سورة الأنبياء

(1): ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ﴾ وصف بالقرب لأن كل آت قريب ولأن ما بقي من الدنيا أقل مما ذهب ﴿وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ﴾ عنه ﴿مَّعْرِضُونَ﴾ عن التأهب له.

(2): ﴿مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ﴾ تنزيله شيئا فشيئا ﴿إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ﴾ يستهزءون به حال من الواو وكذا.

(3): ﴿لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ﴾ غافلة عن تدبره أو حال من واو يلعبون ﴿وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى﴾ بالغوا في إخفائها أو أخفوا التناجي به فلم يتفطن له ﴿الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بدل من واو أسروا أو ذم مرفوع أو منصوب بتقديرهم أو أعني ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ بدل من النجوى أو مفعول لقالوا منصوب أي هو ليس بملك فليس برسول فما يأتي به سحر ﴿أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ﴾ فتحضرونه وتقبلونه ﴿وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ﴾ ترون أنه بشر أو تعلمون أنه سحر.

(4): ﴿قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ﴾ كائنا ﴿فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ﴾ فيعلم ما أسروه ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأحوالهم.

(5): ﴿بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ تخاليط أباطيل رآها في النوم ﴿بَلِ افْتَرَاهُ﴾ اختلقه من نفسه ﴿بَلْ هُوَ شَاعِرٌ﴾ فما أتى به شعر ﴿فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾ كالناقة والعصا.

(6): ﴿مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ﴾ أي أهلها ﴿أَهْلَكْنَاهَا﴾ بتكذيب الآيات المقترحة عند مجيئها ﴿أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا يؤمنون لو أتيتهم بها وإذا لم يؤمنوا استحقوا الإهلاك كمن قبلهم فلم نجبهم إبقاء عليهم.

(7): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً﴾ لا ملائكة جواب لقولهم ﴿هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ ﴿نُّوحِي إِلَيْهِمْ﴾ بالياء والنون ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ أهل الكتاب لوثوقكم به أو أهل القرآن، وعنهم (عليهم السلام) نحن أهل الذكر والذكر الرسول ﴿إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ ذلك فإنهم يعلمونه.

(8): ﴿وَمَا جَعَلْنَاهُمْ﴾ أي الرجال ﴿جَسَدًا﴾ أجسادا على إرادة الجنس ﴿لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ﴾ بل جعلناهم أجسادا يأكلونه ﴿وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ﴾ بل يموتون فهم أبشار مثلك لخلوهم من خاصتي الملائكة عدم الطعم والخلود على اعتقادهم.

(9): ﴿ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ﴾ بالإنجاء والنصر ﴿فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاء﴾ ممن آمن بهم ﴿وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ﴾ المكذبين لهم.

(10): ﴿لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ﴾ يا قريش ﴿كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ﴾ شرفكم أو ما يوجب حسن الذكر لكم إن تمسكتم به ﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ فتؤمنون به.

(11): ﴿وَكَمْ قَصَمْنَا﴾ أهلكنا ﴿مِن قَرْيَةٍ﴾ أي أهلها ﴿كَانَتْ ظَالِمَةً﴾ كافرة ﴿وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾ مكانهم.

(12): ﴿فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا﴾ أدرك أهل القرية عذابنا بحواسهم ﴿إِذَا هُم مِّنْهَا﴾ من القرية ﴿يَرْكُضُونَ﴾ يهربون مسرعين.

(13): ﴿لا لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ﴾ نعمتم ﴿فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ﴾ عن أعمالكم أو يسألكم الناس شيئا من دنياكم.

(14): ﴿قَالُوا﴾ ندما حين عاينوا العذاب ﴿يَا وَيْلَنَا﴾ هلكنا ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بتكذيب الرسل.

(15): ﴿فَمَا زَالَت تِّلْكَ﴾ الدعوى ﴿دَعْوَاهُمْ﴾ يدعون بها ويرددونها ﴿حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا﴾ كالزرع المحصود ﴿خَامِدِينَ﴾ موتى لا يتحركون كما تخمد النار أي أهلكناهم بالعذاب أو بقتل بخت نصر لهم.

