سورة الأنعام

(1): ﴿الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ أي أوجدهما بمقدار تقتضيه الحكمة ﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾ جمعت دونه لكثرة أسبابها إذ لكل جرم ظل وقدمت لتقدم العدم على الملكة ﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ﴾ عطف على الحمد لله أي هو حقيق بالحمد على ما خلق للعباد ثم الذين كفروا به يعدلون عنه.

(2): ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم﴾ ابتداء خلقكم ﴿مِّن طِينٍ﴾ إذ خلق عنه أصلكم آدم ﴿ثُمَّ قَضَى أَجَلاً﴾ أجل الموت أو ما بين الخلق والموت ﴿وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ﴾ أجل القيامة أو ما بين الموت والبعث، وعنهم (عليهم السلام) ما حاصله قضا أجلا محتوما لموتكم لا يتقدم ولا يتأخر وأجل مسمى عنده يمحوه ويثبته ﴿ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ تشكون استبعاد لشكهم في البعث فإن القادر على الابتداء على الإعادة أقدر.

(3): ﴿وَهُوَ اللّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ﴾ أي المعبود فيها كذلك هو الله في كل مكان ﴿يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْ﴾ تقرير له ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ﴾ من خير وشر فيجازيكم به.

(4): ﴿وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ﴾ حجة من حججه المعجزات كآيات القرآن وغيرها ومن الأولى مزيدة والثانية للتبعيض ﴿إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا﴾ أي عن النظر فيها ﴿مُعْرِضِينَ﴾ لم يلتفتوا إليه.

(5): ﴿فَقَدْ كَذَّبُواْ بِالْحَقِّ﴾ بالقرآن ﴿لَمَّا جَاءهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنبَاء مَا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ عند حلول العذاب بهم في الدنيا والآخرة.

(6): ﴿أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ ﴾ كثيرا من كل طبقة ﴿مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ﴾ أعطيناهم ما لم نعطكم ﴿وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء﴾ السحاب أو المطر ﴿عَلَيْهِم مِّدْرَارًا﴾ غزيرا ﴿وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ﴾ تحت مساكنهم ﴿فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ﴾ ولم يغن ذلك عنهم شيئا ﴿وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْنًا آخَرِينَ﴾ مكانهم فاحذروا أن يفعل ذلك بكم.

(7): ﴿وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَاسٍ﴾ مكتوبا في ورق كما اقترحوه ﴿فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ﴾ أبلغ في نفي الريب من عاينوه وذكر الأيدي للتأكيد ﴿لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ﴾ تعنتا وعنادا.

(8): ﴿وَقَالُواْ لَوْلا﴾ هلا ﴿أُنزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ﴾ نعاينه فنصدقه ﴿وَلَوْ أَنزَلْنَا مَلَكًا﴾ كما اقترحوه فلم يؤمنوا ﴿لَّقُضِيَ الأمْرُ﴾ لحق إهلاكهم بمقتضى الحكمة ﴿ثُمَّ لاَ يُنظَرُونَ﴾ لا يمهلون بعد ذلك كعادة الله فيمن قبلهم بأنه تعالى إذا أوجد مقترح قوم ثم كذبوا بعد ذلك يهلكهم.

(9): ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ﴾ أي الذي طلبوه جواب ثان أو الرسول فهو جواب اقتراح آخر كقولهم لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ﴿مَلَكًا﴾ يعاينوه ﴿لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلاً﴾ على صورة رجل كما مثل جبرائيل في صورة دحية الكلبي غالبا إذ لم يقدروا أن يروا الملك بصورته ﴿وَلَلَبَسْنَا﴾ أي لو جعلناه رجلا لخلطنا ﴿عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ﴾ ما يخلطون على أنفسهم فيقولون ما هذا إلا بشر مثلكم وهذا من قبيل قوله تعالى: في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا.

(10): ﴿وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ﴾ فأحاط ﴿بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِؤُونَ﴾ أي جزاؤه من العذاب وهو تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم).

(11): ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ كيف أهلكوا لتعتبروا بالنظر في أحوالهم.

(12): ﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ملكا وخلقا سؤال تبكيت ﴿قُل لِلّهِ﴾ إذ لا جواب غيره بالاتفاق ﴿كَتَبَ﴾ أوجب ﴿عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ التي منها اللطف بكم بنصب الأدلة على توحيده في الدنيا وإثابة مطيعكم في الآخرة ﴿لَيَجْمَعَنَّكُمْ﴾ قسم للوعيد على إشراكهم وترك النظر ﴿إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ أي فيه أو مبعوثين إليه فيجازيكم بعملكم ﴿لاَ رَيْبَ فِيهِ﴾ في اليوم ﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ﴾ أهلكوها بتعريضها للعقاب لاختيارهم الكفر نصب ذما أو رفع خبرا أي أنتم الذين أو مبتدأ خبره ﴿فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.

(13): ﴿وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ من السكنى أي ما حل ما فيهما أو من السكون أي ما سكن وتحرك فاكتفى بأحدهما عن الآخر ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لكل صوت ﴿الْعَلِيمُ﴾ بكل شيء.

(14): ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا﴾ معبودا قدم لفظ غير وولي الهمزة لأن الإنكار لاتخاذ غير الله وليا لا اتخاذ الولي ﴿فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ مبدعهما ﴿وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ﴾ يرزق ولا يرزق وخص الطعام لشدة الحاجة إليه ﴿قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ﴾ لله من أهل عصري ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ﴾ أي قيل لي لا تكونن ﴿مِنَ الْمُشْرِكَينَ﴾.

(15): ﴿قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي﴾ كما عصيتموه بعبادة غيره ﴿عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾.

(16): ﴿مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ﴾ العذاب ﴿يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ﴾ نجاه وأثابه ﴿وَذَلِكَ﴾ الرحم ﴿الْفَوْزُ الْمُبِينُ﴾.

(17): ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ﴾ ببلاء كفقر ومرض ﴿فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ﴾ كغنى وصحة ﴿فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُير﴾ ومنه إدامته فلا يقدر أحد على رفعه.

(18): ﴿ ٌوَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ بالقدرة والغلبة ﴿ وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ في تدبيرهم ﴿الْخَبِيرُ﴾ بهم.

(19): ﴿قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً﴾ تمييز نزلت حين قالوا له (صلى الله عليه وآله وسلّم) إن أهل الكتاب أنكروك فأرنا من يشهد برسالتك ﴿قُلِ اللّهِ﴾ أي الله أكبر شهادة ﴿شَهِيدٌ بِيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ خبر محذوف أو الله ويلزمه أنه أكبر شهادة ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ﴾ عطف على مفعول أنذركم أي ولأنذر سائر من بلغه إلى يوم القيامة ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُل لاَّ أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾.

(20): ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ﴾ أي محمدا بنعته في كتابهم ﴿كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمُ﴾ بغير اشتباه ﴿الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾.

(21): ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ بنسبة الشريك إليه ﴿أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ﴾ كالقرآن ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾.

(22): ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ عامل اليوم محذوف أي ويوم نحشرهم كان كيت وكيت ﴿ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُواْ﴾ توبيخا ﴿أَيْنَ شُرَكَآؤُكُمُ الَّذِينَ كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ أنهم شركاء.

(23): ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُن فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ الفتنة الكفر أي لم تكن عاقبة كفرهم الذي لزموه طول أعمارهم وافتخروا به إلا التبرؤ منه.

(24): ﴿انظُرْ كَيْفَ كَذَبُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ﴾ بنفي الشريك عنها ﴿وَضَلَّ﴾ غاب ﴿عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ من الشركاء.

(25): ﴿وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ﴾ حين تقرأ القرآن ﴿وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً﴾ أغطية كراهة ﴿أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا﴾ ثقلا مانعا عن قبوله عقوبة لإصرارهم على الكفر أو كناية عن منع اللطف لسوء أفعالهم ﴿وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا﴾ عنادا وتقليدا ﴿حَتَّى إِذَا جَآؤُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ﴾ ما ﴿هَذَآ إِلاَّ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ﴾ أكاذيبهم أي إن تكذيبهم الآيات بلغ إلى أنهم يجادلونك فيجعلون أصدق الحديث خرافات الأولين.

(26): ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ﴾ عن القرآن أو الرسول وإثباته ﴿وَيَنْأَوْنَ﴾ يتباعدون ﴿عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ﴾ بذلك ﴿إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ أن ضرر ذلك وبال عليهم.

(27): ﴿وَلَوْ تَرَىَ﴾ يا محمد أو أيها الرائي ﴿إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ﴾ أروها أو اطلعوا عليها أو أدخلوها لرأيت أمرا هائلا ﴿فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ﴾ إلى الدنيا ﴿وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ للإضراب عن إرادة الإيمان المتمنى.

