوم إنما يعتبر إذا لم يكن للتقييد وجه سواه والوجه هنا سبب النزول وهو أنه كان لابن أبي جوار يكرههن على الزنا ويضرب عليهن ضرائب فشكا بعضهن إلى النبي فنزلت ﴿لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لهن إما مطلقا أو بشرط التوبة.

(34): ﴿وَلَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾ هي المبينة في الحدود والأحكام في السورة ﴿وَمَثَلًا مِّنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُمْ﴾ وقصة عجيبة من جنس قصصهم وهي قصة عائشة أو مارية أو شبها من حالهم بحالكم لتعتبروا ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ خصوا بها لأنهم المنتفعون بها وقيل الآيات القرآن.

(35): ﴿اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ أي ذو نورهما أو منورهما بالنيرات أو بالملائكة والأنبياء أو مدبرهما أو هادي أهلها ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ صفته العجيبة ﴿كَمِشْكَاةٍ﴾ هي كوة غير نافذة ﴿فِيهَا مِصْبَاحٌ﴾ سراج وقيل المشكاة أنبوبة القنديل والمصباح الفتيلة المتقدة ﴿الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ﴾ في قنديل زجاج ﴿الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ﴾ تضيء كالزهرة في تلألؤه ﴿يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ﴾ كثيرة المنافع ﴿زَيْتُونِةٍ﴾ بدل من شجرة ﴿لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ﴾ أي لا تصيبها الشمس بشروقها أو غروبها فقط بل تصيبها كل النهار فإن زيتها أصفى أو منبتها الشام وسط العمارة لا شرقها وغربها فزيتونه أجود أو لا في مضحى الشمس دائما فتحرقها ولا في مقناة لا يصيبها فلا ينضج ﴿يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ﴾ لفرط صفائه ﴿نُّورٌ عَلَى نُورٍ﴾ متضاعف حيث انضم إلى نور المصباح صفاء الزيت والزجاجة وجمع النور، قيل المشكاة صدر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) والزجاجة قلبه والمصباح النبوة والشجرة المباركة شجرة النبوة وهي لا غربية ولا نصرانية قبلتها المشرق ولا يهودية قبلتها المغرب تكاد محاسن محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) يظهر قبل أن يوحى إبراهيم لا شرقية إليه وعن الرضا (عليه السلام) نحن المشكاة فيها المصباح محمد يهدي الله لولايتنا من أحب وقيل المصباح القرآن والزجاجة قلب المؤمن والمشكاة فمه والشجرة الوحي تكاد حجج القرآن تتضح وإن لم يقرأ نور تزاد به سائر الحجج نورا على نور ﴿يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ﴾ يوفق لدينه بلطفه ﴿مَن يَشَاء﴾ ممن يعلمه أهل اللطف ﴿وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ﴾ تنبيها لهم تقريبا إلى أفهامهم ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ يضع الأشياء مواضعها.

(36): ﴿فِي بُيُوتٍ﴾ متعلق بقوله ﴿كمشكوة﴾ أو ب ﴿يوقد﴾ مبالغة في عظم الممثل به إذ قناديل المسجد أعظم أو ب يسبح الآتي وتكرير فيها للتأكيد وعنه (عليه السلام) هي بيوت الأنبياء ﴿أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ﴾ أمر بتعظيمها أو بنائها ﴿وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ﴾ يتلى فيها كتابه أو عام في كل ذكر ﴿يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾ يصلي.

(37): ﴿رِجَالٌ﴾ فاعل يسبح بالكسر وقرىء بالبناء للمفعول ورجال فاعل لمقدر دل عليه ﴿لَّا تُلْهِيهِمْ﴾ لا تشغلهم ﴿تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ﴾ خص بعد التجارة الشاملة له وللشراء لأنه أدخل في الإلهاء لأن الربح فيه يقين وفي الشراء مظنون أو أريد بالتجارة الشراء تسمية النوع باسم الجنس ﴿عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ﴾ والإضافة عوض الهاء المعوضة عن واو إقوام ﴿وَإِيتَاء الزَّكَاةِ﴾ المفروضة وخلاص الطاعة له ﴿يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ﴾ تضطرب من الهول أو تتغير أحوالها فتتيقن القلوب بعد الشك وتبصر الأبصار بعد العمى وهو يوم القيامة.

