الآيات 25-29

وَالَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴿25﴾ اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاء وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ ﴿26﴾ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ قُلْ إِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ ﴿27﴾ الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴿28﴾ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ ﴿29﴾

اللغة:

الإنابة الرجوع إلى الحق بالتوبة انتاب فلان القوم أتاهم مرة بعد مرة ويقال ناب ينوب نوبة إذا رجع مرة بعد مرة وطوبى فعلى من الطيب وهو تأنيث الأطيب ولم يغيروا طوبى بأن يقولوا طيبي كما قالوا ضيزى فقلبوا الواو ياء والضمة كسرة لأن طوبى اسم وضيزى صفة فرقوا بين الاسم والصفة.

الإعراب:

﴿الذين آمنوا﴾ في موضع نصب ردا على من.

المعنى يهدي إليه الذين آمنوا وألا حرف تنبيه وابتداء وحسن م آب عطف على طوبى لأن طوبى في موضع رفع.

المعنى:

لما ذكر سبحانه الذين يوفون بعهد الله ووصفهم بالصفات التي يستحقون بها الجنة عقبه بذكر من هو على خلاف حالهم فقال ﴿والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل﴾ قد ذكرنا معنى عهد الله وميثاقه وصلة ما أمر الله به أن يوصل ﴿ويفسدون في الأرض﴾ بالدعاء إلى غير الله عن ابن عباس وقيل بقتال النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين عن الحسن وقيل بالعمل فيها بمعاصي الله والظلم لعباده وإخراب بلاده وهذا أعم ﴿أولئك لهم اللعنة﴾ وهي الإبعاد من رحمة الله والتبعيد من جنته ﴿ولهم سوء الدار﴾ أي عذاب النار والخلود فيها ﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ أي يوسع الرزق على من يشاء من عباده بحسب ما يعلم من المصلحة ويضيقه على آخرين إذا كانت المصلحة في التضييق ﴿وفرحوا بالحياة الدنيا﴾ أي فرحوا بما أوتوا من حطام الدنيا فرح البطر ونسوا فناءه وبقاء أمر الآخرة وتقديره وفرح الذين بسط لهم في الرزق في الحياة الدنيا ﴿وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع﴾ أي ليست هذه الحياة الدنيا بالإضافة إلى الحياة الآخرة إلا قليل ذاهب لأن هذه فانية وتلك دائمة باقية عن مجاهد وقيل إنه مذكور على وجه التعجب أي عجبا لهم أن فرحوا بالدنيا الفانية وتركوا النعيم الدائم والدنيا في جنب الآخرة متاع لا خطر له ولا بقاء له مثل القدح والقصعة والقدر يتمتع به زمانا ثم ينكسر عن ابن عباس ﴿ويقول الذين كفروا لو لا أنزل عليه آية من ربه﴾ أي هلا أنزل على محمد معجزة من ربه يقترحها ويجوز أنهم لم يتفكروا في الآيات المنزلة فاعتقدوا أنه لم ينزل عليه آية ولم يعتدوا بتلك الآيات فقالوا هذا القول جهلا منهم بها ﴿قل﴾ يا محمد ﴿إن الله يضل من يشاء﴾ عن طريق الجنة بسوء أفعاله وعظم معاصيه وقد مضى القول في وجوه الإضلال والهدى فلا معنى لإعادته ﴿ويهدي إليه من أناب﴾ أي رجع إليه بالطاعة ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ معناه الذين اعترفوا بتوحيد الله على جميع صفاته ونبوة نبيه وقبول ما جاء به من عند الله وتسكن قلوبهم بذكر الله وتأنس إليه والذكر حصول المعنى للنفس وقد يسمى العلم ذكرا والقول الذي فيه المعنى الحاضر للنفس أيضا يسمى ذكرا وقد وصف الله المؤمن هاهنا بأنه يطمئن قلبه إلى ذكر الله ووصفه في موضع آخر بأنه إذا ذكر الله وجل قلبه لأن المراد بالأول أنه يذكر ثوابه وإنعامه وآلاءه التي لا تحصى وأياديه التي لا تجازى فيسكن إليه وبالثاني أنه يذكر عقابه وانتقامه فيخافه ويوجل قلبه ﴿ألا بذكر الله تطمئن القلوب﴾ وهذا حث للعباد على تسكين القلب إلى ما وعد الله به من النعيم والثواب والطمأنينة إليه فإن وعده سبحانه صادق ولا