سورة هود

(1): ﴿الَر﴾ مبتدأ ﴿كِتَابٌ﴾ خبره أو خبره محذوف ﴿أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ أتقنت فلا خلل فيها في اللفظ والمعنى ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ بينت بالأحكام والمواعظ والقصص ﴿مِن لَّدُنْ﴾ من عند ﴿حَكِيمٍ﴾ في أفعاله ﴿خَبِيرٍ﴾ بمصالح خلقه.

(2): ﴿أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ﴾ بالعقاب لمن كفر ﴿وَبَشِيرٌ﴾ بالثواب لمن آمن.

(3): ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ﴾ من الشرك والمعاصي ﴿ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ﴾ ارجعوا إليه بالطاعة أو أخلصوا التوبة واستقيموا عليها ﴿يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا﴾ في الدنيا بطيب عيش وسعة زهق ﴿إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي الموت ﴿وَيُؤْتِ﴾ في الآخرة ﴿كُلَّ ذِي فَضْلٍ﴾ عمل صالح ﴿فَضْلَهُ﴾ جزاء فضله، أو الهاء لله أي ثوابه ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ تعرضوا ﴿فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ يوم القيامة.

(4): ﴿إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ فيه ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه الإثابة والتعذيب.

(5): ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ﴾ يطوونها على عداوة النبي ﴿لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ﴾ من الله أو النبي ﴿أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ﴾ يتغطون بها ﴿يَعْلَمُ﴾ أي الله ﴿مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بمكنونات القلوب.

(6): ﴿وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ﴾ تدب عليها ﴿إِلاَّ عَلَى اللّهِ رِزْقُهَا﴾ معاشها تكفل به تفضلا منه ﴿وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا﴾ منزلها ومسكنها ﴿وَمُسْتَوْدَعَهَا﴾ في مماتها والرحم ﴿كُلٌّ﴾ مما ذكر ﴿فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ هو اللوح المحفوظ.

(7): ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ﴾ مقدارها كما مر من الأحد إلى الجمعة ﴿وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ﴾ قبل خلقها والماء قائم بقدرة الله أو على متن الريح ﴿لِيَبْلُوَكُمْ﴾ متعلق بخلق ﴿أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ أصوبه ﴿وَلَئِن قُلْتَ﴾ لهم ﴿إِنَّكُم مَّبْعُوثُونَ مِن بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا﴾ القول ﴿إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ تمويه بين لا حقيقة له وقرىء ساحر والضمير للنبي (صلى الله عليه وآله وسلّم).

(8): ﴿وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ﴾ أوقات قليلة قال الصادق (عليه السلام): هي أصحاب المهدي عدة أصحاب أهل بدر ﴿لَّيَقُولُنَّ﴾ استهزاء ﴿مَا يَحْبِسُهُ﴾ يمنعه من الحلول ﴿أَلاَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ﴾ العذاب ﴿لَيْسَ مَصْرُوفًا عَنْهُمْ وَحَاقَ﴾ نزل ﴿بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ من العذاب.

(9): ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً﴾ منحناه نعمة كصحة وسعة ﴿ثُمَّ نَزَعْنَاهَا﴾ سلبناها ﴿مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ﴾ شديد اليأس من رحمة الله ﴿كَفُورٌ﴾ شديد الكفر به أو بالنعم.

(10): ﴿وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ﴾ بلاء وشدة ﴿مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ﴾ الشدائد ﴿عَنِّي﴾ فلا تعود إلي ﴿إِنَّهُ لَفَرِحٌ﴾ بطر ﴿فَخُورٌ﴾ على الناس بما أعطي.

(11): ﴿إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ﴾ على الضراء استثناء من الإنسان العام باللام وإن حمل على الكافر فمنقطع ﴿وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ﴾ شكرا للنعماء ﴿أُوْلَئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ﴾ لذنوبهم ﴿وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ هو الجنة.

(12): ﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ﴾ فلا تبلغهم إياه لاستهزائهم به ﴿وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ﴾ بتلاوته عليهم كراهة ﴿أَن يَقُولُواْ لَوْلاَ﴾ هلا ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ كَنزٌ﴾ ينفقه ﴿أَوْ جَاء مَعَهُ مَلَكٌ﴾ يصدقه ﴿إِنَّمَا أَنتَ نَذِيرٌ﴾ وما عليك إلا البلاغ ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ حفيظ فيجازيهم بقولهم وفعلهم.

(13): ﴿أَمْ﴾ أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار ﴿يَقُولُونَ افْتَرَاهُ﴾ أي القرآن ﴿قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ﴾ في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم ﴿مُفْتَرَيَاتٍ﴾ مختلقات فإنكم عرب فصحاء مثلي تحداهم أولا بعشر ثم لما عجزوا بسورة ﴿وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ﴾ أي غيره ليعينوكم على المعارضة ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أني افتريته.