(28): ﴿بَلْ بَدَا﴾ ظهر ﴿لَهُم مَّا كَانُواْ يُخْفُونَ مِن قَبْلُ﴾ من الكفر أو القبائح بشهادة جوارحهم فتمنوا ذلك ﴿وَلَوْ رُدُّواْ﴾ إلى الدنيا ﴿لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ﴾ من الكفر ﴿وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ في وعدهم بالإيمان.

(29): ﴿وَقَالُواْ إِنْ هِيَ﴾ أي الحياة ﴿إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ﴾.

(30): ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُواْ عَلَى رَبِّهِمْ﴾ على جزائه أو عرفوه حق التعريف أو مجاز عن حبسهم للسؤال لرأيت أمرا عظيما ﴿قَالَ﴾ توبيخا لهم ﴿أَلَيْسَ هَذَا﴾ البعث أو الجزاء ﴿بِالْحَقِّ قَالُواْ بَلَى وَرَبِّنَا﴾ أكدوا إقرارهم بالقسم لوضوح الأمر ﴿قَالَ فَذُوقُواْ العَذَابَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ بكفركم.

(31): ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِلِقَاء اللّهِ﴾ بالبعث وما يتبعه ﴿حَتَّى إِذَا جَاءتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً﴾ فجأة حال أو مصدر ﴿قَالُواْ يَا حَسْرَتَنَا﴾ احضري فهذا أو إنك ﴿عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا﴾ في الدنيا أو في الساعة أو في شأنها ﴿وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ﴾ كما اعتيد حمل الأثقال على الظهور ﴿أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ﴾ بئس شيئا يحملونه حملهم.

(32): ﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ أي أعمالها ﴿إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ﴾ اشتغال بما لا يعقب نفعا ﴿وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ المعاصي أو الله وقرىء ولدار الآخرة ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ بالياء والتاء.

(32): ﴿قَدْ نَعْلَمُ ﴾ أي الشأن ﴿إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ﴾ كقولهم ساحر كذاب ﴿فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ﴾ بقلوبهم أو بالحقيقة وقرىء لا يكذبونك من أكذبه أي وجده كاذبا أو نسبة إلى الكذب كما عن علي والصادق (عليهما السلام) ﴿وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ﴾ وضع موضع ولكنهم إيذانا بأنهم ظلموا بجحودهم القرآن والباء لتضمن الجحود معنى التكذيب.

(34): ﴿وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية له (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿فَصَبَرُواْ عَلَى مَا كُذِّبُواْ وَأُوذُواْ﴾ ما مصدرية ﴿حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا﴾ فتأس بهم فاصبر حتى يأتيك نصرنا ﴿وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللّهِ﴾ لمواعيده بنصر رسله ﴿وَلَقدْ جَاءكَ مِن نَّبَإِ الْمُرْسَلِينَ﴾ بعض قصصهم.

(35): ﴿وَإِن كَانَ كَبُرَ﴾ عظم ﴿عَلَيْكَ إِعْرَاضُهُمْ﴾ عن دينك ﴿فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِيَ نَفَقًا﴾ سربا ﴿فِي الأَرْضِ أَوْ سُلَّمًا﴾ مصعدا ﴿فِي السَّمَاء فَتَأْتِيَهُم بِآيَةٍ﴾ فافعل أي إنك لا تستطيع ذلك ولو استطعت لفعلت حرصا على إسلامهم ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ جبرهم ﴿لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَى﴾ بإلجاء لكن لم يفعل لمنافاته الحكمة ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ﴾ بذلك.

(36): ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ﴾ إلى الإيمان ﴿الَّذِينَ يَسْمَعُونَ﴾ وهؤلاء كالموتى لا يسمعون ﴿وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ﴾ من قبورهم ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ﴾ للجزاء فيستمعون حينئذ ولكن لا ينفعهم.

(37): ﴿وَقَالُواْ لَوْلاَ ﴾ هلا ﴿نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ غير هذه الآيات ﴿قُلْ إِنَّ اللّهَ قَادِرٌ عَلَى أَن يُنَزِّلٍ﴾ بالتشديد والتخفيف ﴿آيَةً﴾ يلجئهم إلى الإيمان أو يهلكون بجحودها ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أن إنزالها وبال أمرهم.

(38): ﴿وَمَا مِن﴾ مزيدة ﴿دَآبَّةٍ﴾ تدب ﴿فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ في الجو صفة لدفع مجاز السرعة ﴿إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم﴾ في كسب أرزاقها وآجالها وأحوالها والقادر المدبر لذلك قادر على إنزال الآية ﴿مَّا فَرَّطْنَا﴾ ما تركنا ﴿فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ﴾ في اللوح أو القرآن ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ فيقتص حتى للجماء من القرناء.

(39): ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ القرآن وغيره ﴿صُمٌّ﴾ عن سماع الآيات ﴿وَبُكْمٌ﴾ عن النطق بالحق ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ أي الكفر أو الجهل ﴿مَن يَشَإِ اللّهُ يُضْلِلْهُ﴾ يخذله بسوء اختياره ﴿وَمَن يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ يلطف به لأنه أهل اللطف.

(40): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُكُم﴾ أي أخبروني ﴿إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ﴾ في الدنيا ﴿أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ﴾ وهو لها من تدعون ﴿أَغَيْرَ اللّهِ تَدْعُونَ﴾ تبكيت ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أن الأصنام آلهة فادعوها.

(41): ﴿بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ﴾ لا غير ﴿فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ﴾ الذي تدعونه إلى كشفه ﴿إِنْ شَاء﴾ كشفه ﴿وَتَنسَوْنَ﴾ تتركون ﴿مَا تُشْرِكُونَ﴾ به من آلهتكم فلا تدعونها إذ لا نفع لغيره.

(42): ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلنَآ﴾ رسلا ﴿إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ﴾ فكذبوهم ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء﴾ بالفقر والمرض ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾ يتذللون لنا فيؤمنون.

(43): ﴿فَلَوْلا﴾ فهلا ﴿إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا﴾ عذابنا ﴿تَضَرَّعُواْ﴾ أي لم يتضرعوا مع وجود الداعي ﴿وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ فذلك الذي منعهم عن التضرع.

(44): ﴿فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ ﴾ وعظوا ﴿بِهِ﴾ من البأساء والضراء فلم يتعظوا ﴿فَتَحْنَا﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ من أصناف النعم امتحانا لهم بالشدة والرخاء لتلزمهم الحجة أو استدراجا لهم ﴿حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ﴾ من النعم وبطروا ولم يشكروا ﴿أَخَذْنَاهُم﴾ بالعذاب ﴿بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ﴾ آيسون متحسرون.

(45): ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ﴾ آخر ﴿الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أي استؤصلوا ﴿وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ على إهلاكهم فإنه نعمة تحمد.

(46): ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ﴾ أخبروني ﴿إِنْ أَخَذَ اللّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ﴾ أصمكم وأعماكم ﴿وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم﴾ أذهب عقلها بالتغطية عليها ﴿مَّنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ﴾ أي بما أخذ وختم عليه ﴿انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نبينها أو نوجهها حججا عقلية وترغيبا وترهيبا وتذكيرا بمن مضى ﴿ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ﴾ يعرضون عنها بعد ظهورهما.

(47): ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً﴾ فجأة بلا أمارة قبله ﴿أَوْ جَهْرَةً﴾ أي تسبقه أمارتها أو ليلا ونهارا ﴿هَلْ يُهْلَكُ﴾ أي ما يهلك به هلاك سخط ﴿إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾ الكافرون.

(48): ﴿وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ﴾ من آمن بالجنة ﴿وَمُنذِرِينَ﴾ من كفر بالنار ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ﴾ عمله ﴿فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ﴾ من النار ﴿وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ بفوت الجنة.

(49): ﴿وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ﴾ بخروجهم عن الطاعة.

(50): ﴿قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللّهِ﴾ مقدوراته أو مرزوقاته ﴿وَلا﴾ إني ﴿أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾ السموات ما لم يوح إلي ﴿وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ﴾ من الملائكة أقدر على مقدورهم ﴿إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ﴾ أي لم أدع ما يسبقه من إلهية وملكية بل أدعي النبوة وهي من كمالات البشر ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ﴾ الجاهل والعالم أو الكافر والمؤمن ﴿أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ﴾ فتعلموا الحق أو فتؤمنوا.

(51): ﴿وَأَنذِرْ بِهِ﴾ أي بالذي يوحى ﴿الَّذِينَ يَخَافُونَ أَن يُحْشَرُواْ إِلَى رَبِّهِمْ﴾ من عصاة المؤمنين أو كل مقر بالبعث من مسلم أو كتابي أو مجوز له ولو متردد ﴿لَيْسَ لَهُم مِّن دُونِهِ وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ﴾ حال من يحشروا ﴿لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ كي يخافوا ويتوبوا.