(16): ﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾ عابثين بل خلقناهما لغرض صحيح ومنافع للخلق دينية ودنيوية.

(17): ﴿لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا﴾ ما يتلهى به قيل هو الولد وقيل الزوجة ﴿لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا﴾ من قدرتنا أو من عندنا أي من الملائكة والحور لا من الإنس ﴿إِن كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ذلك.

(18): ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى﴾ الذي من جملته اللهو ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ فيعلوه واستعير لذلك القذف وهو الرمي بنحو الحجر والدمغ وهو إصابة الدماغ بالشجة تصويرا لإذهاب الباطل الحق للمبالغة ﴿فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ﴾ مضمحل ﴿وَلَكُمُ﴾ أيها الكفرة ﴿الْوَيْلُ﴾ الهلاك ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ الله به.

(19): ﴿وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا ﴿وَمَنْ عِندَهُ﴾ أي الملائكة المقربون منه بالشرف لا بالمسافة ﴿لَا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ يترفعون ﴿عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ﴾ لا يعيون منها.

(20): ﴿يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ ينزهونه دائما ﴿لَا يَفْتُرُونَ﴾ عن التسبيح فهو لهم كالنفس لنا لا يشغلهم عنه شاغل.

(21): ﴿أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً﴾ كائنة ﴿مِّنَ الْأَرْضِ﴾ الحجر أو غيره ﴿هُمْ يُنشِرُونَ﴾ يحيون الموتى إذ من لوازم الإلهية القدرة على كل ممكن وأورد الضمير المخصص للإنشاء بهم مبالغة في التهكم.

(22): ﴿الْبَاطِلِ لَوْ كَانَ فِيهِمَا﴾ أي السموات والأرض ﴿آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ﴾ غير الله وصف بإلا حين تعذر الاستثناء لعدم دخول ما بعدها فيما قبلها ولإفادته لزوم الفساد لوجود آلهة دونه ومفهومه عدم لزومه لوجودها معه وهو خلاف المراد ﴿لَفَسَدَتَا﴾ سواء توافقا أم تخالفا أما الثاني فظاهر وأما الأول فلأن تأثير كل منهم فيه يمنع تأثير الآخر فيه مرة أخرى لاستحالته ﴿فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ﴾ الحاوي لأجزاء العالم ﴿عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من الشريك والصاحبة والولد.

(23): ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ﴾ لأن كل ما يفعله حكمة أو صواب ﴿وَهُمْ﴾ أي الآلهة والعباد ﴿يُسْأَلُونَ﴾ عن أفعالهم.

(24): ﴿أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً﴾ كرر استفظاعا لكفرهم ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ﴾ على ذلك عقلا ونقلا ﴿هَذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ﴾ عظة أمتي وهو القرآن ﴿وَذِكْرُ مَن قَبْلِي﴾ من الأمم وهو سائر كتب الله ليس فيها أن مع الله إلها، بل فيها ما ينفيه ولو كان له شريك لأتت رسله وكتبه تترى ولا خبر عن شريكه وصح إثبات التوحيد بالنقل لعدم توقف البعثة عليه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ﴾ أي توحيد الله لتركهم النظر ﴿فَهُم مُّعْرِضُونَ﴾ عن الحق لعدم تمييزهم بينه وبين الباطل.

(25): ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ بِالْقَوْلِ أَنَّ﴾ بالياء والنون ﴿أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ فوحدوني.

(26): ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا﴾ قالوا الملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيها له عن ذلك ﴿بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ﴾ لديه.

(27): ﴿لَا يَسْبِقُونَهُ﴾ لا يقولون إلا ما يقوله ﴿وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ﴾ في أقوالهم وأفعالهم.

