الآيات 21-25

وَأُخْرَى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا ﴿21﴾ وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴿22﴾ سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿23﴾ وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ﴿24﴾ هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَاء مُّؤْمِنَاتٌ لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ أَن تَطَؤُوهُمْ فَتُصِيبَكُم مِّنْهُم مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاء لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿25﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو بما يعملون بالياء والباقون بالتاء.

الحجة:

قال أبو علي وجه قول أبي عمرو وكان الله بما عمل الكفار من كفرهم وصدكم عن المسجد الحرام ومنعكم من دخوله بصيرا فيجازي عليه ووجه التاء أن الخطاب قد جرى للقبيلتين في قوله ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم﴾ فالخطاب لتقدم هذا الخطاب.

اللغة:

التبديل رفع أحد الشيئين وجعل الآخر مكانه فيما حكم أن يستمر على ما هو به ولو رفع الله حكما إلى خلافه لم يكن تبديلا لحكمه لأنه لا يرفع شيئا إلا في الوقت الذي تقتضي الحكمة رفعه فيه والمعكوف الممنوع من الذهاب في جهة بالإقامة في مكانه ومنه الاعتكاف وهو الإقامة في المسجد للعبادة وعكف على هذا الأمر يعكف عكوفا إذا قام عليه والمعرة الأمر القبيح المكروه يقال عر فلان فلانا إذا شأنه وألحق به عيبا وبه سمي الجرب عرا والعذرة عرة.

الإعراب:

﴿سنة الله﴾ منصوب على المصدر والمعنى سن الله خذلانهم سنة وموضع ﴿أن تطئوهم﴾ رفع بدل من رجال والمعنى لو لا أن تطأوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات ثم قال ﴿لو تزيلوا لعذبنا﴾ الآية والتقدير وطء رجال ونساء أي قتلهم وهو بدل الاشتمال مثل نفعني عبد الله علمه وأعجبتني الجارية حسنها ويجوز أن يكون موضع ﴿أن تطئوهم﴾ نصبا على البدل من الهاء والميم في تعلموهم والتقدير ولو لا رجال ونساء لم تعلموا أن تطئوهم أي لم تعلموا وطأهم وهو بدل الاشتمال أيضا وقوله ﴿لم تعلموهم أن تطئوهم﴾ في موضع رفع صفة لرجال ونساء وجواب لو لا يغني عنه جواب لو في قوله ﴿لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا﴾ وقوله ﴿والهدي معكوفا﴾ عطف على الكاف والميم في وصدوكم أي صدوكم وصدوا الهدي ومعكوفا حال وقوله ﴿أن يبلغ محله﴾ تقديره كراهة أن يبلغ فحذف المضاف وقيل معكوفا من أن يبلغ فحذف من.

النزول:

سبب نزول قوله ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم﴾ الآية إن المشركين بعثوا أربعين رجلا عام الحديبية ليصيبوا من المسلمين فأتي بهم إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أسرى فخلى سبيلهم عن ابن عباس وقيل إنهم كانوا ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا من جبل التنعيم عند صلاة الفجر عام الحديبية ليقتلوهم فأخذهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأعتقهم عن أنس وقيل كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جالسا في ظل شجرة وبين يديه علي (عليه السلام) يكتب كتاب الصلح فخرج ثلاثون شابا عليهم السلاح فدعا عليهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأخذ الله تعالى بأبصارهم فقمنا فأخذناهم فخلى سبيلهم فنزلت هذه الآية عن عبد الله بن المغفل.

المعنى:

ثم عطف سبحانه على ما تقدم يعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والمؤمنين فتوحا أخر فقال ﴿وأخرى لم تقدروا عليها﴾ معناه ووعدكم الله مغانم أخرى لم تقدروا عليها بعد فتكون أخرى في محل النصب وقيل معناه وقرية أخرى لم تقدروا عليها قد أعدها الله لكم وهي مكة عن قتادة وقيل هي ما فتح الله على المسلمين بعد ذلك إلى اليوم عن مجاهد وقيل إن المراد بها فارس والروم عن ابن عباس والحسن والجبائي قال كما أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بشرهم كنوز كسرى وقيصر وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم وفتح مدائنهم بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام ﴿قد أحاط الله بها﴾ أي قدر الله عليها وأحاط علما بها فجعلهم بمنزلة قوم قد أدير حولهم فما يقدر أحد منهم أن يفلت قال الفراء أحاط الله بها لكم حتى يفتحها عليكم فكأنه قال حفظها عليكم ومنعها من غيركم حتى تفتحوها وتأخذوها ﴿وكان الله على كل شيء﴾ من فتح القرى وغير ذلك ﴿قديرا ولو قاتلكم الذين كفروا﴾ من قريش يوم الحديبية يا معشر المؤمنين ﴿لولوا الأدبار﴾ منهزمين بنصرة الله إياكم وخذلان الله إياهم عن قتادة والجبائي وقيل الذين كفروا من أسد وغطفان الذين أرادوا نهب ذراري المسلمين ﴿ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا﴾ يواليهم وينصرهم ويدافع عنهم وهذا من علم الغيب وفي الآية دلالة على أنه يعلم ما لم يكن أن لو كان كيف يكون وفي ذلك إشارة إلى أن المعدوم معلوم ﴿سنة الله التي قد خلت من قبل﴾ أي هذه سنتي في أهل طاعتي وأهل معصيتي انصر أوليائي وأخذل أعدائي عن ابن عباس وقيل معناه: هذه طريقة الله وعادته السالفة أن كل قوم إذا قاتلوا أنبياءهم انهزموا وقتلوا ﴿ولن تجد لسنة الله﴾ في نصرة رسله ﴿تبديلا﴾ أي تغييرا ﴿وهو الذي كف أيديهم عنكم﴾ بالرعب ﴿وأيديكم عنهم﴾ بالنهي ﴿ببطن مكة﴾ يعني الحديبية ﴿من بعد أن أظفركم عليهم﴾ ذكر الله منته على المؤمنين بحجزة بين الفريقين حتى لم يقتتلا وحتى اتفق بينهم الصلح الذي كان أعظم من الفتح ﴿وكان الله بما تعملون بصيرا﴾ مر تفسيره ثم ذكر سبحانه سبب منعه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك العام دخول مكة فقال ﴿هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام﴾ أن تطوفوا وتحلوا من عمرتكم يعني قريشا ﴿والهدي معكوفا أن يبلغ محله﴾ أي وصدوا الهدي وهي البدن التي ساقها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معه وكانت سبعين بدنة حتى بلغ ذي الحليفة فقلد البدن التي ساقها وأشعرها وأحرم بالعمرة حتى نزل بالحديبية ومنعه المشركون وكان الصلح فلما تم الصلح نحروا البدن فذلك قوله ﴿معكوفا﴾ أي محبوسا عن أن يبلغ محله أي منحره وهو حيث يحل نحره يعني مكة لأن هدي العمرة لا يذبح إلا بمكة كما أن هدي الحج لا يذبح إلا بمنى ﴿ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات﴾ يعني المستضعفين الذين كانوا بمكة بين الكفار من أهل الإيمان ﴿لم تعلموهم﴾ بأعيانهم لاختلاطهم بغيرهم ﴿أن تطئوهم﴾ بالقتل وتوقعوا بهم ﴿فتصيبكم منهم معرة﴾ أي إثم وجناية عن ابن زيد وقيل فيلحقكم بذلك عيب يعيبكم المشركون بأنهم قتلوا أهل دينهم وقيل هو غرم الدية والكفارة في قتل الخطأ عن ابن عباس وذلك أنهم لو كبسوا مكة وفيها قوم مؤمنون لم يتميزوا من الكفار لم يأمنوا أن يقتلوا المؤمنين فتلزمهم الكفارة وتلحقهم السيئة بقتل من على دينهم فهذه المعرة التي صان الله المؤمنين عنها وجواب لو لا محذوف وتقديره لو لا المؤمنون الذين لم تعلموهم لوطأتم رقاب المشركين بنصرنا إياكم وقوله ﴿بغير علم﴾ موضعه التقديم لأن التقدير لو لا أن تطأوهم بغير علم وقوله ﴿ليدخل الله في رحمته من يشاء﴾ اللام متعلق بمحذوف دل عليه معنى الكلام تقديره فحال بينكم وبينهم ليدخل الله في رحمته من يشاء يعني من أسلم من الكفار بعد الصلح وقيل ليدخل الله في رحمته أولئك بسلامتهم من القتل ويدخل هؤلاء في رحمته بسلامتهم من الطعن والعيب ﴿لو تزيلوا﴾ أي لو تميز المؤمنون من الكافرين ﴿لعذبنا الذين كفروا منهم﴾ أي من أهل مكة ﴿عذابا أليما﴾ بالسيف والقتل بأيديكم ولكن الله تعالى يدفع المؤمنين عن الكفار فلحرمة اختلاطهم بهم لم يعذبهم.