(52): ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم﴾ يعبدونه ﴿بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ﴾ بالدوام في صلاة الصبح والعصر ﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ حال أي يدعونه مخلصين فيه رد على المشركين القائلين أنؤمن لك واتبعك الأرذلون وطعنوا في إيمان الفقراء وقالوا إن إيمانهم إنما هو للطمع من المال والرفعة وسألوا رسول الله أن يطردهم فنزلت ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْءٍ﴾ فتستحقر أعمالهم أو تطعن في إيمانهم ﴿وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْءٍ﴾ أي كما أن حسابك ليس عليهم وإنما ذكر هذا استطرادا لتكون الجملتان بمنزلة قوله ولا تزر وازرة وزر أخرى ﴿فَتَطْرُدَهُمْ﴾ جواب النفي ﴿فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ﴾ جواب النهي والمخاطب بالآية الرسول، والمراد توبيخ المشركين والآية نظير قوله تعالى قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون قال وما علمي بما كانوا يعملون إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون وما أنا بطارد المؤمنين.

(53): ﴿وَكَذَلِكَ ﴾ الفتن ﴿فَتَنَّا﴾ ابتلينا ﴿بَعْضَهُم بِبَعْضٍ﴾ الغني والشريف بالفقير والوضيع بأن وفقناه للسبق بالإيمان ﴿لِّيَقُولواْ﴾ أي الأغنياء إنكارا واللام للعاقبة أو للعلة بتضمين فتنا معنى خذلنا ﴿أَهَؤُلاء﴾ الفقراء ﴿مَنَّ اللّهُ﴾ أنعم ﴿عَلَيْهِم﴾ بالتوفيق للخير ﴿مِّن بَيْنِنَا﴾ دوننا ونحن الرؤساء وهم الضعفاء لو كان خيرا ما سبقونا إليه ﴿أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾ فيوفقهم.

(54): ﴿وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ نزلت فيمن أذنب ثم تاب ﴿أَنَّهُ﴾ بدل من الرحمة وعلى الكسر استئناف ﴿مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ﴾ بالتدارك ﴿فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ به.

(55): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ التفصيل ﴿نفَصِّلُ الآيَاتِ﴾ نبين آيات القرآن ليظهر الحق ﴿وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ﴾ بالتاء خطابا للنبي وبالياء.

(56): ﴿قُلْ إِنِّي نُهِيتُ﴾ عن ﴿أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ﴾ تعبدونهم أو تسمونهم آلهة ﴿مِن دُونِ اللّهِ قُل لاَّ أَتَّبِعُ أَهْوَاءكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا﴾ إن اتبعت أهواءكم ﴿وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ تعريض بهم.

(57): ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ حجة واضحة ﴿مِّن رَّبِّي﴾ من معرفته أو كائنة منه ﴿وَكَذَّبْتُم بِهِ﴾ بربي حيث أشركتم به أو بالبينة بمعنى القرآن ﴿مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ من العذاب ﴿إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ﴾ في عذاب وغيره ﴿يَقُصُّ﴾ القصص ﴿الْحَقَّ﴾ وقرىء يقضي الحق ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾ القاضين.

(58): ﴿قُل لَّوْ أَنَّ عِندِي﴾ في قدرتي ﴿مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ﴾ من العذاب ﴿لَقُضِيَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ﴾ بأن أهلككم فأستريح ولكنه من عند الله ﴿وَاللّهُ أَعْلَمُ بِالظَّالِمِينَ﴾ وبما توجبه الحكمة من أخذهم وإمهالهم.

(59): ﴿وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ﴾ ما يتوصل به إليه مستعار من المفاتيح جمع مفتح بكسر الميم وهو المفتاح أي هو المتوصل إليه وحده أو خزائنه جمع مفتح بالفتح وهو المخزن ﴿لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ﴾ من شجرة ﴿إِلاَّ يَعْلَمُهَا﴾ حال سقوطها وقبله وبعده ﴿وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ﴾ عطف على ورقة ﴿إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ هو علمه تعالى أو اللوح والاستثناء بدل كل من الاستثناء قبله أو بدل اشتمال منه.

(60): ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ﴾ بقبض أرواحكم عند النوم كما قال يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها ﴿وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم﴾ ما كسبتم ﴿بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ يوفقكم في النهار ﴿لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ ليستوفي المستيقظ أجله المضروب له في الدنيا ﴿ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ﴾ بالموت أو البعث ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ بمجازاتكم به.

(61): ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً﴾ ملائكة تحصي أعمالكم وفيه لطف للعباد لأنهم إذا علموا أن أعمالهم تكتب وتعرض في القيامة كان أزجر عن الذنب ﴿حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا﴾ ملك الموت وأعوانه وقرىء توفاه ﴿وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ﴾ لا يقصرون فيما أمروا به.

(62): ﴿ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ﴾ إلى حكمه ﴿مَوْلاَهُمُ﴾ المتولي أمرهم ﴿الْحَقِّ﴾ الثابت العدل في حكمه ﴿أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ﴾ يومئذ لا لغيره ﴿وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ﴾ يحاسبهم بمقدار لمح البصر لا يشغله حساب عن حساب.

(63): ﴿قُلْ مَن يُنَجِّيكُم﴾ بالتشديد والتخفيف ﴿مِّن ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ شدائدهما يقال لليوم الشديد مظلم وذو كواكب ﴿تَدْعُونَهُ﴾ حال ﴿تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً﴾ علانية وسرا حالان أو مصدران ﴿لَّئِنْ أَنجَانَا﴾ وقرىء أنجينا ﴿مِنْ هَذِهِ﴾ الظلمات ﴿لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾.

(64): ﴿قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ﴾ سواها ﴿ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ﴾ به ولا تشكرون.

(65): ﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِّن فَوْقِكُمْ﴾ هو الدخان والصيحة أو الطوفان والريح والحجارة ﴿أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ وهو الخسف والغرق ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً﴾ يخلطكم فرقا مختلفي الأهواء ﴿وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ﴾ يقتل بعضكم بعضا ﴿انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نبين الدلائل ﴿لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ﴾ يميزون الحق من الباطل.

(66): ﴿وَكَذَّبَ بِهِ ﴾ بالقرآن أو العذاب ﴿قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾ الصدق أو الثابت الوقوع ﴿قُل لَّسْتُ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ﴾ فأحفظكم من التكذيب أو أجازيكم إنما أنا منذر.

(67): ﴿لِّكُلِّ نَبَإٍ﴾ خبر ومنه عذابكم ﴿مُّسْتَقَرٌّ﴾ وقت استقرار وحصول ﴿وَسَوْفَ تَعْلَمُونَ﴾ ما يحل بكم تهديد لهم.

(68): ﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا﴾ بالطعن والاستهزاء بها ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ فلا تقعد معهم ﴿حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ غير الخوض فيها ﴿وَإِمَّا﴾ هي إن الشرطية أدغمت في ما الزائدة ﴿يُنسِيَنَّكَ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿الشَّيْطَانُ﴾ بوسوسة مجالسهم ولا يلزم نسيانه (صلى الله عليه وآله وسلّم) لأن فرض الإنساء لا يستلزم وقوعه أو خوطب (صلى الله عليه وآله وسلّم) والمراد غيره ﴿فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى﴾ ذكرك النهي ﴿مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ أي معهم، وأقيم الظاهر مقامه إيذانا بظلمهم بوضع الاستهزاء موضع التعظيم.

(69): ﴿وَمَا عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ﴾ ما يلزمهم بمجالسة الخائضين ﴿مِنْ حِسَابِهِم﴾ مما يحاسبون عليه من القبائح ﴿مِّن شَيْءٍ وَلَكِن ذِكْرَى﴾ عليهم أن يذكروهم ذكرى ويبصرونهم ما استطاعوا ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ نزلت لما قال المسلمون إن كان كلما استهزأ المشركون قمنا وتركناهم فلا ندخل إذا المسجد الحرام.

(70): ﴿وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا﴾ تهاونوا به أي أعرض عنهم ولا تبال بهم ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ فألهتهم عن العقبى ﴿وَذَكِّرْ بِهِ﴾ بالقرآن ﴿أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ﴾ مخافة أن تسلم إلى الهلكة ﴿بِمَا كَسَبَتْ﴾ بسوء عملها ﴿لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ وَلِيٌّ﴾ ناصر ﴿وَلاَ شَفِيعٌ﴾ ينجيها من العذاب ﴿وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ﴾ تفد كل فداء أو نصب كل مصدرا ﴿لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا﴾ المسند إليه منها لا ضمير المصدر بخلاف ولا يؤخذ منها عدل أي فدية ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ﴾ أسلموا للهلكة بسوء عملهم ﴿لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ﴾ ماء يغلي حار ﴿وَعَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ هو النار ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ﴾ بكفرهم.