(14): ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ﴾ خطاب له (صلى الله عليه وآله وسلّم) على التعظيم أو للمؤمنين معه أو للمشركين واللام للمدعوين ﴿فَاعْلَمُواْ﴾ أيها المؤمنون أو المشركون ﴿أَنَّمَا أُنزِلِ﴾ متلبسا ﴿بِعِلْمِ اللّهِ﴾ بمواقع تأليفه في علو طبقته أو بأنه حق من عنده ﴿وَأَن﴾ مخففة أي واعلموا أنه ﴿لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ﴾ لعجز غيره عن مثل هذا المعجز ﴿فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾ ثابتون على الإسلام أو داخلون فيه بعد قيام الحجة.

(15): ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا﴾ بأعماله البر ﴿نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا﴾ جزاؤها بالصحة والسعة ونحوهما ﴿وَهُمْ فِيهَا﴾ في الدنيا ﴿لاَ يُبْخَسُونَ﴾ لا ينقصون.

(16): ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ﴾ بطل ﴿مَا صَنَعُواْ فِيهَا﴾ في الآخرة فلا ثواب لهم لأنهم لم يريدوا به وجه لله ﴿وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ لأنه لا لغير الله.

(17): ﴿أَفَمَن كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة ﴿مِّن رَّبِّهِ﴾ وهو النبي أو المؤمنون ﴿وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِّنْهُ﴾ عنهم (عليهم السلام): الذي على بينة من ربه الرسول والشاهد منه علي وقيل: هو جبرائيل أو القرآن ﴿وَمِن قَبْلِهِ﴾ قبل القرآن ﴿كِتَابُ مُوسَى﴾ التوراة ويتلوه أيضا في التصديق ﴿إَمَامًا﴾ يؤتم به حال ﴿وَرَحْمَةً﴾ لمن آمن به وخبر قوله ﴿أَفَمَن﴾ محذوف أي كمن ليس كل ﴿أُوْلَئِكَ﴾ الكائنون على بينة ﴿يُؤْمِنُونَ بِهِ﴾ بالقرآن أو بمحمد ﴿وَمَن يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الأَحْزَابِ﴾ فرق الكفار ﴿فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ مصيره ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ﴾ في شك ﴿مِّنْهُ﴾ من القرآن ﴿إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لتركهم النظر.

(18): ﴿وَمَنْ﴾ أي لا أحد ﴿أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ فنسب إليه شريكا أو ولدا ﴿أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ يوم القيامة فيحبسون ﴿وَيَقُولُ الأَشْهَادُ﴾ جمع شاهد أو شهيد وهم الملائكة أو الأنبياء أو أئمة الحق من كل عصر ﴿هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾ بكذبهم على الله.

(19): ﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ دينه ﴿وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا﴾ يطلبون لها الانحراف ويصفونها به ﴿وَهُم بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ حال وكرر هم تأكيدا.

(20): ﴿أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُواْ مُعْجِزِينَ﴾ فائتين الله أن يعذبهم ﴿فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ﴾ أنصار يمنعونهم من عذابه ﴿يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ﴾ بكفرهم ومعاصيهم ﴿مَا كَانُواْ يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ﴾ للحق لبغضهم له فكأنهم لم يستطيعوا سماعه ﴿وَمَا كَانُواْ يُبْصِرُونَ﴾ ما يدل عليه لتركهم تدبره.

(21): ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ بتعريضها للعقاب السرمدي ﴿وَضَلَّ﴾ ذهب ﴿عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ من الشركاء لله.

(22): ﴿لاَ جَرَمَ﴾ لا محالة أو حقا ﴿أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمُ الأَخْسَرُونَ﴾ الأكثر خسارة من غيرهم.

(23): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُواْ﴾ أخشعوا ﴿إِلَى رَبِّهِمْ﴾ واطمأنوا إليه ﴿أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.

(24): ﴿مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ﴾ الكفرة والمؤمنين ﴿كَالأَعْمَى وَالأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ﴾ من قبيل اللف والنشر ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً﴾ تشبيها ﴿أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ بالتأمل في الأمثال.

(25): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي﴾ بأني بفتح الهمزة وكسرها ﴿لَكُمْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ﴾ للإنذار.

(26): ﴿أَن﴾ أي بأن أو أي ﴿لاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ﴾ مؤلم.

(27): ﴿فَقَالَ الْمَلأُ﴾ الأشراف ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مِّثْلَنَا﴾ لا تفضلنا بشيء يوجب طاعتك علينا ﴿وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا﴾ أخساؤنا الذين لا مال لهم ولا جاه ﴿بَادِيَ الرَّأْيِ﴾ ظاهره بلا تعمق من البدو أو ابتدائه من البدء أي وقت حدوث ظاهر رأيهم أو أوله ﴿وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ﴾ تستحقون به أنت وأتباعك أن نتبعكم ﴿بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ﴾ في دعوى الرسالة.

