الآيات 12-15

هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ ﴿12﴾ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ ﴿13﴾ لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ ﴿14﴾ وَلِلّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ ﴿15﴾

القراءة:

في الشواذ قراءة الأعرج شديد المحال بفتح الميم وقراءة أبي مجلز بالغدو والإيصال.

الحجة:

قال ابن جني المحال مفعل من الحيلة قال أبو زيد يقال ما له حيلة ولا محالة فيكون تقديره شديد الحيلة وتفسيره قوله سبحانه سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقوله ومكروا ومكر الله والإيصال مصدر آصلنا أي دخلنا في وقت الأصيل ونحن موصلون.

اللغة:

يقال أراه يريه إراءة وهو أن يجعله على صفة الرؤية بإظهار المرئي له أو يجعله على صفة يرى والسحاب جمع سحابة ولذلك قال الثقال ولو قيل الثقيل لجاز والصواعق جمع صاعقة وهي نار تسقط من السماء والرعد والبرق ذكرنا معناهما في أول البقرة والمحال الأخذ بالعقاب هاهنا فقال ماحله مماحلة ومحالا إذا قاواه حتى يتبين أيهما أشد ومحلت به محلا قال الأعشى:

فرع نبع يهتز في غصن المجد

غزير الندي شديد المحال والاستجابة والإجابة بمعنى غير أن في الاستجابة معنى الطلب قال:

فلم يستحبه عند ذاك مجيب

والظلال جمع الظل وهو ستر الشخص ما بإزائه والظل الظليل وهو ستر الشمس اللازم وأما الفيء فهو الذي يرجع بعد ذهاب ضوئه ومنه الظلة لسترها والآصال جمع أصل وأصل جمع أصيل فهو جمع الجمع مأخوذ من الأصل فكأنه أصل الليل الذي ينشأ منه وهو ما بين العصر إلى مغرب الشمس وقد يقال في جمعه أصائل قال أبو ذؤيب:

لعمري لأنت البيت أكرم أهله

وأقعد في أفنائه بالأصائل.

الإعراب:

خوفا وطمعا لا ينتصبان على الغرض لأن ما ينتصب لذلك يجب أن يكون فاعله وفاعل الفعل الأول واحدا وهاهنا الخائف والطامع ليسا بالذي يرى البرق وهما في قوله يدعون ربهم خوفا وطمعا ينتصبان على الغرض لأن الخائف والطامع هناك هو الداعي فأعلمه فإنه جيد مفيد والمعنى هاهنا يخوفكم بما يريكم خوفا ويطمعكم طمعا فالمصدر وقع موقع الحال ﴿وهم يجادلون في الله﴾ جاز أن تكون هذه الواو واو الحال أي يصيب بها من يشاء في حال جدالهم في الله لأنه جاء في التفسير أن رجلا جاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) فجادله فقال يا محمد مم ربك أ من نحاس أم من حديد أم من لؤلؤ أم من ياقوت أم من ذهب أم من فضة فأرسل الله عليه صاعقة ذهب بقحفه وهو قول أنس بن مالك ومجاهد ويجوز أن يكون لما تمم الله أوصاف ما يدل على توحيده وقدرته قال بعد ذلك ﴿وهم يجادلون﴾ والكاف من قوله ﴿كباسط كفيه﴾ يتعلق بصفة مصدر تقديره إلا استجابة كائنة كاستجابة باسط كفيه إلى الماء هذا إذا كان الكاف حرفا وإذا كان اسما محضا فالتقدير إلا استجابة مثل استجابة باسط كفيه إلى الماء فلا يكون في الكاف ضمير أي كما يستجيب الماء باسط كفيه إليه واللام في قوله ﴿ليبلغ فاه﴾ يتعلق بباسط كفيه ﴿وما هو ببالغه﴾ أي ما الماء ببالغ فاه وقيل ما فوه ببالغ الماء وقيل ما باسط كفيه إلى الماء ببالغ الماء وطوعا وكرها مصدران وضعا موضع الحال.

المعنى:

