سورة الأنفال

(1): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ﴾ عن حكمها وهي كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال، وكل أرض لا رب لها، والمعادن والآجام وبطون الأودية وقطائع الملوك، وميراث من لا وارث له وقرىء يسألونك الأنفال أي أن تعطيهم ﴿قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ﴾ يختص بهما وجعله الرسول لمن قام مقامه من بعده ﴿فَاتَّقُواْ اللّهَ﴾ في الاختلاف والخلاف ﴿وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ﴾ الحال التي بينكم أو حقيقة وصلكم بالمواصلة وترك الشقاق ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾ في أوامرهما ونواهيهما ﴿إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ﴾ كاملي الإيمان.

(2): ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ الكاملوا الإيمان ﴿إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ خافت لذكره تعظيما له أو إذا ذكر وعيده تركوا المعاصي خوفا من عقابه ﴿وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ﴾ أي تصديقا لرسوخ اليقين بظاهر الحجج ﴿وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.

(3): ﴿الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ فسر في البقرة.

(4): ﴿أُوْلَئِكَ﴾ المستجمعون لهذه الخصال ﴿هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ أي إيمانا حقا لا يشوبه شك أو حق ذلك حقا ﴿لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ في الجنة يرتقونها بأعمالهم ﴿وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ دائم كثير في الجنة.

(5): ﴿كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ﴾ كما متعلق بما دل عليه الأنفال لله والرسول، أي جعلها لك وإن كرهوا ولم يعلموا أنها صالح لهم كإخراجك من وطنك بالمدينة للحرب وإن كرهوه، أو خبر محذوف أي هذه الحال في كراهتهم لها كإخراجك في كراهتهم له ﴿وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ﴾ حال أي أخرجك في حال كراهتهم، قيل إن عير قريش أقبلت من الشام وفيها أبو سفيان وجماعة فعلم بها النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فانتدب أصحابه ليغنموها فخرجوا وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا فعلمت قريش فخرج أبو جهل بأهل مكة ليذبوا عنها وهم النفير وأخذت العير الساحل فنجت فأشير على أبي جهل بالرجوع فأبى وسار إلى بدر وقد وعد الله نبيه إحدى الطائفتين فاستشار أصحابه فكره بعضهم قتال النفير فقالوا لم نتأهب له إنما خرجنا للعير فقال العير مضت وهذا أبو جهل قد أقبل فرادوه فغضب (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال سعد بن عبادة والمقداد وسعد بن معاذ امض لما أردت فإنا معك ولم يتخلف منا أحد عنك فسر بذلك وقال سيروا على بركة الله.

(6): ﴿يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ﴾ أي القتال إذ قالوا هلا أخبرتنا لنستعد له ﴿بَعْدَمَا تَبَيَّنَ﴾ ظهر وعرفوا صوابه ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ﴾ أي هم في كراهتهم له كمن يساق إلى الموت وهو يعاين أسبابه.

(7): ﴿وَإِذْ﴾ واذكر إذ ﴿يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ﴾ العير أو النفير ﴿أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ﴾ أي تريدون العير لقلة الناس والسلاح فيها دون النفير لكثرة عدهم وعددهم والشوكة الحدة كنى بها عن الحرب ﴿وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ﴾ يثبته ويظهره ﴿بِكَلِمَاتِهِ﴾ السابقة بالوعد بظهور الإسلام ﴿وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ﴾ يستأصلهم.

(8): ﴿لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ﴾ أي أمركم بقتال النفير ليظهر الإسلام ويمحق الكفر ﴿وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ﴾ ذلك.

(9): ﴿إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ﴾ متعلق ب ليحق أو بمضمر أي اذكروا إذ تطلبون منه الغوث بنصركم عليهم ﴿فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم﴾ معينكم ﴿بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ﴾ متبعين بعضهم بعضا.

(10): ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ﴾ أي الإمداد ﴿إِلاَّ بُشْرَى﴾ بشارة لكم بالنصر ﴿وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ﴾ تسكن إليه من الروع ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ﴾ لا من العدد والعدد والملائكة وإنما أمدهم بشارة وتقوية لقلوبهم ﴿إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ لا يغالب ﴿حَكِيمٌ﴾ يفعل للمصالح.