(28): ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ﴾ أخبروني ﴿إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة تصدق دعواي ﴿مِّن رَّبِّيَ وَآتَانِي﴾ منه ﴿رَحْمَةً﴾ نبوة ﴿مِّنْ عِندِهِ فَعُمِّيَتْ﴾ خفيت ﴿عَلَيْكُمْ﴾ لقلة تدبركم فيها ﴿أَنُلْزِمُكُمُوهَا﴾ أنلجئكم على قبولها ﴿وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ﴾ لا تريدونها.

(29): ﴿وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على التبليغ ﴿مَالاً﴾ أجرا ﴿إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ كما سألتموني ﴿إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ﴾ فيكرمهم ويجازي طاردهم ﴿وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ﴾ الحق وأهله أي في سؤال طردهم.

(30): ﴿وَيَا قَوْمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ﴾ يمنعني من عذابه ﴿إِن طَرَدتُّهُمْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون.

(31): ﴿وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ﴾ مقدوراته أو خزائن رحمته ﴿وَلاَ﴾ أقول إني ﴿أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ حتى تستعظموا ذلك ﴿وَلاَ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ﴾ بل أنا بشر مثلكم ﴿وَلاَ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي﴾ تحتقر ﴿أَعْيُنُكُمْ لَن يُؤْتِيَهُمُ اللّهُ خَيْرًا﴾ فإنه يؤتيهم في الآخرة ثوابه وكفى به خيرا ﴿اللّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنفُسِهِمْ﴾ من الإخلاص وغيره ﴿إِنِّي إِذًا لَّمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ إن قلت شيئا من ذلك.

(32): ﴿قَالُواْ يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا﴾ خاصمتنا ﴿فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتَنِا بِمَا تَعِدُنَا﴾ من العذاب ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ﴾ في الوعيد.

(33): ﴿قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُم بِهِ اللّهُ إِن شَاء﴾ فتعجيله وتأخيره إليه لا إلي ﴿وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ بفائتين الله.

(34): ﴿وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ﴾ يخيبكم من ثوابه أو يهلككم ﴿هُوَ رَبُّكُمْ﴾ مالككم ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ فيجازيكم بأعمالكم.

(35): ﴿أَمْ﴾ بل ﴿يَقُولُونَ﴾ كفار مكة ﴿افْتَرَاهُ﴾ أي نبأ نوح ﴿قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي﴾ وباله ﴿وَأَنَاْ بَرِيءٌ مِّمَّا تُجْرَمُونَ﴾ ونسبة الافتراء إلي.

(36): ﴿وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ فَلاَ تَبْتَئِسْ﴾ لا تحزن حزن بائس ﴿بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ فقد حان وقت الانتقام لك منهم.

(37): ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ﴾ السفينة ﴿بِأَعْيُنِنَا﴾ برعايتنا وحفظنا ﴿وَوَحْيِنَا﴾ وتعليمنا ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ كفروا بإمهالهم ﴿إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ﴾ لا محالة.

(38): ﴿وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ﴾ أي كان يصنعه ﴿وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ﴾ لأنه كان يعملها في برية بعيدة من الماء ﴿قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ﴾ إذا غرقتم ﴿كَمَا تَسْخَرُونَ﴾ اليوم.

(39): ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن﴾ أي الذي ﴿يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ يفضحه وهو الغرق ﴿وَيَحِلُّ﴾ ينزل ﴿عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ﴾ دائم في الآخرة.

(40): ﴿حَتَّى إِذَا جَاء أَمْرُنَا﴾ بتعذيبهم ﴿وَفَارَ التَّنُّورُ﴾ ارتفع الماء منه عنهم (عليهم السلام) إن فور الماء من التنور كان ميعادا بينه وبين ربه في إهلاك قومه ﴿قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا﴾ في السفينة ﴿مِن كُلٍّ﴾ من كل نوع من الحيوان ﴿زَوْجَيْنِ﴾ اثنين ذكرا وأنثى على قراءة التنوين وعلى الإضافة معناه من كل زوجين ذكر وأنثى من جميع أنواعهما احمل ﴿اثْنَيْنِ﴾ ذكرا وأنثى ﴿وَأَهْلَكَ﴾ واحمل أهلك وهم زوجته وبنوه ﴿إِلاَّ مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ﴾ الوعد بإهلاكه وهو ابنه كنعان ﴿وَمَنْ آمَنَ﴾ من غيرهم ﴿وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ﴾ قيل كانوا ثمانين وقيل أقل.