(38): ﴿لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ﴾ متعلق ب يسبح ﴿أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا﴾ أحسن جزائه ﴿وَيَزِيدَهُم﴾ على ذلك ﴿مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ تفضلا إذ الثواب له حساب لأنه بحسب الاستحقاق بخلاف التفضل.

(39): ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ﴾ التي يحسبونها طاعة نافعة عند الله ﴿كَسَرَابٍ﴾ وهو ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس في الظهيرة ﴿بِقِيعَةٍ﴾ بمعنى قاع أو جمعه وهو الأرض المستوية ﴿يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء﴾ أي العطشان وخص ليشبه الكافر به في خيبته عند شدة حاجته ﴿حَتَّى إِذَا جَاءهُ﴾ جاء ما حسبه ماء ﴿لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا﴾ مما حسبه ﴿وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ﴾ جزاءه ﴿فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ يحاسب الكل في حالة واحدة قيل نزلت في عتبة بن ربيعة التمس الدين في الجاهلية وكفر بالإسلام.

(40): ﴿أَوْ﴾ أعمالهم في خلوها عن نور الحق ﴿كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ﴾ عميق منسوب إلى اللج وهو معظم الماء ﴿يَغْشَاهُ﴾ يغشى البحر ﴿مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ﴾ أي الموج ﴿مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ﴾ أي الموج الثاني ﴿سَحَابٌ﴾ حجب نور الكواكب ﴿ظُلُمَاتٌ﴾ أي هذه ظلمات متراكمة ﴿بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ﴾ الواقع فيها ﴿يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا﴾ لم يقرب أن يراها ﴿وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا﴾ لطفا وتوفيقا ﴿فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ﴾ فهو في ظلمة الباطل.

(41): ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ ألم تعلم بالوحي أو النظر ﴿أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ينزهه عما لا يليق به بلسان الحال أو المقال ومن لتغليب العقلاء ﴿وَالطَّيْرُ﴾ تخصيصها لما فيها من الحجة الواضحة ﴿صَافَّاتٍ﴾ باسطات أجنحتهن في الهواء فإن ذلك يدل على كمال قدرة خالقهن ﴿كل﴾ مما ذكر أو من الطير ﴿كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ﴾ أي علم الله دعاءه وتنزيهه أو علم كل الجواز وأن يلهم الله الطير دعاء وتسبيحا كما ألهمها علوما تخفى على العقلاء ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ غلب العقلاء.

(42): ﴿وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ على الحقيقة لا يشاركه فيه غيره ﴿وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ﴾ المرجع.

(43): ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا﴾ يسوقه برفق ﴿ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ﴾ بين قطعه يضم بعضها إلى بعض ﴿ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا﴾ متراكما ببعضه على بعض ﴿فَتَرَى الْوَدْقَ﴾ المطر ﴿يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ من مخارجه جمع خلل كجبال وجبل ﴿وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاء﴾ من السحاب وكل مظل سماء ﴿مِن جِبَالٍ فِيهَا﴾ في السماء وأريد بالجبل الكثرة كقولك لفلان جبال من ذهب ﴿مِن بَرَدٍ﴾ بيان للجبال أي ينزل مبتدأ من السماء من جبال من برد بردا وقيل أريد بالسماء المظلة وفيها جبال برد كما في الأرض جبال حجر ﴿فَيُصِيبُ بِهِ﴾ بالبرد ﴿مَن يَشَاء﴾ في نفسه أو ماله ﴿وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاء﴾ فهو يقبض ويبسط بمقتضى حكمته ﴿يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ﴾ ضوء برق السحاب ﴿يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ يخطفها لشدة لمعانه.

(44): ﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ يعاقب بينهما أو يدخل أحدهما في الآخر أو يعم ذلك وتغيير أحوالهما بالحر والظلمة وضدهما ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لَعِبْرَةً﴾ لدلالة ﴿لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ﴾ لذوي البصائر على الصانع.

(45): ﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ﴾ حيوان يدب على الأرض ﴿مِن مَّاء﴾ من نطفة على التغليب إذ منها ما لا يتولد عن النطفة أو من نوع الماء هو جزء مادته ﴿فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ﴾ كالحية ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ﴾ كالإنس والطير ﴿وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ﴾ كالنعم والوحش وتذكير الضمير ولفظ من لتغليب العقلاء ﴿يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاء﴾ من حيوان وغيره على اختلاف الصور والطبائع بمقتضى حكمته ﴿إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ فيخلق ما يشاء.

