الآيات 32-34

وَلَقَدِ اسْتُهْزِىءَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ﴿32﴾ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء قُلْ سَمُّوهُمْ أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأَرْضِ أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ الْقَوْلِ بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ وَصُدُّواْ عَنِ السَّبِيلِ وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ ﴿33﴾ لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَقُّ وَمَا لَهُم مِّنَ اللّهِ مِن وَاقٍ ﴿34﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة ويعقوب ﴿و صدوا﴾ بضم الصاد وكذلك في حم المؤمن والباقون وصدوا بفتح الصاد.

الحجة:

قال أبو الحسن : صد وصددته مثل رجع ورجعته قال:

صدت كما صد عما لا يحل له

ساقي نصارى قبيل الفصح صوام

قال عمرو بن كلثوم:

صددت الكأس عنا أم عمرو

وكان الكأس مجراها اليمينا وحجة من أسند الفعل إلى الفاعل قوله ﴿الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله﴾ وفي موضع آخر يصدون عن سبيل الله وصدوكم عن المسجد الحرام فلما أسند الفعل إلى الفاعل في هذه الآية فكذلك في هذه الآية أي صدوا الناس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن بنى الفعل للمفعول به جعل فاعل الصد غواتهم والعتاة منهم في كفرهم وقد يكون على نحو ما يقال صد فلأن عن الخير وصد عنه بمعنى أنه لم يفعل خيرا ولا يراد به أن مانعا منعه.

اللغة:

الاستهزاء طلب الهزء والهزء إظهار خلاف الإضمار للاستصغار والإملاء التأخير وهو من الملاوة والملوان الليل والنهار قال ابن مقبل:

ألا يا ديار الحي بالسبعان

ألح عليها بالبلى الملوان

وقال في التهنئة البس جديدا وتمل حبيبا أي لتطل أيامك معه والواقي المانع فاعل من الوقاية وهو الحجر بما يدفع الأذى والمكروه.

المعنى:

ثم عزى سبحانه نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) فقال ﴿ولقد استهزىء برسل من قبلك﴾ كما استهزأ هؤلاء بك ﴿فأمليت للذين كفروا﴾ أي فأمهلتهم وأطلت مدتهم ليتوبوا ولتتم عليهم الحجة ﴿ثم أخذتهم﴾ أي أهلكتهم وأنزلت عليهم عذابي ﴿فكيف كان عقاب﴾ أي فكيف حل عقابي بهم وهو إشارة إلى تفخيم ذلك العقاب وتعظيمه ثم عاد سبحانه إلى الحجاج مع الكفار ﴿أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت﴾ معناه أفمن هو قائم بالتدبير على كل نفس وحافظ كل نفس أعمالها يجازيها وقيل أفمن هو قائم عليها برزقها وحفظها والدفع عنها كمن ليس بهذه الصفات من الأصنام التي لا تنفع ولا تضر ويدل على هذا المحذوف قوله ﴿وجعلوا لله شركاء﴾ يعني أن هؤلاء الكفار جعلوا لله شركاء في العبادة من الأصنام التي لا تقدر على شيء مما ذكرنا ﴿قل﴾ يا محمد ﴿سموهم﴾ أي سموهم بما يستحقون من الصفات وإضافة الأفعال إليهم إن كانوا شركاء لله كما يوصف الله بالخالق والرازق والمحيي والمميت ويعود المعنى إلى أن الصنم لو كان إلها لتصور منه أن يخلق الرزق فيحسن حينئذ أن يسمى بالخالق والرازق وقيل سموهم بالأسماء التي هي صفاتهم ثم انظروا هل تدل صفاتهم على جواز عبادتهم واتخاذهم آلهة وقيل معناه أنه ليس لهم اسم له مدخل في استحقاق الإلهية وذلك استحقار لهم وقيل سموهم ما ذا خلقوا وهل ضروا أو نفعوا وهو مثل قوله ﴿أروني ما ذا خلقوا من الأرض﴾ عن الحسن ﴿أم تنبئونه بما لا يعلم في الأرض﴾ هذا استفهام منقطع مما قبله أي بل أتخبرون الله بشريك له في الأرض وهو لا يعلمه على معنى أنه ليس ولو كان لعلم ﴿أم بظاهر من القول﴾ أي أم تقولون مجازا من القول وباطلا لا حقيقة له عن مجاهد وقتادة والضحاك وعلى هذا فالمعنى أنه كلام ظاهر ليس له في الحقيقة باطن ومعنى فهو كلام فقط وقيل أم بظاهر كتاب أنزل الله تعالى سميتم الأصنام آلهة فبين أنه ليس هاهنا دليل عقلي ولا سمعي يوجب استحقاق الأصنام الإلهية عن الجبائي ثم بين سبحانه بطلان قولهم فقال ﴿بل زين للذين كفروا مكرهم﴾ أي دع ذكر ما كنا فيه زين الشيطان لهم الكفر لأن مكرهم بالرسول كفر منهم عن ابن عباس وقيل بل زين لهم الرؤساء والغواة كذبهم وزورهم ﴿وصدوا عن السبيل﴾ أي وصدوا الناس عن الحق أو صدوا بأنفسهم عن الحق وعن دين الله ﴿ومن يضلل الله فما له من هاد﴾ سبق معناه في مواضع ﴿لهم عذاب في الحياة الدنيا﴾ بالقتل والسبي والأسر وقيل بالمصائب والأمراض ﴿ولعذاب الآخرة أشق﴾ أي أغلظ وأبلغ في الشدة على النفس لدوامه وخلوصه وكثرته ﴿وما لهم من الله من واق﴾ أي ما لهم من دافع يدفع عنهم عذاب الله تعالى.