(71): ﴿قُلْ أَنَدْعُو ﴾ أنعبد ﴿مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُنَا﴾ إن عبدناه ﴿وَلاَ يَضُرُّنَا﴾ إن تركناه ﴿وَنُرَدُّ عَلَى أَعْقَابِنَا﴾ ونرجع إلى الشرك ﴿بَعْدَ إِذْ هَدَانَا اللّهُ﴾ بالتوفيق للإسلام ﴿كَالَّذِي﴾ مشبهين الذي أو ردا كرد الذي ﴿اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ﴾ ذهبت به المردة من هوى أي ذهب ﴿فِي الأَرْضِ﴾ جعلته مردة الجن تائها في المفازة التي لا ماء فيها ﴿حَيْرَانَ﴾ متحيرا لا يدري كيف يصنع ﴿لَهُ﴾ المستهوى ﴿أَصْحَابٌ﴾ رفقاء ﴿يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى﴾ أي يدعونه إلى طريق الحق يقولون له ﴿ائْتِنَا﴾ فيعرض عنهم فيهلك ﴿قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ﴾ أي الإسلام ﴿هُوَ الْهُدَىَ﴾ وحده ﴿وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ﴾ وقد أمرنا بالإسلام ﴿لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ أو أمرنا بذلك لنسلم، واللام بمعنى الباء أو للتعليل.

(72): ﴿وَأَنْ أَقِيمُواْ الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ﴾ عطف على لنسلم أي لإقامتها أو بإقامتها ﴿وَهُوَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾ بعد الموت للجزاء.

(73): ﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ قائما ﴿بِالْحَقِّ﴾ والحكمة ﴿وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ﴾ خبر لقوله ﴿قَوْلُهُ الْحَقُّ﴾ أي تكوينه الحق والحكم حين تكون الأشياء وقيل نصب عطفا على السموات أو الهاء في اتقوه ﴿وَلَهُ الْمُلْكُ﴾ مختص به ﴿يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّوَرِ﴾ قرن من نور التقمه إسرافيل ينفخ فيه وفيه بعدد كل إنسان ثقب فيها روحه ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ ما غاب وما شوهد ﴿وَهُوَ الْحَكِيمُ﴾ في أفعاله ﴿الْخَبِيرُ﴾ بكل شيء.

(74)-(75): ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً﴾ هو عمه والعم يدعى أبا، وأبوه تارخ إجماعا ﴿أتتخذ أصناما ءالهة﴾ نكر أصناما للتحقير والاستفهام للتوبيخ ﴿إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ﴾ عن الحق ﴿مُّبِينٍ وَكَذَلِكَ﴾ التبصير ﴿نُرِي إِبْرَاهِيمَ﴾ تبصرة ﴿مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ ملكهما والتاء للمبالغة روي كشط له عن الأرضين حتى رآهن وما تحتهن وعن السموات حتى رآهن وما فيهن من الملائكة وحملة العرش ﴿وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ﴾.

(76): ﴿فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا﴾ أي الزهرة أو المشتري ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ على طريق الإنكار أو على طريق من ينصف خصمه مع علمه أنه مبطل فيحكي قوله ثم يظهر بطلانه ليكون أدعى إلى الحق ﴿فَلَمَّا أَفَلَ﴾ غاب ﴿قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ﴾ أن أتخذهم أربابا لأن الأفول من صفات المحدث.

(77): ﴿ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا﴾ طالعا ﴿قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي﴾ بلطفه وتوفيقه ﴿لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ﴾ تعريض بضلال قومه بعبادة المصنوع.

(78): ﴿فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي﴾ ذكر المبتدأ لتذكير الخبر ﴿هَذَآ أَكْبَرُ﴾ من الأولين ﴿فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ﴾ بالخالق من الأجرام المخلوقة المحتاج إلى محدث يحدثها.

(79): ﴿إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ﴾ نفسي وعبادتي ﴿لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ﴾ خلقهما وهو الله ﴿حَنِيفًا﴾ مائلا إلى توحيده ﴿وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

(80): ﴿ وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ﴾ جادلوه في التوحيد ﴿قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ﴾ في وحدانيته ﴿وَقَدْ هَدَانِ﴾ إلى توحيده ﴿وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ﴾ من آلهتكم أن تضرني إذ لا تضر ولا تنفع ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا﴾ من سوء يصيبني من جهتها ﴿وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ﴾ أحاط به ﴿عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ﴾ فتميزوا الحق من الباطل.

(81): ﴿وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم﴾ ولا يضر ولا ينفع ﴿ولا تخافون أنكم أشركتم﴾ أي إشراككم ﴿بِاللّهِ﴾ الخالق القادر على الضرر والنفع ﴿مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ﴾ بإشراكه ﴿عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا﴾ حجة وهو آلهتكم المخلوقة العاجزة ﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ من الموحدين والمشركين ﴿أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ من أولي العلم.

(82): ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ﴾ ولم يخلطوا ﴿إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ﴾ بشرك وشك ﴿أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ من تمام قوم إبراهيم.

(83): ﴿وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ ألهمناه إياها ﴿عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ﴾ في العلم والحكمة ﴿مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.

(84): ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ﴾ منهما أو منهم ﴿هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ﴾ قبل إبراهيم ﴿وَمِن ذُرِّيَّتِهِ﴾ الهاء لنوح لقربه ولأن يونس ولوطا ليسا من ذرية إبراهيم وقيل لإبراهيم ومن ذكر في الآية الثالثة عطف على نوحا ﴿دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ﴾ أي كما جزيناهم ﴿نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾.

(85): ﴿وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى﴾ نسب الله عيسى إلى إبراهيم من قبل أمه فيدل على شمول الذرية لأولاد البنت كالحسنين (عليهما السلام) وأنهما ذرية النبي حقيقة ﴿وَإِلْيَاسَ كُلٌّ﴾ منهم ﴿مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ عملا.

(86): ﴿وَإِسْمَاعِيلَ﴾ ابن إبراهيم ﴿وَالْيَسَعَ﴾ ابن أخطوب ﴿وَيُونُسَ﴾ ابن متى ﴿وَلُوطًا﴾ ابن هاران أخي إبراهيم وقيل ابن خالته ﴿وَكُلاًّ﴾ منهم ﴿فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ عالمي زمانهم بالنبوة.

(87): ﴿وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ﴾ عطف على كلا ومن للتبعيض لأن بعضهم ليس نبيا أو على نوحا ويلزم أن يكون في والديهم من ليس بمهدي لجواز أن يراد ببعض آبائهم من عدا العمومة لأن أب العم أب ﴿وَاجْتَبَيْنَاهُمْ﴾ اصطفيناهم ﴿وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ كرر لبيان ما هدوا إليه من الدين الحق.

(88): ﴿ذَلِكَ﴾ الهدى الذي منحوه ﴿هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ﴾ ممن يعلمه أهلا له ﴿وَلَوْ أَشْرَكُواْ﴾ هؤلاء الأنبياء مع فضلهم وعلو شأنهم ﴿لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ كما يحبط عمل غيرهم لو أشرك.

(89): ﴿أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا﴾ جنسه ﴿وَالْحُكْمَ﴾ الحكمة أو الفصل الحق ﴿وَالنُّبُوَّةَ﴾ فإن يكفر بها بهذه الثلاثة ﴿هَؤُلاء﴾ أي أهل مكة ﴿فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا﴾ بمراعاتها ﴿قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ﴾ وهم الأنبياء المذكورون أو الملائكة أو من آمن بالنبي.

(90): ﴿أُوْلَئِكَ﴾ الأنبياء ﴿الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ﴾ بطريقهم من التوحيد والصبر والتبليغ ﴿اقْتَدِهْ﴾ الهاء للسكت ﴿قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ﴾ على التبليغ أو القرآن ﴿أَجْرًا﴾ كما لم يسأل الأنبياء قبلي وهذا مما يقتدى بهم فيه ﴿إِنْ هُوَ﴾ ما التبليغ أو القرآن ﴿إِلاَّ ذِكْرَى﴾ عظة ﴿لِلْعَالَمِينَ﴾ للثقلين.

(91): ﴿وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ﴾ ما عرفه اليهود حق معرفته حين أنكروا الرسل والوحي إذ من عرف الله أنه قادر حكيم لم يخلق الخلق عبثا وأنهم إليه راجعون ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى لزمه أن يقر بأنه يبعث إليهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ﴿قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا﴾ وقرىء الأفعال الثلاثة بالياء وهو إلزام لهم وذم على تفريقهم التوراة في ورقات وإبداء ما يشتهون منها وإخفاء كثير كنعت محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) ﴿وَعُلِّمْتُم﴾ على لسان محمد ﴿مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ﴾ فإن هذا القرآن يقص على بني إسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون ﴿قُلِ اللّهُ﴾ أي أنزله الله إذ لا جواب غيره ﴿ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ﴾ باطلهم ﴿يَلْعَبُونَ﴾ حال من ذرهم أو من خوضهم.

(92): ﴿وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ القرآن ﴿كتاب أنزلناه مبارك﴾ كثير النفع ﴿مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ قبله من الكتب ﴿وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى﴾ عطف على محذوف ولتنذر أهل مكة لأنها قبلة أهل القرى ومحجهم أو لأن فيها أول بيت وضع أو لدحو الأرض من تحتها ﴿وَمَنْ حَوْلَهَا﴾ سائر الناس ﴿وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ﴾ فإن خوف المعاقبة يبعث على الإيمان بالرسول والقرآن.