(46): ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ﴾ هي القرآن ﴿وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء﴾ بتوفيقه لتدبرها ﴿إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ هو الإيمان المؤدي إلى الجنة.

(47): ﴿وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا﴾ لهما ﴿ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُم﴾ يعرض عن قبول حكمه ﴿مِّن بَعْدِ ذَلِكَ﴾ القول منهم ﴿وَمَا أُوْلَئِكَ﴾ القائلون ﴿بِالْمُؤْمِنِينَ﴾ المعهودين المواطئة قلوبهم لألسنتهم.

(48): ﴿وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ أي إلى الرسول وذكر الله تفخيما له وإيذانا بأن حكمه حكم الله ﴿لِيَحْكُمَ﴾ أي للرسول ﴿بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم مُّعْرِضُونَ﴾ عن الإتيان إليه إذا كان الحق عليهم.

(49): ﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ﴾ منقادين لعلمهم بأنه يحكم لهم.

(50): ﴿أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ كفر ﴿أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ﴾ في الحكم ﴿بَلْ أُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ أي لا يخافون حيفه بل الظلم صفتهم.

(51): ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالنصب وعن علي رفعه ﴿إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ وعن الباقر (عليه السلام) أن المعني بها علي (عليه السلام).

(52): ﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ فيما أمرا أو نهيا ﴿وَيَخْشَ اللَّهَ﴾ لسالف ذنوبه ﴿وَيَتَّقْهِ﴾ فيما يستقبل ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ بالجنة.

(53): ﴿وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ غايتها ﴿لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ﴾ بالخروج من ديارهم وأموالهم ﴿لَيَخْرُجُنَّ قُل لَّا تُقْسِمُوا﴾ كاذبين ﴿طَاعَةٌ مَّعْرُوفَةٌ﴾ لا نفاق فيها أولى بكم من أيمانكم الكاذبة أو المطلوب منكم طاعة مفروضة لا نفاقية أو طاعتكم طاعة معروفة بأنها نفاقية ﴿إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾ فيعلم ما تضمرون.

(54): ﴿قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا﴾ تتولوا عن الطاعة ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْهِ﴾ على الرسول ﴿مَا حُمِّلَ﴾ من التبليغ ﴿وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ﴾ من طاعته ﴿وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا﴾ إلى الرشد ﴿وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ﴾ وقد بلغ فإن قبلتم فلكم وإلا فعليكم.

(55): ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ﴾ بجعلهم خلفاء متصرفين فيها ﴿كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي بني إسرائيل بدل الجبابرة وقرىء ببناء المفعول ﴿وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ﴾ وهو الإسلام ﴿وَلَيُبَدِّلَنَّهُم﴾ بالتشديد والتخفيف ﴿مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ﴾ من أعدائهم أو عذاب الآخرة ﴿أَمْنًا﴾ منهم أو منه ﴿يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا﴾ حال من الواو ﴿وَمَن كَفَرَ﴾ بهذه النعم ﴿بَعْدَ ذَلِكَ﴾ الوعد الصادق ﴿فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ الخارجون إلى أقبح الكفر.

(56): ﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ﴾ عطف على أطيعوا ﴿وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ﴾ كررت طاعته تأكيدا ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ رجاء للرحمة.

(57): ﴿لَا تَحْسَبَنَّ﴾ يا محمد ﴿الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ﴾ أي لا يحسبن الكفار أحدا معجزا لنا في الأرض أو لا تحسبن أنفسهم معجزين ﴿وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ المرجع هي.