(41): ﴿وَقَالَ ارْكَبُواْ فِيهَا بِسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا﴾ أي قائلين بسم الله إجراؤها وإرساؤها حبسها أو وقتهما أو مكانهما ﴿إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ إذ نجانا من الغرق.

(42): ﴿وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ﴾ في عظمها وارتفاعها ﴿وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ﴾ كنعان ﴿وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ﴾ عن نوح أو دينه ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلاَ تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾ في الدين والتخلف.

(43): ﴿قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاء﴾ يمنعني من الغرق ﴿قَالَ لاَ عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ إِلاَّ مَن رَّحِمَ﴾ إلا الراحم وهو الله أي لكن من رحمه الله بإيمانه فهو المعصوم ﴿وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ﴾ فصار ﴿مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ قيل علا الماء تلال الجبال ثلاثين ذراعا.

(44): ﴿وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءكِ﴾ اشربيه فشربته ﴿وَيَا سَمَاء أَقْلِعِي﴾ أمسكي عن المطر فأمسكت ﴿وَغِيضَ الْمَاء﴾ قل وغار ﴿وَقُضِيَ الأَمْرُ﴾ وتم بهلاك من هلك ونجاة من نجا ﴿وَاسْتَوَتْ﴾ استقرت السفينة ﴿عَلَى الْجُودِيِّ﴾ جبل بالموصل ﴿وَقِيلَ بُعْداً﴾ هلاكا ﴿لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ قيل والآية حوت البلاغة بحسن نظمها وجزالة لفظها وبيان الحال بإيجاز بلا إخلال وبنيت الأفعال للمفعول لتعظيم الفاعل ويقينه إذ لا يقدر على هذه الأمور سوى الله.

(45): ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابُنِي مِنْ أَهْلِي﴾ وقد وعدتني أن تنجيهم ﴿وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ﴾ الذي لا خلف فيه ﴿وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ﴾ أعدلهم.

(46): ﴿قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ﴾ الذين وعدت نجاتهم ﴿إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ أي ذو عمل أو جعل نفس العمل مبالغة أنه عمل ﴿فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ مصلحة هو أم لا ﴿إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ بأن تفعل خلاف الأولى.

(47): ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ﴾ من ﴿أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي﴾ بالتوفيق ﴿أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ﴾ قاله تخشعا لا لذنب.

(48): ﴿قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ﴾ أنزل من السفينة ﴿بِسَلاَمٍ﴾ بسلامة أو بتحية ﴿مِّنَّا وَبَركَاتٍ﴾ وخيرات ﴿عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ﴾ وهم المؤمنون بك ﴿وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ﴾ في الدنيا فيكفرون ﴿ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ في الآخرة بكفرهم.

(49): ﴿تِلْكَ﴾ أي قصة نوح هي ﴿مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا﴾ القرآن ﴿فَاصْبِرْ﴾ على أذى قومك كما صبر نوح ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ﴾ المحمودة عاجلا وآجلا ﴿لِلْمُتَّقِينَ﴾.

(50): ﴿وَإِلَى عَادٍ﴾ أرسلنا إلى عاد ﴿أَخَاهُمْ﴾ نسبأ لا دينا ﴿هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ﴾ وحده ﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُفْتَرُونَ﴾ على الله بجعلكم الأوثان شركاء.

(51): ﴿يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على دعائكم إلى التوحيد ﴿أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي﴾ خلقني ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ قولي فتعلمون أنه الحق.

(52): ﴿وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاء﴾ بالمطر وكانوا قد أجدبوا ﴿عَلَيْكُم مِّدْرَارًا﴾ كثير الدر ﴿وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ﴾ بالمال والنسل وكانوا قد عقمت نساؤهم ﴿وَلاَ تَتَوَلَّوْاْ مُجْرِمِينَ﴾.

(53): ﴿قَالُواْ يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ﴾ بحجة تصدق دعواك ﴿وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا﴾ أي عبادتهم ﴿عَن قَوْلِكَ﴾ لقولك أو بقولك ﴿وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ بمصدقين.

(54): ﴿إِن نَّقُولُ﴾ فيك ﴿إِلاَّ﴾ قولنا ﴿اعْتَرَاكَ﴾ أصابك ﴿بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوَءٍ﴾ بخبل لسبك إياها فصرت تهذي ﴿قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُواْ﴾ أنتم أيضا ﴿أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ به.

(55): ﴿مِن دُونِهِ﴾ من آلهتكم التي تزعمونها خبلتني ﴿فَكِيدُونِي﴾ فاحتالوا في ضري ﴿جَمِيعًا﴾ أنتم وآلهتكم ﴿ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ﴾ لا تمهلون.

(56): ﴿إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم﴾ وثقت به ﴿مَّا مِن دَآبَّةٍ إِلاَّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا﴾ أي مالكها وقاهرها ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ على الحق والعدل.