(28): ﴿يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي ما عملوا وما هم عاملون ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى﴾ أن يشفع له ﴿وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ﴾ من مهابته ﴿مُشْفِقُونَ﴾ وجلون.

(29): ﴿وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ﴾ من الملائكة فرضا وقيل عنى إبليس لأنه دعي إلى طاعته ﴿إِنِّي إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ﴾ والتعذيب ينافي النبوة ﴿كَذَلِكَ﴾ الجزاء ﴿نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ المشركين.

(30): ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعلموا ﴿السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا﴾ ذواتي رتق أو مرتوقتين أي ملتصقتين ﴿فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ بالمطر والنبات ﴿وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ﴾ خلقنا منه كل حيوان لفرط حاجته إليه وقلة صبره عنه أو صيرنا كل شيء حي بسبب من الماء لا بد له منه وقيل بشمول الحي للنبات أيضا ﴿أَفَلَا يُؤْمِنُونَ﴾ وقد لزمتهم الحجة.

(31): ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ جبالا ثوابت كراهة ﴿أَن تَمِيدَ﴾ تتحرك ﴿بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا﴾ في الأرض أو الرواسي ﴿فِجَاجًا﴾ طرقا واسعة ﴿سُبُلًا﴾ بدل ﴿لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ﴾ إلى مقاصدهم في الأسفار أو إلى وحدانية الله بالاعتبار.

(32): ﴿وَجَعَلْنَا السَّمَاء سَقْفًا﴾ للأرض في النظر ﴿مَّحْفُوظًا﴾ عن السقوط بقدرته أو الشياطين بالشهب ﴿وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا﴾ أوضاعها وأحوالها الدالة على الصانع ﴿مُعْرِضُونَ﴾ لا يتفكرون فيها.

(33): ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ﴾ من الشمس والقمر والنجوم ﴿فِي فَلَكٍ﴾ أي جنسه ﴿يَسْبَحُونَ﴾ أي يسرعون بسرعة كالسابح في الماء جمع جمع العقلاء تشبيها بهم أو لما قيل أنهم ذوو أنفس ناطقة.

(34): ﴿وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ﴾ أي البقاء في الدنيا نزلت حين قالوا إن محمدا سيموت ﴿أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ﴾ والفاء في الشرط لتعلقه بما قبله والهمزة لإنكار جملة الجزاء أي فهم أيضا يموتون فلا يشمتوا بموته.

(35): ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ تقرير للإنكار ﴿وَنَبْلُوكُم﴾ نختبركم ﴿بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ﴾ بالمحن والمنح ﴿فِتْنَةً﴾ ابتلاء مصدر من غير لفظه ﴿وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ فنجازيكم.

(36): ﴿وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا﴾ مهزوءا به يقولون ﴿أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ﴾ أي يعيبها ﴿وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ﴾ بتوحيده أو بكتابه ﴿هُمْ كَافِرُونَ﴾ جاحدون كرر.

(37): ﴿هُمْ﴾ تأكيدا أو لبعد الخبر بحيلولة صلته ﴿خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ لفرط عجله في الأمور كأنه خلق منه ﴿سَأُرِيكُمْ آيَاتِي﴾ وهو القتل في الدنيا والعذاب في الآخرة ﴿فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ فيها وقد أراهم القتل ببدر.

(38): ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ﴾ وعد القيامة ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فيه.

(39): ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ﴾ أي لو يعلمون الوقت الذي لا يدفعون ﴿عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ﴾ لإحاطتها بهم من كل جانب ﴿وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ يمنعون منها فيه وهو الوقت الذي استعجلوا به بقولهم متى هذا الوعد وجواب لو محذوف أي لما استعجلوا.

(40): ﴿بَلْ تَأْتِيهِم﴾ القيامة أو النار ﴿بَغْتَةً﴾ فجأة ﴿فَتَبْهَتُهُمْ﴾ فتحيرهم أو تغلبهم ﴿فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا﴾ عنهم ﴿وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ لا يمهلون بعد إمهالهم في الدنيا.

