سورة النحل

(1): ﴿أَتَى أَمْرُ اللّهِ﴾ الموعود به وهو يوم القيامة وعبر بالماضي لتحققه ﴿فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ﴾ قبل وقته ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ تنزه عن إشراكهم به.

(2): ﴿يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ﴾ بالوحي أو القرآن فإنه حياة القلوب ﴿مِنْ أَمْرِهِ﴾ بإرادته ﴿عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ أن يخصه بالرسالة ﴿أَنْ أَنذِرُواْ﴾ خوفوا الكفرة بالعقاب وأعلموهم ﴿أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ﴾ خافوا مخالفتي.

(3): ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ﴾ بمقتضى الحكمة ﴿تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ به من خلقه.

(4): ﴿خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ﴾ منطيق يجادل عن نفسه ﴿مُّبِينٌ﴾ لحجته.

(5): ﴿وَالأَنْعَامَ﴾ الإبل والبقر والغنم ﴿خَلَقَهَا لَكُمْ﴾ لانتفاعكم ﴿فِيهَا دِفْءٌ﴾ ما يستدفأ به من البرد من لباس ونحوه ﴿وَمَنَافِعُ﴾ من نسل ودر وركوب ﴿ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ ما يؤكل منها كاللحوم والألبان وقدم الظرف للفاصلة.

(6): ﴿وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ﴾ زينة ﴿حِينَ تُرِيحُونَ﴾ تردونها إلى مراحها بالعشي ﴿وَحِينَ تَسْرَحُونَ﴾ ترسلونها إلى مرعاها بالغداة.

(7): ﴿وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ﴾ أحمالكم ﴿إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ﴾ بأنفسكم فضلا عن أثقالكم ﴿إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ بكم حيث أنعم بها.

(8): ﴿وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً﴾ ولتتزينوا بها زينة ﴿وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ من أنواع الحيوانات وغيرها أو مما أعد في الجنة أو النار.

(9): ﴿وَعَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ﴾ بيان الطريق المستقيم المفضي إلى الحق ﴿وَمِنْهَا جَآئِرٌ﴾ ومن السبل ما هو مائل عن القصد ﴿وَلَوْ شَاء﴾ مشيئة حتم ﴿لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ أو لهداكم إلى الجنة تفضلا.

(10): ﴿هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ﴾ ما تشربونه ﴿وَمِنْهُ شَجَرٌ﴾ ينبت بسببه ﴿فِيهِ تُسِيمُونَ﴾ ترعون أنعامكم.

(11): ﴿يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿لآيَةً﴾ على وحدانيته وقدرته ﴿لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في صنعه المحكم العجيب.

(12): ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالْنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ﴾ حال من جميعها أي أعدها لمنافعكم حال كونها مسخرة لحكمه وقرىء برفع الشمس وما بعدها مبتدأ وخبره مسخرات ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ يتدبرون.

(13): ﴿وَمَا ذَرَأَ﴾ وسخر ﴿لَكُمْ﴾ ما خلق ﴿فِي الأَرْضِ﴾ من حيوان ونبات ومعدن ﴿مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ﴾ مع اتحاده جنسا أو نوعا أو صنفا ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ إن ذلك إنما يصدر من قادر حكيم.

(14): ﴿وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ﴾ هيأه لانتفاعكم به ركوبا وأكلا أو لبسا ﴿لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا﴾ هو السمك ﴿وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا﴾ هي اللؤلؤ والمرجان ﴿وَتَرَى الْفُلْكَ﴾ السفن ﴿مَوَاخِرَ فِيهِ﴾ جواري تمخر الماء أي تشقه بصدرها ﴿وَلِتَبْتَغُواْ﴾ تطلبوا ﴿مِن فَضْلِهِ﴾ تعالى بركوبه للتجارة ﴿وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ الله.

(15): ﴿وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ﴾ جبالا ثوابت ﴿أَن تَمِيدَ بِكُمْ﴾ كراهة أن تضطرب ﴿وَ﴾ جعل فيها ﴿أَنْهَارًا وَسُبُلاً﴾ طرقا ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ لمقاصدكم أو إلى توحيده تعالى.

(16): ﴿وَعَلامَاتٍ﴾ تستدلون بها على الطرق من جبل ونحوه نهارا ﴿وَبِالنَّجْمِ﴾ أي الجنس أو الثريا أو الفرقدان أو الجدي أو بنات نعش ﴿هُمْ﴾ أي السائرة الدال عليهم ذكر السبيل ﴿يَهْتَدُونَ﴾ إلى الطرق وروي بالجدي يهتدى إلى القبلة، وعن الصادق (عليه السلام) نحن العلامات والنجم رسول الله.

(17): ﴿أَفَمَن يَخْلُقُ﴾ هذه الأشياء وهو الله ﴿كَمَن لاَّ يَخْلُقُ﴾ شيئا وهو الأصنام ﴿أَفَلا تَذَكَّرُونَ﴾ ذلك فتوحدوا الله.

(18): ﴿وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا﴾ لا تحصروا عددها فضلا عن شكرها ﴿إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ﴾ لتقصيركم في شكرها ﴿رَّحِيمٌ﴾ حيث لم يقطعها بتقصيركم.