(57): ﴿فَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي تتولوا أي تعرضوا ﴿فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ﴾ أديت ما علي وألزمتكم الحجة ﴿وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ﴾ بعد إهلاككم ﴿وَلاَ تَضُرُّونَهُ شَيْئًا﴾ بإهلاككم بإشراككم ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ يحصي أعمالكم ويجازيكم بها.

(58): ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا﴾ عذابنا ﴿نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ﴾ أربعة آلاف ﴿بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ﴾ وهو الريح التي أهلكت بها عاد أو المراد من عذاب الآخرة أيضا.

(59): ﴿وَتِلْكَ عَادٌ﴾ إشارة إلى القبيلة وآثارهم ﴿جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ﴾ إذ من عصى رسولا فقد عصى الكل ﴿وَاتَّبَعُواْ﴾ أي سفلتهم ﴿أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾ معرض عن الحق من رؤسائهم.

(60): ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ أي أبعدوا عن رحمة الله في الدارين ﴿أَلا إِنَّ عَادًا كَفَرُواْ رَبَّهُمْ﴾ أي به أو جحدوه ﴿أَلاَ بُعْدًا﴾ من رحمة الله أو هلاكا ﴿لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ﴾.

(61): ﴿وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم﴾ خلقكم ﴿مِّنَ الأَرْضِ﴾ أي خلق أصلكم آدم منها ﴿وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا﴾ جعلكم عمارها وسكانها أو عمركم فيها من العمرى ﴿فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ﴾ برحمته ﴿مُّجِيبٌ﴾ للدعاء.

(62): ﴿قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا﴾ القول والآن يئسنا من خيرك ﴿أَتَنْهَانَا أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ من الأصنام ولم نشك في أمرها ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ من التوحيد ﴿مُرِيبٍ﴾ موجب للريبة.

(63): ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَى بَيِّنَةً﴾ حجة ﴿مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً﴾ نبوة ﴿فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ اللّهِ﴾ يمنعني من عذابه ﴿إِنْ عَصَيْتُهُ﴾ بترك التبليغ ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي﴾ بما تقولون لي ﴿غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾ أن أنسبكم إلى الخسران.

(64): ﴿وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً﴾ حال عاملها الإشارة ولكم حال منها ﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ﴾ عشبها وتشرب ماءها ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ﴾ عقرا وغيره ﴿فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ﴾ عاجل بعد ثلاثة أيام.

(65): ﴿فَعَقَرُوهَا﴾ العاقر قدار برضاهم فنسب إليها ﴿فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ﴾ وبعدها تهلكون ﴿ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾ فيه أو غير كذب.

(66): ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ﴾ أي ونجيناهم من عذاب يومئذ أي إهلاكهم بالصيحة أو من فضيحتهم يوم القيامة ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ﴾.

(67): ﴿وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ ميتين.

(68): ﴿كَأَن لَّمْ يَغْنَوْاْ﴾ كأنهم لم يقيموا ﴿فِيهَا أَلاَ إِنَّ ثَمُودَ كَفرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْدًا لِّثَمُودَ﴾.

(69): ﴿وَلَقَدْ جَاءتْ رُسُلُنَا﴾ جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، عن الصادق (عليه السلام): رابعهم كروبيل ﴿إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى﴾ بالولد أو بهلاك قوم لوط ﴿قَالُواْ سَلاَمًا﴾ سلمنا عليك سلاما ﴿قَالَ سَلاَمٌ﴾ عليكم أو أمركم سلام حياهم بالأحسن لاسمية الجملة ﴿فَمَا لَبِثَ﴾ فما توقف في مجيئه ﴿أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ مشوي ظنهم أضيافا.

(70): ﴿فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ﴾ لا يمدونها ﴿إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ﴾ أضمر ﴿مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا﴾ ملائكة ﴿أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ﴾ لنهلكهم ولسنا ممن نأكل.

(71): ﴿وَامْرَأَتُهُ﴾ سارة ﴿قَآئِمَةٌ﴾ خلف الستر أو تخدمهم ﴿فَضَحِكَتْ﴾ فرحا بالأمن أو بهلاك قوم لوط وقيل أي حاضت ﴿فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَقَ يَعْقُوبَ﴾ من بعده.

(72): ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَاْ عَجُوزٌ﴾ ابنة تسع وتسعين ﴿وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا﴾ ابن مائة حال عامله الإشارة ﴿إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ﴾ أن يولد ولد لهرمين.

(73): ﴿قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ﴾ من قدرته ﴿رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ﴾ جعلت من أهل بيته لأنها ابنة عمه ﴿إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ﴾.

(74): ﴿فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ﴾ الخوف ﴿وَجَاءتْهُ الْبُشْرَى﴾ بالولد ﴿يُجَادِلُنَا﴾ أقيل يجادل رسلنا ﴿فِي﴾ شأن ﴿قَوْمِ لُوطٍ﴾ بقوله إن فيها لوطا.

