الآيات 16-20

قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿16﴾ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿17﴾ لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا ﴿18﴾ وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ﴿19﴾ وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ﴿20﴾

القراءة:

قرأ أهل المدينة وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون والباقون بالياء وهما في المعنى سواء.

المعنى:

ثم قال سبحانه لنبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) ﴿قل﴾ يا محمد ﴿للمخلفين﴾ الذين تخلفوا عنك في الخروج إلى الحديبية ﴿من الأعراب ستدعون﴾ فيما بعد ﴿إلى قوم أولي بأس شديد﴾ وهم هوازن وحنين عن سعيد بن جبير وعكرمة وقيل هم هوازن وثقيف عن قتادة وقيل هم ثقيف عن الضحاك وقيل هم بنو حنيفة مع مسيلمة الكذاب عن الزهري وقيل هم أهل فارس هم ابن عباس وقيل هم الروم عن الحسن وكعب وقيل هم أهل صفين أصحاب معاوية والصحيح أن المراد بالداعي في قوله ﴿ستدعون﴾ هو النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لأنه قد دعاهم بعد ذلك إلى غزوات كثيرة وقتال أقوام ذوي نجدة وشدة مثل أهل حنين والطائف ومؤتة إلى تبوك وغيرها فلا معنى لحمل ذلك على ما بعد وفاته ﴿تقاتلونهم أو يسلمون﴾ معناه أن أحد الأمرين لا بد أن يقع لا محالة وتقديره أو هم يسلمون أي يقرون بالإسلام ويقبلونه وقيل ينقادون لكم وفي حرف أبي أو يسلموا وتقديره إلى أن يسلموا وفي النصب دلالة على أن ترك القتال من أجل الإسلام إذا وقع ﴿فإن تطيعوا﴾ أي فإن تجيبوا إلى قتالهم ﴿يؤتكم الله أجرا حسنا﴾ أي جزاءا صالحا ﴿وإن تتولوا﴾ عن القتال وتقعدوا عنه ﴿كما توليتم من قبل﴾ عن الخروج إلى الحديبية ﴿يعذبكم عذابا أليما﴾ في الآخرة ﴿ليس على الأعمى حرج﴾ أي ضيق في ترك الخروج مع المؤمنين في الجهاد والأعمى الذي لا يبصر بجارحة العين ﴿ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج﴾ في ترك الجهاد أيضا قال مقاتل عذر الله أهل الزمانة والآفات الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية ﴿ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار﴾ معناه في الأمر بالقتال ﴿ومن يتول﴾ عن أمر الله وأمر رسوله فيقعد عن القتال ﴿يعذبه عذابا أليما. لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة﴾ يعني بيعة الحديبية وتسمى بيعة الرضوان لهذه الآية ورضاء الله سبحانه عنهم هو إرادته تعظيمهم وإثابتهم وهذا إخبار منه سبحانه أنه رضي عن المؤمنين إذ بايعوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الحديبية تحت الشجرة المعروفة وهي شجرة السمرة ﴿فعلم ما في قلوبهم﴾ من صدق النية في القتال والكراهة له لأنه بايعهم على القتال عن مقاتل وقيل ما في قلوبهم من اليقين والصبر والوفاء ﴿فأنزل السكينة عليهم﴾ وهي اللطف القوي لقلوبهم والطمأنينة ﴿وأثابهم فتحا قريبا﴾ يعني فتح خيبر عن قتادة وأكثر المفسرين وقيل فتح مكة عن الجبائي ﴿ومغانم كثيرة يأخذونها﴾ يعني غنائم خيبر فإنها كانت مشهورة بكثرة الأموال والعقار وقيل يعني غنائم هوازن بعد فتح مكة عن الجبائي ﴿وكان الله عزيزا﴾ أي غالبا على أمره ﴿حكيما﴾ في أفعاله ولذلك أمر بالصلح وحكم للمسلمين بالغنيمة ولأهل خيبر بالهزيمة ثم ذكر سبحانه سائر الغنائم التي يأخذونها فيما يأتي من الزمان فقال ﴿وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها﴾ مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده إلى يوم القيامة ﴿فعجل لكم هذه﴾ يعني غنيمة خيبر ﴿وكف أيدي الناس عنكم﴾ وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لما قصد خيبر وحاصر أهلها همت قبائل من أسد وغطفان أن يغيروا على أموال المسلمين وعيالهم بالمدينة فكف الله أيديهم عنهم بإلقاء الرعب في قلوبهم وقيل إن مالك بن عوف وعيينة بن حصين مع بني أسد وغطفان جاءوا لنصرة اليهود من خيبر فقذف الله الرعب في قلوبهم وانصرفوا ﴿ولتكون﴾ الغنيمة التي عجلها لهم ﴿آية للمؤمنين﴾ على صدقك حيث وعدهم أن يصيبوها فوقع المخبر على وفق الخبر ﴿ويهديكم صراطا مستقيما﴾ أي ويزيدكم هدى بالتصديق بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وما جاء به مما ترون من عدة الله في القرآن بالفتح والغنيمة.