(19): ﴿وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ﴾ من نية وعمل وفيه توبيخ ووعيد على إشراكهم بعالم السر والعلن جمادات لا يشعرون.

(20): ﴿وَالَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ تعبدونهم ﴿مِن دُونِ اللّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾ هم.

(21): ﴿أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء﴾ تأكيد ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أي الأصنام ﴿أَيَّانَ يُبْعَثُونَ﴾ وقت بعثهم وبعث عبدتهم فكيف يعبدون وإنما يعبد الخالق الحي العالم بالغيب.

(22): ﴿إِلَهُكُمْ﴾ المستحق للعبادة ﴿إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ لا إله معه ﴿فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ﴾ للوحدانية ﴿وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ﴾ عن قبول الحق.

(23): ﴿لاَ جَرَمَ﴾ حقا ﴿أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ فيجازيهم به ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ﴾ عن التوحيد أو كل متكبر.

(24): ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُم﴾ لمقيمي طرق مكة لصد الناس والقائل الوافدون عليهم أو المسلمون ﴿مَّاذَا﴾ أي شيء ﴿أَنزَلَ رَبُّكُمْ﴾ وما الذي أنزله ﴿قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أي المنزل في زعمكم أكاذيب الأولين.

(25): ﴿لِيَحْمِلُواْ﴾ أي كانت عاقبة أمرهم حين قالوا ذلك إضلالا للناس أن حملوا ﴿أَوْزَارَهُمْ﴾ ذنوبهم ﴿كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لا تخفف من عقابهم شيء ﴿وَمِنْ﴾ وبعض ﴿أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم﴾ شاركوهم في إثم ضلالهم لأنهم دعوهم إليه فاتبعوهم ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ أي جاهلين كونهم ضلالا ولا عذر لهم بجهلهم إذ كان عليهم الفحص ليميزوا المهتدي من الضال ﴿أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ بئس شيء يحملونه حملهم هذا.

(26): ﴿قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللّهُ﴾ أي أمره ﴿بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ﴾ الأساس ﴿فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ﴾ أي وكانوا تحته ﴿وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ لا يحتسبون.

(27): ﴿ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ﴾ يفضحهم أو يدخلهم النار ﴿وَيَقُولُ﴾ توبيخا لهم ﴿أَيْنَ شُرَكَآئِيَ﴾ بزعمكم ﴿الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ﴾ تعادون المؤمنين ﴿فِيهِمْ قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ﴾ الأنبياء والعلماء والملائكة ﴿إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالْسُّوءَ﴾ الذل والعذاب ﴿عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ يقولونه شماتة بهم.

(28): ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ﴾ بكفرهم ﴿فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ﴾ استسلموا عند الموت قائلين ﴿مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوءٍ﴾ كفر فتكذبهم الملائكة ﴿بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فيجازيكم.

(29): ﴿فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ﴾ على حسب منازلكم في دركاتها ﴿خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ هي.

(30): ﴿وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ﴾ هم المؤمنون ﴿مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ﴾ أنزل ﴿خَيْرًا لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ﴾ كرامة معجلة ﴿وَلَدَارُ الآخِرَةِ﴾ أي ثوابهم في الآخرة ﴿خَيْرٌ﴾ منها وهو وعد للذين اتقوا أو من قولهم تفسير الخير ﴿وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ﴾ هي.

(31): ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ﴾ إقامة خبر محذوف أو المخصوص بالمدح أو مبتدأ خبره ﴿يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَآؤُونَ﴾ النكتة في تقديم فيها الدلالة على أن الإنسان لا يجد كل ما يريده إلا فيها ﴿كَذَلِكَ﴾ الجزاء ﴿يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ﴾.

(32): ﴿الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ طاهرين من الشرك أو طيبة وفاتهم لا صعوبة فيها ﴿يَقُولُونَ﴾ لهم عند الموت ﴿سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾.

(33): ﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظر الكفار ﴿إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ﴾ لتوفيهم ﴿أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ﴾ القيامة أو العذاب المعجل ﴿كَذَلِكَ﴾ كما فعل هؤلاء ﴿فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ كذبوا رسلهم قد مروا ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللّهُ﴾ بتدميرهم ﴿وَلكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بسوء عملهم.

(34): ﴿فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُواْ﴾ جزاؤها ﴿وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ من العذاب أو جزاء استهزائهم.

(35): ﴿وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا عَبَدْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ نَّحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ كأنهم كانوا جبرية أو أشعرية ﴿كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ فنسبوا إليه مشيئة ما فعلوه من شرك ونحوه كما مر في الأنعام ﴿فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ﴾ للحق وتنزيه الله عن الظلم.

(36): ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً﴾ كما بعثنا في هؤلاء ﴿أَنِ﴾ أي بأن أو أي ﴿اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ﴾ أي عبادته ﴿فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ﴾ لطف به لأنه من أهله فآمن أو هداه إلى الجنة بإيمانه أو حكم بإيمانه ﴿وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ﴾ أي ثبت عليه الخذلان لعلمه بتصميمه على الضلال أو حكم بضلاله أو أضله عن الجنة أو وجب عليه العذاب ﴿فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ للرسل والحجج.