(11):﴿إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ﴾ يغلبكم بدل من إذ تستغيثون أو متعلق بجعل أو بالنصر أو بإضمار اذكر وقرىء يغشاكم ﴿أَمَنَةً مِّنْهُ﴾ أمنا من الله مفعول له ﴿وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ﴾ من الجنابة والحدث أو منهما ومن الخبث ﴿وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ﴾ الجنابة لأنها من تخييله أو وسوسته وذلك أنهم نزلوا على تل رمل تسوخ فيه أقدامهم فباتوا على غير ماء فاحتلم أكثرهم وقد غلب المشركون على الماء فتمثل لهم إبليس وقال تزعمون أنكم على الحق وقد سبقتم إلى الماء وتصلون بالجنابة والحدث وأنتم ظماء فمطروا فتلبد الرمل لتثبت عليه أقدامهم فصنعوا الحياض واغتسلوا وتوضئوا واطمأنوا وزالت الوسوسة ﴿وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ﴾ باليقين والثقة بالنصر ﴿وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ﴾ أي المطر بتلبيده الرمل أو بالربط.

(12): ﴿إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ﴾ بالنصر فأعاينهم ﴿فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ﴾ بالبشارة بالنصر أو بقتل أعدائهم ﴿سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرَّعْبَ﴾ كالبيان لأني معكم ﴿فَاضْرِبُواْ فَوْقَ الأَعْنَاقِ﴾ أي الرءوس ﴿وَاضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ﴾ أطرافهم وأيديهم وأرجلهم.

(13): ﴿ذَلِكَ﴾ الضرب ﴿بِأَنَّهُمْ شَآقُّواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ﴾ أي بسبب مخالفتهم لهما ﴿وَمَن يُشَاقِقِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ بالإهلاك في الدنيا وبالنار في الآخرة.

(14): ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي الأمر ذلكم ﴿فَذُوقُوهُ﴾ أيها الكافرون في الدنيا ﴿وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ﴾ عطف على ذلكم ﴿عَذَابَ النَّارِ﴾ في الآخرة.

(15): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً﴾ متدانين لقتالكم كأنهم لكثرتهم يزحفون أو يدنون إليكم وتدنون إليهم ﴿فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ﴾ منهزمين.

(16): ﴿وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ﴾ أي يوم لقائه ﴿دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ﴾ منعطفا يريهم الفر وهو يريد الكر مكيدة ﴿أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ﴾ منحازا إلى جماعة من المسلمين يستعين بها ﴿فَقَدْ بَاء﴾ رجع ﴿بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾ المرجع هي.

(17): ﴿فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ﴾ ببدر بقوتكم ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ﴾ بنصره لكم وإرعابهم ﴿وَمَا رَمَيْتَ﴾ يا محمد ﴿إِذْ رَمَيْتَ﴾ بها نحوهم ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى﴾ إذ لا قدرة للبشر أن يبلغ كفا من الحصى أعين الجيش الكثير ﴿وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء حَسَناً﴾ أي فعل ذلك ليقهر المشركين ولينعم على المؤمنين نعمة بالنصر والغنيمة ﴿إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾ لدعائهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأحوالهم.

(18): ﴿ذَلِكُمْ﴾ أي الأمر ذلكم ﴿وَأَنَّ اللّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ﴾ عطف على ذلكم.

(19): ﴿إِن تَسْتَفْتِحُواْ﴾ تطلبوا الفتح أي النصر ﴿فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ﴾ نصر محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) عليكم ﴿وَإِن تَنتَهُواْ﴾ عن الكفر وجواب الرسول ﴿فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ﴾ عاجلا وآجلا ﴿وَإِن تَعُودُواْ﴾ لحربه ﴿نَعُدْ﴾ بنصره ﴿وَلَن تُغْنِيَ﴾ تدفع ﴿عَنكُمْ فِئَتُكُمْ﴾ جماعتكم ﴿شَيْئًا﴾ من العذاب ﴿وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ بالنصر.

(20): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا﴾ تعرضوا ﴿عَنْهُ﴾ عن الرسول ﴿وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ﴾ القرآن والمواعظ.

(21): ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا﴾ كالكفرة في دعواهم السماع ﴿وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ سماع قبول فكأنهم لم يسمعوا.