(93): ﴿وَمَنْ﴾ لا أحد ﴿أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ بادعاء النبوة أو الأعم منه ﴿أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ﴾ قيل نزلت في مسيلمة أو ابن أبي سرح كان يكتب للنبي فلما نزل ولقد خلقنا الإنسان إلى قوله خلقا آخر قال متعجبا فتبارك الله أحسن الخالقين فقال (صلى الله عليه وآله وسلّم) اكتبها فكذلك نزلت فشك فقال إن صدق محمد فقد أوحي إلي كما أوحي إليه وإن كذب فقد قلت كما قال ﴿وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللّهُ﴾ وهم الذين قالوا لو نشاء لقلنا مثل هذا وقيل هو ابن أبي سرح ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ﴾ شدائده وسكراته من غمره الماء إذا غشيه ﴿وَالْمَلآئِكَةُ بَاسِطُواْ أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ﴾ لقبض أرواحهم أو بالعذاب يقولون تغليظا عليهم ﴿أخرجوا أنفسكم﴾ لنقبضها أو خلصوها من العذاب ﴿الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ﴾ الهوان وإضافته إليه لتمكنه فيه ﴿بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ﴾ كالإشراك ودعوى الإيحاء بالكذب ﴿وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ﴾ عن الإيمان بها ﴿تَسْتَكْبِرُونَ﴾ وجواب لو محذوف أي لرأيت أمرا فظيعا.

(94): ﴿وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى﴾ منفردين عن الأهل والمال ﴿كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ﴾ بدل منه أو حال مرادفة أو مداخلة أي مشبهين ابتداء خلقكم حفاة عراة غرلا ﴿وَتَرَكْتُم مَّا خَوَّلْنَاكُمْ﴾ ما أعطيناكم من الأموال ﴿وَرَاء ظُهُورِكُمْ﴾ لم تحتملوا منه شيئا ولا قدمتموه ﴿وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءكُمُ﴾ الأصنام ﴿الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاء﴾ الله ﴿لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ﴾ وصلكم ﴿وَضَلَّ﴾ ضاع ﴿عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ﴾ من شفاعتها أو أن لا بعث.

(95): ﴿إِنَّ اللّهَ فَالِقُ الْحَبِّ﴾ شاقه بالنبات ﴿وَالنَّوَى﴾ وشاق النواة اليابسة فيخرج منها النخل والشجر ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾ الحيوان من النطفة والطائر من البيضة والنامي من الحب والنوى ﴿وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ﴾ هذه الأشياء ﴿مِنَ الْحَيِّ﴾ الحيوان والنامي ﴿ذَلِكُمُ﴾ الفالق والمخرج ﴿اللّهُ﴾ المستحق للعبادة ﴿فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ﴾ تصرفون عنه مع وضوح الدليل.

(96): ﴿فَالِقُ الإِصْبَاحِ﴾ شاق عمود الصبح من ظلمة الليل ﴿وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا﴾ يسكن الخلق فيه أو للاستراحة والطمأنينة ﴿وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ﴾ نصبا بإضمار جعل أو بالعطف على محل الليل ﴿حُسْبَانًا﴾ حسابا للأوقات ﴿ذَلِكَ﴾ المذكور ﴿تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ﴾ في سلطانه ﴿الْعَلِيمِ﴾ بتدبير خلقه.

(97)-(98): ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ﴾ خلق لنفعكم ﴿النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ﴾ في ظلمات الليل فيهما وأضيفت إليهما للملابسة وهو تخصيص لبعض منافعهما بعد الإجمال، القمي النجوم آل محمد ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ﴾ بينا الحجج ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ لأنهم المنتفعون به ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ﴾ هو آدم ﴿فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ﴾ فلكم استقرار في الأرحام أو فوق الأرض والاستيداع في الأصلاب أو القبور أو مكان استقرار واستيداع وقرىء بكسر القاف اسم فاعل أي قار ﴿قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ مواقعها وذكر في السابقة يعلمون وهنا يفقهون لأن إنشاء الإنس من آدم وتصريف أحوالهم أدق فيحتاج إلى دقة نظر.

(99): ﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء﴾ من جهتها أو السحاب ﴿مَاء فَأَخْرَجْنَا﴾ التفات عن الغيبة ﴿بِهِ﴾ بالماء ﴿نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ رزقه أو نبات كل صنف ينبت ﴿فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ﴾ من النبات أو الماء ﴿خَضِرًا﴾ شيئا أخضر ﴿نُّخْرِجُ مِنْهُ﴾ من الخضر ﴿حَبًّا مُّتَرَاكِبًا﴾ يركب بعضه بعضا كالسنبل ونحوه ﴿وَمِنَ النَّخْلِ﴾ خبر ﴿مِن طَلْعِهَا﴾ بدل منه قنوان مبتدأ أي وحاصلة من طلع النخل ﴿قِنْوَانٌ﴾ جمع قنو وهو العذق ﴿دَانِيَةٌ﴾ قريبة التناول أو قريب بعضها من بعض واقتصر عليها دون البعيدة لفهمها منها وفضلها ﴿وَجَنَّاتٍ مِّنْ أَعْنَابٍ﴾ عطف على نبات وعن علي (عليه السلام) بالرفع مبتدأ أي ولكم جنات ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ حال من الجميع أي بعضه متشابه طعما ولونا وحجما وبعضه غير متشابه ﴿انظُرُواْ﴾ معتبرين ﴿إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ﴾ أو إخراجه كيف هو ﴿وَيَنْعِهِ﴾ وإلى نضجه إذا أدرك كيف يعود كبيرا ذا نفع ولذة ﴿إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لآيَاتٍ﴾ دلالات على الصانع ﴿لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ خصوا لأنهم المنتفعون به.

(100): ﴿وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ﴾ وقالوا الملائكة بنات الله وسموا جنا لاجتنانهم أو الشياطين إذ أطاعوهم في عبادة الأوثان ﴿وَخَلَقَهُمْ﴾ حال أي وقد خلق الله الجاعلين دون الجن أو خلق الجن ﴿وَخَرَقُواْ﴾ بالتخفيف والتشديد اختلفوا ﴿لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ﴾ كقول أهل الكتابين عزير ابن الله والمسيح ابن الله ومشركي العرب الملائكة بنات الله ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ بحقيقة ما قالوا ﴿سُبْحَانَهُ﴾ تنزيها له ﴿وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ﴾ من الشريك.

(101): ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾ مبدعهما من غير مثال سبق ﴿أَنَّى﴾ كيف ﴿يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ﴾ زوجة ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ والخالق لكل مخلوق والعالم بكل معلوم غني عن الولد وغيره.

(102): ﴿ذَلِكُمُ﴾ الموصوف بما سبق مبتدأ خبره ﴿اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ﴾ فإن المستجمع لهذه الصفات هو المستحق للعبادة ﴿وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾ متولي الأمور ومدبرها وحافظها.

(103): ﴿لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ﴾ لا تحيط به الأوهام ﴿وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ﴾ يحيط بها أو لا تدركه حواس النظر وهو يدركها فيراها ولا تراه ﴿وَهُوَ اللَّطِيفُ﴾ النافذ في الأشياء الممتنع من أن يدرك ﴿الْخَبِيرُ﴾ لا يعزب عنه شيء.

(104): ﴿ قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ﴾ حجج ﴿مِن رَّبِّكُمْ﴾ تبصركم الحق ﴿فَمَنْ أَبْصَرَ﴾ الحق وآمن ﴿فَلِنَفْسِهِ﴾ أبصر وإياها نفع ﴿وَمَنْ عَمِيَ﴾ عنه ﴿فَعَلَيْهَا﴾ وبال عماه ﴿وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ﴾ أحفظ أعمالكم إنما أنت منذر والكلام عن لسان النبي.

(105): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ التصريف ﴿نُصَرِّفُ الآيَاتِ﴾ نبينها ﴿وَلِيَقُولُواْ دَرَسْتَ﴾ نصرفها واللام للعاقبة أو بمعنى لئلا يقولوا درست أي قرأت وتعلمت وقرىء دارست أي ذاكرت أهل الكتاب ﴿وَلِنُبَيِّنَهُ﴾ الضمير للآيات بمعنى القرآن ﴿لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.

(106): ﴿اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ﴾ من الدين ﴿لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ﴾ لا تخالطهم.

(107): ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ جبرهم على ترك الإشراك ﴿مَا أَشْرَكُواْ﴾ لكنه لم يشأ جبرهم على ذلك لمنافاته الحكمة ﴿وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا﴾ رقيبا ﴿وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ﴾ فتجبرهم على التوحيد.