(37): ﴿إِن تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ إِنَّمَا﴾ أي إيمانهم ﴿فَإِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَن يُضِلُّ﴾ لا يلطف بمن يخذل أو لا يهتدي من يخذله ﴿وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ﴾ يمنعونهم من العذاب.

(38): ﴿وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ مجتهدين فيها ﴿لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ بَلَى﴾ يبعثهم وعد ذلك ﴿وَعْدًا عَلَيْهِ﴾ إنجازه حقه ﴿حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ صحة البعث لجهلهم وجه الحكمة فيه أو لتوهمهم امتناعه.

(39): ﴿لِيُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ الحق ﴿الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ﴾ فيميز المحق من المبطل بالثواب والعقاب ﴿وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَاذِبِينَ﴾ في نفيهم البعث.

(40): ﴿قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَن نَّقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ﴾ فالبعث والحشر لا يتوقف إلا على أمره.

(41): ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ فِي اللّهِ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ في سبيله ﴿مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ﴾ بالأذى ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ﴾ لننزلنهم ﴿فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ مباءة حسنة وهي المدينة ﴿وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ﴾ ثوابها ﴿أَكْبَرُ﴾ مما نعطيهم في الدنيا ﴿لو كانوا يعلمون﴾ أي الكفار ما للمهاجرين من خير الدارين لوافقوهم أو المهاجرون ما أعد لهم لزاد اجتهادهم.

(42): ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على الأذى والهجرة ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ﴾ لا غيره ﴿يَتَوَكَّلُونَ﴾ فيكفيهم أمورهم.

(43): ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي﴾ بالنون والياء ﴿إِلَيْهِمْ﴾ لا ملائكة رد لإنكارهم كون الرسول بشرا بأن هذا هو السنة مستمرة على مقتضى الحكمة ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ﴾ أهل العلم من كانوا أو أهل الكتاب أو أهل القرآن، وعنهم (عليهم السلام) نحن أهل الذكر ﴿إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك فيعلمونكم.

(44): ﴿بِالْبَيِّنَاتِ﴾ متعلق بمقدر أي أرسلناهم بالمعجزات ﴿وَالزُّبُرِ﴾ الكتب ﴿وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ﴾ القرآن ﴿لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ فيه من الشريعة والأحكام ﴿وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾ فيه فيعلمون ما هو الحق.

(45): ﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ﴾ أي المكرات السيئات بالرسول من إرادة حبسه أو قتله أو إخراجه ﴿أَن يَخْسِفَ اللّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ﴾ من جهة لا يتوقعونه كقوم لوط أو قد وقع يوم بدر.

(46): ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ﴾ في أسفارهم أو بالليل والنهار ﴿فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين الله.

(47): ﴿أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ﴾ وهم يتخوفون بأن أهلك غيرهم فتوقعوا البلاء أو على تنقص شيئا فشيئا حتى يفنوا ﴿فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ حيث لم يعجل النقمة.

(48): ﴿أَوَ لَمْ يَرَوْاْ﴾ وقرىء بالتاء ﴿إِلَى مَا خَلَقَ اللّهُ مِن شَيْءٍ﴾ له ظل كشجر وجبل ﴿يَتَفَيَّأُ ظِلاَلُهُ﴾ يتميل والفيء والظل بعد الزوال وأصله الرجوع ﴿عَنِ الْيَمِينِ وَالْشَّمَآئِلِ﴾ جمع شمال أي عن جانبي ذوات الظلال وإفراد اليمين وجمع الشمائل لعله للفظ ما ومعناه كافر إذ الضمير في ظلاله وجمعه في ﴿سُجَّدًا لِلّهِ﴾ حال من الظلال أي منقادة لأمره في تقلبها وكذا ﴿وَهُمْ دَاخِرُونَ﴾ صاغرون لما فيهم من التسخير ودلائل التدبير وجمع بالواو لأن الدخور للعقلاء.

(49): ﴿وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ﴾ ينقاد لأمره وإرادته ﴿مِن دَآبَّةٍ﴾ بيان لما فيهما على أن في السماء خلقا يدبون والملائكة، من عطف الخاص على العام للتفخيم أو بيان لما في الأرض ﴿وَالْمَلآئِكَةُ﴾ تعيين لما في السموات تفخيما وما لتغليب ما لا يعقل لكثرته ﴿وَهُمْ﴾ أي الملائكة ﴿لاَ يَسْتَكْبِرُونَ﴾ عن عبادته.

(50): ﴿يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ﴾ أي غالبا عليهم بالقهر ﴿وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ به.

(51): ﴿وَقَالَ اللّهُ لاَ تَتَّخِذُواْ إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ﴾ تأكيد يؤذن بمنافاة الاثنينية للإلهية ﴿إِنَّمَا هُوَ إِلهٌ وَاحِدٌ﴾ أكد تنبيها على لزوم الوحدة للإلهية ﴿فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾ فخافوني لا غيري التفات من الغيبة إلى التكلم للمبالغة في الترهيب.