(75): ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ﴾ ذو أناة ﴿أَوَّاهٌ﴾ دعاء مترحم ﴿مُّنِيبٌ﴾ رجاع إلى الله قالت الملائكة.

(76): ﴿يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ الجدال ﴿إِنَّهُ قَدْ جَاء أَمْرُ رَبِّكَ﴾ بهلاكهم ﴿وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ﴾ مدفوع عنهم.

(77): ﴿وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ﴾ اغتم بسببهم إذ جاءوا في صورة غلمان أضياف ﴿وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا﴾ صدرا كناية عن فقد الحيلة في دفع المكروه ﴿وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ﴾ شديد.

(78): ﴿وَجَاءهُ قَوْمُهُ﴾ حين أعلمتهم امرأته بهم بتدخينها ﴿يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ﴾ كأنهم يساقون سوقا ﴿وَمِن قَبْلُ﴾ قبل ذلك اليوم ﴿كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ﴾ إتيان الذكور في أدبارهم ﴿قَالَ﴾ لما هموا بأضيافه ﴿يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي﴾ فتزوجوهن وكانوا يخطبوهن فلا يجيبهم لعدم الكفاءة لا للكفر إذ ليس مانعا في شرعه، وقيل أراد نساءهم لأن كل نبي أبو أمته ﴿هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ﴾ أنظف وأحل ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ بإيثار الحلال على الحرام ﴿وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ﴾ يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

(79): ﴿قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ﴾ حاجة ﴿وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ﴾ من إتيان الذكور.

(80): ﴿قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً﴾ منعة ﴿أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ﴾ أو انضم إلى عشيرة تنصرني لدفعكم.

(81): ﴿قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ﴾ بسوء وضرب جبرائيل بجناحه وجوههم فأعماهم ﴿فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ﴾ بطائفة ﴿مِّنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ﴾ إلى ورائه أو ولا يتخلف ﴿إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ﴾ فسألهم لوط تعجيل عذابهم فقالوا ﴿إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ﴾.

(82): ﴿فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا﴾ بالعذاب ﴿جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا﴾ أي مدينتهم ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ﴾ معرب سنك كل، وقيل الآجر ﴿مَّنضُودٍ﴾ متتابع بعضه على إثر بعض.

(83): ﴿مُّسَوَّمَةً﴾ معلمة للعذاب ﴿عِندَ رَبِّكَ﴾ في قدرته ﴿وَمَا هِيَ﴾ أي الحجارة ﴿مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ من أمتك ﴿بِبَعِيدٍ﴾ تهديد لقريش والتذكير لأنها حجر.

(84): ﴿وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ﴾ نسبأ ﴿شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلاَ تَنقُصُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ﴾ كانوا مع شركهم يطففون فأمرهم بالتوحيد وأنهاهم عن التطفيف ﴿إِنِّيَ أَرَاكُم بِخَيْرٍ﴾ بسعة تغنيكم عن البخس أو بنعمة فلا تزيلوها به ﴿وَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ﴾ إن لم تتوبوا ﴿عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ﴾ لا يفلت منه أحد.

(85): ﴿وَيَا قَوْمِ أَوْفُواْ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل ﴿وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ﴾ لا تنقصوهم حقوقهم المقدرة وغيرها ﴿وَلاَ تَعْثَوْاْ﴾ لا تفسدوا ﴿فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ﴾ بالشرك والبخس وغيرهما حال مؤكدة.

(86): ﴿بَقِيَّةُ اللّهِ﴾ ما أبقاه الله لكم من الحلال أو طاعته ﴿خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ مما تأخذون بالبخس ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ شرط لخيريتها ﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾ أحفظ أعمالكم فأجازيكم بها أو أحفظكم منها وإنما أنا نذير.

(87): ﴿قَالُواْ﴾ تهكما ﴿يَا شُعَيْبُ أَصَلاَتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ من الأصنام ﴿أَوْ أَن نَّفْعَلَ﴾ أي أو نترك فعلنا ﴿فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاء﴾ من البخس ﴿إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ﴾ قالوا ذلك استهزاء أو أرادوا ضده.

(88): ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ﴾ بيان وبصيرة ﴿مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا﴾ مالا حلالا وتقدير جواب الشرط أفأكفر نعمه ﴿وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ﴾ وأقصد ﴿إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ﴾ فأرتكبه ﴿إِنْ أُرِيدُ﴾ بما آمركم به وأنهاكم عنه ﴿إِلاَّ الإِصْلاَحَ﴾ لكم دينا ودنيا ﴿مَا اسْتَطَعْتُ﴾ مدة استطاعتي ﴿وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ لا على غيره ﴿وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ أرجع من النوائب أو في المعاد.