(58): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ قد سبق الأمر بالاستئذان العام وهذا استئذان خاص ﴿وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ﴾ من الأحرار يعم الذكور والإناث ﴿ثَلَاثَ مَرَّاتٍ﴾ في اليوم والليلة ﴿مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ﴾ لأنه وقت القيام من المضاجع وتبديل لبس الليل بلبس النهار ﴿وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم﴾ للقيلولة ﴿مِّنَ الظَّهِيرَةِ﴾ بيان لحين ﴿وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء﴾ بعد لأنه وقت تبديل لبس اليقظة بلبس النوم ﴿ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ﴾ أي هذه أوقات ثلاث والعورات الخلل ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ﴾ أي المماليك والصبيان ﴿جُنَاحٌ﴾ في أن لا يستأذنوا ﴿بَعْدَهُنَّ﴾ بعد هذه الأوقات، هم ﴿طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ﴾ طائف أو يطوف بعضكم ﴿عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ﴾ التبيين ﴿يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ الأحكام ﴿وَاللَّهُ عَلِيمٌ﴾ بما يصلحكم ﴿حَكِيمٌ﴾ فيما دبر لكم.

(59): ﴿وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ﴾ أيها الأحرار﴿الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا﴾ في جميع الأوقات ﴿كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأحرار البلغ ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ كرر تأكيدا.

(60): ﴿وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء﴾ المسناة ﴿اللَّاتِي﴾ قعدن من الحيض والولد ﴿لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا﴾ لا يطمعن فيه لكبرهن ﴿فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ﴾ الظاهرة كالملحفة والرداء وأتى بالفاء لأن لام القواعد بمعنى اللاتي ﴿غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ﴾ غير مظهرات زينة خفية أمرن بسترها ولا يبدين زينتهن ﴿وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ﴾ عن الوضع ﴿خَيْرٌ لَّهُنَّ﴾ منه ﴿وَاللَّهُ سَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿عَلِيمٌ﴾ بالأحوال.

(61): ﴿لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾ نفي لتحرجهم من الأكل من بيوت تخلفهم الغزاة عليها أو من مؤاكلة الأصحاء خوف استقذارهم أو من إجابة من يدعوهم إلى الأكل من بيوت أقاربه ﴿وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ حرج ﴿أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ﴾ بيوت عيالكم ويشمل بيوت الأولاد كما يستفاد من الأخبار ﴿أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ﴾ جمع مفتح ما يفتح به أي وكلتم بحفظه من حائط ونحوه لغيركم أو بيوت مماليككم ﴿أَوْ صَدِيقِكُمْ﴾ هو للواحد والجمع قال الصادق (عليه السلام) هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل طعامه بغير إذنه ﴿لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا﴾ مجتمعين أو متفرقين ﴿فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتًا﴾ من هذه البيوت وغيرها ﴿فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ﴾ على أهلها الذين هم منكم وعن الصادق ﴿عليه السلام﴾ هو تسليم الرجل على أهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه فهو سلامكم على أنفسكم ﴿تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ﴾ مشروعة من لدنه ﴿مُبَارَكَةً﴾ لأنها دعاء بالسلامة من آفات الدارين ﴿طَيِّبَةً﴾ تطيب بها النفس بالتواصل والثواب ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ﴾ الدالة على كل ما يتعبدكم به ﴿لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون﴾ معالم دينكم.

(62): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ الكاملون في الإيمان ﴿الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ﴾ بإخلاص ﴿وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ﴾ مع الرسول ﴿عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ﴾ كالجمعة والأعياد والحروب، ووصف الأمر بالجمع مبالغة ﴿لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ﴾ مهامهم ﴿فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ﴾ لعدم الاستئذان ﴿إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ﴾ للمؤمنين ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم.

(63): ﴿لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضًا﴾ فإن إجابته فرض والرجوع بغير إذنه حرام فكيف يقاس دعاؤه إياكم على دعاء بعضكم بعضا أو لا تجعلوا نداءه كنداء بعضكم بعضا باسمه بل قولوا يا نبي الله يا رسول الله بتعظيم وتواضع وخفض صوت ﴿قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ﴾ يخرجون عن الجماعة بخفية ﴿لِوَاذًا﴾ أي ملاوذين يستتر بعضهم ببعض ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ﴾ يخالفون أمر الله أو رسوله بترك مقتضاه وأتى ب عن لتضمنه معنى الإعراض أو يصدون عن أمره ﴿أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ﴾ محنة في الدنيا ﴿أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.

(64): ﴿أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ملكا مختصا به ﴿قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ﴾ أيها المكلفون من الإخلاص والنفاق ﴿وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ﴾ أي المنافقون﴿فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا﴾ من خير وشر والفاء لتلازم ما قبلها وما بعدها ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ومنه أعمالهم.