قصة فتح الحديبية:

قال ابن عباس إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) خرج يريد مكة فلما بلغ الحديبية وقفت ناقته وزجرها فلم تنزجر وبركت الناقة فقال أصحابه خلأت الناقة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هذا لها عادة ولكن حبسها حابس الفيل ودعا عمر بن الخطاب ليرسله إلى أهل مكة ليأذنوا له بأن يدخل مكة ويحل من عمرته وينحر هديه فقال يا رسول الله ما لي بها حميم وإني أخاف قريشا لشدة عداوتي إياها ولكن أدلك على رجل هو أعز بها مني عثمان بن عفان فقال صدقت فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عثمان فأرسله إلى أبي سفيان وأشراف قريش يخبرهم أنه لم يأت لحرب وإنما جاء زائرا لهذا البيت معظما لحرمته فاحتبسته قريش عندها فبلغ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والمسلمين أن عثمان قد قتل فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لا نبرح حتى نناحز القوم ودعا الناس إلى البيعة فقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الشجرة فاستند إليها وبايع الناس على أن يقاتلوا المشركين ولا يفروا قال عبد الله بن معقل كنت قائما على رأس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك اليوم وبيدي غصن من السمرة أذب عنه وهو يبايع الناس فلم يبايعهم على الموت وإنما بايعهم على أن لا يفروا وروى الزهري وعروة بن الزبير والمسور بن مخزمة قالوا خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الهدي وأشعره وأحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له من خزاعة يخبره عن قريش وسار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذ كان بغدير الأشطاط قريبا من عسفان أتاه عينة الخزاعي فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي قد جمعوا لك الأحابيش وجمعوا جموعا وهم قاتلوك أو مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) روحوا فراحوا حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين وسار (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى إذا كان بالثنية بركت راحلته فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ما خلأت القصواء ولكن حبسها حابس الفيل ثم قال والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها زجرها فوثبت به قال فعدل حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء إنما يتبرضه الناس تبرضا فشكوا إليه العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه في الماء فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبينا هم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أهل تهامة فقال إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي ومعهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنا لم نجىء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريشا قد نهكتهم الحرب وأضرت بهم فإن شاءوا ما دونهم مدة ويخلو بيني وبين الناس وإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جمعوا وإن أبوا فو الذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أول لينفذن الله تعالى أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريشا فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وأنه يقول كذا وكذا فقام عروة بن مسعود الثقفي فقال إنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته فقالوا ائته فأتاه فجعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نحوا من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أ رأيت أن استأصلت قومك هل سمعت بأحد من العرب اجتاح أصله قبلك وإن تكن الأخرى فو الله إني لأرى وجوها وأرى أشابا من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر امصص بظر اللات أ نحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قال أبو بكر قال أما والذي نفسي بيده لو لا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة بن شعبة قائم على رأس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومعه السيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ضرب يده بنعل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل أن لا ترجع إليك فقال من هذا قال المغيرة بن شعبة قال أي غدر ولست أسعى في غدرتك قال وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية فقتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أما الإسلام فقد قبلنا وأما المال فإنه مال غدر لا حاجة لنا فيه ثم إن عروة جعل يرمق أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أمرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ابتدروا أمره وإذا توضأ ثاروا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له