(108): ﴿وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ﴾ يعبدونهم ﴿مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْوًا﴾ تعديا للحق وقرىء بالتشديد ﴿بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ جاهلين بالله ﴿كَذَلِكَ﴾ التزيين ﴿زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ من الكفرة ﴿عَمَلَهُمْ﴾ أي لم نكفهم حتى حسن عندهم سوء عملهم أو أمهلنا الشيطان حتى زينه لهم ﴿ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بالمجازاة عليه.

(109): ﴿} وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ﴾ مجتهدين فيها ﴿لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ﴾ مما اقترحوه ﴿لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللّهِ﴾ لا عندي فينزلها متى شاء كيف شاء ﴿وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا﴾ أي الآية المقترحة ﴿إِذَا جَاءتْ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ أي لا تدرون ذلك خطاب للمؤمنين إذ طمعوا في إيمانهم فتمنوا مجيء الآية وقيل لا زائدة وقيل إن بمعنى لعل وقرىء تؤمنون بالتاء خطابا للكفرة.

(110): ﴿وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ﴾ نطبع عليها عقوبة فلا يفقهون الحق ولا يبصرونه فلا يؤمنون بها ﴿كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ﴾ بما أنزل من الآيات ﴿أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ أي لا نكفهم عن ضلالهم حتى يترددوا متحيرين.

(111): ﴿وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلآئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى﴾ كما اقترحوه وقالوا لو لا أنزل علينا الملائكة وقالوا فأتوا بآبائنا ﴿وَحَشَرْنَا﴾ جمعنا ﴿عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً﴾ بضم أوليه جمع قبيلة أي جماعات أو جمع قبيل بمعنى كفيل أو كفلاء أو مصدر بمعنى مقابلة كما قرىء بكسر القاف وفتح الباء ﴿مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ﴾ عند هذه الآيات ﴿إِلاَّ أَن يَشَاء اللّهُ﴾ جبرهم على الإيمان ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ﴾ ذلك فيطمعون في إيمانهم.

(112): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما جعلنا لك عدوا ﴿جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا﴾ أسند الجعل إليه تعالى لأنه بمعنى التخلية أي لم يمنعهم من العداوة ﴿شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ﴾ مردتهما بدل من عدو ﴿يُوحِي﴾ يوسوس ﴿بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ﴾ باطله المموه ﴿غُرُورًا﴾ مفعول له ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ﴾ أي الإيحاء أو الزخرف ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ من الكفر تهديد لهم، أو منسوخ بآية السيف.

(113): ﴿وَلِتَصْغَى﴾ عطف على غرور أي تميل ﴿إِلَيْهِ﴾ إلى الإيحاء أو الزخرف ﴿أَفْئِدَةُ﴾ قلوب ﴿الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ﴾ ليكتسبوا ﴿مَا هُم مُّقْتَرِفُونَ﴾ من الآثام.

(114): ﴿أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا﴾ أي قل لهم أفغير الله أطلب من يحكم بيني وبينكم ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ﴾ القرآن ﴿مُفَصَّلاً﴾ مبينا فيه الحق من الباطل وهو بإعجازه مغن عن كل آية ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ﴾ أي مؤمنوهم كابن سلام واضرابه ﴿يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ﴾ في أنه منزل منه من باب التهييج أو في علمهم بذلك والخطاب لكل أحد، أو من باب إياك أعني.

(115): ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ﴾ أخباره وأحكامه ووحدها الكوفيون أي ما تكلم به أو القرآن ﴿صِدْقًا﴾ في الأخبار حال أو تمييز وكذا ﴿وَعَدْلاً﴾ في الأحكام ﴿لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ﴾ بخلف أو نقض أو لا أحد يبدلهما بما هو أصدق وأعدل ﴿وَهُوَ السَّمِيعُ﴾ لأقوالهم ﴿الْعَلِيمُ﴾ بأعمالهم.

(116): ﴿وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ﴾ أي الكفار ﴿يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ﴾ دينه ﴿إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ﴾ وهو ظنهم أن آباءهم على حق أو آراؤهم الفاسدة ﴿وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ يكذبون أن الله أحل كذا.

(117): ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ أي أعلم بالفريقين.

(118): ﴿فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ﴾ على ذبحه لا مما ذكر عليه اسم غيره ﴿إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ﴾.

(119): ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ﴾ في آية حرمت عليكم الميتة ﴿إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾ مما حرم عليكم فهو حلال لكم للضرورة ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ﴾ بفتح الياء وضمها ﴿بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ بغير حجة وبرهان يفيد علما ﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ﴾ المجاوزين عن الحلال إلى الحرام.

(120): ﴿وَذَرُواْ ظَاهِرَ الإِثْمِ وَبَاطِنَهُ﴾ ما أعلن وما أسر وما بالجوارح وما بالقلب والإثم قيل الزنا وقيل كل معصية ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُواْ يَقْتَرِفُونَ﴾ يكتسبون.

(121): ﴿وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ﴾ أي الأكل منه ﴿لَفِسْقٌ﴾ خروج عن طاعة الله ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ﴾ الكفار ﴿لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ في تحليل الميتة بقولهم ما قتل الله أحق أن تأكلوه مما قتلتم ﴿وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ﴾ في ذلك ﴿إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ﴾ بترك دين الله إلى دينهم.

(122): ﴿أَوَ مَن كَانَ مَيْتًا﴾ أي كافرا بالتخفيف والتشديد ﴿فَأَحْيَيْنَاهُ﴾ بالهدى إلى الإيمان ﴿وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ﴾ علما بالحجج الفاصلة بين الحق والباطل ﴿كَمَن مَّثَلُهُ﴾ صفته ﴿فِي الظُّلُمَاتِ﴾ ظلمات الكفر ﴿لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ حال من فاعل الظرف ﴿كَذَلِكَ﴾ كما زين للمؤمن إيمانه ﴿زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ زينه الشيطان أو الله بتخليتهم وشأنهم والآية نزلت في حمزة أو عمار وأبي جهل.

(123): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما جعلنا فساق مكة أكابرها ﴿جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ﴾ مفعول ثان ﴿مُجَرِمِيهَا﴾ أول خليناهم ﴿لِيَمْكُرُواْ فِيهَا﴾ وخص الأكابر لأن الناس لهم أطوع ﴿وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ﴾ لعود وباله عليهم ﴿وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ بذلك.

(124): ﴿ وَإِذَا جَاءتْهُمْ﴾ أي كفار مكة ﴿آيَةٌ﴾ على صدق النبي ﴿قَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتَى مِثْلَ مَا أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ﴾ قيل قال أبو جهل زاحمنا بني عبد مناف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه والله لا نرضى به إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه فنزلت ﴿اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾ وقرىء رسالاته ﴿سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُواْ صَغَارٌ﴾ ذل بعد كبرهم ﴿عِندَ اللّهِ﴾ في القيامة ﴿وَعَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا كَانُواْ يَمْكُرُونَ﴾ بمكرهم.

(125): ﴿فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ﴾ أي يلطف به ﴿يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ﴾ بأن يفسح فيه وينور قلبه ﴿وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا﴾ يمنعه الطاقة حتى ينبو عن قبول الحق فلا يدخله الإيمان ﴿حَرَجًا﴾ بفتح الراء وكسرها أي شديد الضيق ﴿كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ﴾ يتصعد وقرىء يصاعد أي يتصاعد ﴿فِي السَّمَاء﴾ إذا كلف الإيمان لشدته عليه أو كأنما يتصاعد إليها نبوا عن الحق ﴿كَذَلِكَ﴾ الجعل ﴿يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ﴾ الخذلان وضع اللطف أو العذاب ﴿عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ﴾ وضع موضع عليهم تعليلا.

(126): ﴿وَهَذَا﴾ البيان أو الإسلام أو التوفيق والخذلان ﴿صِرَاطُ رَبِّكَ﴾ والذي طريقه الذي ارتضاه والذي اقتضته حكمته ﴿مُسْتَقِيمًا﴾ لا عوج له أو عادلا حال مؤكدة عاملها معنى الإشارة ﴿قَدْ فَصَّلْنَا﴾ بينا ﴿الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ﴾ يتذكرون أي يتعظون فإنهم المنتفعون بها.

(127): ﴿لَهُمْ﴾ للمتذكرين ﴿دَارُ السَّلاَمِ﴾ أي السلامة أو دار الله وهي الجنة ﴿عِندَ رَبِّهِمْ﴾ في ضمانه ﴿وَهُوَ وَلِيُّهُمْ﴾ متولي أمرهم أو ناصرهم ﴿بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ بسبب أعمالهم أو متوليهم بجزائها.