(41): ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فَحَاقَ﴾ حل ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون﴾ من العذاب أو جزاء استهزائهم فكذا يحيق بمن استهزأ بك.

(42): ﴿قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم﴾ يحفظكم ﴿بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ﴾ من بأسه ﴿بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم﴾ أي القرآن أو المواعظ ﴿مُّعْرِضُونَ﴾ لا يلتفتون إليه فضلا عن أن يخافوا بأسه.

(43): ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم﴾ من العذاب ﴿مِّن دُونِنَا﴾ من غيرنا ﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ﴾ أي الآلهة استئناف لبيان عجزهم ﴿نَصْرَ أَنفُسِهِمْ﴾ فكيف ينصرونهم ﴿وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ بالنصر أو من عذابنا يجارون فكيف يجيرون وقيل ضمير هم للكفرة.

(44): ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاء وَآبَاءهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ فاغتروا بذلك وحسبوا أنه بسبب ما هم عليه ﴿أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ﴾ نقصد أرض الشرك أو الأعم منها ﴿نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا﴾ بفتحها على الرسول أو بتخريبها وموت أهلها وروي بموت العلماء ﴿أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ أي ليسوا غالبين بل نحن الغالبون.

(45): ﴿قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ﴾ بما أوحي إلي ﴿وَلَا يَسْمَعُ﴾ بالياء والتاء ﴿الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ أي هم لتصاممهم وعدم التفاتهم إلى الإنذار كالصم.

(46): ﴿وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ﴾ أقل أثر ﴿مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا﴾ هلاكنا ﴿إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ بتكذيب محمد.

(47): ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ﴾ العدل وصف بالمصدر مبالغة أو ذوات العدل ﴿لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ لأهله أو فيه ﴿فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا﴾ من حقها أو من الظلم ﴿وَإِن كَانَ﴾ العمل ﴿مِثْقَالَ﴾ زنة ﴿حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا﴾ أحضرناها وأنث ضمير مثقال لإضافته إلى الجنة ﴿وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ عالمين أو محصين.

(48): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ﴾ التوراة الفارقة بين الحق والباطل ﴿وَضِيَاء﴾ يستضاء بها ﴿وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ﴾ عظة بها أو ذكر ما يحتاجون إليه.

(49): ﴿الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ﴾ حال أي غائبا عن حواسهم أو غائبين عن الناس أو في خلواتهم ﴿وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ﴾ من أحوالها ﴿مُشْفِقُونَ﴾ خائفون.

(50): ﴿وَهَذَا﴾ أي القرآن ﴿ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ﴾ كثير الخير ﴿َنزَلْنَاه﴾ على محمد ﴿أأَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ استفهام توبيخ.

(51): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ﴾ هداه والنبوة ﴿مِن قَبْلُ﴾ قبل موسى وهرون أو قبل بلوغه ﴿وَكُنَّا بِه عَالِمِينَ﴾ أي بأنه أهل لما أتيناه.

(52): ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ﴾ الصور الممثلة ﴿الَّتِي﴾ لا تضر ولا تنفع تحقير لها وتوبيخ لهم ﴿أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ﴾ أي على عبادتها مقيمون وعدي باللام لتضمنه معنى العبادة أو للاختصاص.

(53): ﴿قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ﴾ فاقتدينا بهم.

(54): ﴿قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ﴾ ظاهر لعدم استناد الجميع إلى حجة.

(55): ﴿قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ﴾ بالجد فيما تقوله ﴿أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ﴾ فيه.

(56): ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ﴾ خلقهن، أضرب عما قالوا بإثبات دعواه بالحجة وهن للسماوات والأرض أو التماثيل وهو أدخل في تضليلهم وإلزامهم الحجة ﴿وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم﴾ الذي ذكرته ﴿مِّنَ الشَّاهِدِينَ﴾ المحققين له.