(89): ﴿وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي﴾ لا يكسبنكم خلافي ﴿أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ﴾ من الغرق ﴿أَوْ قَوْمَ هُودٍ﴾ من الريح ﴿أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ﴾ من الرجفة ﴿وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ﴾ فاعتبروا بهم.

(90): ﴿وَاسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ﴾ بالتائبين ﴿وَدُودٌ﴾ محب لهم أي مريد لمنافعهم.

(91): ﴿قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ﴾ نفهم ﴿كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا﴾ بدنا أو ذليلا ﴿وَلَوْلاَ رَهْطُكَ﴾ عشيرتك وحرمتهم ﴿لَرَجَمْنَاكَ﴾ بالحجارة أو لشتمناك ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ بل لعزة قومك.

(92): ﴿قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ﴾ فتتركون رجمي لأجلهم لا لله ﴿وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا﴾ كالمنبوذ خلف الظهر فنسيتموه ﴿إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ لا يفوته شيء.

(93): ﴿وَيَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ﴾ مر في الأنعام تفسيره ﴿وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُواْ﴾ انتظروا ما أعدكم به ﴿إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ﴾ منتظر.

(94): ﴿وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ﴾ صاح بهم جبرئيل فماتوا ﴿فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ﴾ صرعى على وجوههم موتى.

(95): ﴿كَأَن﴾ كأنهم ﴿لَّمْ يَغْنَوْاْ﴾ لم يقيموا ﴿فِيهَا أَلاَ بُعْدًا لِّمَدْيَنَ﴾ عن رحمة الله أو هلاكا لهم ﴿كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ﴾ أهلكوا بصيحة أيضا لكن من تحتهم.

(96): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا﴾ بمعجزاتنا ﴿وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ العصا أو غيرها.

(97): ﴿إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ﴾ طريقه وهو الضلال وتركوا طريق موسى وهو الهدى ﴿وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ﴾ لأنه داع إلى الشر وصاد عن الخير.

(98): ﴿يَقْدُمُ قَوْمَهُ﴾ يتقدمه ﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ إلى النار كما تقدمهم في الدنيا إلى الضلال ﴿فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ﴾ عبر بالماضى لتحققه ﴿وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ﴾.

(99): ﴿وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ﴾ الدنيا ﴿لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ لعنة ﴿بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ﴾ العون المعان رفدهم وهو اللغتان.

(100): ﴿ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْقُرَى﴾ المهلكة ﴿نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا﴾ أي القرى ﴿قَآئِمٌ﴾ على بنائه ﴿وَحَصِيدٌ﴾ دارس كالزرع المحصود.

(101): ﴿وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ﴾ بإهلاكهم ﴿وَلَكِن ظَلَمُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ بكفرهم الموجب له ﴿فَمَا أَغْنَتْ﴾ دفعت ﴿عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ مِن شَيْءٍ لِّمَّا جَاء أَمْرُ رَبِّكَ﴾ عذابه ﴿وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ﴾ تخسير أو تدمير.

(102): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ أي مثل ذلك الأخذ ﴿أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى﴾ أي أهلها ﴿وَهِيَ ظَالِمَةٌ﴾ حال ﴿إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾ رجع لا يرد.

(103): ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ﴾ أي يوم القيامة ﴿لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ﴾ لما فيه من الحساب والجزاء ﴿وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ﴾ يشهده أهل السماء والأرض.

(104): ﴿وَمَا نُؤَخِّرُهُ﴾ أي اليوم ﴿إِلاَّ لِأَجَلٍ مَّعْدُودٍ﴾ متناه.

(105): ﴿يَوْمَ يَأْتِ﴾ اليوم أو الجزاء ﴿لاَ تَكَلَّمُ﴾ تتكلم ﴿نَفْسٌ﴾ بما ينفع كشفاعة وغيرها ﴿إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ﴾ بسوء عمله ﴿وَسَعِيدٌ﴾ بحسن عمله.

(106): ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ﴾ بأعمالهم القبيحة ﴿فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ﴾ صوت شديد ﴿وَشَهِيقٌ﴾ صوت ضعيف، ويقالان لأول الشهيق وآخره.

(107): ﴿خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ﴾ أي مدة دوامها في الدنيا أريد به التأييد ﴿إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ﴾ قيل إلا بمعنى سوى مثل لك ألف إلا ألفان سبقا أي سوى ما شاء ربك من الزيادة التي لا منتهى لها على مدتهما والمعنى خالدين فيها أبدا أو استثناء من خلودهم في النار لأن منهم فساق الموحدين وهم يخرجون منها ويصح الاستثناء بذلك لزوال حكم الكل بزواله عن البعض وهم المستثنى في الآتية إذ يفارقون الجنة وقت عذابهم وقد شقوا بعصيانهم وسعدوا بإيمانهم فجمعوا الوصفين باعتبارين ﴿إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ﴾ لا مانع له.