(52): ﴿وَلَهُ مَا فِي الْسَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا ﴿وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًا أَفَغَيْرَ اللّهِ تَتَّقُونَ﴾ حال عاملها له أي له الطاعة دائمة أو الجزاء دائما أي الثواب والعقاب ﴿أفغير الله تتقون﴾ تخشون ولا يقدر على النفع والضر غيره.

(53): ﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ﴾ كمرض وفقر ﴿فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ﴾ تضجون بالاستغاثة والدعاء لا إلى غيره.

(54): ﴿ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ﴾.

(55): ﴿لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ﴾ من النعمة كأنهم قصدوا بالشرك كفرانها ﴿فَتَمَتَّعُواْ﴾ بما أنتم فيه أمر تهديد ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ سوء عاقبتكم.

(56): ﴿وَيَجْعَلُونَ لِمَا﴾ للأصنام التي ﴿لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أنها لا تضر ولا تنفع ﴿نَصِيبًا مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ﴾ من الحرث والأنعام ﴿تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ﴾ توبيخا وفيه التفات من الغيبة ﴿عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ﴾ بدعوى إلهيتها والتقرب إليها.

(57): ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ﴾ بقولهم الملائكة بنات الله ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيها له عن قولهم ﴿وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ﴾ أي البنون.

(58): ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى﴾ بولادتها ﴿ظَلَّ﴾ صار ﴿وَجْهُهُ مُسْوَدًّا﴾ متغيرا من الغم ﴿وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ ممتلىء غيظا فكيف تجعلون البنات له تعالى.

(59): ﴿يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ﴾ يختفي من قومه مخافة العار ﴿مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ﴾ عنده مفكرا ماذا يصنع به ﴿أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ﴾ أيتركه على هوان وذل ﴿أَمْ يَدُسُّهُ﴾ يخفيه بدفنه ﴿فِي التُّرَابِ﴾ حيا وهو الوأد وذكر الضمير للفظ ما ﴿أَلاَ سَاء﴾ بئس ﴿مَا يَحْكُمُونَ﴾ حكمهم هذا حيث جعلوا ما هذا محله عندهم لربهم المتنزه عن الأولاد.

(60): ﴿لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ﴾ الصفة السوء وهي الحاجة إلى الأولاد ﴿وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ﴾ كالتفرد والغنى والجود ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ﴾.

(61): ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِم﴾ بعصيانهم ﴿مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا﴾ على الأرض بقرينة الناس والدابة ﴿مِن دَآبَّةٍ﴾ تدب عليها فيهلك الظلمة عقوبة لهم وغيرهم بشؤمهم أو أهلك الآباء بظلمهم لبطل نسلهم ولهلكت الدواب المخلوقة لهم أو من دابة ظالمة ﴿وَلَكِن يُؤَخِّرُهُمْ إلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ هو منتهى أعمارهم أو القيامة ليتوالدوا ﴿فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ﴾ عنه ﴿سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ﴾ عليه فيؤاخذون حينئذ.

(62): ﴿وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ﴾ لأنفسهم من البنات والشركاء في الرئاسة وإهانة الرسل ورديء المال ﴿وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ﴾ مع ذلك وهو زعمهم ﴿أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى﴾ عند الله أي الجنة إن صح البعث ﴿لاَ جَرَمَ﴾ حقا ﴿أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ﴾ لا الحسنى ﴿وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ﴾ مقدمون إلى النار.

(63): ﴿تَاللّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا﴾ رسلا ﴿إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ القبيحة فأصروا عليها ﴿فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ﴾ متولي أمورهم في الدنيا أو ناصرهم في القيامة ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في القيامة.

(64): ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ﴾ للناس ﴿ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ من التوحيد والعدل والأحكام والبعث ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾.

(65): ﴿وَاللّهُ أَنزَلَ مِنَ الْسَّمَاء مَاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ﴾ بالنبات ﴿بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ يبسها ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً﴾ دالة على التوحيد والبعث ﴿لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ سماع اعتبار.

(66): ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً﴾ لاعتبارا ﴿نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِي بُطُونِهِ﴾ أي الأنعام فإن لفظه مفرد ومعناه جمع كالرهط ﴿مِن﴾ ابتدائية تتعلق بنسقيكم ﴿بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَّبَنًا خَالِصًا﴾ لا يشوبه لون ولا رائحة ولا طعم من الفرث والدم ﴿سَآئِغًا لِلشَّارِبِينَ﴾ سهل الجواز في حلوقهم.

(67): ﴿وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ﴾ خبر محذوف أي ثمر صفته ﴿ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا﴾ مصدر سمي به الخمر وفيه إشعار بتحريمها بوصف قسيمها بالحسن ﴿وَرِزْقًا حَسَنًا﴾ كالتمر والزبيب والدبس والخل فلا تكون هي حسنة فليست بحلال فالآية جامعة بين العتاب والمنة، وقيل السكر الأشربة الحلال والرزق الحسن المأكول اللذيذ ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾.

(68): ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ ألهمها ﴿أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا﴾ يأوين إليها للتعسيل ﴿وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾ يرفعون من سقف وكرم والبعضية لأنها لا تبني بكل جبل وشجر وما يعرش بل فيما يوافقها من ذلك.