(22): ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ﴾ ما دب على الأرض ﴿عِندَ اللّهِ الصُّمُّ﴾ عن سماع الحق ﴿الْبُكْمُ﴾ عن قوله ﴿الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ جعلوا شرا من البهائم لإبطالهم ما ميزوا به.

(23): ﴿وَلَوْ عَلِمَ اللّهُ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ انتفاعا باللطف ﴿لَّأسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ﴾ وقد علم أن لا خير فيهم ﴿لَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ﴾ عن قبوله عنادا.

(24): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ﴾ بالطاعة ﴿إِذَا دَعَاكُم﴾ الرسول ﴿لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾ من العقائد والأعمال المورثة للحياة الباقية ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ﴾ بالموت ونحوه ﴿وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ فيجزيكم بأعمالكم.

(25): ﴿وَاتَّقُواْ فِتْنَةً﴾ عذابا أي موجبة كإقرار المنكر بين أظهركم وترك الأمر بالمعروف ﴿لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً﴾ بل تعمهم وغيرهم ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ للعصاة.

(26): ﴿وَاذْكُرُواْ﴾ معشر المهاجرين ﴿إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ﴾ قبل الهجرة ﴿مُّسْتَضْعَفُونَ﴾ لقريش ﴿فِي الأَرْضِ﴾ أرض مكة ﴿تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ﴾ يأخذكم بسرعة كفار قريش أو غيرهم ﴿فَآوَاكُمْ﴾ إلى المدينة ﴿وَأَيَّدَكُم﴾ قواكم ﴿بِنَصْرِهِ﴾ يوم بدر بالملائكة أو بالأنصار ﴿وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ الغنائم ﴿لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ نعمه.

(27): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ﴾ بترك الفرائض والسنن أو بترك شيء من الدين ﴿وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ﴾ ما ائتمنتم عليه من الدين وغيره ﴿وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أنها أمانة، أو قبح الخيانة.

(28): ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ﴾ تلهيانكم عن ذكر الله أو ابتلاء واختبار ﴿وَأَنَّ اللّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ لمن أطاعه فيهم وآثر رضاه عليهم.

(29): ﴿يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ﴾ بطاعته وترك معاصيه ﴿يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً﴾ ما تفرقون به بين الحق والباطل ﴿وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ﴾ بالعفو عن ذنوبكم ﴿وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾ يبتدىء بالنعم قبل استحقاقها.

(30): ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ واذكر إذ يحتالون بمكة في أمرك ﴿لِيُثْبِتُوكَ﴾ ليحبسوك ﴿أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ﴾ من مكة ﴿وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ﴾ بمجازاتهم بمكرهم أورده عليهم أو بمعاملتهم معاملة الماكر بهم بمبيت علي (عليه السلام) في الفراش حين أخرجوك إلى الغار ﴿وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ أعلمهم بالتدبير.

(31): ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا﴾ القرآن ﴿قَالُواْ قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاء لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ قالوه عنادا ﴿إِنْ هَذَا إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأوَّلِينَ﴾ ما سطروه من القصص.

(32): ﴿وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا﴾ الذي يتلوه محمد، أو قوله في علي (عليه السلام) من كنت مولاه فعلي مولاه كما روي ﴿هُوَ الْحَقَّ﴾ الثابت تنزيله ﴿مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاء أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ على جحوده وقائله النضر وأبو جهل أو النعمان بن الحارث تهكما وإظهارا للجزم ببطلانه.

(33): ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ﴾ بيان لسبب إمهالهم فيما سألوه ﴿وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ﴾ أي يستغفر فيهم بقية المؤمنين الذين لم يهاجروا عجزا.

(34): ﴿وَمَا﴾ أي شيء ﴿لَهُمْ أَلاَّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ﴾ يمنع تعذيبهم بعد خروجك منهم وخروج البقية ﴿وَهُمْ يَصُدُّونَ﴾ يمنعون النبي والمؤمنين ﴿عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ بإلجائهم إلى الهجرة وإحضارهم عام الحديبية ﴿وَمَا كَانُواْ أَوْلِيَاءهُ﴾ كما زعموا أنهم ولاة البيت الحرام ﴿إِنْ أَوْلِيَآؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ﴾ لا المشركون ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ ذلك.

