الآيات 101-103

قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ ﴿101﴾ فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ﴿102﴾ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُواْ كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ﴿103﴾

القراءة:

قرأ الكسائي برواية نصير ويعقوب برواية روح وزيد ثم ننجي رسلنا خفيفة وروي عن روح التشديد أيضا فيه والباقون ﴿ننجي﴾ بالتشديد وقرأ الكسائي وحفص عن عاصم ويعقوب وسهل ﴿ننج المؤمنين﴾ خفيفة والباقون ننجي بالتشديد.

الحجة:

حجة من قال ننجي قوله فأنجاه الله من النار وحجة من قال ﴿ننجي﴾ قوله ونجينا الذين آمنوا وكلاهما حسن قال الشاعر:

ونجني ابن هند سابح ذو غلالة

أجش هزيم والرماح دوان

اللغة:

النظر طلب الشيء من جهة الفكر كما يطلب إدراكه بالعين والنذر جمع نذير وهو صاحب النذارة والانتظار هو الثبات لتوقع ما يكون من الحال تقول انتظرني حتى ألحقك ولو قلت توقعني لم تكن قد أمرته بالثبات والمثل في الجنس ما سد أحدهما مسد صاحبه فيما يرجع إلى ذاته والمثل في غير الجنس ما كان على معنى يقربه من غيره كقربه من جنسه كتشبيه أعمال الكفار بالسراب والنجاة مأخوذة من النجوة وهي الارتفاع عن الهلاك وكذلك السلامة مأخوذة من إعطاء الشيء من غير نقيصة أسلمته إليه إذا أعطيته سالما من غير آفة.

الإعراب:

وجه التشبيه في كذلك أن نجاة من بقي من المؤمنين كنجاة من مضى في أنه حق على الله واجب لهم ويحتمل أن يكون العامل في كذلك ننجي الأول وتقديره ننجي رسلنا والذين آمنوا كذلك الإنجاء ويحتمل أن يكون العامل فيه ننجي الثاني وحقا نصب على المصدر أي يحق حقا وقيل إنه نصب على الحال وإن كان لفظه لفظ المصدر عن أبي مسلم قال جامع العلوم النحوي الضرير ويجوز أن ينصب حقا بدلا من كذلك أو وصفا ولا يجوز أن ينصب كذلك وحقا جميعا بقوله ﴿ننجي رسلنا﴾ لأن الفعل الواحد لا يعمل في مصدرين ولا في حالين ولا في استثناءين ولا في مفعولي معهما وقد بين ذلك في موضعه فإن جعلت كذلك من صلة ننجي وجعلت حقا من صلة قوله ﴿ننج المؤمنين﴾ أي ننجي المؤمنين حقا كان الوقف على كذلك.

المعنى:

ثم بين سبحانه ما يزيد في تنبيه القوم وإرشادهم فقال ﴿قل﴾ يا محمد لمن يسألك الآيات ﴿انظروا ما ذا في السماوات والأرض﴾ من الدلائل والعبر من اختلاف الليل والنهار ومجاري النجوم والأفلاك وما خلق من الجبال والبحار وأنبت من الأشجار والثمار وأخرج من أنواع الحيوانات فإن النظر في أفرادها وجملتها يدعوا إلى الإيمان وإلى معرفة الصانع ووحدانيته وعلمه وقدرته وحكمته ﴿وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾ معناه وما تغني هذه الدلالات والبراهين الواضحة مع كثرتها وظهورها ولا الرسل المخوفة عن قوم لا ينظرون في الأدلة تفكرا وتدبرا ولا يريدون الإيمان وقيل ما تغني معناه أي شيء تغني عنهم من اجتلاب نفع أو دفع ضرر إذا لم يستدلوا بها فيكون ما للاستفهام وكان الحسن إذا قرأ هذه الآية هتف بها وقال وما تغني الحجج عن قوم لا يقبلونها وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لما أسرى برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) جبريل بالبراق فركبها فأتى بيت المقدس فلقي من لقي من الأنبياء ثم رجع فأصبح يحدث أصحابه إني أتيت بيت المقدس ولقيت إخواني من الأنبياء فقالوا يا رسول الله كيف أتيت بيت المقدس الليلة قال جاءني جبرائيل بالبراق فركبتها وآية ذلك أني مررت بعير لأبي سفيان على ماء لبني فلان وقد أضلوا جملا لهم أحمر وهم في طلبه فقال القوم بعضهم لبعض إنما جاءه راكب سريع ولكنكم قد أتيتم الشام وعرفتموها فاسألوه عن أسواقها وأبوابها وتجارها فسألوه عن ذلك وكان (صلى الله عليه وآله وسلّم) إذا سئل عن الشيء لا يعرفه شق ذلك عليه حتى يرى ذلك في وجهه قال فبينا هو كذلك إذا أتاه جبرائيل (عليه السلام) فقال يا رسول الله هذه الشام قد رفعت لك فالتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فإذا هو بالشام فقالوا له أين بيت فلان ومكان كذا فأجابهم في كل ما سألوه عنه فلم يؤمن منهم إلا قليل وهو قول الله تعالى ﴿وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون﴾ ثم قال أبو عبد الله (عليه السلام) فنعوذ بالله أن لا نؤمن بالله آمنا بالله ورسوله ﴿فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم﴾ معناه فهل ينتظر هؤلاء الذين أمروا بالإيمان فلم يؤمنوا وبالنظر في الأدلة فلم ينظروا إلا العذاب والهلاك في مثل الأيام التي هلك من قبلهم من الكفار فيها قال قتادة أراد به وقائع الله في عاد وثمود وقوم نوح وعبر عن الهلاك بالأيام كما يقال أيام فلان يراد به أيام دولته وأيام محنته واللفظ لفظ الاستفهام والمراد به النفي وتقديره ليس ينتظرون إلا ذاك ﴿قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين﴾ أي قل يا محمد لهم فانتظروا ما وعدنا الله من العذاب فإني منتظر معكم من جميع المنتظرين لما وعد الله به ﴿ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا﴾ من بينهم ونخلصهم من العذاب وقت نزوله وقيل من شرور أعدائهم ومكرهم ﴿كذلك حقا علينا ننج المؤمنين﴾ قال الحسن معناه كنا إذا أهلكنا أمة من الأمم الماضية نجينا نبيهم ونجينا الذين آمنوا به أيضا كذلك إذا أهلكنا هؤلاء المشركين نجيناك يا محمد والذين آمنوا بك وقيل معناه ﴿كذلك حقا علينا﴾ أي واجبا علينا من طريق الحكمة ﴿ننجي المؤمنين﴾ من عذاب الآخرة كما ننجيهم من عذاب الدنيا وقال أبو عبد الله (عليه السلام) لأصحابه ما يمنعكم من أن تشهدوا على من مات منكم على هذا الأمر أنه من أهل الجنة أن الله تعالى يقول ﴿كذلك حقا علينا ننج المؤمنين﴾.