(69): ﴿ثُمَّ كُلِي مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ﴾ التي تشتهيها ﴿فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ﴾ طرقه التي ألهمك في عمل العسل أو اسلكي ما أكلت في مسالك ربك التي تحيله فيها بقدرته عسلا ﴿ذُلُلاً﴾ جمع ذلول أي مذللة حال من السبل أو من فاعل اسلكي أي منقادة لما أمرت به ﴿يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ﴾ أصفر وأحمر وأبيض وأسود ﴿فِيهِ شِفَاء لِلنَّاسِ﴾ منفردا ومع غيره وقيل التنكير للتبعيض وقيل للتعظيم ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ في صنعه تعالى.

(70): ﴿وَاللّهُ خَلَقَكُمْ﴾ أوجدكم ﴿ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ﴾ كلا بأجله ﴿وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ أردأه أي الهرم والخرف ﴿لِكَيْ لاَ يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئًا﴾ ليصير كالطفل في النسيان ﴿إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ﴾ بتدبير خلقه ﴿قَدِيرٌ﴾ على ما يشاء من تصريفهم.

(71): ﴿وَاللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْرِّزْقِ﴾ فأغنى بعضا وأفقر بعضا ﴿فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ﴾ من الموالي ﴿بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ بجاعلي ما رزقناهم رزقا لمماليكهم أي لم يرزقوهم وإنما ينفقون عليهم رزقهم الذي جعله الله عندهم ﴿فَهُمْ فِيهِ﴾ فالموالي والمماليك في الرزق ﴿سَوَاء﴾ في أنه من الله تعالى أو معناه فما هم بجاعلي ما رزقناهم شركة بينهم وبين مماليكهم حتى يتساووا فيه ولم يرضوا بذلك وهم يشركون عبيدي معي في الإلهية ﴿أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ حيث يشركون به غيره وقرىء بالتاء.

(72): ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا﴾ من جنسكم لتسكنوا إليها ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً﴾ أولاد أولاد أو أعوانا أو أختانا على البنات أو ربائب والحفد الإسراع في العمل ﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ المستلذات أي بعضها إذ كلها إنما تكون في الجنة ﴿أَفَبِالْبَاطِلِ﴾ الأصنام وتحريم الحلال ﴿يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللّهِ﴾ التي عددها ﴿هُمْ يَكْفُرُونَ﴾ حيث أشركوا به غيره.

(73): ﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِّنَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ شَيْئًا﴾ من مطر ونبات ﴿وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ﴾ لا يقدرون على شيء وهم الأصنام.

(74): ﴿فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ﴾ لا تجعلوا له أشباها في الإلهية ﴿إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك.

(75): ﴿ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً﴾ لنفسه وما يشرك به ﴿عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ﴾ عاجز عن التصرف وهذا مثل الأصنام ﴿وَمَن﴾ نكرة موصوفة أي وحرا ﴿رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا﴾ مالا وافرا ﴿فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا﴾ أي يتصرف فيه كيف شاء وهو مثله تعالى ﴿هَلْ﴾ لا ﴿يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ﴾ لا يستحقه سواه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ اختصاص الحمد به.

(76): ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ﴾ ولد أخرس ﴿لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ﴾ من نطق وتدبير لأنه لا يفهم ولا يفهم ﴿وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ﴾ ثقل على ولي أمره ﴿أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ﴾ يرسله في حاجة ﴿لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ﴾ بنجح ﴿هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ من هو فصيح فهم نافع للناس يحثهم على العدل ﴿وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ وهو مثل له تعالى وللأصنام أو للمؤمن والكافر.

(77): ﴿وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ يختص به علم ما غاب عن الخلق فيهما ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ﴾ أمر إقامتها في قدرته ﴿إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾ كرد الطرف ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ﴾ منه في السرعة والسهولة وأو للتخيير أو بمعنى بل ﴿إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه إقامة الساعة وإحياء الخلق.

(78): ﴿وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا﴾ جملة حالية ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ لكي تشكروا على ذلك.

(79): ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ﴾ بالياء وتاء الخطاب ﴿إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ﴾ مذللات للطيران بأجنحتها ﴿فِي جَوِّ السَّمَاء﴾ الهواء البعيد من الأرض ﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ﴾ عن السقوط ﴿إِلاَّ اللّهُ﴾ بقدرته ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ ومن جملة الآيات خلقها بحيث يمكنها الطيران فيه وإلهامها بسط الجناح وقبضه وإمساكها.

(80): ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا﴾ موضعا تسكنون فيه مما يتخذ من الحجر والمدر ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا﴾ القباب من الأدم أو ما يعم المتخذة من الشعر والصوف والوبر فإنها من جلودها لنباتها عليها ﴿تَسْتَخِفُّونَهَا﴾ للحمل والنقل ﴿يَوْمَ ظَعْنِكُمْ﴾ بوقت رحلتكم ﴿وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ﴾ في مكان تنزلون فيه لا يثقل عليكم ضربها ﴿وَمِنْ أَصْوَافِهَا﴾ أي الضأن ﴿وَأَوْبَارِهَا﴾ أي الإبل ﴿وَأَشْعَارِهَا﴾ أي المعز ﴿أَثَاثًا﴾ فراشا وأكسية ﴿وَمَتَاعًا﴾ تمتعون به ﴿إِلَى حِينٍ﴾ تبلى فيه أو إلى موتكم.