(57): ﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم﴾ لأدبرن في كسرها ﴿بَعْدَ أَن تُوَلُّوا﴾ إلى عيدكم ﴿مُدْبِرِينَ﴾ عنها قاله سرا فسمعه رجل فأفشاه.

(58): ﴿ فَجَعَلَهُمْ﴾ بعد ذهابهم إلى عيدهم ﴿جُذَاذًا﴾ قطاعا قطعا وقرىء بالكسر ﴿إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ﴾ لم يكسره وعلق الفأس في عنقه ﴿لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ﴾ إلى إبراهيم رجاء ذلك لتفرده بسب آلهتهم فيبكتهم بقوله: بل فعله كبيرهم أو إلى الكبير فيسألونه عن الكاسر كما يرجع إلى الرب في المشاكل فيعلمون جهلهم.

(59): ﴿قَالُوا﴾ بعد رجوعهم ﴿مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ بجرأته عليها أو بتعريض نفسه للقتل.

(60): ﴿قَالُوا﴾ أي بعضهم ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ يعيبهم ﴿يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾.

(61): ﴿قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ﴾ أي مرئيا مشهودا ﴿لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ﴾ بقوله أو فعله أو يحضرون عقابه.

(62): ﴿قَالُوا﴾ له بعد إحضاره ﴿أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ﴾.

(63): ﴿النَّاسِ قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ﴾ أي إن كانوا ينطقون فكبيرهم فعل وإلا فلا فما نطقوا وما كذب إبراهيم وقيل أسند الفعل إليه لتسببه له لأن غيظه لزيادة تعظيمهم له أو للتقرير لنفيه مع تبكيت بطريق التعريض أو حكاية لما يلزمهم كأنه قال ما تنكرون أن يفعله كبيرهم.

(64): ﴿فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ﴾ إلى عقولهم ﴿فَقَالُوا﴾ أي بعضهم لبعض ﴿إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ﴾ بعبادة ما لا ينطق أو بسؤال إبراهيم.

(65): ﴿ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ﴾ انقلبوا إلى الجدال بعد استقامتهم بالتفكر فقالوا ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ﴾ فكيف تأمرنا بسؤالهم وهذا اعتراف بما هو حجة عليهم.

(66): ﴿قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي بدله ﴿مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا﴾ إن عبدتموه ﴿وَلَا يَضُرُّكُمْ﴾ إن تركتموه.

(67): ﴿أُفٍّ﴾ صوت المتضجر بمعنى نتنا وقبحا ﴿لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾ بقبح فعلكم.

(68): ﴿قَالُوا﴾ حين ألزمهم الحجة ﴿حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ﴾ بحرقه ﴿إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ﴾ ناصريها.

(69): ﴿قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ أي أبردي بردا لا يضره فلم تحرق إلا وثاقه وزال حرها فجلس في روضة ومعه جبرئيل.

(70): ﴿وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا﴾ هو تحريقه ﴿فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ﴾ فيما أرادوا به لانقلابه عليهم.

(71): ﴿وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا﴾ من قرية كوثى ﴿إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ﴾ بالخصب والسعة والمنافع الدينية وهي الشام فإن أكثر الأنبياء بعثوا فيها.

(72): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ﴾ لإبراهيم حين سأل ولدا ﴿إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً﴾ عطية حال منهما أو زيادة على ما سأل وهو ولد الولد فيختص بيعقوب ﴿وَكُلًّا﴾ من الثلاثة ﴿جَعَلْنَا صَالِحِينَ﴾ للنبوة أو وفقناهم للصلاح أو حكمنا بصلاحهم.

(73): ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً﴾ يقتدى بهم ﴿يَهْدُونَ﴾ الناس إلى الحق ﴿بِأَمْرِنَا﴾ لهم بذلك ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ﴾ أي أن يفعل ﴿وَإِقَامَ الصَّلَاةِ﴾ وأن تقام وحذف تاء إقامة تخفيفا ﴿وَإِيتَاء الزَّكَاةِ﴾ وأن تؤتى وعطف الخاص على العام للأفضلية ﴿وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ﴾ مخلصين للعبادة.