(35): ﴿وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء﴾ صفيرا ﴿وَتَصْدِيَةً﴾ تصفيقا باليدين أي وضعوا ذلك موضع الدعاء أو الصلاة التي أمروا بها فمن هذه صلاته لا يصلح لولاية المسجد، قيل كانوا يفعلون ذلك في طوافهم عراة رجالا ونساء، وقيل يفعلونه إذا صلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليخلطوا عليه ﴿فَذُوقُواْ الْعَذَابَ﴾ أي القتل ببدر أو عذاب الآخرة ﴿بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بكفركم.

(36): ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ﴾ في حرب الرسول ﴿لِيَصُدُّواْ عَن سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا﴾ بأجمعها ﴿ثُمَّ تَكُونُ﴾ تصير في العاقبة ﴿عَلَيْهِمْ حَسْرَةً﴾ غما لفواتها وفوات مقصودهم ﴿ثُمَّ يُغْلَبُونَ﴾ في الحرب ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ ﴾ يساقون.

(37): ﴿لِيَمِيزَ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾ الكافر من المؤمن ﴿وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً﴾ يجمعه حتى يتراكب بعضه على بعض لازدحامهم أو يضم ما أنفقوه إليهم ليعذبوا به كالكافرين ﴿فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ﴾ المنفقون ﴿هُمُ الْخَاسِرُونَ﴾ أنفسهم إذا اشتروا العذاب لها بأموالهم فخسروا الدنيا والآخرة.

(38): ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ لأجلهم كأبي سفيان وأصحابه ﴿إِن يَنتَهُواْ﴾ عن الكفر وحرب الرسول ﴿يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ﴾ من ذنوبهم ﴿وَإِنْ يَعُودُواْ﴾ إلى حربه ﴿فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ﴾ الذين حاربوا الأنبياء فدمروا.

(39): ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ﴾ لا يوجد فيهم الشرك ﴿وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه﴾ بالاجتماع على الدين الحق ﴿فَإِنِ انتَهَوْاْ﴾ عن الكفر ﴿فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ فلا يضيع أجرهم.

(40): ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ عن دين الله ﴿فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ مَوْلاَكُمْ﴾ متولي أموركم وناصركم ﴿نِعْمَ الْمَوْلَى﴾ يحفظ من تولاه﴿وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾ لا يخذل من نصره.

(41): ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم﴾ استفدتم ﴿مِّن شَيْءٍ﴾ وإن قل ﴿فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ﴾ خبر محذوف أو مبتدأ أي فالحكم، أو فواجب أن لله خمسه ﴿وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾ الإمام ﴿وَالْيَتَامَى﴾ يتامى الرسول ﴿وَالْمَسَاكِينِ﴾ منهم ﴿وَابْنِ السَّبِيلِ﴾ منهم ﴿إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ﴾ جوابه محذوف دل عليه اعلموا أي فاعلموا حكمه في الخمس واعلموا به ﴿وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا﴾ من الفتح والآيات ﴿يَوْمَ الْفُرْقَانِ﴾ يوم بدر إذ فرق فيه بين الحق والباطل ﴿يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ﴾ المسلمون والكفار ﴿وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ومنه نصركم.

(42): ﴿إِذْ﴾ بدل من يوم الفرقان ﴿أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا﴾ جانب الوادي الأدنى من المدينة ﴿وَهُم﴾ أي النفير ﴿بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى﴾ جانبه الأبعد منها ﴿وَالرَّكْبُ﴾ العير بمكان ﴿أَسْفَلَ مِنكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتَّمْ﴾ أنتم والنفير للقتال ثم علمتم ضعفكم وقوتهم ﴿لاَخْتَلَفْتُمْ﴾ أنتم ﴿فِي الْمِيعَادِ﴾ رهبة منهم ﴿وَلَكِن﴾ جمعكم بلا ميعاد ﴿لِّيَقْضِيَ اللّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً﴾ واجبا كونه وهو نصركم وقهركم ﴿لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ﴾ من حجة واضحة قامت عليه وهي وقعة بدر أو غيرها ﴿وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ﴾ بالفك والإدغام ﴿عَن بَيِّنَةٍ﴾ يعلم الباقون أن الله نصره ﴿وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ﴾ للأقوال ﴿عَلِيمٌ﴾ بالعقائد والأعمال.