(81): ﴿وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ﴾ من الشجر والأبنية وغيرها ﴿ظِلاَلاً﴾ تقيكم حر الشمس جمع ظل ﴿وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَانًا﴾ كالكهوف والغيران جمع كن ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ﴾ قمصانا من النبات وغيره ﴿تَقِيكُمُ الْحَرَّ﴾ أي والبرد وخص بالذكر الأهم ﴿وَسَرَابِيلَ﴾ دروعا وجواشن ﴿تَقِيكُم بَأْسَكُمْ﴾ حربكم أي الطعن والضرب ﴿كَذَلِكَ﴾ كما أنعم عليكم بهذه النعم ﴿يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ﴾ في الدنيا بتدبير أموركم ﴿لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ﴾ تتفكرون في نعمه فتوحدونه وتطيعونه.

(82): ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أعرضوا عن الإيمان فلا لوم عليك ﴿فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ﴾ وقد بلغت.

(83): ﴿يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ﴾ يعترفون بأنها من عنده ﴿ثُمَّ يُنكِرُونَهَا﴾ بإشراكهم أو عرفوا نبوة محمد ثم أنكروها عنادا ﴿وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ﴾ المنكرون عنادا وذكر الأكثر لأنه يستعمل في الكل أو أن بعضهم لم يقم عليه الحجة كالمجنون وغير البالغ.

(84): ﴿وَيَوْمَ﴾ واذكر أو خوفهم يوم ﴿نَبْعَثُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا﴾ هو نبيها أو إمام زمانها يشهد لها أو عليها يوم القيامة ﴿ثُمَّ لاَ يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ في الاعتذار ﴿وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ﴾ لا يطلب منهم العتبى أي الرجوع إلى رضا الله.

(85): ﴿وَإِذَا رَأى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أشركوا ﴿الْعَذَابَ﴾ النار ﴿فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ﴾ العذاب ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ يمهلون.

(86): ﴿وَإِذَا رَأى الَّذِينَ أَشْرَكُواْ شُرَكَاءهُمْ﴾ الأصنام والشياطين ﴿قَالُواْ رَبَّنَا هَؤُلاء شُرَكَآؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوْ﴾ نعبدهم ﴿مِن دُونِكَ﴾ فحملهم بعض عذابنا ﴿فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ﴾ أي أنطقهم الله فقالوا لهم ﴿إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في قولكم إننا شركاء الله وإنكم عبدتمونا وإنما عبدتم أهواءكم.

(87): ﴿وَأَلْقَوْاْ﴾ أي المشركون ﴿إِلَى اللّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ أي استسلموا لحكمه ﴿وَضَلَّ﴾ بطل ﴿عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ أن آلهتهم تشفع لهم.

(88): ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ﴾ الناس ﴿عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ دينه ﴿زِدْنَاهُمْ عَذَابًا﴾ لصدهم ﴿فَوْقَ الْعَذَابِ﴾ لكفرهم ﴿بِمَا كَانُواْ يُفْسِدُونَ﴾ بإفسادهم بالصد.

(89): ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ﴾ هو نبيهم أو إمام زمانهم ﴿وَجِئْنَا بِكَ﴾ يا محمد ﴿شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء﴾ أي أمتك شهيدا قال الصادق (عليه السلام) نزلت في أمة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) خاصة في كل قرن منهم إمام منا شاهد عليهم ومحمد شاهد علينا ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿تِبْيَانًا﴾ بيانا ﴿لِّكُلِّ شَيْءٍ﴾ من أمور الدين تفصيلا أو إجمالا محالا إلى الحجة المقرون به ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

(90): ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾ التوحيد والإنصاف بين الخلق ﴿وَالإِحْسَانِ﴾ أداء الفرائض أو التفضل على الناس أو ما يعم كل خير ﴿وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى﴾ إعطاء الأقارب أو قرابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء﴾ ما قبح من الفعل والقول أو الزنا ﴿وَالْمُنكَرِ﴾ ما أنكره الشرع ﴿وَالْبَغْيِ﴾ الظلم والكبر ﴿يَعِظُكُمْ﴾ بالأمر بالخير والنهي عن الشر ﴿لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون﴾ أي تتعظون عن ابن مسعود هذه أجمع آية في القرآن للخير والشر.

(91): ﴿وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ﴾ وهو كل ما يجب الوفاء به وقيل البيعة للرسول ﴿إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا﴾ توثيقها باسم الله تعالى ﴿وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً﴾ شهيدا بالوفاء ﴿إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ من نقض ووفاء.