(74): ﴿وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا﴾ فصلا بين الناس أو حكمة أو نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾ بما يحتاج إلى العلم به ﴿وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ﴾ سدوم ﴿الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ﴾ أي أهلها ﴿الْخَبَائِثَ﴾ من اللواط وغيره ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ﴾ حال من قوم أو خبر ثان.

(75)-(76): ﴿وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا﴾ في أهلها أو الجنة ﴿إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ وَ﴾ اذكر ﴿نُوحًا إِذْ نَادَى مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ دعاءه ﴿فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ﴾ من معه في الفلك ﴿مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ﴾ الغرق وأذى قومه.

(77): ﴿وَنَصَرْنَاهُ﴾ متعناه أو جعلناه منتصرا أي منتقما ﴿مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا﴾ الدالة على صدقه ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ بالطوفان.

(78): ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ﴾ الزرع والكرم ﴿إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ﴾ رعته ليلا ﴿وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ﴾ لحكم الحاكمين والخصوم عالمين حكم داود بالغنم لأهل الحرث وقال سليمان ينتفع أهل الحرث بدرها ونسلها وصوفها ويقوم أهلها على الحرث حتى يعود كما كان ثم يترادان وحكمهما بوحي من الله والثاني ناسخ للأول.

(79): ﴿فَفَهَّمْنَاهَا﴾ أي الحكومة ﴿سُلَيْمَانَ وَكُلًّا﴾ منهما ﴿آتَيْنَا حُكْمًا﴾ حكمة أو نبوة ﴿وَعِلْمًا﴾ بأمور الدين ﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ ينزهن الله بإنطاقه إياها أو بلسان الحال ﴿وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ لمثل ذلك وإن استغربتموه.

(80): ﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ﴾ أي الدرع لأنها تلبس وكانت صفائح فحلقها وسردها ﴿لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم﴾ أي داود أو اللبوس بالياء والتاء والنون ﴿مِّن بَأْسِكُمْ﴾ حربكم بالسلاح ﴿فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ﴾ نعمي.

(81): ﴿وَلِسُلَيْمَانَ﴾ وسخرنا له ﴿الرِّيحَ عَاصِفَةً﴾ شديدة الهبوب في عملها طيبة في نفسها كما قال رخاء أو يختلف حالها حسب إرادته ﴿تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا﴾ وهي الشام ﴿وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ﴾ فلا نفعل إلا ما تقتضيه الحكمة.

(82): ﴿وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ﴾ في البحر فيخرجون جواهره ﴿وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ﴾ سوى الغوص من البناء وغيره ﴿وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ﴾ أن يمتنعوا عليه أو يفسدوا ما عملوا.

(83): ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ﴾ لما ابتلي بالضر والمرض ﴿أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ﴾ الجهد والشدة ﴿وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ﴾.

(84): ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ﴾ نداء ﴿فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ﴾ بإذهاب مرضه ﴿وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ﴾ بأن ولد له ضعف ما هلك أو أحياهم وولد له مثلهم ﴿رَحْمَةً﴾ كائنة ﴿مِّنْ عِندِنَا﴾ عليه ﴿وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾ ليصبروا كما صبر فيثابوا كما أثيب.

(85): ﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ﴾ قيل هو إلياس وقيل يوشع وقيل رجل صالح وليس بنبي وعن الباقر (عليه السلام) أنه نبي مرسل ﴿كُلٌّ﴾ من المذكورين ﴿مِّنَ الصَّابِرِينَ﴾ على بلاء الله وطاعته وعن معصيته.

(86): ﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا﴾ من النبوة ونعم الآخرة ﴿إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ عملا.