(43): ﴿إِذْ﴾ اذكروا ﴿يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً﴾ أي يقللهم في عينك في نومك لتخبر أصحابك فيجترءوا عليهم ﴿وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ﴾ جبنتم ﴿وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ﴾ أمر القتال من الإقدام والإحجام ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ﴾ سلمكم من القتل والتنازع ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ بما يحدث في القلوب.

(44): ﴿وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ﴾ أيها المؤمنون ﴿إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً﴾ أو سبعين أو مائة وهم نحو ألف لتثبتوا لهم ﴿وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ﴾ ليجترئوا عليكم ولا يتهيئوا لكم ﴿لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً﴾ كرر لأن المراد بالأمر هناك الالتقاء على تلك الصفة وهنا إعزاز الإسلام وإذلال الشرك ﴿وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الاُمُورُ ﴾.

(45): ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً﴾ قابلتم جماعة كافرة ﴿فَاثْبُتُواْ﴾ لقتالهم ولا تنهزموا ﴿وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا﴾ مستعينين بذكره ودعائه على قتالهم ﴿لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ﴾ تظفرون بالنصر والثواب.

(46): ﴿وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ﴾ باختلاف كلمتكم ﴿فَتَفْشَلُواْ﴾ فتجبنوا جواب النهي ﴿وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ﴾ دولتكم، استعير لها الريح لمشابهتها لها في نفاذ الأمر ﴿وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بالنصر والحفظ.

(47): ﴿وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِم﴾ أي قريش خرجوا من مكة لمنع غيرهم ﴿بَطَرًا وَرِئَاء النَّاسِ﴾ حالان أو مفعولان له، قيل بعث إليهم أبو سفيان ارجعوا فقد نجت عيركم فقال أبو جهل لا نرجع حتى نرد بدرا أو ننحر الجزور ونشرب الخمور وتعزف لنا القيان ويسمع بها الناس فوافوها ولقوا ما لقوا ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ عطف على بطر ﴿وَاللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾ علما فيجازيهم به.

(48): ﴿وَإِذْ﴾ واذكر إذ ﴿زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ﴾ من حرب الرسول وغيره بوسوسته إليهم ﴿وَقَالَ﴾ حين تصور بصورة سراقة بن مالك وأخذ الراية يقدمهم ﴿لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ﴾ لكثرة عددكم وعددكم ﴿وَإِنِّي جَارٌ لَّكُمْ﴾ مجيركم ﴿فَلَمَّا تَرَاءتِ الْفِئَتَانِ﴾ التقى الجمعان ﴿نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ﴾ رجع هاربا أي بطل كيده ﴿وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ﴾ من جنود الملائكة ﴿إِنِّيَ أَخَافُ اللّهَ﴾ أن يهلكني بأيديهم ﴿وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ من كلامه أو مستأنف.

(49): ﴿إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ﴾ شك في الإسلام مع إظهاره ﴿غَرَّ هَؤُلاء﴾ أي المسلمين ﴿دِينُهُمْ﴾ إذ خرجوا مع قلتهم إلى قتال الجيش الكثير ظانين النصر بسببه فأجيبوا ﴿وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ﴾ غالب لا يغلب حزبه وإن قل ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره.

(50): ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ﴾ ببدر ومفعول ترى مقدر أي لو ترى الكفرة حين تتوفاهم الملائكة ﴿يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ﴾ حال منهم أو من الملائكة أو منهما ﴿وَأَدْبَارَهُمْ﴾ ظهورهم أو أستاههم ﴿وَذُوقُواْ﴾ أي يقال ذوقوا ﴿عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾ أي نار الآخرة أو مقامع حديد كلما ضربوا التهبت نارا وجواب لو محذوف تهويلا.

(51): ﴿ذَلِكَ﴾ العقاب ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ أي بسبب ما فعلتم ﴿وَأَنَّ﴾ بسبب أن ﴿اللّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ بتعذيبهم بغير ذنب.

(52): ﴿كَدَأْبِ﴾ أي دأب هؤلاء وعاداتهم كدأب ﴿آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ﴾ من الأمم ﴿كَفَرُواْ بِآيَاتِ اللّهِ﴾ بيان لدأبهم ﴿فَأَخَذَهُمُ اللّهُ﴾ بالعقاب ﴿بِذُنُوبِهِمْ﴾ كأخذه هؤلاء ﴿إِنَّ اللّهَ قَوِيٌّ﴾ لا يمنع ﴿شَدِيدُ الْعِقَابِ﴾ لمستحقه.