(92): ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا﴾ ما غزلته ﴿مِن بَعْدِ قُوَّةٍ﴾ إحكام له وفتل ﴿أَنكَاثًا﴾ حال أو مفعول ثان لنقضت جمع نكث وهو ما ينكث فتله ومعناه تشبيه الناقض بمن فعلت ذلك أو بريطة بنت عمرو القرشية وكانت خرفاء هذا شأنها ﴿تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً﴾ غدرا ومكرا وهو ما يدخل في الشيء للفساد ﴿بَيْنَكُمْ أَن﴾ أي لأن ﴿تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ﴾ جماعة هي أكثر من جماعة كانوا إذا رأوا في أعادي حلفائهم شوكة نقضوا عهدهم وخالفوا أعاديهم فنهوا عنه ﴿إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ﴾ يختبركم بالأمر بالوفاء أو بكونهم أربى لينظر أتفون لله مع قلة المؤمنين أم تغدرون لكثرة قريش ﴿وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ بإثابة المحق وتعذيب المبطل.

(93): ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ مشيئة إلجاء ﴿لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ مهتدين ﴿وَلكِن يُضِلُّ مَن يَشَاء﴾ يخذله بسوء اختياره ﴿وَيَهْدِي مَن يَشَاء﴾ بلطفه لأنه من أهله ﴿وَلَتُسْأَلُنَّ﴾ تبكيتا ﴿عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ فتجازون به.

(94): ﴿وَلاَ تَتَّخِذُواْ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ﴾ كرر تأكيدا ﴿فَتَزِلَّ قَدَمٌ﴾ أي أقدامكم عن طريق الحق ﴿بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ عليه وهو مثل لمن وقع في بلاء بعد عافية ﴿وَتَذُوقُواْ الْسُّوءَ﴾ العذاب في الدنيا ﴿بِمَا صَدَدتُّمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ أي بصدكم عن الوفاء أو بصدكم غيركم عنه لأنه يقتدي بسنتكم ﴿وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ في الآخرة قال الصادق (عليه السلام) هذه الآيات في ولاية علي وما كان من قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) سلموا عليه بإمرة المؤمنين.

(95): ﴿وَلاَ تَشْتَرُواْ بِعَهْدِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً﴾ تستبدلوا به عرضا يسيرا من الدنيا تنقضوه لأجله ﴿إِنَّمَا عِندَ اللّهِ﴾ من الثواب على الوفاء بالعهد ﴿هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ من عرض الدنيا ﴿إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ ذلك فأوفوا.

(96): ﴿مَا عِندَكُمْ﴾ من الدنيا ﴿يَنفَدُ﴾ يفنى ﴿وَمَا عِندَ اللّهِ﴾ من الثواب ﴿بَاقٍ﴾ لا ينقطع ﴿وَلَنَجْزِيَنَّ﴾ بالياء والنون ﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على مشاق التكذيب ﴿أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ من الطاعة.

(97): ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾.

(98): ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ﴾ أي أردت قراءته ﴿فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾.

(99): ﴿إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ﴾ تسلط ﴿عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ فإنهم لا يطيعونه.

(100): ﴿إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ﴾ يطيعونه ﴿وَالَّذِينَ هُم بِهِ﴾ بسببه أو بالله ﴿مُشْرِكُونَ﴾.

(101): ﴿وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ﴾ بالنسخ لمصالح العباد ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ﴾ بمصالحه بحسب الأوقات ﴿قَالُواْ﴾ أي الكفار ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ﴾ على الله تأمر بشيء ثم تنهى عنه ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ فوائد النسخ.

(102): ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ﴾ جبرئيل ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ متلبسا ﴿بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ به على إيمانهم ﴿وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ﴾.

(103): ﴿وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ﴾ القرآن ﴿بَشَرٌ﴾ هو عائش غلام حويطب بن عبد العزى قد أسلم وكان صاحب كتب وقيل بلعام كان قينا بمكة روميا نصرانيا وقيل سلمان الفارسي ﴿لِّسَانُ﴾ لغة ﴿الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ﴾ يميلون قولهم عن الاستقامة إليه ﴿أَعْجَمِيٌّ﴾ غير بين ﴿وَهَذَا﴾ القرآن ﴿لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ﴾ ذو فصاحة وبيان فكيف يعلمه أعجمي.

(104): ﴿إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ أي بأنها من عنده ﴿لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ﴾ إلى الجنة ولا يثيبهم ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بكفرهم بالقرآن.

(105): ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ فإنهم لا يخشون عقابا ﴿وَأُوْلئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ في قولهم إنما أنت مفتر أو الكاملون في الكذب لا أنت.

(106): ﴿مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ﴾ على كلمة الكفر فقالها ﴿وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ﴾ ثابت عليه ﴿وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا﴾ فتحه أي طابت نفسه به ﴿فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ أكره قريش جماعة على الإرتداد منهم عمار وأبواه فقتلوا أبويه وأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا مكرها فقال قوم كفر عمار فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) كلا إنه مليء إيمانا من قرنه إلى قدمه واختلط الإيمان بلحمه ودمه فأتاه عمار يبكي فمسح عينيه وقال إن عادوا لك فعد لهم فنزلت.

(107): ﴿ذَلِكَ﴾ الوعيد لهم ﴿بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّواْ الْحَيَاةَ الْدُّنْيَا﴾ آثروها ﴿عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ﴾ وبسبب أن ﴿اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ﴾ يخذلهم بكفرهم.

(108): ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ﴾ أسند إليه تعالى الطبع مجازا عن منعهم اللطف حين أبوا قبول الحق وأعرضوا عنه ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾ عما يراد بهم.