(87): ﴿وَذَا النُّونِ﴾ صاحب الحوت يونس بن متى ﴿إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا﴾ لقومه أي غضبان عليهم لما كان منهم وهاجر قبل أن يؤذن له ﴿فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ نضيق عليه بشدة أي نقضي عليه ما قضيناه من حبسه ببطن الحوت ﴿فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ظلمة الليل والبحر وبطن الحوت ﴿أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ﴾ عما لا يليق بك ﴿إِنِّي كُنتُ﴾ في ذهابي بلا إذن ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ أنفسهم بترك الأولى.

(88): ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ﴾ ببطن الحوت بأن قذفه إلى الساحل بعد ثلاثة أيام أو أكثر ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما نجيناه ﴿نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾ برغمهم.

(89): ﴿وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا﴾ بلا ولد يرثني ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ الباقي بعد فناء خلقك.

(90): ﴿فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى﴾ ولدا ﴿وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ﴾ بجعلها ولودا بعد عقمها أو بتحسين خلقها وكان سيئا ﴿إِنَّهُمْ﴾ أي زكريا وأهله ومن ذكر من الأنبياء ﴿كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا﴾ راغبين في ثوابنا وراهبين من عقابنا ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ خاضعين.

(91): ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ من حلال وحرام أي مريم ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ من جهة روحنا جبرئيل حيث نفخ في جيبها فحملت بعيسى ﴿وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا﴾ أي حالهما حيث ولدته من غير أب ﴿آيَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ دالة على كمال قدرتنا.

(92): ﴿إِنَّ هَذِهِ﴾ أي ملة الإسلام ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ حال أي مجتمعة غير متفرقة ﴿وَأَنَا رَبُّكُمْ﴾ لا غيري ﴿فَاعْبُدُونِ﴾ وحدي.

(93): ﴿وَتَقَطَّعُوا﴾ التفت من الخطاب إلى الغيبة تقبيحا لفعلهم إلى غيرهم ﴿أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ﴾ جعلوا أمر دينهم قطعا متفرقة فتفرقوا فيه ﴿كُلٌّ﴾ كل الفرق ﴿إِلَيْنَا رَاجِعُونَ﴾ فنجازيهم.

(94): ﴿فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ فلا جحود استعير لمنع الثواب كالشكر لإعطائه ونفي جنسه مبالغة ﴿وَإِنَّا لَهُ﴾ لسعيه ﴿كَاتِبُونَ﴾ في صحيفته فنجزيه به.

(95): ﴿وَحَرَامٌ﴾ ممتنع ﴿عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا﴾ قدرنا إهلاك أهلها ﴿أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾ أي ممتنع عليهم عدم رجوعهم للجزاء أو رجوعهم إلى الدنيا على زيادة لا أو تعليل.

(96): ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ﴾ أي سدهما أو تأنيث الفعل لأنهما قبيلتان ﴿وَهُم﴾ أي يأجوج ومأجوج أو الخلق ﴿مِّن كُلِّ حَدَبٍ﴾ نشز في الأرض ﴿يَنسِلُونَ﴾ يسرعون.

(97): ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ أي القيامة ﴿فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ قائلين ﴿يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا﴾ الأمر ﴿بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ﴾ لأنفسنا بعبادة الأوثان وترك النظر.

(98): ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ أي غيره من الأوثان والشياطين فإنهم عبدوهم بطاعتهم لهم ﴿حَصَبُ جَهَنَّمَ﴾ محصوبها وهو ما يحصب فيها أي يرمى يعني وقودها ﴿أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ﴾ داخلون.

(99): ﴿لَوْ كَانَ هَؤُلَاء﴾ المعبودون ﴿آلِهَةً﴾ كما زعمتم ﴿مَّا وَرَدُوهَا﴾ إذ دخولها ينافي الألوهية ﴿وَكُلٌّ﴾ من العبدة والمعبودين ﴿فِيهَا خَالِدُونَ﴾ دائمون.