(128): ﴿وَيَوْمَ يِحْشُرُهُمْ جَمِيعًا﴾ وقرىء بالياء بإضمار اذكر أو نقول ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ﴾ أي الشياطين ﴿قَدِ اسْتَكْثَرْتُم مِّنَ الإِنسِ﴾ من إغوائهم أو منهم بالإغواء ﴿وَقَالَ أَوْلِيَآؤُهُم مِّنَ الإِنسِ﴾ الذين أطاعوهم ﴿رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ﴾ هؤلاء دلونا على الشهوات ونحن أطعناهم ﴿وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِيَ أَجَّلْتَ لَنَا﴾ أي القيامة فكيف يكون حالنا اليوم ﴿قَالَ﴾ الله لهم ﴿النَّارُ مَثْوَاكُمْ﴾ مقامكم ﴿خَالِدِينَ فِيهَا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَليمٌ﴾.

(129): ﴿وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا﴾ أي ينتصر بعضهم ببعض أو نكل بعضهم إلى بعض في القيامة أو نقرنه في النار ﴿بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ﴾ من الشر.

(130)-(131): ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ﴾ من مجموعكم وهم من الإنس خاصة كيخرج منهما اللؤلؤ والمرجان وقيل كل من الثقلين وقيل رسل الجن رسل الرسل إليهم، وروي أن الله بعث نبيا إلى الجن يقال له يوسف فقتلوه وأرسل محمدا إلى الثقلين ﴿يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ﴾ مجيبين: ﴿شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا﴾ بالكفر واعترفنا باستحقاق العذاب ﴿وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ فكفروا ﴿وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ ذَلِكَ﴾ أي إرسال الرسل خبر محذوف أي الأمر ذلك ﴿أَن﴾ مخففة أو مصدرية بتقدير لام أي لأنه ﴿لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ﴾ أي لانتفاء كونه ﴿مُهْلِكَ الْقُرَى﴾ أو بدل من ذلك ﴿بِظُلْمٍ﴾ بسبب ظلم منها أو ظالما ﴿وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ﴾ لم ينبهوا برسول.

(132): ﴿وَلِكُلٍّ﴾ من المكلفين ﴿دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ﴾ من جزاء أعمالهم ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ﴾ فيخفي قدر جزائه وقرىء بالتاء.

(133): ﴿وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ﴾ عن خلقه وإطاعتهم ﴿ذُو الرَّحْمَةِ﴾ يترحم عليهم بالتكليف ليعرضهم للنفع الدائم ﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ﴾ يهلككم أيها العصاة ﴿وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء﴾ من الحق ﴿كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ﴾ بيان لقدرته على استخلاف قوم مكان قوم.

(134): ﴿إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ﴾ الله من إتيان ما وعد.

(135): ﴿قُلْ يَا قَوْمِ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ﴾ تمكينكم أو طريقكم أو حالتكم وقرىء مكاناتكم وهو تهديد أي اثبتوا على كفركم كقوله اعملوا ما شئتم ﴿إِنِّي عَامِلٌ﴾ على ما أنا عليه من الإسلام ومغايرتكم ﴿فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن تَكُونُ لَهُ عَاقِبَةُ الدِّارِ﴾ أي العاقبة الحسنى في الدار الآخرة ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾ وضع موضع الكافرين لعمومه.

(136): ﴿وَجَعَلُواْ﴾ أي المشركون ﴿لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ﴾ خلق ﴿مِنَ الْحَرْثِ﴾ الزرع ﴿وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا﴾ حظا يطعمونه الضيفان والمساكين ولآلهتهم منه نصيبا يصرفونه إلى سدنتها ﴿فَقَالُواْ هَذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ﴾ إلى جهته ﴿وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ﴾ كانوا إذا رأوا نصيب الله أزكى بدلوه بنصيب آلهتهم وإن رأوا نصيبها أزكى تركوه لها وقيل إن سقط في نصيبه شيء من نصيبها التقطوه وإن عكس تركوه ﴿سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾ حكمهم هذا.

(137): ﴿وَكَذَلِكَ﴾ كما زين لهم فعلهم ﴿زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ﴾ بالوأد ونحرهم للأصنام ﴿شُرَكَآؤُهُمْ﴾ من الشياطين أو السدنة وهو فاعل زين وقرىء بالبناء للمفعول ونصب أولادهم وجر شركائهم وفيه تعسف ﴿لِيُرْدُوهُمْ﴾ ليهلكوهم ﴿وَلِيَلْبِسُواْ﴾ يخلطوا ﴿عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ﴾ أي ما كانوا عليه من دين إسماعيل واللام للعلة إن كان المزين الشيطان وللعاقبة إن كان السدنة ﴿وَلَوْ شَاء اللّهُ﴾ قسرهم ﴿مَا فَعَلُوهُ﴾ ما فعل المشركون أو الشركاء ذلك ﴿فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ﴾ وافتراءهم أو ما يفترونه.

(138): ﴿وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ﴾ حرام ﴿لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء﴾ من خدم الأصنام والرجال دون النساء ﴿بِزَعْمِهِمْ﴾ بلا حجة ﴿وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا﴾ فلا تركب كالبحائر والسوائب والحوامي ﴿وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا﴾ عند ذبحها ويذكرون اسم أصنامهم أولا يحجون عليها ﴿افْتِرَاء عَلَيْهِ﴾ حال أو مفعول له أو مصدر لأن قالوا بمعنى افتروا على الله بنسبة ذلك إليه ﴿سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ﴾ بسببه أو مقابله.

(139): ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الأَنْعَامِ﴾ أجنة البحائر والسوائب ﴿خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا﴾ حلال لهم تأنيثها بمعنى ما أي الأجنة أو تاؤها للمبالغة كرواية الشعر ﴿وَمُحَرَّمٌ﴾ ذكر للفظ ما ﴿عَلَى أَزْوَاجِنَا﴾ أي الإناث إن ولد حيا ﴿وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ﴾ الذكور والإناث ﴿فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ﴾ جزاء وصفهم الكذب على الله ﴿إِنَّهُ حِكِيمٌ﴾ في فعله ﴿عَلِيمٌ﴾ بخلقه.

(140): ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ﴾ بالتخفيف والتشديد ﴿أَوْلاَدَهُمْ﴾ وبناتهم مخافة السبي والفقر والعار ﴿سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ﴾ لخفة عقلهم وجهلهم ﴿وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ﴾ مما ذكر ﴿افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ﴾ إلى الحق.

(141): ﴿وَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَنَّاتٍ﴾ بساتين ﴿مَّعْرُوشَاتٍ﴾ مرفوعات بالدعائم أو ما غرسه الناس فعرشوه ﴿وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ﴾ ملقيات على الأرض أو ما ينبت في البراري ﴿وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ﴾ ثمره وحبه في الهيئة والطعم والضمير لكل واحد منها ﴿وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا﴾ أي بعض أفرادهما طعما ولونا ﴿وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ﴾ أي بعضها ﴿كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ﴾ ثمر كل من ذلك ﴿إِذَا أَثْمَرَ﴾ وإن لم يدرك ﴿وَآتُواْ حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ هذا في غير الزكاة في الضغث من السنبل والكف من البسر ﴿وَلاَ تُسْرِفُواْ﴾ في التصدق ﴿إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ لا يرضى فعلهم.

(142): ﴿وَمِنَ الأَنْعَامِ﴾ وأنشأ منها ﴿حَمُولَةً﴾ ما يحمل الأثقال أو الكبار الصالحة للحمل ﴿وَفَرْشًا﴾ ما يفرش للذبح أو يفرش ما نسج من صوفه ونحوه أو الصغار الدانية من الأرض كالفرش لها ﴿كُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ﴾ فإنه مباح لكم ﴿وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ﴾ طرقه في التحليل والتحريم ﴿إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ﴾ بين العداوة.

(143): ﴿ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ﴾ بدل من حمولة وفرشا، والزوج ما معه آخر من جنسه ﴿مِّنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ﴾ الكبش والنعجة وهو بدل من ثمانية أزواج ﴿وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ﴾ جمع ماعز ﴿قُلْ﴾ إنكار على من حرم ما أحل الله ﴿آلذَّكَرَيْنِ﴾ من الضأن والمعز ﴿حَرَّمَ﴾ الله ﴿أَمِ الأُنثَيَيْنِ﴾ منهما ﴿أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ﴾ أم ما حملت الإناث منهما ذكرا كان أو أنثى ﴿نَبِّؤُونِي بِعِلْمٍ﴾ بحجة تدل على أن الله حرم شيئا من ذلك ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ فيه ألزمهم الله بأن التحريم إن كان للذكورة فكل ذكر حرام أو للأنوثة فكل أنثى حرام أو لاشتمال الرحم فالصنفان فمن أين التخصيص ببعض دون بعض.

(144): ﴿وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ﴾ كما مر ﴿أَمْ﴾ بل ﴿كُنتُمْ شُهَدَاء﴾ حضورا ﴿إِذْ وَصَّاكُمُ اللّهُ بِهَذَا﴾ التحريم إذ لم تؤمنوا بنبي فلا طريق إلى معرفته إلا المشاهدة ﴿فَمَنْ﴾ أي لا أحد ﴿أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا﴾ بنسبة تحريم ذلك إليه ﴿لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾ إلى ثوابه أو لا يلطف بهم.