شيء تطمئن النفس إليه أبلغ من الوعد الصادق وهو اعتراض وقع بين الكلامين إذا كان قوله ﴿الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله﴾ في موضع رفع بالابتداء ويكون قوله ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ بدلا منه وقوله ﴿طوبى لهم وحسن م آب﴾ جملة في موضع الرفع بأنه خبر المبتدأ وإذا كان الذين آمنوا الأول في موضع نصب على ما تقدم ذكره فيكون ﴿الذين آمنوا وعملوا الصالحات﴾ مبتدأ مستأنفا وطوبى لهم خبره ومعناه أن الذين يؤمنون بالله ويعلمون ما يجب عليهم من الطاعات ﴿طوبى لهم﴾ وفيه أقوال (أحدها) أن معناه فرح لهم وقرة عين عن ابن عباس (والثاني) غبطة لهم عن الضحاك (والثالث) خير لهم وكرامة عن إبراهيم النخعي (والرابع) الجنة لهم عن مجاهد (والخامس) معناه العيش المطيب لهم عن الزجاج والحال المستطابة لهم عن ابن الأنباري لأنه فعلى من الطيب وقيل أطيب الأشياء لهم وهو الجنة عن الجبائي (والسادس) هنيئا بطيب العيش لهم (السابع) حسني لهم عن قتادة (الثامن) نعم ما لهم عن عكرمة (التاسع) طوبى لهم دوام الخير لهم (العاشر) أن طوبى شجرة في الجنة أصلها في دار النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) وفي دار كل مؤمن منها غصن عن عبيد بن عمير ووهب وأبي هريرة وشهر بن حوشب ورواه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال لو أن راكبا مجدا سار في ظلها مائة عام ما خرج منها ولو أن غرابا طار من أصلها ما بلغ أعلاها حتى يبيض هرما ألا في هذا فارغبوا إن المؤمن نفسه منه في شغل والناس منه في راحة إذا جن عليه الليل فرش وجهه وسجد لله يناجي الذي خلقه في فكاك رقبته ألا فكهذا فكونوا وروى علي بن إبراهيم عن أبيه عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيدة الحذاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) يكثر تقبيل فاطمة (عليها السلام) فأنكرت عليه بعض نسائه ذلك فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) إنه لما أسري بي إلى السماء دخلت الجنة وأدناني جبرائيل (عليه السلام) من شجرة طوبى وناولني منها تفاحة فأكلتها فحول الله ذلك في ظهري ماء فهبطت إلى الأرض وواقعت خديجة فحملت بفاطمة فكلما اشتقت إلى الجنة قبلتها وما قبلتها إلا وجدت رائحة شجرة طوبى فهي حوراء إنسية وروى الثعلبي بإسناده عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال طوبى شجرة أصلها في دار علي (عليه السلام) في الجنة وفي دار كل مؤمن منها غصن ورواه أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) وروى الحاكم أبو القاسم الحسكاني بإسناده عن موسى بن جعفر (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) عن طوبى قال شجرة أصلها في داري وفرعها على أهل الجنة ثم سئل عنها مرة أخرى فقال في دار علي (عليه السلام) فقيل في ذلك فقال إن داري ودار علي في الجنة بمكان واحد ﴿وحسن مآب﴾ أي ولهم حسن م آب أي مرجع.

النظم:

وجه اتصال قوله ﴿الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر﴾ الآية بما قبله أنه بين أن نقضهم للعهد إنما كان لحب الرئاسة والمنافسة في الدنيا وزهدهم في المنافسة وأخبر بأنه يبسط الرزق لمن يرى صلاحه فيه ويرزق مقدار الكفاية من علم أن صلاحه فيه ثم لما ذكر سبحانه سوء عاقبة الكفار عقب ذلك بذكر ما اقترحوه من الآيات وترك تفكرهم فيما أنزل من الآيات الخارقة للعادات فقال ﴿ويقول الذين كفروا لو لا أنزل عليه آية من ربه﴾ ولما استعجلوا العذاب بين سبحانه أنه يضل من يشاء أي يهلك من يشاء معجلا ويؤخر عذاب من يشاء عن أبي مسلم قال والمراد بقوله ﴿آية﴾ آيات العذاب وقيل إنهم لما اقترحوا الآيات بين أنهم إنما لم يجابوا إلى ذلك لأن في المعلوم أنهم لا يؤمنون وأنه يهلكهم.