(53): ﴿ذَلِكَ﴾ التعذيب لهم ﴿بِأَنَّ﴾ بسبب أن ﴿اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ﴾ مبدلا لها بنقمة ﴿حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ﴾ من النعم بكفرها ﴿وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ﴾ لأقوالهم ﴿عَلِيمٌ﴾ بأفعالهم.

(54): ﴿كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ﴾ كرر تأكيدا ﴿وَكُلٌّ﴾ من الأمم المكذبة ﴿كَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ أنفسهم بالكفر.

(55): ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ لإصرارهم على الكفر.

(56): ﴿الَّذِينَ عَاهَدتَّ مِنْهُمْ فِي الْحَرْبِ﴾ بدل بعض من الذين كفروا وعدي بمن لتضمين المعاهدة معنى الأخذ ﴿ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ﴾ عاهدوا فيها وهم قريظة عاهدهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أن لا يعينوا المشركين عليه بالسلاح فأعانوهم وقالوا نسينا ثم عاهدهم فأعانوهم يوم الخندق ﴿وَهُمْ لاَ يَتَّقُونَ﴾ الله في نقض العهد.

(57): ﴿فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ﴾ تدركنهم في الحرب ﴿فَشَرِّدْ بِهِم﴾ ففرق ونكل بمعاقبتهم وقتلهم ﴿مَّنْ خَلْفَهُمْ﴾ من الكفرة ﴿لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ لعل من خلفهم يتعظون بهم.

(58): ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ﴾ عاهدك ﴿خِيَانَةً﴾ نقض عهد بأمارة تجدها ﴿فَانبِذْ﴾ عهدهم ﴿إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء﴾ أي مستويا أنت وهم في العلم بنقض العهد بأن تعلمهم به قبل حربك لهم لئلا يتهموك بالخيانة ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ﴾ استئناف يعلل الأمر بالنبذ على سواء.

(59): ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ﴾ يا محمد ومفعولاه ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ﴾ فأتوا الله وقرىء بالياء بجعل فاعله ﴿الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ والمفعول الأول محذوف أي أنفسهم ﴿إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾ استيناف إن كسرت أو بتقدير اللام إن فتحت أي لأنهم لا يفوتونه.

(60): ﴿وَأَعِدُّواْ لَهُم﴾ لحربهم ﴿مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾ مما يتقى به في الحرب وروي أنها الرمي ﴿وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾ فعال بمعنى مفعول أي التي تربط في سبيل الله أو مصدر أي ربطها وحبسها فيه ﴿تُرْهِبُونَ﴾ تخوفون ﴿بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ﴾ أي كفار مكة ﴿وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ﴾ من غيرهم من اليهود أو المنافقين أو الفرس ﴿لاَ تَعْلَمُونَهُمُ﴾ بأعيانهم ﴿اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ﴾ أجره ﴿وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ﴾ بنقص شيء منه.

(61): ﴿وَإِن جَنَحُواْ﴾ مالوا ﴿لِلسَّلْمِ﴾ بفتح السين وكسرها الصلح ﴿فَاجْنَحْ لَهَا﴾ للمسالمة وهو منسوخ بآية السيف أو خاص بأهل الكتاب ﴿وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأسرارهم.

(62): ﴿وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ﴾ بالصلح ﴿فَإِنَّ حَسْبَكَ﴾ كافيك ﴿اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ﴾ جميعا.

(63): ﴿وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ مع تضاغنهم ﴿لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً﴾ من المال لتؤالف بينهم ﴿مَّا أَلَّفَتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ﴾ لشدة عداوتهم ﴿وَلَكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾ بقدرته معجزة لك ﴿إِنَّهُ عَزِيزٌ﴾ غالب لا يعجزه شيء ﴿حَكِيمٌ﴾ في صنعه.

(64): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ من عطف على الله أي كافيك الله والمؤمنون أو على الكاف على رأى، أو مفعول معه.