(145): ﴿قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ يفيد أن لا تحريم إلا بالوحي ﴿إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ﴾ خبيث قذر ﴿أَوْ فِسْقًا﴾ عطف على لحم خنزير ﴿أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ﴾ ذبح على اسم الصنم وسمي فسقا لتوغله فيه ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ﴾ إلى تناول شيء من ذلك ﴿غَيْرَ بَاغٍ﴾ اللذة ﴿وَلاَ عَادٍ﴾ حد الضرورة ﴿فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ﴾ له ﴿رَّحِيمٌ﴾ به.

(146): ﴿وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ﴾ كل ما له إصبع كالإبل والطيور والسبأع أو كل ذي مخلب وظفر ﴿وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا﴾ الثروب وشحم الكلى ﴿إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا﴾ اشتملت عليها ﴿أَوِ الْحَوَايَا﴾ أو ما اشتمل عليه الأمعاء جمع حاوية أو حاوتة ﴿أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ﴾ هو شحم الألية لاختلاطه بالعصعص ﴿ذَلِكَ﴾ الجزاء ﴿جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ﴾ بسبب ظلمهم ﴿وِإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فيما نقول.

(147): ﴿فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ﴾ لأهل طاعته أو لكم حيث أمهلكم ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ﴾ عذابه ﴿عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ﴾ إذا نزل.

(148): ﴿سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ﴾ تعللوا بقول المجبرة والأشاعرة ﴿كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم﴾ الحجج ﴿حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا﴾ عذابنا ﴿قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ﴾ حجة توجب علما فيما زعمتم ﴿فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ﴾ في ذلك ﴿إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ ﴾ تكذبون فيه.

(149): ﴿قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ﴾ البينة التي بلغت قطع عذر المحجوج ﴿فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ﴾ بإلجائكم إلى الإيمان لكنه لم يشأ لمنافاته الحكمة.

(150): ﴿قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءكُمُ﴾ أحضروهم ﴿الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِن شَهِدُواْ فَلاَ تَشْهَدْ مَعَهُمْ﴾ فلا تصدقهم إذ التصديق كالشهادة معهم بالباطل ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا﴾ وضع موضع ولا تتبع أهواءهم ليدل على أن مكذب الآيات متبع هواه لا غيره ﴿وَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ﴾ كعبدة الأصنام ﴿وَهُم بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ يجعلون له عديلا وتفيد الآية منع التقليد ووجوب اتباع الحجة دون الهوى.

(151): ﴿قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ﴾ أقرأ ﴿مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ﴾ أن مفسرة وتعليق المفسر وهو أتل بما حرم لا يمنع عطف الأوامر عليه لرجوع التحريم فيها إلى أضدادها وإن جعل ناصبة فهي منصوبة بعليكم على الإغراء أو بالبدل من ما على زيادة لا أو مجرور بلام مقدرة ﴿شَيْئًا﴾ مفعول أو مصدر ﴿وَبِالْوَالِدَيْنِ﴾ وأحسنوا بهما ﴿إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ﴾ من خشية فقر ﴿نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ﴾ الكبائر أو الزنا ﴿مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ﴾ علانيتها وسرها كقوله ظاهر الإثم وباطنه ﴿وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ﴾ كالقود وحد المحصن والمرتد ﴿ذَلِكُمْ﴾ المذكور ﴿وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ﴾ ما وصاكم ولا تضيعونه.

(152): ﴿وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي﴾ بالخصلة التي ﴿هِيَ أَحْسَنُ﴾ ما يفعل بماله كحفظه وتنميته ﴿حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾ قوته ويصير بالغا رشيدا ﴿وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ﴾ بالعدل ﴿لاَ نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ إلا ما يسعها ﴿وَإِذَا قُلْتُمْ﴾ في حكم ونحوه ﴿فَاعْدِلُواْ﴾ فيه ﴿وَلَوْ كَانَ﴾ المقول له أو عليه ﴿ذَا قُرْبَى﴾ قرابة ﴿وَبِعَهْدِ اللّهِ﴾ ما عهد إليكم مما أوجبه عليكم ﴿أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ تتعظون.

(153): ﴿وَأَنَّ هَذَا﴾ المذكور في السورة من بيان الدين ﴿صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا﴾ حال ﴿فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ﴾ الطرق المختلفة ﴿فَتَفَرَّقَ﴾ تتفرق أي تميل ﴿بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ﴾ دينه ﴿ذَلِكُمْ﴾ الإتباع ﴿وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾ الضلال عن الحق.

(154): ﴿ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَامًا﴾ للنعمة مفعول له ﴿عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ﴾ بالقيام به أو بتبليغه وهو موسى ﴿وَتَفْصِيلاً﴾ بيانا ﴿لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُم﴾ أي أمة موسى ﴿بِلِقَاء رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ أي بالبعث.

(155): ﴿وَهَذَا﴾ القرآن ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ﴾ كثير الخير ﴿فَاتَّبِعُوهُ﴾ اعملوا بما فيه ﴿وَاتَّقُواْ﴾ مخالفته ﴿لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ﴾ باتباعه.

(156): ﴿أَن تَقُولُواْ﴾ أي أنزلنا كراهة أن تقولوا ﴿إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا﴾ اليهود والنصارى ﴿وَإِن﴾ مخففة ﴿كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ﴾ تلاوتهم ﴿لَغَافِلِينَ﴾ أي لا نعرف مثلها واللام فارقة.

(157): ﴿أَوْ تَقُولُواْ لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ﴾ لذكائنا ﴿فَقَدْ جَاءكُم بَيِّنَةٌ﴾ حجة واضحة بلسانكم ﴿مِّن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ﴾ لمن اتبعها ﴿فَمَنْ﴾ أي لا أحد ﴿أَظْلَمُ مِمَّن كَذَّبَ بِآيَاتِ اللّهِ وَصَدَفَ﴾ صد أو أعرض ﴿عَنْهَا سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آيَاتِنَا سُوءَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُواْ يَصْدِفُونَ﴾ بصدفهم.

(158): ﴿هَلْ يَنظُرُونَ﴾ ما ينتظر كفار مكة ﴿إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ﴾ لتوفيهم أو بالعذاب وقرىء بالياء ﴿أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ أي أشراط الساعة كطلوع الشمس من مغربها وغيره ﴿يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ﴾ عنهم (عليهم السلام) أنه العذاب في الدنيا ﴿لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا﴾ لزوال التكليف ﴿لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ﴾ صفة نفسا ﴿أَوْ﴾ لم تكن ﴿كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا﴾ طاعة ﴿قُلِ انتَظِرُواْ﴾ إتيان أحد الثلاثة ﴿إِنَّا مُنتَظِرُونَ﴾ ذلك.

(159): ﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ﴾ اختلفوا فيه فآمنوا ببعض وكفروا ببعض ﴿وَكَانُواْ شِيَعًا﴾ فرقا كل فرقة تشيع إماما ﴿لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾ أي من السؤال عن تفرقهم أو من عقابهم أو نهي عن قتالهم ونسخ بآية السيف ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ﴾ في مجازاتهم ﴿ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ﴾ بالمجازاة.

(160): ﴿مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا﴾ فضلا ورفع أمثالها صفة لعشر ﴿وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا﴾ أي جزاء عدلا منه تعالى ﴿وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ﴾ بنقص ثواب وزيادة عقاب.

(161): ﴿قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا﴾ بدل من محل صراط أي هداني صراطا ﴿قِيَمًا﴾ فيعل من قام كسيد من ساد وقرىء بكسر القاف وفتح الياء مخففا كالقيام وصف به مبالغة ﴿مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ﴾ عطف بيان لدنيا ﴿حَنِيفًا﴾ حال من إبراهيم ﴿وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾.

(162): ﴿قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي﴾ عبادتي أو قرباني وحياتي وموتي أو ما آتيه في حياتي وأموت عليه من الإيمان ﴿لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾.

(163): ﴿لاَ شَرِيكَ لَهُ﴾ لا أشرك فيها غيره ﴿وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ﴾ لأنه أول من أجاب في الذر أو من هذه الأمة.

(164): ﴿قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا﴾ أطلب غيره إلها ﴿وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ﴾ فكل ما سواه مربوب لا يصلح للربوبية ﴿وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا﴾ فلا تنفعني إن أشركت به إشراككم ﴿وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ﴾ لا تحمل نفس آثمة ﴿وِزْرَ﴾ نفس ﴿أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ﴾ بتميز الحق من الباطل.

(165): ﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ﴾ يخلف بعضكم بعضا أو خلفاء الأمم السالفة ﴿وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ﴾ بالشرف والمال ﴿لِّيَبْلُوَكُمْ﴾ ليختبركم ﴿فِي مَا آتَاكُمْ﴾ من ذلك ﴿إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ﴾ فاحذروه ﴿وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ﴾ للمؤمنين ﴿رَّحِيمٌ﴾ بهم.