(109): ﴿لاَ جَرَمَ﴾ حقا ﴿أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الْخَاسِرونَ﴾.

(110): ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُواْ مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ﴾ عذبوا كعمار بالنصرة وثم لتباعد هؤلاء من أولئك وقرىء بالمعلوم أي فتنوا غيرهم ثم أسلموا وهاجروا ﴿ثُمَّ جَاهَدُواْ وَصَبَرُواْ﴾ على المشاق ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾ بعد الفتنة ﴿لَغَفُورٌ﴾ لهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم.

(111): ﴿يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ﴾ تحاج ﴿عَن نَّفْسِهَا﴾ ذاتها لا يهمها غيرها ﴿وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ﴾ أي جزاءه ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ في ذلك.

(112): ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً﴾ بدل أي أهلها قيل هي مكة وقيل غيرها ﴿كَانَتْ آمِنَةً﴾ من المخاوف ﴿مُّطْمَئِنَّةً﴾ قارة بأهلها ﴿يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا﴾ واسعا ﴿مِّن كُلِّ مَكَانٍ﴾ ناحية ﴿فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ﴾ جمع نعمة ﴿فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ﴾ استعير الذوق لإدراك أثر الشدة واللباس لما غشيهم منها وأوقع الإذاقة عليه نظرا إلى المستعار له وهو الإدراك أي عرفها الله على أثر لباس الجوع والخوف ﴿بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ﴾ بصنعهم.

(113): ﴿وَلَقَدْ جَاءهُمْ﴾ أي أهل مكة ﴿رَسُولٌ مِّنْهُمْ﴾ محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ﴾ الجوع بالقحط والخوف من الغارات أو ما نالهم ببدر ﴿وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾.

(114): ﴿فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ﴾ من الغنائم وغيرها ﴿حَلالاً طَيِّبًا﴾ لذيذا ﴿وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾.

(115): ﴿إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالْدَّمَ وَلَحْمَ الْخَنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ فسر في البقرة والحصر إضافي بالنسبة إلى ما حرموه على أنفسهم.

(116): ﴿وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ﴾ لا ينالون خيرا.

(117): ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾ أي لهم أو متاعهم متاع زائل ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة.

(118): ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ﴾ اليهود ﴿حَرَّمْنَا مَا قَصَصْنَا عَلَيْكَ مِن قَبْلُ﴾ في الأنعام وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بالتحريم ﴿وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ بمعاصيهم الموجبة لذلك.

(119): ﴿ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ﴾ المعاصي ﴿بِجَهَالَةٍ﴾ أي جاهلين بالله وبعقابه ﴿ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ﴾ عملهم ﴿إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا﴾ أي التوبة ﴿لَغَفُورٌ﴾ لهم ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم.

(120): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ وذلك أنه كان على دين لم يكن عليه أحد غيره أو مؤتما به في الخير ﴿قَانِتًا لِلّهِ﴾ مطيعا له ﴿حَنِيفًا﴾ مائلا إلى الدين القيم ﴿وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ قط.

(121): ﴿شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ﴾ جمع قلة أي قليلها فضلا عن كثيرها ﴿اجْتَبَاهُ﴾ اصطفاه ﴿وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ التوحيد.

(122): ﴿وَآتَيْنَاهُ﴾ التفات ﴿فِي الْدُّنْيَا حَسَنَةً﴾ الرسالة والخلة والثناء الحسن عند سائر أهل الأديان ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أهل الجنة.

(123): ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا﴾ في الدعاء إلى التوحيد ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ كرر ردا على قريش وأهل الكتاب في زعمهم أنهم على دينه.

(124): ﴿إِنَّمَا جُعِلَ السَّبْتُ﴾ فرض تعظيمه ﴿عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ﴾ على نبيهم وهم اليهود إذ أمروا بتعظيم الجمعة فأبوا إلى السبت فالزموه وشدد عليهم فيه أو إنما جعل وبال السبت أي المسخ على الذين اختلفوا فيه فحرموا الصيد فيه ثم أحلوه بما احتالوا له ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ بإثابة المطيع وتعذيب العاصي.

(125): ﴿ادْعُ﴾ الثقلين ﴿إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ﴾ دينه ﴿بِالْحِكْمَةِ﴾ بالحجج الكاشفة عنه ﴿وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ﴾ الأقوال المقبولة المقنعة في الترغيب والترهيب ﴿وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ طرق المناظرة كالرفق واللين في النصح ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ فهو مجازيهم.

(126): ﴿وَإِنْ عَاقَبْتُمْ﴾ أي أردتم عقوبة جان قصاصا ﴿فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ﴾ من دون زيادة ﴿وَلَئِن صَبَرْتُمْ﴾ عن المؤاخذة ﴿لَهُوَ﴾ الصبر ﴿خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ﴾ من العقوبة.

(127): ﴿وَاصْبِرْ﴾ أيها النبي ﴿وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ﴾ بتوفيقه ﴿وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ﴾ على المشركين حرصا على إيمانهم أو على قتلى أحد ﴿وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ﴾ في ضيق صدر من مكرهم.

(128): ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ﴾ معاصيه ﴿وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ﴾.