قال فرجع عروة إلى أصحابه وقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي والله إن رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد إذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلموا خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إليه النظر تعظيما له وأنه وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها فبعثت له واستقبله القوم يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذا مكرز وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فبينا هو يكلمه إذ جاء سهيل بن عمرو فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) قد سهل عليكم أمركم فقال اكتب بيننا وبينك كتابا فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) علي بن أبي طالب فقال له رسول الله اكتب باسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فو الله ما أدري ما هو ولكن أكتب باسمك اللهم فقال المسلمون والله لا نكتب إلا باسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتب باسمك اللهم هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقال سهيل لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن أكتب محمد بن عبد الله فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إني لرسول الله وإن كذبتموني ثم قال لعلي (عليه السلام) امح رسول الله فقال يا رسول الله إن يدي لا تنطلق بمحو اسمك من النبوة فأخذه رسول الله فمحاه ثم قال اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو واصطلحا على وضع الحرب عن الناس عشر سنين يأمن فيهن الناس ويكف بعضهم عن بعض وعلى أنه من قدم مكة من أصحاب محمد حاجا أو معتمرا أو يبتغي من فضل الله فهو آمن على دمه وماله ومن قدم المدينة من قريش مجتازا إلى مصر أو إلى الشام فهو آمن على دمه وماله وأن بيننا عيبة مكفولة وأنه لا أسلال ولا أغلال وأنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد محمد وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف فقال سهيل والله ما تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب فقال سهيل على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا ومن جاءنا ممن معك لم نرده عليك فقال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من جاءهم منا فأبعده الله ومن جاءنا منهم رددناه إليهم فلو علم الله الإسلام من قلبه جعل له مخرجا فقال سهيل وعلى أنك ترجع عنا عامك هذا فلا تدخل علينا مكة فإذا كان عام قابل خرجنا عنها لك فدخلتها بأصحابك فأقمت بها ثلاثا ولا تدخلها بالسلاح إلا السيوف في القراب وسلاح الراكب وعلى أن هذا الهدي حيث ما حبسناه محله لا تقدمه علينا فقال نحن نسوق وأنتم تردون فبينا هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا يا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إنا لم نقض بالكتاب بعد قال والله إذا لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فأجره لي فقال ما أنا بمجيره لك قال بلى فافعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه قال أبو جندل بن سهيل معاشر المسلمين أأرد إلى المشركين وقد جئت مسلما أ لا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا فقال عمر ابن الخطاب والله ما شككت مذ أسلمت إلا يومئذ فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت ألست نبي الله فقال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو لست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف حقا قال بلى أفأخبرتك أن نأتيه العام قلت لا قال فإنك تأتيه وتطوف به فنحر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بدنة فدعا بحالقه فحلق شعره ثم جاءه نسوة مؤمنات فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية قال محمد بن إسحاق بن يسار وحدثني بريدة بن سفيان عن محمد بن كعب أن كاتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا الصلح كان علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله سهيل بن عمرو فجعل علي (عليه السلام) يتلكأ ويأبى أن يكتب إلا محمد رسول الله فقال رسول الله فإن لك مثلها تعطيها وأنت مضطهد فكتب ما قالوا ثم رجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين فقالوا العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلا يأكلان من تمر لهم قال أبو بصير لأحد الرجلين وإني لأرى سيفك هذا جيدا جدا فاستله وقال أجل إنه لجيد وجربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى بلغ المدينة فدخل المسجد يعدو فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول قال فجاء أبو بصير فقال يا رسول قد أوفى الله ذمتك ورددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر.