(108): ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء﴾ نصب مصدرا ﴿غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ مقطوع.

(109): ﴿فَلاَ تَكُ فِي مِرْيَةٍ﴾ في شك ﴿مِّمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاء﴾ من الأوثان في أن عبادتها ضلال أو من عبادتهم في أنها تجر إلى النار ﴿مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُم مِّن قَبْلُ﴾ كالذي عبدوه من الأوثان أو كعبادتهم وسيحل بهم ما حل بآبائهم ﴿وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ﴾ كآبائهم ﴿نَصِيبَهُمْ﴾ حظهم من العذاب ﴿غَيْرَ مَنقُوصٍ﴾ حال أي تاما.

(110): ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ﴾ التوراة ﴿فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ من مصدق به ومكذب كاختلاف قومك في القرآن فلا تحزن ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ﴾ بالإمهال إلى يوم القيمة ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ في الحال بإهلاك المبطل وإنجاء المحق ﴿وَإِنَّهُمْ﴾ أي الكفرة ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ﴾ من القرآن ﴿مُرِيبٍ﴾ موقع للريبة.

(111): ﴿وَإِنَّ كُلاًّ﴾ المختلفين مصدقيهم ومكذبيهم ﴿لَّمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ﴾ أي لمن الذين يوفيهم ﴿رَبُّكَ أَعْمَالَهُمْ﴾ أي جزاءها ﴿إِنَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ عالم بخفيه كجليه.

(112): ﴿فَاسْتَقِمْ﴾ على الدين والعمل به والدعاء إليه ﴿كَمَا أُمِرْتَ﴾ في القرآن ﴿وَمَن تَابَ﴾ من الشرك وآمن ﴿مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ﴾ تتعدوا حدود الله ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فيجازيكم به.

(113): ﴿وَلاَ تَرْكَنُواْ﴾ لا تميلوا ﴿إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بمودة أو طاعة أو نصح ﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ بركونكم إليهم ﴿وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللّهِ﴾ أي سواه ﴿مِنْ أَوْلِيَاء﴾ أنصار يدفعون عذابه عنكم ﴿ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ﴾ أصلا.

(114): ﴿وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ﴾ أي صلاة الصبح وعشية أي المغرب أو العصر أو الظهرين إذ ما بعد الزوال عشاء ﴿وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ﴾ ساعات منه قريبة من النهار أي صلاة العشاء أو العشاءين ﴿إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ﴾.

(115): ﴿وَاصْبِرْ﴾ على الصلوات الخمس أو الطاعات أو على أذى قومك ﴿فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ﴾ الصابرين على الطاعة وترك المعصية.

(116): ﴿فَلَوْلاَ﴾ فهلا بمعنى النفي أي ما ﴿كَانَ مِنَ الْقُرُونِ﴾ الأمم الماضية ﴿مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ﴾ أصحاب دين أو خير أو فضل ﴿يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ﴾ لكن ﴿قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ﴾ نهوا عنه فأنجيناهم ومن بيانية ﴿وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ بالفساد وترك النهي عنه ﴿مَا أُتْرِفُواْ﴾ أنعموا ﴿فِيهِ﴾ من اللذات ﴿وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ﴾ كافرين.

(117): ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ منه لها ﴿وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ مؤمنون أو ما يهلكهم بشركهم وهم على النصفة فيما بينهم.

(118): ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ﴾ مشيئة حتم وجبر ﴿لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ في الإيمان ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ في الدين بين محق ومبطل.

(119): ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾ لطف بهم لعلمه بأن اللطف ينفعهم فاتفقوا على الحق بلطفه ﴿وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ أي للرحم أو لاتفاقهم في الإيمان أمة واحدة وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقيل الإشارة إلى الاختلاف واللام للعاقبة ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾ ووجب قوله أو مضى حكمه ﴿لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ بكفرهم.

(120): ﴿وَكُلاًّ﴾ أي كل نبإ ونصبه ﴿نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاء الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ نقوي به قلبك أو نزيد ثباتك على التبليغ واحتمال أذى قومك ﴿وَجَاءكَ فِي هَذِهِ﴾ السورة أو الأنبياء ﴿الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ خصوا بالذكر لأنهم المنتفعون بتدبرها.

(121): ﴿وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ حالتكم ﴿إِنَّا عَامِلُونَ﴾ على حالتنا.

(122): ﴿وَانتَظِرُوا﴾ عقوبة كفركم ﴿إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ ثواب إيماننا.

(123): ﴿وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ له وحده علم ما غاب فيهما ﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ﴾ يعود أو يرد بالبناء للفاعل أو للمفعول ﴿الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ﴾ وحده ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ ثق به فإنه كافيك ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ بل هو محصيه ومجازيهم.