(100): ﴿لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ تنفس بشدة ونسب إلى الكل تغليبا لغير الجماد ﴿وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾ ما يسرهم أو شيئا لشدة العذاب، قيل لما نزلت قال ابن الزبعرى قد عبد عزير وعيسى والملائكة فهم في النار فقال النبي إنما عبدوا الشياطين التي أمرتهم بذلك ونزل.

(101)-(102): ﴿إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا﴾ الخصال ﴿الْحُسْنَى﴾ وهي العدة بالجنة أو السعادة أو التوفيق للطاعة ومنهم المذكورون ﴿أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا﴾ حال من ضمير مبعدون ﴿وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ﴾ من الملاذ ﴿خَالِدُونَ﴾ أبدا.

(103): ﴿لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ﴾ النفخة الأخيرة أو الانصراف إلى النار أو إطباقها على أهلها ﴿وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ﴾ تستقبلهم بالتهنئة قائلين ﴿هَذَا يَوْمُكُمُ﴾ وقت ثوابكم ﴿الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ﴾ في الدنيا.

(104): ﴿يَوْمَ﴾ مقدر باذكر أو ظرف لا يحزنهم أو تتلقاهم ﴿نَطْوِي السَّمَاء﴾ طيا ﴿كَطَيِّ السِّجِلِّ﴾ الطومار ﴿لِلْكُتُبِ﴾ لأجل الكتابة أو لما كتب فيه، وقرىء للكتاب أي للمعاني المكتوبة فيه، وقيل السجل ملك يطوي كتب بني آدم إذا ماتوا ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ﴾ قدرتنا على الإعادة كقدرتنا على الإبداء ﴿وَعْدًا﴾ وعدناه وعدا وهو يؤكد ما قبله ﴿عَلَيْنَا﴾ إنجازه ﴿إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ﴾ ما وعدنا.

(105): ﴿وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ﴾ جنس أي الكتب المنزلة ﴿مِن بَعْدِ الذِّكْرِ﴾ أي أم الكتاب وهو اللوح وقيل الزبور كتاب داود والذكر التوراة ﴿أَنَّ الْأَرْضَ﴾ أرض الجنة أو الدنيا ﴿يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ﴾ المطيعون أو أمة محمد بالفتوح، وقال الباقر (عليه السلام) هم أصحاب المهدي.

(106): ﴿إِنَّ فِي هَذَا﴾ المذكور ﴿لَبَلَاغًا﴾ لكفاية أو لوصلة إلى البغية ﴿لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾ لله بإخلاص.

(107): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ للملائكة والثقلين البر في الدارين والفاجر في الدنيا.

(108): ﴿قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ منقادون لذلك.

(109): ﴿فَإِن تَوَلَّوْا﴾ عن ذلك ﴿فَقُلْ آذَنتُكُمْ﴾ أعلمتكم بالحرب أو بما كلفتم ﴿عَلَى سَوَاء﴾ مستوين أنتم في الإيذان أو أنا وأنتم في علمه أو إيذانا على سواء ﴿وَإِنْ﴾ وما ﴿أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ من نصر المسلمين أو البعث.

(110): ﴿إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ﴾ منكم ومن غيركم ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ﴾ تسرونه أنتم وغيركم فيجازيكم به.

(111): ﴿وَإِنْ﴾ وما ﴿أَدْرِي لَعَلَّهُ﴾ أي تأخير ما توعدون أو إبهام وقته أو نعيم الدنيا ﴿فِتْنَةٌ﴾ امتحان ﴿لَّكُمْ﴾ ليظهر صنيعكم ﴿وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ﴾ تمتيع إلى انقضاء آجالكم.

(112): ﴿قَالَ رَبِّ احْكُم﴾ بيني وبين مكذبي ﴿بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ﴾ ذو الرحمة البالغة ﴿الْمُسْتَعَانُ﴾ المسئول المعونة ﴿عَلَى مَا تَصِفُونَ﴾ من شرككم وكذبكم على الله بنسبة الولد إليه وعلى رسوله بأنه ساحر وعلى القرآن بأنه سحر.