ثم أخبر سبحانه عن كمال قدرته فقال ﴿هو الذي يريكم البرق خوفا وطمعا﴾ أي تخويفا وإطماعا فأقام الخوف والطمع مقام التخويف والإطماع وذكر فيه وجوه (أحدها) أن المعنى خوفا من الصواعق التي يكون معها وطمعا في الغيث الذي يزيل القحط عن الحسن وأبي مسلم (والثاني) خوفا للمسافر من أن يضل الطريق فلا يمكنه المسير وطمعا للمقيم في نمو الزرع والخير الكثير عن قتادة والضحاك والجبائي (الثالث) خوفا لمن يخاف ضر المطر لأنه ليس كل بلد ينتفع فيه بالمطر وطمعا لمن يرجو الانتفاع به عن الزجاج ﴿وينشىء السحاب الثقال﴾ أي ويخلق السحاب الثقال بالماء يرفعها من الأرض فيجريها في الجو ﴿ويسبح الرعد بحمده﴾ تسبيح الرعد دلالته على تنزيه الله تعالى ووجوب حمده فكأنه هو المسبح وقيل إن الرعد هو الملك الذي يسوق السحاب ويزجره بصوته وهو يسبح الله تعالى ويحمده وروي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال إن ربكم سبحانه يقول لو أن عبادي أطاعوني لأسقيتهم المطر بالليل وأطلعت عليهم الشمس بالنهار ولم أسمعهم صوت الرعد وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سمع صوت الرعد قال سبحان من يسبح الرعد بحمده وكان ابن عباس يقول سبحان الذي سبحت له وروي سالم بن عبد الله عن أبيه قال كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سمع الرعد والصواعق قال اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك وقال ابن عباس من سمع صوت الرعد فقال سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير فإن أصابته صاعقة فعلي ديته ﴿والملائكة من خيفته﴾ أي ويسبح الملائكة من خيفة الله تعالى وخشيته قال ابن عباس إنهم خائفون من الله تعالى ليس كخوف ابن آدم لا يعرف أحدهم من على يمينه ومن على يساره ولا يشغله عن عبادة الله طعام ولا شراب ولا شيء ﴿ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء﴾ ويصرفها عمن يشاء إلا أنه حذف وروي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) أن الصواعق تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب ذاكرا ﴿وهم يجادلون في الله﴾ يعني أن هؤلاء الجهال مع مشاهدتهم لهذه الآيات يخاصمون أهل التوحيد ويحاولون فتلهم عن مذاهبهم بجدالهم لأن معنى الجدال فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه عنى بذلك أربد بن قيس أخا لبيد بن ربيعة العامري لأمه وعامر بن طفيل وذلك أنهما أتيا النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) يجادلانه ويريدان الفتك به وكان عامر أوصى إلى أربد إذا رأيتني أكلمه فدر من خلفه فاضربه بالسيف فجعل عامر يخاصم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويراجعه الكلام فدار أربد خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ليضربه فاخترط من سيفه شبرا ثم حبسه الله عنه فلم يقدر على سله وجعل عامر يؤمي إليه فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فرأى أربدا وما يصنع بسيفه فقال اللهم اكفنيهما بما شئت فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صاح صائف فأحرقته وولى عامر هاربا وقال يا محمد دعوت ربك فقتل أربدا والله لأملأنها عليك خيلا جردا وفتيانا مردا ولأربطن بكل نخلة فرسا فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) الله يمنعك من ذلك فنزل بيت امرأة من سلول وخرج على ركبتيه في الوقت غدة عظيمة فكان يقول غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية حتى قتلته وفي ذلك يقول لبيد بن ربيعة يرثي أخاه أربدا:

أخشى على أربد الحتوف ولا

أرهب نوء السماك والأسد

فجعني البرق والصواعق بالفارس

يوم الكريهة النجد ﴿وهو شديد المحال﴾ أي شديد الأخذ عن علي (عليه السلام) وقيل شديد القوة عن قتادة ومجاهد وقيل شديد النقمة عن الحسن وقيل شديد القدرة والعذاب عن الزجاج وقيل شديد الكيد للكفار عن الجبائي ﴿له دعوة الحق﴾ أي لله سبحانه دعوة الحق واختلف في معنى دعوة الحق على أقوال (أحدها) أنها كلمة الإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله عن ابن عباس وقتادة وابن زيد (والثاني) أن الله تعالى هو الحق فدعاؤه دعوة الحق ومن دعاه دعا الحق عن الحسن (والثالث) أنها الدعوة التي يدعى بها الله على إخلاص التوحيد عن الجبائي والمعنى أن من دعاه على جهة الإخلاص فهو يجيبه فله سبحانه من خلقه دعوة الحق ﴿والذين يدعون من دونه﴾ أي والذين يدعوهم المشركون من دون الله لحاجاتهم من الأوثان وغيرها ﴿لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه﴾ هذا مثل ضربه الله لكل من عبد غير الله ودعاءه رجاء أن ينفعه يقول إن مثله كمثل رجل بسط كفيه إلى الماء من مكان بعيد ليتناوله ويسكن به غلته وذلك الماء لا يبلغ فاه لبعد المسافة بينهما فكذلك ما كان يعبده المشركون من الأصنام لا يصل نفعها إليهم ولا يستجيب دعاءهم عن ابن عباس وقيل كباسط كفيه إلى الماء أي كالذي يدعو الماء بلسانه ويشير إليه بيده فلا يأتيه الماء عن مجاهد وقيل كالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فمات قبل أن يبلغ الماء فاه عن الحسن وقيل إنه تمثيل العرب لمن يسعى فيما لا يدركه فيقول هو كالقابض على الماء عن أبي عبيدة والبلخي وأبي مسلم قال الشاعر:

فأصبحت مما كان بيني وبينها

من الود مثل القابض الماء باليد وقال الآخر

فإني وإياكم وشوقا إليكم

كقابض ماء لم تسعه أنامله ﴿وما دعاء الكافرين إلا في ضلال﴾ أي ليس دعاؤهم الأصنام من دون الله إلا في ذهاب عن الحق والصواب وقيل في ضلال عن طريق الإجابة والنفع ثم بين سبحانه كمال قدرته وسعة مملكته فقال ﴿ولله يسجد من في السماوات والأرض﴾ يعني الملائكة وسائر المكلفين ﴿طوعا وكرها﴾ اختلف في معناه على قولين (أحدهما) أن معناه أنه يجب السجود لله تعالى إلا أن المؤمن يسجد له طوعا والكافر يسجد له كرها بالسيف عن الحسن وقتادة وابن زيد (والثاني) أن المعنى ولله يخضع من في السماوات والأرض إلا أن المؤمن يخضع له طوعا والكافر يخضع له كرها لأنه لا يمكنه أن يمتنع من الخضوع لله لما يحل به من الآلام والأسقام عن الجبائي ﴿وظلالهم﴾ أي ويسجد ظلالهم لله ﴿بالغدو والآصال﴾ أي العشيات قيل إن المراد بالظل الشخص فإن من يسجد يسجد ظله معه قال الحسن يسجد ظل الكافر ولا يسجد الكافر ومعناه عند أهل التحقيق أنه يسجد شخصه دون قلبه لأنه لا يريد بسجوده عبادة ربه من حيث إنه يسجد للخوف وقيل إن الظلال على ظاهرها والمعنى في سجودها تمايلها من جانب إلى جانب وانقيادها بالتسخير بالطول والقصر.