وانفلت منهم أبو جندل بن سهيل فلحق بأبي بصير فلا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت عليه عصابة قال فو الله لا يسمعون بعير لقريش قد خرجت إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم فأتوه.

قصة فتح خيبر:

ولما قدم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المدينة من الحديبية مكث بها عشرين ليلة ثم خرج منها غاديا إلى خيبر ذكر ابن إسحاق بإسناده عن أبي مروان الأسلمي عن أبيه عن جده قال خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر حتى إذا كنا قريبا منها وأشرفنا عليها قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قفوا فوقف الناس فقال اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين السبع وما أقللن ورب الشياطين وما أضللن إنا نسألك خير هذه القرية وخير أهلها وخير ما فيها ونعوذ بك من شر هذه القرية وشر أهلها وشر ما فيها أقدموا باسم الله وعن سلمة بن الأكوع قال خرجنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى خيبر فسرنا ليلا فقال رجل من القوم لعامر بن الأكوع أ لا تسمعنا من هنيهاتك وكان عامر رجلا شاعرا فجعل يقول:

لا هم لو لا أنت ما حجينا

ولا تصدقنا ولا صلينا

فاغفر فداء لك ما اقتنينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

وأنزلن سكينة علينا

إنا إذا صيح بنا أتينا

وبالصباح عولوا علينا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من هذا السابق قالوا عامر قال يرحمه الله قال عمر وهو على جمل له وجيب يا رسول الله لو لا أمتعتنا به وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما استغفر لرجل قط يخصه إلا استشهد قالوا فلما جد الحرب وتصاف القوم خرج يهودي وهو يقول:

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

فبرز إليه عامر وهو يقول:

قد علمت خيبر أني عامر

شاكي السلاح بطل مغامر

فاختلفا ضربتين فوقع سيف اليهودي في ترس عامر وكان سيف عامر فيه قصر فتناول به ساق اليهودي ليضربه فرجع ذباب سيفه فأصاب عين ركبة عامر فمات منه قال سلمة فإذا نفر من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقولون بطل عمل عامر قتل نفسه قال فأتيت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا أبكي فقلت قالوا إن عامرا بطل عمله فقال من قال ذلك قلت نفر من أصحابك فقال كذب أولئك بل أوتي من الأجر مرتين قال فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة شديدة ثم إن الله فتحها علينا وذلك أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى اللواء عمر بن الخطاب ونهض من نهض معه من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يجبنه أصحابه ويجبنهم وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أخذته الشقيقة فلم يخرج إلى الناس فقال حين أفاق من وجعه ما فعل الناس بخيبر فأخبر فقال لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرارا غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه وروى البخاري ومسلم عن قتيبة عن سعيد قال حدثنا يعقوب عن عبد الرحمن الإسكندراني عن أبي حازم قال أخبرني سعد بن سهل أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال يوم خيبر لأعطين هذه الراية غدا رجل يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله قال فبات الناس يدوكون بجملتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كلهم يرجون أن يعطاها فقال أين علي بن أبي طالب فقالوا يا رسول الله هو يشتكي عينيه قال فأرسلوا إليه فأتي به فبصق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في عينيه ودعا له فبرأ كأن لم يكن به وجع فأعطاه الراية فقال علي (عليه السلام) يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا أمثلنا قال أنفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فو الله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من يكون لك حمر النعم قال سلمة فبرز مرحب وهو يقول:

قد علمت خيبر أني مرحب

الأبيات فبرز له علي (عليه السلام) وهو يقول:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة

كليث غابات كريه المنظرة

أو فيهم بالصاع كيل السندرة

فضرب مرحبا ففلق رأسه فقتله وكان الفتح على يده أورده مسلم في الصحيح وروى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن رافع مولى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال خرجنا مع علي (عليه السلام) حين بعثه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم فضربه رجل من اليهود فطرح ترسه من يده فتناول علي باب الحصن فتترس به عن نفسه فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه ثم ألقاه من يده فلقد رأيتني في نفر مع سبعة أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما استطعنا أن نقلبه وبإسناده عن ليث بن أبي سليم عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهما السلام) قال حدثني جابر بن عبد الله أن عليا (عليه السلام) حمل الباب يوم خيبر حتى صعد المسلمون عليه فاقتحموها وأنه حرك بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلا قال وروي من وجه آخر عن جابر ثم اجتمع عليه سبعون رجلا فكان جهدهم أن أعادوا الباب وبإسناده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال كان علي (عليه السلام) يلبس في الحر والشتاء القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر فأتاني أصحابي فقالوا إنا رأينا من أمير المؤمنين (عليه السلام) شيئا فهل رأيت فقلت وما هو قالوا رأيناه يخرج علينا في الحر الشديد في القباء المحشو الثخين وما يبالي الحر ويخرج علينا في البرد الشديد في الثوبين الخفيفين وما يبالي البرد فهل سمعت في ذاك شيئا فقلت لا فقالوا فسل لنا أباك عن ذلك فإنه يسمر معه فسألته فقال ما سمعت في ذلك شيئا فدخل على علي (عليه السلام) فسمر معه ثم سأله عن ذلك فقال أ وما شهدت خيبر قلت بلى قال أ فما رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين دعا أبا بكر فقعد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم ثم جاء بالناس وقد هزم فقال بلى قال ثم بعث إلى عمر فقعد له ثم بعثه إلى القوم فانطلق فلقي القوم فقاتلهم ثم رجع وقد هزم فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه كرارا غير فرار فدعاني فأعطاني الراية ثم قال اللهم اكفه الحر والبرد فما وجدت بعد ذلك حرا ولا بردا وهذا كله منقول من كتاب دلائل النبوة للإمام أبي بكر البيهقي ثم لم يزل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يفتح الحصون حصنا حصنا ويجوز الأموال حتى انتهوا إلى حصن الوطيح والسلالم وكان آخر حصون خيبر افتتح وحاصرهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بضع عشرة ليلة قال ابن إسحاق ولما افتتح القموص حصن ابن أبي الحقيق أتي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بصفية بنت حيي بن أخطب وبأخرى معها فمر بهما بلال وهو الذي جاء بهما على قتلي من قتلي يهود فلما رأتهم التي معها صفية صاحت وصكت وجهها وحثت التراب على رأسها فلما رآها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال أعزبوا عني هذا الشيطانة وأمر بصفية فحيزت خلفه وألقى عليها رداءه فعرف المسلمون أنه قد اصطفاها لنفسه وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لبلال لما رأى من تلك اليهودية ما رأى أنزعت منك الرحمة يا بلال حيث تمر بامرأتين على قتلي رجالهما وكانت صفية قد رأت في المنام وهي عروس بكنانة بن الربيع بن أبي الحقيق أن قمرا وقع في حجرها فعرضت رؤياها على زوجها فقال ما هذا إلا أنك تتمنين ملك الحجاز محمدا ولطم وجهها لطمة اخضرت عينها منها فأتي بها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبها أثر منها فسألها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما هو فأخبرته وأرسل ابن أبي الحقيق إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنزل فأكلمك نعم فنزل وصالح رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حقن دماء من في حصونهم من المقاتلة وترك الذرية لهم ويخرجون من خيبر وأرضها بذراريهم ويخلون بين رسول الله وبين ما كان لهم من مال وأرض على الصفراء والبيضاء والكراع والحلقة وعلى البز إلا ثوبا على ظهر إنسان وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبرئت منكم ذمة الله وذمة رسوله إن كتمتموني شيئا فصالحوه على ذلك فلما سمع بهم أهل فدك قد صنعوا ما صنعوا بعثوا إلى رسول الله يسألونه أن يسيرهم ويحقن دماءهم ويخلون بينه وبين الأموال ففعل وكان ممن مشى بين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبينهم في ذلك محيصة بن مسعود أحد بني حارثة فلما نزل أهل خيبر على ذلك سألوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يعاملهم الأموال على النصف وقالوا نحن أعلم بها منكم وأعمر لها فصالحهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على النصف على أنا إذا شئنا أن نخرجكم أخرجناكم وصالحه أهل فدك على مثل ذلك فكانت أموال خيبر فيئا بين المسلمين وكانت فدك خالصة لرسول الله لأنهم لم يوجفوا عليها بخيل ولا ركاب ولما اطمأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهدت له زينب بنت الحارث امرأة سلام بن مشكم وهي ابنة أخي مرحب شاة مصلية وقد سألت أي عضو من الشاة أحب إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل لها الذراع فأكثرت فيها السم وسمت سائر الشاة ثم جاءت بها فلما وضعتها بين يديه تناول الذراع فأخذها فلاك منها مضغة وانتهش منها ومعه بشر بن البراء بن معرور فتناول عظما فانتعش منه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ارفعوا أيديكم فإن كتف هذه الشاة تخبرني أنها مسمومة ثم دعاها فاعترفت فقال ما حملك على ذلك فقالت بلغت من قومي ما لم يخف عليك فقلت إن كان نبيا فسيخبر وإن كان ملكا استحرت منه فتجاوز عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومات بشر بن البراء من أكلته التي أكل قال ودخلت أم بشر بن البراء على رسول الله تعوده في مرضه الذي توفي فيه فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) يا أم بشر ما زالت أكلة خيبر التي أكلت بخيبر مع ابنك تعاودني فهذا أو أن قطعت أبهري وكان المسلمون يرون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مات شهيدا مع ما أكرمه الله به من النبوة.