(65): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ﴾ حثهم ﴿عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ﴾ خبر معناه الأمر بمقاومة الواحد للعشرة والوعد بالغلبة إن صبروا ﴿بِأَنَّهُمْ﴾ بسبب أنهم ﴿قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ﴾ أنهم مغالبون الله ومغالبه مغلوب، أو يجهلون الآخرة فلا يرجون ثوابها.

(66): ﴿الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا﴾ عن مقاومة الواحد للعشرة ﴿فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ بالعون والحفظ.

(67): ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ﴾ وقرىء بالتاء ﴿لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ﴾ يكثر قتل الكفار ويذلهم ﴿تُرِيدُونَ﴾ أيها المؤمنون ﴿عَرَضَ الدُّنْيَا﴾ حطام الدنيا بأخذ الفداء ﴿وَاللّهُ يُرِيدُ﴾ لكم ﴿الآخِرَةَ﴾ أي ثوابها بقتلهم وقهرهم ﴿وَاللّهُ عَزِيزٌ﴾ غالب لا يغلب ﴿حَكِيمٌ﴾ في تدبيره.

(68): ﴿لَّوْلاَ كِتَابٌ﴾ حكم ﴿مِّنَ اللّهِ سَبَقَ﴾ وهو أنه لا يعذب بما لم ينه عنه صريحا وأنه سيحل لكم الفداء ﴿لَمَسَّكُمْ﴾ لأصابكم ﴿فِيمَا أَخَذْتُمْ﴾ من الفداء ﴿عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ من باب إياك أعني.

(69): ﴿فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ﴾ من الغنائم قيل أمسكوا عنها فنزلت أو من الفداء فإنه من الغنائم ﴿حَلاَلاً﴾ حال من ما أو أكلا حلالا كذا ﴿طَيِّبًا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ﴾ لذنوبكم ﴿رَّحِيمٌ﴾ أباحكم ما غنمتم.

(70): ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الأَسْرَى﴾ وقرىء الأسارى ﴿إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا﴾ إيمانا خالصا ﴿يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ﴾ من الفداء ﴿وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ نزلت في العباس وعقيل ونوفل.

(71): ﴿وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ﴾ نقض العهد ﴿فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ﴾ بالكفر ﴿مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ﴾ يوم بدر بالقتل والأسر فيمكن منهم إن خافوا ﴿وَاللّهُ عَلِيمٌ﴾ بنياتهم ﴿حَكِيمٌ﴾ في صنعه بهم.

(72): ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ﴾ ديارهم ﴿وَجَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ﴾ بالإنفاق ﴿وَأَنفُسِهِمْ﴾ بالقتال ﴿فِي سَبِيلِ اللّهِ﴾ وهم المهاجرون ﴿وَالَّذِينَ آوَواْ﴾ النبي والمهاجرين ﴿وَّنَصَرُواْ﴾ المذكورين على أعدائهم وهم الأنصار ﴿أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ في النصرة أو الميراث كان المهاجرون والأنصار يتوارثون بالهجرة دون الأقارب فنسخه وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم﴾ بفتح الواو وكسرها ﴿مِّن شَيْءٍ﴾ فلا توارث بينكم وبينهم ﴿حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ﴾ فواجب عليكم ﴿النَّصْرُ﴾ لهم على الكفار ﴿إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ﴾ عهد فلا تنصروهم عليهم ﴿وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾.

(73): ﴿وَالَّذينَ كَفَرُواْ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ﴾ في النصرة أو الميراث ومفهومه نفي الولاية بينهم وبين المؤمنين ﴿إِلاَّ تَفْعَلُوهُ﴾ أي تولى بعضكم بعضا أيها المؤمنون وقطع الكفار ﴿تَكُن﴾ تحصل ﴿فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ﴾ قوة الكفر ﴿وَفَسَادٌ كَبِيرٌ﴾ ضعف الإسلام.

(74): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾ أي حق إيمانهم حقا وهم الكاملون في الإيمان ﴿لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ في الجنة.

(75): ﴿وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ﴾ أي بعد السابقين بالإيمان والهجرة ﴿وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ﴾ أيها المهاجرون والأنصار ﴿وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ﴾ ذوو القربات ﴿بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ﴾ في الميراث من الأجانب ﴿فِي كِتَابِ اللّهِ﴾ أي حكمه أو اللوح أو القرآن ﴿إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ومنه الميراث.