تفسير قوله تعالى ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾

قوله تعالى: ﴿قُلْ﴾

بدأ الله (سبحانه وتعالى) هذه السورة بكلمة ﴿قُلْ﴾ ولذلك نظائر كثيرة في القرآن: مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾ (الإخلاص/1)﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ﴾ (الفلق/1) ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ﴾ (الكافرون/1) وغير ذلك.. ومن الواضح: أن كلمة ﴿قُلْ﴾ الواردة في جميع سور القرآن هي جزء من القرآن، وليست قولاً يسبق النص القرآني. كمـا أنه ليس المقصود مجرد الأمر بالتلفظ بما بعدها، بل المقصود هو الأمر بالبيان والتعريف والشرح.. فكأنه قال: بين للناس أن الله أحد.. ﴿مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ﴾ (الأحقاف/9) ﴿يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ* لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (الكافرون/2)﴾.

فكما يخاطب الله (سبحانه وتعالى) نبيه بـ ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ (المائدة/67) كذلك هو تعالى يخاطبه في موارد عديدة بكلمة ﴿قُلْ﴾. فَكَونُ الكلمة خطاباً لا يعني أنها ليست قرآناً.. بل هي جزء من الكلام الـقرآني الآتي به جبرئيل ليبلغه للنبي، ومفادها: أن عليك -أيها النبي- أن تركز هذه الحقيقة وتؤكدها في عقول الناس، بأسلوبك وبأدلتك المناسبة، حيث تحتاج إلى أن تستدل لهم، وإلى أن تفتح أعينهم على بعض آثار عظمة الله وقدرته ليقتنعوا بأن الله أحد أو بأنك لست على استعداد لأن تعبد ما يعبدون.. ونحو ذلك.

وهذا لا يعني أن التلفظ بما بعد كلمة (قل) غير مطلوب أصلاً بل هو الآخر قد يكون مطلوباً أيضاً، والأمر فيما نحن فيه من هذا القبيل أيضاً حيث يكون المطلوب هو أن تشعر شعوراً حقيقياً بأنك في كنف الله، وأنك ملتجئ إليه، وتستعيذ به، ليحفظك ويصونك. أي أن يكون لديك شعور وقناعة فكرية، واستسلام خارجي حقيقي، يظهر أثره بالفعل، ويتجسد في حركاتك، وفي سكناتك، وفي أفعالك وأقوالك، ومشاعرك، وقناعاتك.

ولا ضير في أن تصِّرح بهذا الأمر، وتتكلم به لساناً أيضاً؛ وتنشؤه قولاً، ليساعد على إيجاد هذه الحالة في وجودك، وكيانك، وعقلك، ومشاعرك، وقد يظهر من ذلك أن إستعماله تعالى لكلمة: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ﴾ بدل كلمة: "تعوذوا" أو "تعوذ أيها الإنسان برب الناس" هو الأولى والأفضل.